29-01-2021 at 4 PM Aden Time
سوث24| قسم التحليل
في مطلع كانون الثاني يناير، عقدت منظمة الأمم المتحدة جلستها الخاصة بملف الأزمة اليمنية، عقب عدة تداعيات وأحداث أمنية وعسكرية، كان أبرزها استهداف مطار عدن الدولي في 30 ديسمبر العام الماضي بصواريخ باليستية أطلقتها الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران ; وقرار الإدارة الأمريكية السابقة الذي قضى بتصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية".
أثار القرار الأمريكي حيّزاً من النقاش والجدل حول تداعياته السياسية والعسكرية التي قد تُلقي بظلالها على الوضع الإنساني الكارثي في اليمن وتمنحه مزيداً من التعقيد خصوصاً فيما يخص سير العمل الإغاثي الإنساني.
صبّت جميع ردود الفعل وتناولات مندوبي وأعضاء المنظمة الدولية في اتجاه انتقاد القرار الأمريكي، بينما توزعت بيانات الشجب والإدانة والاستنكار على نحو متفرق على عملية استهداف مطار عدن والحكومة بين تخصيص الإشارة إلى مسؤولية الحوثيين وتعميمها.
المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث بدى قلقه من تداعيات القرار الأمريكي على الوضع الإنساني في اليمن، أكثر من قلقه واستنكاره لحادثة استهداف مطار عدن والحكومة أو حتى إشارته الضمنية إلى مسؤولية الحوثيين عنها. هذا القلق أفصح عنه المبعوث الأممي خلال لقاءات افتراضية برئيس الحكومة ووزير الخارجية اليمنيين، اللذان أكدا تأييدهما للقرار الأمريكي وتعهدا بالعمل على عدم تضرر الجانب الإنساني والإغاثي من قرار التصنيف الأمريكي.
صرّح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قبل أمس الأربعاء بسعي الإدارة الجديدة إلى مراجعة القرار والبحث في الآثار المترتبة على سير العمل الإنساني والإغاثي.
استمرار التصنيف الأمريكي
اعتبر مراقبون أنّ احتمالية التراجع عن تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية" لا يحتل، في الوقت الحالي، أولوية لدى الإدارة الجديدة، بقدر ما تحتل محاولة الالتفاف على القرار عبر النظر في إمكانية تفادي آثاره وتداعياته وضمان سير العمل الإنساني والإغاثي، الأولوية في سلم عمل الإدارة الجديدة.
الموقف الأمريكي الرافض، عموماً، المعادي للأجندات الإيرانية المزعزعة للأمن في المنطقة، قد يمتد ليشكّل موقفاً ثابتاً من الحوثيين بوصفهم الذراع الإيرانية الطولى.
تُبادل الدبلوماسية الإيرانية الجانب الامريكي موقفاً ثابتاً آخر، تعبّر عنه مواقفها وتصريحاتها السياسية. حيث توعّد المرشد الإيراني خامنئي أمريكا بالانتقام لمقتل سليماني وزار في وقتٍ لاحق أسرة العالم الإيراني فخري زاده، الذي اغتيل في إيران أواخر العام المنصرم. استنكر الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن تصريح خامنئي استنكاراً شديداً.
كان لإيران، أيضاً، رسائلها العسكرية الخاصة. فعلاوة على إجرائها المناورات العسكرية التي تخللتها عملية إطلاق لصواريخ باليستية وطائرات مسيرة وكشفها عن امتلاكها قدرات عسكرية هائلة، تأتي عملية استهداف وتهديد مطار الرياض الدولي في الأيام القليلة الماضية، لتكشف عن امتلاك إيران وسيلة الضغط العسكري الأقرب للملكة العربية السعودية، الحليف الأول لواشنطن في المنطقة.
إنّ ثبات العداوة الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيران الإسلامية، أظهرته للعلن الأولوية التي يحتلّها الملف النووي الإيراني، التي وعدت إدارة بايدن بإحيائه. يلي ذلك، على مستوى أدنى، المتغيّر في ملف الأزمة اليمنية الذي يتمثل في قرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. وأدنى منه يكمن متغيّر العلاقة بين الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، وهي العلاقة التي ظلّت على مدار أعوام رهينة الغموض الملتف حولها والإشارات الضمنية السياسية والعسكرية التي تشي، وفقا لعدة مراقبين ومسؤولين في الجماعتين، بوجود هدن حرب وتفاهمات سياسية واقتصادية غير معلنة بين الجماعتين الإسلاميتين.
وعلى الرغم أنّ الجماعة الإسلاموية، لم ترحّب رسمياً بقرار التصنيف الصادر عن الإدارة الأمريكية في وقته، لكن لوحظ مؤخراً، وعقب تنصيب بايدن، أنّ بعض قياداتها ورموزها ونشطاءها السياسيين والإعلاميين شاركوا في الحملة الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، المؤيدة لتصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية".
الزحزحة في علاقة الحوثيين بالإخوان المسلمين في اليمن، جاءت من جانب الأخيرة، بفعل التصنيف الأمريكي وتماهيها الواضح معه. على النقيض لم تكن ردة فعل الحوثيين مشابهة حين صنّفت الإدارة السعودية في وقت سابق، جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية".
حيث رفض الحوثيون تصنيف السعودية للتنظيم الإسلامي، منظمة إرهابية. راهن الحوثيون من أنّ ذلك سيدفع الجماعتين إلى تمتين علاقتهما أكثر على حساب العلاقة بين التنظيم والسعودية.
مشاركة عناصر من حزب الإصلاح الإسلامي، في الحملة الإعلامية ضد ميليشيات الحوثي، أظهرت إلى حدٍ ما، براغماتية الحزب في اليمن، ومحاولة لعِبهِ مع المتناقضات. أعقب الحملةَ مباشرة لقاءٌ جمع السفير الأمريكي لدى اليمن، كريستوف هنزل، بأمين عام حزب الإصلاح الإسلامي، عبد الوهاب الآنسي في الرياض.
خيارات المليشيا ورهان الإصلاح
فرضية تأثّر سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثيين في الشمال اليمني من تبعات القرار الأمريكي، هي النقطة المحورية الوحيدة التي من شأنها الدفع بإجراء الجانب الامريكي لمراجعة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. وحول البحث في صحة هذه الفرضية من عدمها تتوافر لدى الحوثيين مجموعة خيارات عسكرية وسياسية لا يُمكن وصفها إلا كخيارات مُربكة جداً، إذا ما حاز القرار الأمريكي على اهتمام الحوثيين، أو إذا ما حمل في طياته العديد من الأضرار الاقتصادية التي سيُلحقها بالجماعة، وأهمها:
- إذا ما أبدت الجماعة عدم اكتراثها بالقرار الأمريكي وسارت في خياراتها العسكرية التصعيدية، بالاعتماد على خلفيتها العقائدية وشعاراتها المتطرفة في العداء لأمريكا، ستعزز الجماعة من منطقية قرار الخارجية الأمريكية.
- إذا ما سعت الجماعة بطريقة ما إلى إثبات صحة تأثّر سكان المناطق التي تسيطر عليها، بالقرار الأمريكي، وتداعياته على صعيد العمل الإنساني والإغاثي، ستنجرّ المليشيا إلى زاوية "الممارسة الإرهابية"، إذا ما هي سعت لإيذاء رعاياها الواقعين تحت سيطرتها أو معاملتهم كمختطفين من قبلها، أو تخوض عمليات مساومة بهم وأوضاعهم.
- إذا ما حاول الحوثيون إبداء حسن النيات والتأكيد على عدم تضرر سكان المناطق التي يسيطرون عليها، بالقرار الأمريكي، وعملوا عوضا عن ذلك، على تسيير العمل الإنساني والإغاثي بصورة سليمة، فسيُثبتون مبدأ "نفي الضرر"، وهو ما يرفع الحرج الإنساني عن سريان قرار التصنيف الأمريكي عليهم كمنظمة إرهابية.
ولذلك وبعد صمت الإخوان في اليمن لأيام حول القرار الأمريكي، عقب أن بدت تساؤلات تتعلق بذلك تطفوا على السطح، يُرجّح أنهم قرأوا الموقف الحوثي جيداً وقدّروا الوضع السياسي الصعب والحرج لدى الحوثيين ولدى التنظيم. خصوصاً وأنّ تنظيم الإخوان المسلمين إجمالاً قد مرّ بوضع مشابه إبان قرار الإدارة السعودية بتصنيفه منظمة إرهابية، على الرغم من أنّ السعودية لم تشر بصورة رسمية لفرع الإخوان في اليمن، ولا يزال قيادات التنظيم اليمني يُقيمون على أراضي المملكة، ويتلقون الدعم السياسي والمالي من الرياض.
من المهم إدراك أنّ إشارات إخوان اليمن ضد الحوثيين، جاءت أيضاً عقب "قمة العلا" التي أبرمت مصالحة خليجية – مصرية مع دولة قطر، لا تزال شروطها غامضة.
وكذلك عقب إدانة دولتي قطر وتركيا، ولأول مرة منذ سنوات، "بشدة"، الهجوم الذي استهدف الرياض السبت الماضي.
يرجّح على ضوء ذلك، أنّ المتغير في العلاقة الحوثية الإخوانية، من شأنه أن يُلغي الإدارة السياسية البراغماتية لدى الحوثيين ويترك، عوضاً عن ذلك، فرصة للإدارة العقائدية المتطرفة أن تتصدر الواجهة. ذلك قد يضع الأزمة اليمنية أمام مفترق طرق بين معسكرين، المعسكر الذي تقوده السعودية والإمارات، وحلفائهما المحليين والدوليين والمعسكر الإيراني وحلفائه المحليين والدوليين.
لكنّ، وعلى الرغم من ذلك، لا يُمكن المراهنة على موقف حزب الإصلاح الإسلامي في اليمن، الذي لا يزال يُسيطر على مؤسسة الرئاسة اليمنية، حيث سيبقى ارتباطه الأيدلوجي والسياسي متصلاً بصورة أكبر بالمواقف التي قد تتخذها قطر وتركيا، مع إبقاء خيوط علاقة سرية مستمرة مع الحوثيين.
قد تصطدم آمال الحوثيين والإخوان المسلمين المتفائلة بتغيّر السياسة الأمريكية تجاه إيران والتنظيمات المتطرّفة، بجدار التحالف الرئيسي الذي يربط واشنطن بدول الخليج، بصورة رئيسية السعودية، لكنها، بدون شك، ستعزز من تحركاتها، من خلال هامش السياسة الذي تبديه الإدارة الجديدة، خصوصاً عقب قرار واشنطن بوقف بيع صفقات سلاح أمريكية للسعودية والإمارات، وربط ذلك بإيجاد حلول للأزمة في اليمن، كما يقول المسؤولون الأمريكيون.
بدر محمد
زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية اليمنية
Previous article
9 Days ago