23-03-2021 at 11 AM Aden Time
سوث24| قسم الترجمات
"الحل العادل الوحيد هو السماح لليمنيين الجنوبيين بممارسة حقهم في تقرير المصير الديمقراطي الذي تكرسه الأمم المتحدة في إطار استفتاء حر ونزيه، والذي يمكن تحديد جدوله الزمني طوال المراحل النهائية من عملية السلام" |
لا يزال الشعب اليمني يعاني في خضم ما وصفته الأمم المتحدة سابقًا بأنه أسوأ أزمة إنسانية على كوكب الأرض، والتي لا تظهر أي علامات على التحسن في أي وقت قريب بالنظر إلى الضربات الأخيرة التي قام بها متمردو أنصار الله والمملكة العربية السعودية ضد بعضهم البعض. ولا بد من التوصل إلى حلول وسط صعبة من جانب كل طرف من الأطراف المتحاربة ومؤيديها الدوليين (العسكريين والسياسيين على حد سواء)، ولا سيما ضرورة اعترافهم باستحالة تحقيق نتائجهم القصوى المتوخاة.
لن تسيطر جماعة أنصار الله (الحوثيون) على اليمن بأكمله، ولن ينجح التحالف الذي تقوده السعودية في استعادة الجيش لأوامر حكومة الرئيس هادي المعترف بها دوليًا على المناطق الشمالية من البلاد. وفي ظل هذه الخلفية، فإنّ الدفعة المتجددة التي يدفع بها السعوديون إلى السلام في اليمن هي بالتأكيد موضع ترحيب، لكنها غير مكتملة. والمطلوب بشكل حاسم هو أن يتعلم جميع أصحاب المصلحة من التقدم الذي أُحرز مؤخرًا في حل الحرب الأفغانية سلميًا حتى يتسنى لهم أن يبتكروا بشجاعة مسارًا دبلوماسيًا جديدًا نحو تحقيق سلام دائم.
السوابق الأفغانية
شهد الأسبوع الماضي استضافة موسكو لجولة أخرى من محادثات السلام أسفرت عن بيان مشترك واعد يشير إلى استعداد كل طرف لمواصلة المفاوضات نحو النتيجة النهائية لحكومة شاملة. وتكمل الجهود الدبلوماسية الروسية المحادثات القطرية وكذلك المحادثات المقبلة التي اقترحتها الولايات المتحدة والمقرر أن تستضيفها اسطنبول الشهر المقبل. وما يجمع بين هذه المسارات هو أنّ الأطراف المحايدة تيسّر إجراء حوار هادف بين الأطراف المتحاربة وأصحاب المصلحة الآخرين في الصراع. وفي السياق اليمني، يستبعد هذا مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة وإيران من استضافة مثل هذه المحادثات باعتبار أنّ أول ما ذُكر هو مشارك نشط في الحرب، والثاني مؤيد، والأخير يدعم سياسيًا متمردي أنصار الله. وعلى هذا النحو، يجب على الدول الأخرى التي لها علاقات إيجابية مع جميع الأطراف أن تصعّد على مستوى اقتراح استضافة محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة وأصحاب المصلحة، حيث يُمكن القول إنّ أكثرها قابلية للحياة هو روسيا وباكستان.
دفعة سلام روسية باكستانية؟
كتبت في أكتوبر 2019 أنّ "باكستان وروسيا قد تحملان مفاتيح السلام الإيراني السعودي"بعد أن شرع كل من قادتهما في رحلات إلى المنطقة في نفس الوقت الذي كانت فيه التوترات تتصاعد بين القوتين الخليجيتين. ولم يتحقق أي تقدم، سواء بشكل فردي أو مشترك، على الرغم من أن علاقات باكستان وروسيا مع إيران والمملكة العربية السعودية استمرت في التحسن في العام ونصف العام منذ ذلك الحين. وعلاوة على ذلك، أدى التنسيق الدبلوماسي الباكستاني الروسي المكثف في حل الحرب الأفغانية سلميًا إلى موجة جديدة من الثقة بين هذين الخصمين القديمين في حقبة الحرب الباردة، الأمر الذي أدى إلى تسريع التقارب المستمر بينهما. وبالتالي، من الطبيعي أن يكون ذلك امتدادًا طبيعيًا للعلاقات المتطورة، لا سيما في ضوء التقدم الذي أحرزوه في أفغانستان حتى الآن، للنظر في إمكانية المشاركة في اقتراح استضافة محادثات السلام اليمنية في عواصمهم. وهذا من الممكن أن يعزز من أدوارها الدبلوماسية المتزايدة في أن تصبح حلولًا لا غنى عنها لبعض الصراعات الأكثر استعصاءً في العالم مثل أفغانستان.
التقدم في مراحله الأولية
يبدو أنّ موسكو تفكر بالفعل في شيء من هذا القبيل فيما يتعلق باليمن بعد استضافة المجلس الانتقالي الجنوبي الشهر الماضي في حين أنّ عرض إسلام آباد بالوساطة بين الرياض وطهران لا يزال مفتوحًا، ويمكن إنجاز هذا الأخير بشكل غير مباشر من خلال استضافة المحادثات اليمنية. وحتى لو لم يشارك هذان الاثنان في عملية السلام المقترحة، فلا يزال من المهم أن تستضيف دولة محايدة مثل هذه المفاوضات، على الرغم من أنه يفضّل أن تكون دولة ذات خبرة واسعة في هذا المجال. وأي بلد عشوائي لن يكون كافيًا، وفي حين أنّ الأوروبيين قد يرغبون في لعب هذا الدور، فمن غير المرجح أن تثق بهم جماعة أنصار الله (الحوثيين) وأنصارهم السياسيين الإيرانيين. كما ينبغي على المراقبين أن يتذكروا أنّ الاتفاق النووي الإيراني يخيّم على رؤوس كل دبلوماسي غربي، وقد تشك طهران في إمكانية استغلال هذه المسألة طوال محادثات السلام اليمنية بطريقة يمكن أن تضغط على الجمهورية الإسلامية. وعلى النقيض من ذلك، لا تساور أنصار الله وإيران نفس المخاوف مع روسيا أو باكستان.
|
قضايا ملحة
وعلى أية حال، ينبغي أن يركّز المسار الدبلوماسي المقترح أولًا على الرفع الفوري للحصار السعودي المفروض على اليمن بغض النظر عن أي بلد أو دول تستضيف هذه العملية الجديدة. إنّ استمرار فرض ذلك الحصار الخانق هو الذي يدفع أنصار الله (الحوثيين) إلى الرد بشكل غير متماثل على المملكة العربية السعودية من خلال هجمات الطائرات بدون طيار، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى شن هجمات انتقامية ضدهم (..). وفيما يتعلق بموضوع الضربات المتبادلة، يجب أيضا التفاوض على وقف إطلاق النار بالتوازي مع رفع الحصار من أجل وضع حد لهذا الثأر المزعزع للاستقرار وبالتالي تخفيف معاناة الشعب اليمني. أما القضايا الملحّة الأخرى التي يجب معالجتها في نهاية المطاف فهي مصير حكومة هادي المعترف بها دوليًا والوضع السياسي النهائي لليمن الجنوبي الذي يطمح إلى استعادة استقلاله.
حل وسط فيدرالي
ومرة أخرى، يلزم التوصل إلى حلول توفيقية صعبة. فيما يتعلق بأول هاتين المسألتين المرتبطتين الحاسمتين بالنسبة لإمكانية التوصل إلى حل سياسي للنزاع على المدى الطويل، قد تكون النتيجة العملية الوحيدة هي إضفاء الطابع الاتحادي المؤقت على البلد بين طرفيه المتحاربين على طول خط المراقبة كما هو قائم في وقت وقف إطلاق النار. وسيظل الشمال الذي تسيطر عليه جماعة أنصار الله (الحوثيين) مستقلًا إلى حد كبير في حين سيبقى الجنوب تحت سيطرة المجلس الانتقالي، لكن من الناحية الإسمية تحت سيطرة هادي. ومن الممكن في وقت لاحق وضع التفاصيل الدقيقة لهذا الترتيب ــ مثل الدفاع، والضرائب، والتكوين البرلماني، والسفر بين النصفين المقسمين داخليًا بحكم الأمر الواقع، وما إلى ذلك. إنّ الأهم الآن هو تجميد حالة الشؤون العسكرية والسياسية كما هي موجودة حاليًا بالنظر إلى شبه استحالة تغييرها بالقوة ومدى عدم قبول العواقب الإنسانية لمثل هذه الخطوة بالنسبة لليمني العادي الذي يعاني بالفعل أسوأ من أي شخص آخر في العالم منذ أكثر من ست سنوات.
استعادة الديمقراطية في جنوب اليمن
أما بالنسبة للقضايا الثانية المرتبطة بها، فإنّ الحل العادل الوحيد هو السماح لليمنيين الجنوبيين بممارسة حقهم في تقرير المصير الديمقراطي الذي تكرسه الأمم المتحدة في إطار استفتاء حر ونزيه، والذي يمكن تحديد جدوله الزمني طوال المراحل النهائية من عملية السلام. وفيما يتعلق بهذا الموضوع، فإنّ السؤال الرئيسي هو ما إذا كان التصويت بالأغلبية في جميع أنحاء أراضي جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية السابقة يكفي لمنح كامل تلك الأراضي الاستقلال أو إذا كانت مناطقها الطرفية التي قد لا توافق على هذه النتيجة يجب أن تحتفظ بالحق في البقاء داخل اليمن الاتحادي المقترح في حين أنّ الانفصاليين الديمقراطيين يستعيدون جزءًا من دولتهم التاريخية. وبطبيعة الحال، من المحتمل أن تعارض حكومة هادي المعترف بها دوليًا هذا الاقتراح العملي، حيث من شبه المؤكد أنها ستفقد سلطتها، على الأقل بقدر ما تذهب سيطرتها الاسمية على عدن، ولكن على رعاته السعوديين أن يبذلوا قصارى جهدهم لإقناعه بأن هدفه ينبغي أن يكون أن يكون بمثابة زعيم مؤقت في الفترة التي تسبق هذا الاستفتاء.
توقعات السيناريو الجنوبي
وفي ظل توقع أن تؤدي النتيجة إلى أن يختار جزء جغرافي على الأقل من جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية السابقة الاستقلال (على الأرجح عدن ومحيطها المباشر)، سيتعين على حكومة هادي الانتقال إلى أي مناطق "موالية" قد تبقى، على الرغم من أن اتفاق السلام ذي الصلة يسمح بالطبع للمناطق التي لا تصوت لصالح الاستقلال بالبقاء داخل اليمن الاتحادي المقترح وعدم الانضمام تلقائيًا إلى اليمن الجنوبي المستعاد. ومع وضع هذا السيناريو المحتمل في الاعتبار، من المستحسن بالتالي إدراج مثل هذا البند في أي اتفاق سلام محتمل من أجل تجنب تأجيج النار من أجل صراع ثانوي داخل اليمن الجنوبي المستقل حديثًا بين عدن والمناطق الطرفية التي ربما صوتت ضد الانضمام إلى الدولة التي تم إحياؤها. ويمكن لهذا الخيار أيضًا أن يمنح حكومة هادي مستقبلًا سياسيًا، وإن كان بالطبع فقط إذا قبل هؤلاء الأشخاص الذين سيبقون اسميًا تحت سلطة الحكومة. ومع ذلك، قد يدرك هادي وأمثاله أنه من الأفضل التقاعد من الحياة السياسية إذا حدث ذلك والسماح لبقايا اليمن الاتحادي باختيار زعيم آخر بشكل ديمقراطي.
الأفكار الختامية
إنّ الطريق إلى السلام في اليمن طويل وشاق ومليء بالتسويات الصعبة، ولكن لا يزال من الممكن رسمه ما دامت الأطراف المتحاربة وأنصارها الدوليين (العسكريين والسياسيين) لديهم الإرادة للقيام بما هو مطلوب من أجل الجماهير اليمنية المعذبة. ومن المستحيل تحقيق نتائج قصوى في هذه المرحلة، وأي دفع مستمر في هذا الاتجاه من جانب أي من الطرفين محفوف بعواقب إنسانية غير مقبولة. والمطلوب في هذه اللحظة هو أن يتعلم أصحاب المصلحة المعنيون من التقدم الذي أحرز مؤخرًا في حل الحرب الأفغانية سلميًا وأن ينظروا بجدية في المشاركة الدبلوماسية لأطراف ثالثة محايدة مثل باكستان وروسيا من أجل تحريك هذه العملية من خلال استخدام خدمات الوساطة التي تقدمها بين جميع الأطراف المباشرة وغير المباشرة في النزاع. ويتمثل الهدف الأكثر إلحاحًا في رفع الحصار في الوقت نفسه والموافقة على وقف جديد لإطلاق النار، وبعد ذلك يجب وضع الكثير من التفكير في البعد اليمني الجنوبي لأي حل سياسي حتى يكون مستدامًا حقًا.
- تم إعادة نشر هذه المادة بالتنسيق مع المؤلف. الأفكار الواردة في هذه المقالة لا تمثّل بالضرورة سياسية مركز سوث24
- عالجه ونقّحه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
Previous article