التحليلات

قراءة في خلافات البلدين بشأن اليمن: هل استطاعت السعودية إقناع عُمان؟

19-07-2021 at 10 PM Aden Time

language-symbol

سوث24| قسم التحليلات


في 11 يوليو تموز الجاري قصد سلطان سلطنة عمان هيثم بن طارق السعودية في أول زيارة خارجية له. وفق اعلان الجانب العماني أتت الزيارة استجابة لدعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز [1]. بالمقابل أتت المشاريع الاستثمارية التي أطلقتها هذه القمة السعودية العمانية في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها الأخيرة. كما أنه قبل القمة بأيام قلائل حدث خلاف أوبك+ بين الامارات والمملكة، الأمر الذي أظهر السعودية كمن يجد في التعاون الاقتصادي مع عمان تعويضا لخسارة محتملة في أوبك. لكن التنسيق العالي والإعداد الجيد الذي سبق القمة السعودية العمانية، يكشف عن المباحثات التي تتعدى السردية الاقتصادية. حيث تقف حاجة عمان للدعم السعودي في الجانب الاقتصادي مقابل حاجة السعودية للدعم العماني في الجانب السياسي والأمني، وهذا الأخير يرتبط بدور عمان في الأزمة اليمنية وعلاقتها بالحوثيين وإيران في المنطقة.


الدور العماني في الأزمة اليمنية


لطالما التزمت سلطنة عمان سياسة الحياد إزاء جميع القضايا الاقليمية والدولية دون استثناء. الأمر الذي انعكس في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو لمسقط في أكتوبر 2018 [2]. بالمقابل تعد سياسة الحياد سلاح ذو حدين، فهي من جانب تعني الانزواء وعدم الانخراط في التكتلات السياسية والنزاعات في المنطقة، ومن جانب آخر تعني الانفتاح على جميع الأطراف الاقليمية والدولية والتمتع بعلاقات جيدة مع الكل، وفي هذا السياق تأتي علاقات عمان بالأطراف المتناقضة. ففي حادث وفاة السلطان قابوس بن سعيد، عبّر الكل عن تعازيه بمن فيهم رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الإيراني والرئيس الأمريكي والرئيس الصيني والرئيس الروسي. الأمر الذي عكس وقوف عمان على مسافة واحدة من كل هؤلاء.


لكن فيما يتصل بالأزمة اليمنية اللصيقة بسلطنة عمان من جهة الغرب، حيث تربط الأخيرة بالأولى حدود برية تمتد لمسافة 288 كيلو متر، من البحر العربي جنوبا إلى صحراء الربع الخالي شمالا. تخلّت عمان عن حيادها ولعبت دورا خفيا يعادي تدخلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن. 


لذلك على الصعيد النظري أظهرت عمان موقفا محايدا من الأزمة اليمنية يعبّر عن المساواة بين جميع الأطراف المتصارعة، أو بمعنى آخر عدم الاعتراف بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. حيث انعكس الموقف العماني ضمنيا في أكثر من مناسبة، فإلى جانب استضافة السلطنة للجماعة الحوثية ورعايتها لمفاوضات غير معلنة بين الجماعة والأطراف الأممية والدولية، كانت عمان قد أوحت في وقت سابق بعدم اعترافها بالحكومة اليمنية، حيث حمل ترحيبها باتفاق الرياض الذي وقع في 5 نوفمبر 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي إشارة ضمنية تشير إلى عدم الاعتراف بطرفي اتفاق الرياض [3]، حيث وصفتهما بالقول"بعض الأطراف اليمنية".


فضلا عن ذلك، تعمّدت عمان إفشال الزيارة التي قام بها وزير خارجية الحكومة المناصفة، أحمد عوض بن مبارك إلى مسقط في يونيو الماضي، حيث أدارت السلطنة ظهرها للوزير اليمني ولم تستقبله رسميا، ليس هذا فحسب بل في اليوم الذي وصل فيه بن مبارك أرسلت عمان وفدها السلطاني إلى صنعاء للقاء الحوثيين.


أما على الصعيد العملي لم تلتزم السلطنة بأدبيات الحياد والوقوف جانبا دون أن تلعب دورا خفيا في الأزمة اليمنية. ففي اكتوبر 2016 أشارت وكالة رويترز إلى عمليات تهريب أسلحة وصواريخ إيرانية إلى الحوثيين عن طريق عمان [4]. حيث نقلت الوكالة عن مصدر وصفته بمسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية قوله: أن واشنطن أبلغت عمان بمخاوفها. كان ذلك عقب تعرض مدمرة أمريكية لهجمات صاروخية من قبل الحوثيين.


لكن وزير الخارجية العماني حينها يوسف بن علوي نفى المزاعم الأمريكية. وسرعان ما كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين المعني بمراقبة تصدير الأسلحة إلى اليمن مطلع العام 2017 عن ثلاثة طرق يتزود من خلالها الحوثيون بالأسلحة الإيرانية، أحدها يمر عبر عمان. إضافة إلى إعلان أجهزة الأمن في محافظة مأرب شمال اليمن عن ضبطها أكثر من مرة محاولات تهريب أسلحة قادمة من عمان في طريقها للحوثيين. لكن التطور اللافت حدث في مارس 2019 عندما كشفت الأجهزة الأمنية في المنافذ الحدودية بمحافظة المهرة عن ثلاثة شحنات أسلحة إلى الحوثيين قدمت من عمان [5]. لذلك مطلع العام 2020 أعلن التحالف العربي عن توجهه للسيطرة على منفذ شحن الحدودي مع عمان. وفي هذا السياق شهدت محافظة المهرة المتاخمة لعمان تحركات عسكرية مناوئة لتوجهات السعودية هناك، حيث تعرّضت قوات الأخيرة لهجوم من قبل جماعات مسلحة موالية لعمان ويقودها الزعيم القبلي والمقرّب من "جماعة الإخوان المسلمين في اليمن" علي سالم الحريزي.


لذلك يظهر الدور العماني في الأزمة اليمنية مؤثرا بموازاة دورها الضمني في رعاية مفاوضات وفد الحوثيين مع المجتمع الدولي، الأمر الذي يعكس خلاف عمان مع السعودية بصفتها قائدة التحالف العربي في اليمن. من هذه الزاوية يمكننا فهم الشق السياسي والأمني في البيان السعودي العماني المشترك في قمتهما الأخيرة.


الأجندة السياسية والأمنية للقمة السعودية العمانية


أتت القمة السعودية العمانية بالتزامن مع تركيز المجتمع الدولي جهوده لإنهاء الصراع الدائر في اليمن والدفع بجميع الأطراف الفاعلة إلى تسوية سياسية شاملة. حيث تشهد البلاد أوضاع إنسانية واقتصادية وأمنية صعبة. لذلك من الأهمية بمكان أن تسوّي السعودية وعمان خلافهما في الأزمة اليمنية.


للسعودية أيضا أجندة سياسية وأمنية عكستها مضامين البيان المشترك عن القمة، تهدف من خلالها استمالة عمان إلى صفها وانتزاع موقفا سياسيا يعبر عن اعتراف الأخيرة بالحكومة اليمنية، الأمر الذي يسد آخر منافذ الاتصال السياسي مع الحوثيين وبالمقابل يفتح الباب العماني المقفل أمام الحكومة اليمنية. يتضح ذلك في إشارة البيان السعودي العماني إلى، مواصلة الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار اليمني والقرار الأممي 2216 ومبادرة السلام السعودية.


لكن هذه الإشارة تحمل آليتين: آلية عملية يعبر عنها التأكيد على مواصلة الجهود، الأمر الذي يعني التباحث، وبهذا الخصوص أتى تشكيل مجلس تنسيقي كآلية سياسية تستند إليه مرجعيات الحل السياسي المذكورة. بينما فيما يخص الشق الأمني من بيان القمة يأتي تأكيد الجانبين على"حسن الجوار واحترام القرارات الأممية والشرعية الدولية"وعلى "التعاون والتعامل بشكل جدي وفعال مع الملف النووي والصاروخي الإيراني بمكوناته وتداعياته كافة." من هذه الزاوية تتضح مخاوف الجانبين من بعضهما التي ٱحيلت على المجلس التنسيقي. الأمر الذي يعني خضوع اتفاق الجانبين لبرنامج زمني ونقاط تفصيلية أكثر. لكن خلال مدة التفاهم والاتفاق يتعيّن على عمان وفق التزامها الانفتاح السياسي على الحكومة اليمنية وقطع علاقتها بالحوثيين، الأمر الذي يعني بالضرورة تخلي عُمان عن دورها الداعم للحوثيين.


من المبكر التنبوء بتغيّر الموقف العماني إزاء الأزمة اليمنية، حيث أن حُسن الجوار الذي تطلبه السلطنة يتعلق بالنفوذ السعودي في المهرة، بينما الإشارة إلى احترام القرارات الأممية والشرعية الدولية تبرر هذا النفوذ. ما زالت هناك مؤشرات في البيان المشترك قد تعتبرها عمان املاءات، إلا أنّ استراتيجية السياسة العمانية التي يصعب إثارتها سياسيا تجعلها أكثر ميلا للرفض الضمني وليس الظاهري، الأمر الذي يحيل نجاح القمة السعودية العمانية للتفاصيل، وكما يقال، الشيطان يكمن في التفاصيل.


بدر قاسم محمد
زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحث في الشؤون السياسية اليمنية والعربية

- الصورة: طائرة السلطان هيثم خلال وصولها مدينة نيوم السعودية وتظهر الطائرات الحربية التي كانت ترافقها في السماء بألوان علم عمان (إعلام سعودي رسمي)


Shared Post
Subscribe

Read also