28-07-2021 at 9 PM Aden Time
سوث24| قسم التحليلات
حظيت الأزمة اليمنية باهتمام بالغ ونشاط دبلوماسي كبير من الجانب الأمريكي والدولي مطلع العام الحالي، كان ذلك بالتزامن مع صعود إدارة الرئيس الجديد جو بايدن للحكم. بينما شهدت الفترة المُمتدة منذ منتصف يونيو الماضي إلى يوم أمس الأول الاثنين 26 يوليو، توقف الزيارات الأمريكية والدولية للتباحث السياسي بشأن الأزمة اليمنية، حيث التزم الجانب الأمريكي سياسية إطلاق التصريحات عن بعد، إلى جانب توجيه الخطاب السياسي المباشر والمقتضب من مستوى دبلوماسي أدنى، مثل الرسالة التي وجهتها القائمة بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن كاثي ويستلي إلى طرفي اتفاق الرياض.
خلال تلك الفترة حدثت الكثير من التطورات السياسية والعسكرية في المشهد اليمني، والتي جاءت بالتزامن مع التأكيد السعودي العماني على مواصلة الجهود، والبحث عن حل للأزمة اليمنية في سياق توافقهما الأخير في قمة نيوم [1]، الأمر الذي دفع المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى التأكيد - في تهنئته لليمنيين بعيد الأضحى - على "التوافق الإقليمي والدولي غير المسبوق" بشأن الأزمة اليمنية [2]. قبل أن يعود يوم أمس الثلاثاء لزيارة السعودية، في نفس الوقت الذي التقت نائبة وزير الخارجية الأمريكية، ويندي شيرمان، بنائب وزير الخارجية العماني خليفة الحارثي في مسقط.
الأمر الذي يشير إلى تركيز الإدارة الأمريكية على توافق الجانبين السعودي والعُماني حول الأزمة اليمنية، بمعزل عن توافق الأطراف المحلية الفاعلة فيها. فإضافة إلى استمرار هجوم الحوثيين على مأرب، يشهد جنوب اليمن والبيضاء في شمال اليمن تصعيدًا عسكريًا، إذ سعى التحالف العربي مؤخرًا إلى فتح جبهات قتال جديدة مع الحوثيين في محافظة البيضاء، مما أدّى إلى تقدم جماعة الحوثي باتجاه الجنوب على أكثر من جبهة، كان أخطرها جبهة مديرية "ناطع" بالبيضاء الاستراتيجية المحاذية لمحافظة شبوة الغنية بالنفط، والتي تتميز بموقعها الجغرافي.
أهمية شبوة جيوسياسيًا
تتوسط شبوة محافظات جنوب اليمن المحاذية للمياه الإقليمية وخط الملاحة الدولية، حيث تمتلك هذه المحافظة ساحلاً يطل على خليج عدن والبحر العربي لمسافة تقدر بـ"233 كم"، هذه الإطلالة الساحلية الشاسعة ظلت مهملة لعقود من الزمن، قبل أن تأتي الأزمة اليمنية بمفاعيلها الإقليمية والدولية لتكشف عن أهميتها الاستراتيجية في تأمين التجارة العالمية. الأمر الذي أعاد تعريف شبوة في سياق أمني جيوسياسي.
بينما في السابق وضعت شبوة في سياق اقتصادي نتيجة ثرواتها النفطية، التي ترتكز بعيدًا عن ساحلها الجنوبي، حيث تقبع العاصمة عتق خلف سلاسل جبلية تمتد من أقصى الشمال الغربي إلى أقصى الجنوب الشرقي. إضافة إلى هذا العامل الجغرافي يبدو مركز المحافظة وثقلها السياسي والاجتماعي مُتصلاً أكثر بعمقه الصحراوي، الذي يمتد شرقًا باتجاه محافظة حضرموت وشمالاً باتجاه محافظة مأرب.
لكن طبيعة الصراع في اليمن الذي لا يمكن فصله عن الصراع الإقليمي والدولي، أضافت أهمية جغرافيا شبوة من ناحية السيطرة والنفوذ، إلى جانب أهميتها الاقتصادية كمصدر لتمويل هذا النفوذ. لذلك تبدو محاولات الحوثيين الحثيثة لإسقاط مأرب الغنية بالنفط، ذات بعد اقتصادي وربما سياسي، بينما تبدو محاولتهم السيطرة على شبوة ذات بعد استراتيجي أهم، وهذا ما يستدعي قلق التحالف العربي والمجتمع الدولي.
إذ إنَّ الشريط الساحلي لمحافظة شبوة شهد تنافسًا محمومًا بين أطراف الصراع في اليمن، إضافة إلى النشاط الملحوظ للتنظيمات المتطرفة؛ فخلال شهري مارس وأبريل الماضيين، نفّذ تنظيم القاعدة عدّة هجمات في الساحل الجنوبي. كذلك وفقًا لتقارير دولية شهد عام 2019 ارتفاعًا في الحوادث البحرية قُبالة بحر العرب، الأمر الذي دفع واشنطن ودول أخرى لتنفيذ مناورة عسكرية هناك في مارس 2020.[3]
إلى جانب ذلك كان ساحل شبوة ملاذًا آمنًا لتدفق المهاجرين الأفارقة، بالمقابل شهد أيضًا عمليات تهريب أسلحة على نطاق واسع. ففي 25 مارس الماضي اضطر قاربان بحريان على متنهما أسلحة للرسو قُبالة السواحل الشرقية لمديرية أحور في محافظة أبين بسبب الأحوال الجوية، حيث كانا في طريقهما لساحل شبوة المجاور الذي شهد عدة عمليات لتهريب الأسلحة.[4]
كل ذلك يعزّز أهمية المحافظة الجنوبية استراتيجيًا حيث تتركّز المصالح الدولية، لذلك فإنَّ تقدم القوات الحوثية إلى مشارف شبوة من جهة الشمال تبدو مثيرة للمخاوف، فالسيطرة على شبوة مازالت تتصل بالمفاعيل الإقليمية والدولية للأزمة اليمنية.
كيف وصل الحوثي إلى مشارف شبوة؟
الكيفية التي وصلت بها القوات الحوثية إلى مشارف شبوة من جهة مديرية ناطع وجبهة القنذع الاستراتيجية، التي تطل مباشرة على مديرية بيحان باتجاه المحافظة، أعادت للأذهان سيناريو العام 2015 عندما سقطت محافظات جنوب اليمن بصورة دراماتيكية متسارعة بيد الجماعات والتنظيمات المتطرفة، حيث تقاسمت جماعة الحوثي مع تنظيم القاعدة محافظة شبوة.
في هذا الصدد، اعتبر المسؤول بالمجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد عمر بن فريد على حسابه الشخصي في تويتر أنَّه "مؤسف أن نجد الظروف العسكرية التي أحاطت بشبوة قبل انطلاق عاصفة الحزم عام 2015، والتي سمحت للحوثي بدخولها تتجدد مرة أخرى و تنذر بسيناريو مماثل".[5]
بحسب بن فريد، ثمة سيناريو يتكرر يجعل فرضية سقوط شبوة بيد الحوثيين واردة، وفي هذا السياق تكون المقارنة واردة أيضًا بين أحداث 2015 التي أدّت إلى سيطرة الحوثيين على شبوة، وأحداث اليوم التي تشير إلى وقوف جماعة صنعاء على مشارف شبوة.
حيث يشير كل ذلك إلى سلوك الحوثيين نفس الطريق المؤدية إلى السيطرة على محافظات جنوب اليمن، من خلال مديريتي بيحان وعسيلان. فعلى الصعيد السياسي تحالف الحوثيون في ذلك الوقت مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح زعيم حزب المؤتمر، الذي كان حينها يتمتع بنفوذ سياسي وعسكري في شبوة، الأمر الذي سهّل سيطرة الحوثيين عليها.
أما في الوقت الحالي، تشهد شبوة صراعًا محمومًا بين القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، والقوات الموالية لنائبه علي محسن الأحمر، فيما تُشير الأحداث إلى امتلاك الأخير الذي يرتبط بحزب الإصلاح الذراع السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن نفوذًا سياسيًا وعسكريًا أقوى، إذ أنَّ محافظ شبوة محمد صالح بن عديو قياديٌ في حزب الإصلاح، إضافة إلى ذلك يترأس بن عديو ما يسمى بـ"اللجنة الأمنية في محافظة شبوة".
غير أنَّ هذا النفوذ السياسي والعسكري الذي يتصل بحزب الإصلاح ونائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، يظهر بمعزل عن الاتصال بالحاضنة الشعبية في شبوة، حيث تطغى الأجندة الشمالية على الأجندة الجنوبية الأكثر اتصالاً بشبوة، فثمة ديناميكية سياسية ترتبط بالشمال وحزب الإصلاح أكثر من ارتباطها بشبوة.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك مجموعة الممارسات القمعية لسلطات بن عديو وحزب الإصلاح ضد أبناء شبوة، سنجد أنَّ هذه الممارسات تستقوي بالخارج على الداخل الشبواني، خصوصًا إذا ما كان هذا الداخل يمر بانتفاضة، كالتي مرت بها شبوة مؤخرًا ضد سلطة بن عديو وحزب الإصلاح؛ لذلك لايمتلك هذا الأخير شعبية كبيرة تمكنه من إحكام قبضته على شبوة، الأمر الذي يعزّز سردية تسليم المحافظة لسيطرة الحوثيين مرة أخرى.
من جانب آخر، ظهرت بعض الشخصيات الشبوانية إلى جانب القوات الحوثية في جبهة القنذع، والتي كانت إلى وقت قريب تنشط في شبوة إلى جانب سلطتها المحلية بقيادة بن عديو وحزب الإصلاح، اللذان يتقاسمان مع الحوثيين العداء للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة الشبوانية، ونتيجة هذا العداء فهما أيضًا يتقاسمان الممارسات القمعية بحق قطاع واسع من أبناء شبوة.
بينما الخطوة التي عدّها مراقبون الأكثر وضوحًا للتقارب بين حزب الإصلاح والحوثيين، هي تعيين جماعة الحوثي محمد بن عوض الطوسلي محافظًا لشبوة، إذ أنَّ هذا الأخير يشغل منصب رئيس دائرة الأمن والدفاع في "مجلس الإنقاذ الوطني بشبوة"، الذي جرى تأسيسه أواخر 2019 برعاية السلطة المحلية بمحافظة شبوة وبدعم قطري عماني حسب مصادر مطلعة. اللافت أنَّ إشهار هذا المكون السياسي جاء عقب شهرين فقط من المعركة التي خاضها حزب الإصلاح في شبوة ضد قوات النخبة الشبوانية، التي انتهت بانسحاب الأخيرة من المحافظة.
بالمقابل لا تبدو القوات السعودية قلقة من الاحتمال المتزايد لسقوط شبوة بيد الحوثيين، مقارنة بالقلق الذي تبديه والمجتمع الدولي إزاء الهجوم على مأرب.
الوجود السعودي في شبوة، عامل هزيمة أم ورقة مفاوضات؟
عندما يتعلق الأمر بمستقبل الحرب على شبوة، تعود ذاكرة أبناء شبوة إلى سيناريو سقوط محافظتهم بيد الحوثيين عام 2015، وسيناريو سقوطها مرة أخرى في أغسطس 2019 بيد قوات حزب الإصلاح، وما رافق ذلك من صمت مريب من قبل القوات السعودية في شبوة.
لذلك يُثير تقدم جماعة الحوثي على مشارف شبوة مخاوف العديد من أبناء المحافظة. فيما تُدار المعركة ضد الحوثيين بروح انهزامية، ينتهي أطرافها إلى تبادل الاتهامات بالتواطئ والخيانة، فمنذ أيام مضت كتب رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح محمد اليدومي منشورًا على صفحته في فيسبوك، برر سيطرة الحوثيين على صنعاء وشمال اليمن بالمؤامرة الدولية [6]، الأمر الذي يكشف امتلاكه وحزبه أفقًا سياسيًا أكبر من أي وازع وطني.
لذلك وصول آلة الحرب إلى مشارف شبوة، ستثير سخط الناس ونقمتهم أكثر على جميع القوات المتواجدة في أرض شبوة، بالمقابل هناك عوامل سياسية وعقائدية ستندلع بصورة يصعب السيطرة عليها، إذا ما توغل الحوثيون إلى شبوة، لذلك فإنَّ تعويل المجتمع الدولي على أطراف إقليمية بعينها لا يبدو قرارًا صائبًا في ظل مؤشرات على عودة الأزمة اليمنية إلى نقطة الصفر من باب الهجوم الحوثي على شبوة.
على صعيد آخر، تبدو طمأنينة المجتمع الدولي وصمت القوات السعودية إزاء مايحدث على مشارف شبوة، إشارة سياسية إلى التنفيذ العملي للشق الأمني والعسكري ضمن اتفاق الرياض، مما يعزز سردية خروج القوات الموالية للرئاسة اليمنية وحزب الإصلاح من شبوة لقتال الحوثيين، وبقاء تشكيلات الأمن المحلي في المحافظة.
لكن هذه الفرضية تظل مرتهنة بطبيعة التطورات على الأرض، إذ أنَّه لا يزال بمقدور هذه القوات المراوغة واختلاق العديد من الأزمات، أو على الأرجح ستوجه اهتمامها إلى مناطق أخرى. الأمر الذي يرفع درجة الخطورة أكثر، بدلالة أن خطة التنفيذ العملي لاتفاق الرياض فيما لو صحت، ستثير احتمالية رد الرئاسة اليمنية وحزب الإصلاح بخطة تسليم شبوة للحوثيين على نحو أسرع.
زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحث في الشؤون السياسية اليمنية والعربية
- الصورة: مدير أمن مديرية مرخة بمحافظة شبوة المحسوب على الحكومة اليمنية، والذي تجمعه صلة قرابة بقائد القوات الخاصة بالمحافظة، لعكب الشريف، يرفع راية طائفية دعماً للحوثيين يناير 2020 (إعلام محلي)
Previous article
9 Days ago