03-08-2021 at 5 PM Aden Time
سوث24| قسم التحليلات
بدا مطلع العام الحالي وكأن المجتمع الدولي قد غيّر من قناعاته السياسية إزاء حل الأزمة اليمنية، حيث تم تكثيف الضغط باتجاه إنهاء الحرب الأهلية في اليمن، والدفع بجميع الأطراف الفاعلة نحو مفاوضات الحل السياسي الشامل، "بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق" وفق تصريحات الجانب الأمريكي [1]. لكن سرعان ما عادت هذه التوجهات لتضع الحل السياسي للأزمة اليمنية بيد محيطها الإقليمي، حيث بدا تعويلها على التوافق السعودي العماني مؤخرًا، الأمر الذي يعني دوران الأزمة اليمنية مجددا في الفلك الخليجي.
الوصاية الخليجية
أسفرت الأزمة اليمنية التي اندلعت بين النظام الحاكم وأحزاب المعارضة في فبراير 2011 عن أول محاولة خليجية للتدخل في الشأن اليمني، من خلال حضور طرفي الأزمة في ذلك الوقت إلى العاصمة السعودية الرياض، وتوقيعهما في نوفمبر من العام نفسه على "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية"، التي أصبحت مرجعية للحل السياسي.
وأشركت المبادرة الخليجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى سفراء دول مجلس التعاون الخليجي عدا قطر التي انسحبت من المبادرة الخليجية، فيما عرف بـ "سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية"، إلا أنه بعد تصعيد جماعة الحوثي عسكريًا، وسيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، ومن ثم نفي الرئيس هادي المعترف به دوليًا إلى محل إقامته في الرياض، انتقلت مهمة حل الأزمة اليمنية من السياق السياسي إلى السياق العسكري.
إذ كان التدخل الخليجي الثاني في نهاية مارس 2015، حينما أعلن وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير من العاصمة الأمريكية واشنطن، انطلاق العملية العسكرية "عاصفة الحزم" لدعم شرعية الرئيس هادي، ويرى مراقبون أن مكان الإعلان يشير إلى موقف أمريكي داعم للخطوة السعودية باعتبارها وصية لليمن، والتي سرعان ما نجحت في حشد تأييد عربي ودولي غير مسبوق، ترجمته مخرجات القمة العربية المنعقدة في شرم الشيخ بمصر بعد يومين فقط من انطلاق "عاصفة الحزم"، وموافقة مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار العربي 2216 في منتصف أبريل 2015.
حيث عكس نقل الأزمة اليمنية إلى المجتمع الدولي قوة الدبلوماسية السعودية، وانتفاضها إزاء الأزمة اليمنية وتداعياتها السياسية والأمنية، من جانب آخر جعلت التطورات الميدانية للأحداث في اليمن، تحت مرأى ومسمع الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، قرار التدخل العسكري منطقيًا، وبالتالي من المنطقي الحصول على التأييد الإقليمي والدولي ذاته.
إضافة إلى ذلك يمتلك الجانب الأمريكي والدولي عمومًا نفس مقومات الفزع السعودي من اليمن، حيث يتواجد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهذا الأخير وفق التقديرات الأمريكية أخطر فروع التنظيم الدولي، خاصة إذا ما أضفنا سيطرته على بعض محافظات جنوب اليمن آنذاك، بالتزامن مع سيطرة الحوثيين على شمال اليمن. بالمقابل كانت الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب في اليمن تعتمد خطة الحرب بالوكالة، أي الشراكة مع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية المحلية في رصد وتعقب العناصر المتطرفة، وتوجيه الضربات العسكرية الخاطفة عن بعد.
فبعد سقوط مؤسسات الدولة اليمنية خاصة التي تتصل بمكافحة الإرهاب بيد جماعة الحوثي المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وجدت الإدارة الأمريكية في دعم عمليات التحالف العربي العسكرية في اليمن وكيلاً آخر في الحرب على الإرهاب. الأمر الذي ترجمته شراكتها مع القوات الإماراتية والأجهزة الأمنية والعسكرية التي دربتها وجهزتها الأخيرة في جنوب اليمن، حيث يفرض المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرته العسكرية الآن.
بالمقابل في سياق القتال ضد الحوثيين حققت القوات الجنوبية انتصارات مبكرة. فيما مُنيت القوات اليمنية الموالية لحزب الإصلاح [الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن] في مؤسسة الرئاسة اليمنية بهزائم متلاحقة في مواجهاتها مع الحوثيين في شمال اليمن، حيث ينبغي لشرعية الرئيس هادي أن تعود، حسب نص القرار الأممي 2216 والإجماع الإقليمي والدولي.
الأمر الذي عكس انسداد أفق الحل العسكري للأزمة اليمنية، وبناءً على ذلك يحاول المجتمع الدولي الدفع باتجاه التسوية السياسية الشاملة للأزمة اليمنية، لكن هذه النقلة النوعية التي عادت إلى مربع التعويل على التوافق السعودي العماني قد يصاحبها الفشل مرة أخرى، فصحيفة الشرق الأوسط التي تعد أكبر صحيفة سعودية، تحدثت يوم أمس في تقرير لها عن عودة المبعوث الأمريكي لليمن تيم ليندركينغ من الرياض إلى واشنطن "بأفق مسدود" للأزمة اليمنية حد وصفها [2]، ووفق الصحيفة يتطلب الحل السياسي "إجراء إصلاحات جذرية في الشرعية"، مما يعزز سردية ركود الأزمة اليمنية بسبب وجود خلاف عميق اشتعل في مؤسسة الرئاسة اليمنية بين الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر، مما قد ينذر بشقاق جنوبي شمالي.
أفق مسدود
بشكل عام ليس هناك جديد في وكالة المجتمع الدولي مهمة حل الأزمة اليمنية لجوارها الخليجي، غير أن إشراك سلطنة عمان بصورة مباشرة، ولأول مرة إلى جانب السعودية في مساعي حل الأزمة اليمنية يعد أمرًا لافتًا، فمن ناحية يعني ذلك الانفتاح على آفاق جديدة للحل السياسي، تذهب باتجاه القبول بالحوثيين طرفًا شرعيًا، ومن ناحية أخرى تتعلق بالإعلان السعودي العماني المشترك في قمة نيوم، الذي أكد على مواصلة الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية وفق المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216، ومبادرة السلام السعودية.
ثمة تناقض نظري لايدعم الحل السياسي، ويأخذ الأزمة اليمنية إلى سيناريوهات مفتوحة، فمرجعيات الحل السياسي المشار إليها في البيان المشترك، لا تطابق الواقع في الشمال والجنوب على حد سواء؛ لأنها مرجعيات حل عسكري لم يعد يعمل، الأمر الذي يفهمه الحوثيون على هذا النحو، فيقابلونه بالتصعيد العسكري المستمر، وإحراز تقدم على أكثر من جبهة، بالمقابل سيجد المجلس الانتقالي الجنوبي نفسه مضطرًا إلى دخول المعترك العسكري، والمضي نحو السيطرة على باقي محافظات جنوب اليمن، فالقوات الموالية للرئاسة اليمنية إضافة إلى أنها لاتعمل وفق المرجعيات المشار إليها بما يعزز العودة إلى صنعاء، فهي تبدي تساهلاً في الدفاع عن محافظة شبوة في جنوب اليمن أمام هجوم الحوثيين المستميت على حدودها من جهة البيضاء شمال اليمن.
كل ذلك يرشدنا إلى ضرورة تغيير مرجعيات الحل السياسي بما يلائم الواقع، ويعزز إشراك جميع الأطراف الفاعلة في التسوية السياسية الشاملة للأزمة اليمنية، أو العودة للحل العسكري وتوجيه المعركة في الشمال ضد الحوثيين، حيث تجدر الإشارة إلى أنَّ هذان الخياران توفرهما عملية تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي وقع مطلع نوفمبر 2019. مما يعني أنَّ حل الأزمة اليمنية يتوقف على استكمال تنفيذ اتفاق الرياض بما يعزز انفتاح أفق الحل السياسي على جميع الأطراف الفاعلة، بما فيها المجلس الانتقالي الجنوبي.
إلا أنه من جانب آخر ينطوي توافق الجانبان السعودي والعماني بشأن الأزمة اليمنية على مثبطات للحل السياسي تكمن في المرجعيات، الأمر الذي يعني الركود وإعادة تدوير الأزمة اليمنية مرة أخرى، في الوقت الذي كان المجتمع الدولي يعول على إحراز التقارب السعودي العماني مقاربة سياسية جديدة تتصل بعلاقة عمان بالحوثيين وإيران مقابل رعاية السعودية لشرعية الرئيس هادي.
غير أنه لم يحدث شيئًا من هذا القبيل، إذ استطاعت السعودية استمالة الموقف العماني لصفها، والوقوف على الرأي الذي يعزز حالة الركود وانسداد أفق الحل السياسي للأزمة اليمنية، كذلك هو الأمر في عدم توافق الأطراف اليمنية المثلة بالرئاسة اليمنية والحوثيين، بالمقابل ما زالت مؤشرات الأحداث على الأرض تذهب باتجاه التصعيد العسكري أكثر، وهو ما يعني أن عوامل السباق العسكري أسرع من عوامل الوفاق السياسي، لذلك وردت عبارة "مواصلة الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية" في البيان السعودي العماني المشترك، من جانب آخر أتاح هذا الركود شغورًا للدور الأممي والدولي في اليمن، حيث يحاول المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ أن يملأه دون جدوى، فثمة فراغ دولي وأزمة إنسانية في اليمن تتمدد.
الغياب الأممي
بينما تصنف المنظمات الأممية والدولية، الأزمة اليمنية على أنها الأسوأ عالميًا، تشير حالة التعثر السياسي إلى الانتكاسة أكثر، حيث تلوّح المساعي السعودية العمانية بما يشبه انسداد أفق الحل السياسي المعول عليه لحل الأزمة اليمنية، الأمر الذي يبدو وكأنه محاولة لمجاراة تراجع الدور الأممي والدولي في اليمن، فمكان المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن جريفيث مازال شاغرًا، رغم الأنباء التي تحدثت عن تعيين السويدي هانس جروندبرج خلفًا له، إلا أنه ليس هناك ما يشير إلى مزاولة الأخير لوظيفته.
فيما أكد اللقاء الأخير للمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ والقائمة بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن كاثي ويستلي مع سفراء الدول الخمس إلى الحاجة لتعيين مبعوث أممي جديد لليمن [3]، لتعزيز جهود السلام، وتمكين عملية سياسية بقيادة يمنية، ستجلب الاستقرار والإغاثة للشعب اليمني، كذلك ركزت لقاءات المبعوث الأمريكي بكل من نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان ورئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور نايف فلاح مبارك الجرف على تحسين الظروف الاقتصادية والإنسانية لليمنيين.
بالمقابل أشارت نائب وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان خلال لقائها بنظيرها العماني إلى أهمية التوسط من أجل السلام في المنطقة [4]. الأمر الذي يعكس ثنائية خلاف الطرفين اليمنيين ذاتها، فالرهان على استجابة الحوثيين لوقف إطلاق النار يتوقف على سماح الحكومة اليمنية بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية لمناطق سيطرة جماعة الحوثي، مما يعني أن التوافق السعودي العماني لم يحمل مقاربة سياسية جديدة بخصوص حل الأزمة اليمنية، بالقدر الذي حمل مقاربة أخرى تشير إلى اتخاذ السعودية موقفًا من جارها القريب في شمال اليمن "الحوثيين"، مقابل اتخاذ عمان موقفًا من جارها القريب في جنوب اليمن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، حيث يتطلب الحل السياسي انفتاح الأفق على هذين الطرفين الفاعلين في الأزمة اليمنية، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد، وعلى الأرجح لن يحدث في ظل غياب الدور الأممي والدولي.
زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحث في الشؤون السياسية اليمنية والعربية
- الصورة: سلطان عُمان، هيثم بن طارق، وولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، في "قمة نيوم" 11 يوليو 2021 (إعلام سعودي)
Previous article
9 Days ago