17-12-2021 at 3 PM Aden Time
سوث24| عبدالله الشادلي
ظلَّ أرخبيل سقطرى الذي يقع في الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية قبالة مدينة المكلا في خليج عدن، جنوب اليمن، في عزلة لعقود من الزمن، بسبب بعده الجغرافي الذي رافقه غياب كثير من الخدمات أبرزها قطاع التعليم.
ويشمل الأرخبيل جزيرة رئيسية وهي سقطرى، وخمس جزرٍ أخرى هي درسة وسمحة وعبد الكوري، وصيال عبد الكوري وصيال سقطرى وسبع جزر صخرية وهي صيرة وردد وعدلة وكرشح وصيهر وذاعن ذتل وجالص.
وتُعتبر جزيرة سقطرى أكبر الجزر العربية، ويبلغ طول الجزيرة 125 كم وعرضها 42 كم، ويبلغ طول شريطها الساحلي 300 كم، وحديبو هي عاصمة الجزيرة. [1]
وكانت جزيرة سقطرى تابعة إدارياً لمحافظة حضرموت، حتى العام 2013 الذي أعلن فيه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي سقطرى محافظة مستقلة.
وفي هذا التقرير، يستطلع «سوث24» وضع التعليم في الأرخبيل، الذي شهد تجاذبات سياسية وعسكرية كبيرة خلال السنوات الماضية.
التعليم الجامعي
شكى أكاديميون ومسؤولون طبيعة الصعوبات التي تواجه التعليم في سقطرى، وحثوا على ضرورة دعم السلطات الرسمية والمعنية لهذا القطاع، مشيدين بالدور الذي بذلته دول التحالف في دعم القطاع في المحافظة.
في حديثه لـ «سوث24»، قال عصام علي، النائب الأكاديمي لكلية المجتمع: "كحال كلية التربية، لا زالت كلية المجتمع بدون مبنى خاص بها، والمبنى الحالي هو مبنى مستأجر"، في حين لا تزال "الميزانية التشغيلية للكلية ضعيفة".
ولفت علي إلى أنَّ التعليم الجامعي في سقطرى "بحاجة إلى رعاية واهتمام جادَين من قبل السلطات والحكومة"، مؤكداَّ أنَّ وضع التعليم "ظلّ فترة طويلة يسير إلى الأسوأ وليس إلى الأحسن".
ويرى الدكتور نديم بدوس، عميد كلية المجتمع بسقطرى، أنَّ "الجزيرة تحتاج إلى دعم حقيقي". مضيفاً لـ «سوث24» :"الموازنات الحكومية لا تكفي لتسيير العملية الأكاديمية التعليمية في الأرخبيل".
ويتفق عدنان عامر، أحد أعضاء الهيئة التدريسية في كلية المجتمع، مع زميليه بأنَّ "سقطرى بحاجة إلى دعم استثنائي".
ومنذ تأسيس كلية التربية التابعة لجامعة حضرموت في سقطرى في العام 2000، لم تستطع الكلية إنشاء مقر خاص بها، ولا تمتلك محافظة أرخبيل سقطرى جامعة حكومية خاصة بها.
وفي يونيو/حزيران الماضي، أطلق رئيس جامعة حضرموت، الدكتور محمد سعيد خنبش، مناشدة عاجلة لإنقاذ كلية التربية في سقطرى من الإغلاق.
وفي يناير /كانون الثاني الماضي، قال رئيس جامعة حضرموت إنَّ "كلية التربية في سقطرى تواجه مخاطر التوقف خلال العام الجديد لعدم القدرة على دفع المبلغ الكبير الذي يطلبه صاحب المبنى".
وقال عبدالعزيز السيوفي وهو أستاذ بقسم المحاسبة لـ«سوث24» إنَّ "الكلية كانت على وشك التوقف لولا مناشدة رئيس الجامعة".
وأعلن خنبش في تصريح صحفي - العام الماضي - أنَّه يعتزم "افتتاح المبنى الجديد لكلية التربية في سقطرى، وافتتاح القسم الجديد الذي أضيف هذا العام (قسم المحاسبة والرياضيات)".
وأضاف أنَّ "الجامعة تسعى في خطتها السنوية للعام القادم لإضافة دراسة الماجستير لكلية التربية"؛ لتجنيب أبناء المحافظة معاناة الدراسة خارج المحافظة.
وحول هذا، يقول رئيس القيادة المحلية في سقطرى، رأفت الثَّقلي إنَّ "هناك نشاطاً ملموساً من جامعة حضرموت، حيث افتتحت أربعة أقسام قبل نحو 20 عاماً، لكنَّها لم تكن مواكبة لمتطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم، حيث تحتاج المحافظة الى تخصصات علمية أخرى في الوقت الراهن، وهو الأمر الذي شهده الأرخبيل مؤخرا ولبى جزءاً من الاحتياج".
أمَّا كلية المجتمع التابعة لوازرة التعليم العالي والمهني، فقد شهدت افتتاح تخصصات جديدة في سقطرى.
ويقول عميد الكلية لـ «سوث24» "وضع التعليم كان مختلفاً قبل نحو 5 سنوات من الآن"، موضِحاً أنَّ "أعداد الطلاب في تزايد خلال السنوات الأخيرة خصوصاً بين الفتيات في المدارس والجامعات".
ويضيف الدكتور نديم بدوس أنَّ "هذه التخصصات مثل: المحاسبة والإدارة، شجعت الطلاب على مواصلة التعليم الجامعي واختصرت عليهم الوقت والمال الذي كان يستنزفهم في سفرهم إلى حضرموت وعدن".
وأوضح بدوس أنَّ دعم دول التحالف العربي "هو الذي دفع بالتعليم نحو الاستمرارية، مؤكَّداً أنه "لولا هذا الدعم لتوقفت الكليات في أرخبيل سقطرى".
ظروف صعبة
ويقول عبد العزيز السيوفي، إنًّ "هناك نقصاً في الكادر التعليمي بسبب قلة الحوافز المادية، لذلك يلجأ بعض المعلمين إلى البحث عن عمل آخر يساهم في تعزيز وضعهم المادي ".
وتمثّل تكاليف المواصلات وغلاء المشتقات النفطية، أحد أبرز الصعوبات التي تواجه الطلاب في الأرخبيل.
ويرى السيوفي أنَّ ظروف أسر الطلاب في سقطرى متدنية بسبب "التضخم وتدهور العملة وقلة المرتبات"، مشيرا إلى أنَّ بعض الأسر "تضطر لإيقاف أبنائها من الذهاب إلى المدرسة؛ بسبب غلاء المعيشة".
واتفق الدكتور عدنان عامر مع السيوفي في ذلك، وزاد أنَّ "الأوضاع بشكل عام صعبة وفرص العمل في الجزيرة قليلة".
ووجه السيوفي رسالة عبر «سوث24» إلى الطلاب في سقطرى بعدم اليأس والعزوف عن إكمال المرحلة الجامعية، وقال "هذه المرحلة مهمة وهي السبيل إلى النَّهضة والتنمية".
وبشأن البعثات الدراسية للخارج، أشار الثقلي في حديثه لـ "سوث24" إلى أنَّ مؤسسة خليفة تقدّم منحاً دراسية سنوية لأبناء سقطرى لابتعاثهم للدراسة في تخصصات مختلفة في دول عربية منها: مصر والامارات، ليعودوا بعد ذلك بخبرات أفضل تخدم الجامعة وتعزَّز نشاطها".
آثار الصراع
وألقى الصراع على سقطرى، منتصف 2020، بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب "الإصلاح" الإسلامي، الذي كان يحكم الجزيرة، بظلاله أيضاً على الاكاديميين هناك، قبل سيطرة الأول عليها بشكل تام في 21 يونيو من ذات العام.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس انتقالي لـ «سوث24» "كانت هناك انتهاكات لحقوق الناشطين السياسيين والأكاديميين في سقطرى، وتم اعتقال عدد كبير منهم".
وأشار الثقلي إلى أنَّ سلطة سقطرى السابقة بقيادة المحافظ رمزي محروس، أصدرت آنذاك قائمة بالمعتقلين، تجاوز عددهم 70 ناشطاً وأكاديمياً.
ورداً على تلك الخطوات، قال الثَّقلي إنَّ" قيادة المجلس الانتقالي تحركت مباشرة للتعامل مع تلك التجاوزات والانتهاكات ووضعت حداً لها".
وزعم الثقلي إلى أنَّ المجلس "حافظ على استمرار العملية التعليمية وإبعادها عن التجاذبات السياسية بعد سيطرته على الجزيرة".
واتهمت أطراف في الحكومة اليمنية المجلس الانتقالي الجنوبي بتلقي الدعم والتمويل من الإمارات، لإحكام قبضته على الأرخبيل.
التعليم الأساسي
وفي إطار دعمها لقطاع التعليم، أبرمت دولة الإمارات عبر مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية عقود عمل مع خريجي الجامعات لسد جزء من الاحتياج في مدارس التعليم الأساسي والثانوي في الأرخبيل، وفقاً لـ رأفت الثقلي.
ويقول الأستاذ أحمد إبراهيم، مدير عام مكتب وزارة التربية والتعليم بمحافظة سقطرى لـ «سوث24» إنَّ معدل الطلاب والتلاميذ في الشعبة الواحدة "يصل إلى نحو 60".
طالبات في إحدى المدارس في سقطرى (سوث24، ناشطون)
وأوضح إبراهيم أنَّه "برغم تدخلات دول التحالف العربي في قطاع التعليم، إلا أنَّ الحاجة إلى المباني المدرسية خاصة على مستوى العاصمة تظلّ كبيرة جداً".
مدرسة للتعليم الأساسي والثانوي في سقطرى تم إنشاؤها بدعم إماراتي (سوث24، ناشطون)
ويضيف إبراهيم أنَّ "مؤسسة خليفة تدعم المعلمين في الوقت الراهن بنحو 350 درهم إماراتي شهرياً"، مُشيرا إلى أن هذا الدعم "لا يغطّي كل الاحتياجات". ورغم ذلك، يقول إبراهيم "لا يسعنا إلا شكر مؤسسة خليفة، ويكفينا أنَّها حضرت حين غاب الآخرون".
ولفت الثقلي إلى أنّ مؤسسة خليفة تكفلت بدعم 400 معلم، كما تكفلت إحدى الجمعيات الخيرية الكويتية بدعم قرابة 100 معلم.
ومع ذلك "لا تزال لدينا اشكالية قائمة في مستحقات المتعاقدين، حيث تعاني إدارة التربية من عدم استيفاء حقوق المتعاقدين"، حيث "لم يتسلَّم المعلمون مستحقاتهم لأكثر منذ ثلاثة أشهر"، وفقا لرئيس المجلس الانتقالي بالأرخبيل.
دعم التحالف
وبيَّن الثَّقلي أنّ السعودية قدمت عشر حافلات مدرسية للطلاب القادمين من المناطق البعيدة، وتكفَّلت ببناء أربع مدارس نموذجية في الأرخبيل، ووعدت بإنشاء مبنى "كلية سقطرى" الذي سيضم عدة اقسام، وتقديم منح دراسية داخل المملكة لتخصصات مختلفة.
وكان البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن قد أعلن في نوفمبر الماضي، افتتاحه لأربع مدارس نموذجية في الجزيرة قال أنها "تستوعب 5170 طالبا وطالبة". [2]
وفي إطار ترميم المدارس القديمة والأخرى التي تضررت من الأعاصير، يقول الثَّقلي "رممت الإمارات أكثر من 30 مدرسة في سقطرى، وتكفلت بدعم المشتقات وأجرة سائقي الحافلات".
وثمن الثَّقلي دعم مؤسسة خليفة للتعليم الأساسي، وقال "دعمت المؤسسة مدارس أساسية قبل ثلاث سنوات، ومخرجات تعليم هذه المدراس ممتاز حتى اللحظة".
وساهمت دولة الإمارات العربية المتّحدة عبر مؤسَّسة خليفة في ابتعاث عدد من الطلاب السقطريين للدراسة في الخارج، وفقا لنديم بدوس، رغم قلّة الكثافة السكانية في الأرخبيل، لافتاً إلى أنّ المنح السابقة التي قدمتها وزارة التعليم "لم تكن كافية".
ولفت رئيس انتقالي سقطرى إلى أنَّ مؤسسة خليفة "أنشأت معهدين لعلوم الحاسوب والكمبيوتر في مديريتي قلنسية وحديبو"، مضيفاً أنَّ ذلك "ساهم كثيرا في انخراط الشباب في التعليم".
وأفاد الدكتور عدنان عامر بأنَّ مؤسسة خليفة "تكفلت بدفع مستحقات المدرسين المتعاقدين في كلية المجتمع، والتي تقدر بـ 2 مليون ريال يمني"، مَّشيراً أنها "قدَّمت وسائل تعليمية للقاعات الدراسية والمختبرات الحاسوبية".
وفي يونيو/حزيران الماضي، أنشأت الإمارات جامعة أرخبيل سقطرى التي تعتبر أول جامعة خاصة في الجزيرة، بدعم من مؤسسة خليفة. وتضم الجامعة تخصص إدارة أعمال ومحاسبة مالية وتقنية المعلومات.
جامعة أرخبيل سقطرى التي تم إنشاؤها بدعم إماراتي (سوث24، ناشطون )
وأكَّد عامر أنَّ "هذه الجامعة ساهمت بشكل كبير في تحسين التعليم الجامعي في سقطرى".
ورغم أنَّ هذه الجامعة حديثة العهد، يلفت الدكتور عصام علي إلى أنَّ "التخصصات المتوفرة فيها موازية للتخصصات في كلية المجتمع سقطرى".
المجلس الانتقالي
وعن دعم المجلس الانتقالي للتعليم، يقول عميد كلية المجتمع، نديم بدوس، إنَّ "المجلس لعب دوراً مهماً في تشجيع التعليم في محافظة سقطرى، وهو لا يتأخر في تقديم الخدمات خاصة في هذا الجانب".
أما مدير التربية والتعليم في سقطرى، أحمد إبراهيم، فنفى لـ "سوث24" تقديم "المجلس الانتقالي الجنوبي أي دعم للتعليم، وقال "نتطلع إلى أن يساهم [المجلس] في دعم العملية التعليمية مع المانحين؛ لأنّ احتياجات هذا القطاع كبيرة جدا".
وعلى عكس ذلك، أكّد رئيس القيادة المحلية لانتقالي سقطرى، رأفت الثقلي، أنّ "المجلس بذل جهداً كبيراً في تذليل الصعاب فيما يتعلق بالتواصل مع المانحين وخاصة مؤسسة خليفة لتقديم الدعم لمختلف القطاعات وكان التعليم في مقدمتها".
وأوضح الثقلي أنَّ المجلس دعم بعض المناطق البعيدة بالمشتقات النفطية، وتبنى دعم أوائل الطلاب في عدة مدارس بجوائز تحفيزية، مُشيراً إلى أنَّهم كانوا على تواصل مستمر مع الإدارات المدرسية لمراقبة التعليم عن كثب.
الدعم الحكومي
انتقد مدير إدارة التربية والتعليم بمحافظة سقطرى، أحمد إبراهيم، دور الحكومة الرسمية في دعم قطاع التعليم في المحافظة. وقال لـ "سوث24": "إنَّ الحكومة "لم تقدّم أي شيء للقطاع التعليمي في سقطرى لا على المستوى الفني من حيث تدريب المعلمين والإداريين التربويين ومديري المدارس ولا على مستوى المباني المدرسية".
واستثنى من ذلك ما وصفها بـ"المرتبات التي لا تغني ولا تسمن من جوع" التي تصرفها الحكومة للموظفين بانتظام.
وأكَّد رأفت الثَّقلي أنَّ الدعم الحكومي للتعليم في سقطرى "غير متواجد نهائيا في هذه الظروف"، مشيراً إلى أنّ الميزانية التشغيلية في إدارة التربية والتعليم في المحافظة "تكاد تكون معدومة".
وناشد الثقلي الجهات الداعمة والمنظمات لمواصلة دعمها، مطالباً وزارة التعليم "أن تفتح مجالا لأبناء سقطرى ليتمكنوا من مواصلة تعليمهم الجامعي والدراسات العليا عبر تسهيل منح دراسية داخلية وخارجية والاهتمام في التخصصات العلمية".
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: فتيات في إحدى المدارس التي تم إنشاؤها بدعم إماراتي (سوث24، ناشطون)