12-01-2022 at 4 PM Aden Time
افتتاحية سوث24
خلال العامين الماضين، وصل الناس إلى مرحلة فقدوا فيها الأمل كلياً بتحقيق أي نصر ميداني على ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران، الذين وجدوا الفرصة مثالية للتمدد في مساحات كبيرة على طول وعرض البلاد، ولم يَحْدُث أن كُسِروا وتم دحرهم وتحرير مناطق شاسعة من قبضتهم بدون أن يرتبط ذلك بالدور الميداني الحاسم للقوات التي تدعمها الإمارات والمجلس الانتقالي في الجنوب.
لقد دفعت "الانتصارات" العسكرية، التي حققتها "ألوية العمالقة الجنوبية" في محافظة شبوة بجنوب اليمن، متحدث التحالف الذي تقوده السعودية، تركي المالكي، للطيران إلى مدينة عتق وتنظيم مؤتمرا صحفياً، لاقتناص فرصة ثمينة للاحتفاء بهذه "اللحظات التاريخية". جاء ذلك عقب ساعات من إعلان الألوية الجنوبية "انتهاء المرحلة الثالثة من عملية إعصار الجنوب، وتحرير كافة مديريات شبوة" في ضوء عشرة أيام فقط. وهي مناطق سبق وأن سقطت بيد الحوثيين في نهاية شهر سبتمبر الماضي وبلمح البصر.
ليس ذلك، لأنّ الهزائم المتكررة التي تعرضّت لها قوات الحكومة المعترف بها دوليا، في معاقلها الشمالية دون مواجهة، وحدها قد دفعت إلى الإحباط واليأس من تحقيق انتصارات ميدانية حاسمة طيلة سبع سنوات من الحرب، ولا لأنّ الحوثيين يملكون عتادا عسكريا خارقا. بل يمكن إرجاع ذلك بصورة رئيسية، إلى الطريقة التي أدار بها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، العمليات العسكرية هناك، خصوصا عقب سحب أبو ظبي معظم قواتها المسلّحة من البلد في أكتوبر 2019. لقد اعتمدت الرياض على أدوات يمنية من الأحزاب السياسية والقبائل المحلية والقوى التقليدية، ثبت لاحقا أنّ علاقتها بالحوثيين وثيقة ومتداخلة في عدّة مستويات، ولاعتبارات جغرافية واجتماعية وسياسية، وأنّ دوافعها لمواجهة الحوثي لا تتقاطع مع طموحات السعودية التي تسعى لإنهاء تهديدات نفوذ إيران في حدودها الجنوبية، والخروج من الحرب بأقل تكلفة ممكنة.
لماذا؟
إذن، كيف يمكن تفسير هذا الاختلاف في النتائج العسكرية الماثلة للعيان، بين الجنوب والشمال؟ ولماذا تُحقق القوات الجنوبية سواء تلك التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي أو المقربة منه، تقدمّا في العمليات التي تشارك فيها؟ ولماذا لم يستطع الحوثيون التقدم في المناطق التي تقع تحت سيطرة هذه القوات، سواء داخل جنوب اليمن أو في الساحل الغربي؟ هل يرجع ذلك لاعتبارات عسكرية وقتالية بحتة؟ أم أن هناك أسباب أخرى تم تغييبها من الحسابات السياسية والإعلامية بشكل متعمد؟
على الرغم من إشارة بعض الخبراء العسكريين للتدريب الجيد الذي تلقته ألوية العمالقة الجنوبية فضلا عن الخبرات التي اكتسبتها خلال معارك الساحل الغربي لليمن، إلا أنّه من الملاحظ أنّ هذه القوات وثّقت ارتباطها الجغرافي والسياسي إلى حد كبير بـ "الهوية الجنوبية". وسبق في فترة الحراك السلمي أن تحوّلت هذه الهوية الجنوبية إلى رآية وطنية عزيزة شحنت الجنوبيين بروح عالية ومتقدة من التضحية والفداء في سبيل وطنهم المنشود والاستعداد للدفاع عن كل شبر من أراضيه. ولم تجد ألوية العمالقة في النهاية غضاضة من رفع أعلام دولة جنوب اليمن السابقة على العربات العسكرية والمناطق التي تخضع لسيطرتها. كما أطلقوا على العملية العسكرية الأخيرة في محافظة شبوة، تسمية "إعصار الجنوب"، وفي بيان إكمال عملية التحرير القصير ختموه بعبارة "وطن لا نحميه لا نستحقه"، وكل ذلك يشي بالكثير من المعاني والدلالات.
لقد أرادت قيادة ألوية العمالقة ذو الخلفية السلفية، على الأرجح، منع استغلال مكاسبها العسكرية لصالح أطراف يمنية، خصوصا حزب الإصلاح الإسلامي. والأخير، الذي يسيطر على قوات الجيش اليمني الموالي للحكومة، ويتصدر حملات التحريض باسم "الوحدة اليمنية"، اعتاد في كل مرة، ومنذ ٢٠١٥، على إقحام نفسه عنوة لتقاسم شرف التضحيات والانتصارات المتحققة والتي لم يكن له أي يد فيها، وتجريدها من أصحابها الحقيقيين. كما أنّ العمالقة أرادت بذلك أن تمنح مقاتليها، الذين ينتمي معظمهم للحراك الجنوبي، روحاً معنوية وقيمة اعتبارية كبيرة تساعدهم على الثبات في أرض الميدان عند المواجهات.
وعلى الرغم أنّ ألوية العمالقة تتلقى الدعم بصورة مباشرة من الإمارات العربية المتحدة، ولا تخضع مؤسسيا لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن مصادر خاصة أكدت لـ سوث24، وجود تنسيق مستمر بينهما، ويُرجّح أن يتضاعف في المستقبل القريب لأسباب استراتيجية وعملية مُلحة.
تحديات
مقابل ذلك، تواجه هذه الألوية تحديات ليست سهلة، خصوصا بعد تصريحات متحدث التحالف، المالكي، في المؤتمر الصحفي بشبوة، من أنّ ألوية العمالقة تم هيكلتها في وزارة الدفاع اليمنية. يبدو أنّ التحالف الذي تقوده السعودية يطمح لأن تلعب هذه القوات دورا في القتال داخل مناطق شمال اليمن، ولهذا ظهر المالكي ببعض الثقة أثناء إعلانه، ومن شبوة، ما وصفها بعملية "حرية اليمن السعيد" في نفس اليوم الذي أعلنت فيه قوات العمالقة سيطرتها على مناطق واسعة في مديرية حريب، جنوب مأرب اليمنية، الحدودية مع شبوة.
وفي سياق هذه التطورات المتسارعة والمتداخلة، سيبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة عملية: كيف يمكن ان تستمر هذه القوات في القتال وحدها داخل الشمال في حين أنّ قوات الجيش الرسمية، الموالية لنائب الرئيس اليمني، والمتواجدة في وادي حضرموت "لا تخضع للتحالف"، وقرار مشاركتها في القتال ضد الحوثيين "بيد وزارة الدفاع"؟ وفقا لمتحدث التحالف.
وعلى الرغم من تنامي الأصوات الجنوبية المعارضة بشدّة لأي عملية توغل للقوات الجنوبية في بيئة غير آمنة يُراد منها حرب استنزاف ضد الحوثيين داخل الشمال، لم يرفض أو يقبل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، مشاركة القوات الجنوبية في القتال خارج حدود الجنوب. وقد عكست طريقته الدبلوماسية في الرد على سؤال لمذيعة قناة "سكاي نيوز عربية" بهذا الخصوص في حوار اُجري معه عشية انتصار شبوة، الكثير من المخاوف والاحترازات وضرورة إعادة تغيير استراتيجية المواجهة مع الحوثيين. قال الرجل بأنّ قرار توسيع القتال بعد بيحان، بيد التحالف، لكنه أبدى بالمقابل استعداد [المجلس] مساندة "الإخوة في الشمال".
ربما تنبع خشية البعض من أن تذهب تضحيات الجنوبيين داخل الشمال هدرا، وأن تتكرر الأخطاء السابقة، التي ساهمت فقط في إنتاج منظومة سياسية وعسكرية للقوى التقليدية المهيمنة داخل الحكومة، والتي اشتغلت بشكلٍ ممنهج على حرف مسار المعركة كلياً ناحية الجنوب، كما تورطت في إطالة أمد الحرب في اليمن وساهمت في مضاعفة معاناة الناس هناك.
يتمسك الجنوبيون، إلى حد كبير بمشروع قضيتهم الوطنية أو ما يُعرف بـ "قضية الجنوب". يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي هذه المطالب. ويظنّ الجنوبيون أن التحالف الذي تقوده السعودية سوف يقف، في نهاية المطاف، إلى جانب طموحاتهم السياسية ويدعم دولة جديدة في جنوب اليمن.
لقد احتفى المالكي بوضوح بالنصر الذي تحقق في شبوة. كذلك فعل المجلس الانتقالي الجنوبي وحتى الأطراف اليمنية التي دخلت في قتال سابق معه، وحاولت اقتحام عدن مرتين في أغسطس 2019 ومايو 2020. ربما من أجل ذلك، قال المالكي أنّ "شبوة وحدت اليمنيين بكافة مكوناتهم السياسية". فهل هذا صحيحا؟
ليست الثقة وحدها كانت الحلقة المفقودة، لتحقيق تقدّم ضد الحوثيين، بل غياب الآلية الصحيحة التي كان يفترض على التحالف العربي أن ينتهجها منذ وقت مبكر، عوضا عن محاولة فصل قراءة الواقع السياسي والعسكري في جنوب اليمن، عن طبيعة الأهداف التي تدخّل التحالف من أجلها هناك. إذ أنّ إهمال جذور القضايا يؤثر، بصورة مباشرة، على مستقبل مسارات الأزمة وتشعباتها، ويضاعف تبعاتها، والعكس صحيح.
- الصورة: مركبات عسكرية لألوية العمالقة الجنوبية، متجهة إلى شبوة في 27 ديسمبر 2021، وتظهر عليها أعلام جنوب اليمن (إعلام العمالقة)
Next article