التقارير الخاصة

عدن: معالم أثرية وتاريخية مُهدَّدة

صهاريج عدن (مركز سوث24)

20-09-2022 at 7 PM Aden Time

language-symbol

سوث24 | رعد الريمي


تزخر مدينة عدن، جنوب اليمن، بالمعالم والمواقع الأثرية التي ورثتها المدينة الساحلية من تاريخ فريد شديد التنوع والعالمية. لقد نحتت المحطات المختلفة التي مرَّت بها عدن بصماتها فتركت الدور والمعابد والقلاع والأضرحة والكنائس وغيرها من المعالم.


لكنَّ كثير من هذا الإرث التاريخي وهذه المعالم الأثرية تعرَّضت للتدمير بفعل عوامل مختلفة، على رأسها حربي 1994 و2015 اللتين شهدتهما عدن، بالإضافة للزحف العمراني من قبل النافذين والمواطنين والمباني العشوائية التي تستهلك رصيد المدينة وجذورها.



المتحف الحربي بعدن (مركز سوث24)


كما لعبت الظروف الطبيعية من سيول وأمطار وهزات أرضية دورًا في تهديد تاريخ عدن في ظل غياب الاهتمام الحكومي وأعمال الترميم التي تصاحب أي مشكلات من هذا القبيل. وحتَّى اليوم، يبدو أنَّ معالم عدن لا زالت في أدنى سلم الاهتمام الرسمي محلياً أو دولياً.


معالم تاريخية


تعتبر صهاريج عدن [صهاريج الطويلة]، في كريتر، من أهم المعالم الأثرية في المدينة. ويرجع تاريخ بناء هذا المعلم إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وفقاً لمؤرخين [1]. واستخدمت هذه الصهاريج لخزن المياه وبلغ عددها 55 صهريجا لم يتبق منها اليوم سوى 18 فقط.


ومن المعالم الرئيسية أيضاً "قلعة صيرة" التاريخية التي يعود بناؤها على الأرجح إلى القرن الحادي عشر الميلادي. وفقا لمؤرخين، بنيت القلعة بأوامر من الوالي العثماني على عدن عثمان الزانغابيلي التكريتي لأغراض عسكرية منها التصدي للهجمات البرتغالية. [2]



قلعة صيرة في عدن (الدليل السياحي اليمني)


وتعتبر "مقبرة العثماني"، التي بنيت في عام 1284 في منطقة الممدارة [3]، من المعالم التاريخية التي خلَّفتها الدولة العثمانية في عدن.


كما ترك الاستعمار البريطاني معالماً وآثاراً متنوعة في عدن مثل ساعة "ليتل بن" التي بنيت من قبل مهندسين بريطانيين عام 1890، فندق "كريسنت" في مدينة التواهي الذي بني في 1930 الذي يعتبر من أقدم الفنادق في الجزيرة العربية وقطنت فيه ملكة بريطانيا الراحلة اليزابيث الثانية في زيارتها الشهيرة [4] عام 1954.



ساعة "ليتل بن" في عدن (فيسبوك)


ومن المعالم التي خلَّفها الاستعمار البريطاني "مقبرة اليهود" في مديرية المعلا التي بنيت [5] في 1947، المتحف الحربي في مدينة كريتر الذي يعود بناؤه [6] إلى عام 1918، و"كنيسة حافون" الشهيرة في مديرية المعلا التي بنيت [7] في عام 1963.



 كما تتواجد في المدينة معالم دينية تعود للطوائف التي عاشت فيها مثل معبد "جاين الهندوسي" في مديرية صيرة الذي بُني [8] في 1882، و"معبد الفرس" ومعبد "شري كيمراجي" في ذات المديرية. 



معبد شري تريكمراجي في مدينة كريتر بعدن 1 مارس 2022 (مركز سوث24) 


وفي حديث لـ "سوث24"، قال مدير مكتب المتاحف والآثار بعدن محمد السقاف: "تم رصد أبرز المعالم بالمحافظة في مسح ميداني. يقدر عدد هذه المعالم بنحو 46 معلما، موزعة بين مديريات عدن الثمان". 


عبث وتدمير


تسببت حرب 2015 التي شنها الحوثيون وقوات صالح على عدن والجنوب بأضرار واسعة في معالم عدن الهامة، ومن بينها "رصيف السياح" في مديرية التواهي الذي تعرًّض لقصف من قبل القوات الشمالية.


 كما تعرضت "كنيسة القديسة ماريا"، أو "الكنيسة الكاثوليكية"، لأضرار نتيجة ضربة جوية للتحالف بقيادة السعودية. 



الصورة:  كنيسة «القديسة ماريا» سابقاً،  المجلس التشريعي حالياً (بُنيت عام 1871 بعهد الاستعمار البريطاني)   (مركز سوث24) 


وتعرضت ساعة "ليتل بن" الشهيرة إلى سرقة أجزاء منها، وفقاً لمصادر متخصصة تحدثت لـ "سوث24"، بالإضافة للبناء العشوائي من قبل السكان المحليين. لكنَّ صهاريج عدن تبقى أكثر المعالم تضررا اليوم على الإطلاق، فالمباني العشوائية تكثر حولها، وجدرانها تعرضت للتشويه والكتابة فيها.



أحد صهاريج عدن المتضررة (مركز سوث24)


وفقد "مسجد العراقي" الأثري الصوفي، في مديرية صيرة، أجزاء منه نتيجة اعتداءات واسعة طالته بعد حرب 1994 من قبل متطرفين. كما تم نبش عدد من القبور والأضرحة داخل المسجد. وتعرض "قبر الإمام الشاطري" في مديرية المعلا، الذي يعتبر معلما أثريا دينيا هاما، للنبش أيضاً في ذات الفترة. 


 كما تعرضت معالم أثرية أخرى مثل "السدود السبعة" في مديرية صيرة للبناء العشوائي حول حرمها وفي محيطها. وضاعف النازحون من مناطق الحرب إلى عدن من مشكلة المعالم الأثرية في المدينة حيث يستوطن كثير منهم بجوار معالم هامة مثل "مقبرة" اليهود في مديرية المعلا. 


حرمان


كشف كلا من رئيس مبادرة هويتي لحماية التراث بعدن، د. جاكلين البطاني، رئيس الدائرة الثقافية بالمجلس الانتقالي الجنوبي عمرو عقيل، والخبير بمجال الآثار والمعالم الأثرية محمد منقوش، لمركز"سوث24"، أنَّه لا يوجد معلم واحد في مدينة عدن ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.


وقالت البطاني: "لم تُبذل أي جهود مذكورة بهذا الخصوص عدا محاولة يتيمة أقدمت عليها إحدى المؤسسات المحلية المعنية بالمعالم الأثرية والثقافية في عدن لإدراج مدينة كريتر [صيرة] كمدينة تاريخية مثلها مثل بقية المدن العربية القديمة؛ غير أنَّ هذه المحاولة فشلت ولم تنجح".



تمدد الزحف العمراني بجانب صهاريج عدن (مركز سوث24)


 وأضافت: "هناك جملة من الخطط والبرامج التي يجب أن تٌطبق لتحقيق ذلك الأمر. لم يكن هناك التزام رسمي أو شعبي ولم تتوقف الاستحداثات داخل المعالم". واتهمت البطاني "جميع السلطات الحكومية بما فيها الجهات الأمنية بعدن بعدم حماية هذه المعالم وإهمالها".


وأشارت البطاني إلى أن معلم صهاريج عدن تم إخراجه من قائمة أولية مرشحة للتراث العالمي بسبب ما تعرض له من عملية تخريب وطمس للهوية.


 ولفت رئيس ثقافية الانتقالي عمرو عقيل إلى إنَّ "محمية الحسوة كانت على وشك أن تُقيد ضمن قائمة التراث العالمي غير أنَّها أزيلت من القائمة نتيجة توسع الانتهاك على أراضيها وبيئتها الطبيعية".

 

وحول هذا، قال مدير مكتب الآثار بعدن محمد السقاف: "بذلت جهود متراكمة من أجل إدراج معلم صهاريج عدن في قائمة التراث الإنساني العالمي؛ لقد قدمنا ملفا إلى دولة البحرين وتم قبوله مبدئيا إلا أن أعمال البسط العشوائي والتدخلات التي تمت من بعض المؤسسات الحكومية [الأراضي] بطريقة عشوائية دون الرجوع إلى الجهات المعنية أسقطت تلك الموافقة المبدئية". 


كما انتقد المسؤول المحلي ما تقوم به مؤسسات مدنية من "تدخلات وتجاوز للقوانين والأنظمة واللوائح". وأضاف: "المجتمع المدني دوره إشرافي توعوي داعم للجهات الحكومية لكن لا يحل محلها. تم القيام ببعض أعمال الترميم الجزئية من منظمات مدنية التي شوهت المعالم الأثرية بشكل كبير".



أضرار خلفتها حرب 2015 على المتحف الحربي بعدن (مركز سوث24)


وبشأن هذا، قال المسؤول بالانتقالي عمرو عقيل: "عمليات الترميم التي تمت لبعض المعالم كانت جزئية وهذا ما عطل أكثر مما أسهم بالمعالجة الفعلية. بسبب ذلك أوصينا بمنع لمس هذه المعالم من قبل المنظمات المحلية". 


وأضاف: "نعاني من إهمال فاضح ومخجل لتفعيل القوانين المعنية بحماية العين الأثرية من قبل الجهات الأمنية، الأمن السياحي، المنافذ البرية والبحرية، النيابات، والقضاء والسلطات التنفيذية بعدن". 


معالجات


 وحول المعالجات الممكنة لحماية معالم عدن الأثرية والتاريخية، قال عمرو عقيل: "هناك اتجاهان يمكن اتبعاهما لتحقيق ذلك: الأول ترميم هذه المعالم المتضررة؛ لكنَّ هذه الخطوة في الوقت الراهن قد تكون غير فعالة لأنَّها تحتاج إلى تقنيات عالية للحفاظ على هوية هذه المعالم، بالإضافة لأموال ضخمة".


وأردف: "يتمثل الاتجاه والخيار الثاني في تسليم حماية الأعيان الأثرية إلى جهة واحدة وإنهاء حالة التشظي التي أثرت بشكل سلبي على حماية هذه المعالم الأثرية بالعاصمة عدن. الجهات الحكومية والخاصة ممثلة بوزارة الثقافة والسياحة لا تقوم بدورها كما ينبغي".



موفد مركز سوث24 مع رئيس الدائرة الثقافية بالمجلس الانتقالي الجنوبي عمرو عقيل 


واتهم المسؤول بالانتقالي منظمة "اليونسكو" الأممية بـ "التقصير وعدم الالتفات للمعالم الأثرية في عدن". وأضاف: "هذه المنظمة لديها مكتب في عدن ولكن للأسف لم يُلمس لها حتى بيان واحد في إدانة أو استنكار أو حتى ممارسة ضغط على الجهات الحكومية بملف المعالم". 


بالنسبة لمدير مكتب الآثار والمتاحف محمد السقاف فإنَّ "رفع الوعي المجتمعي بأهمية المعالم الأثرية والتاريخية في عدن هو أول خطوة نحو معالجة كل الإشكاليات".


وأضاف: "يجب علينا جميعا أن نتعاون على رفع الوعي لدى المجتمع بأهمية الحفاظ على المعالم. يجب البدء من مختلف المراحل الدراسية والإعدادية والثانوية والجامعية لتعزيز الوعي المجتمعي".




صحفي لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


المراجع:

[1] ويكيبيديا

[2] ويكيبيديا

[3-8] الدائرة الثقافية بالمجلس الانتقالي


* لم يتواصل مركز سوث24 مع مكتب اليونسكو في عدن للرد على الاتهامات الواردة بالتقرير


Shared Post
Subscribe

Read also