التقارير الخاصة

باحث جنوبي يفسّر الأصولية السياسية لتنظيم القاعدة والإخوان والحوثيين في اليمن

10-03-2020 at 8 PM Aden Time

language-symbol

بدر قاسم محمد


أعلم ان هذه النظرة السريعة ليست دقيقة في التفصيل لكنها صحيحة في العموم، فكما يقال "الشيطان يكمن في التفاصيل"، إضافة إلى ان تفصيل الأزمة اليمنية يؤكد صحتها.


إذا ما قسمنا الأصولية الإسلامية إلى قسمين: أصولية سياسية وأصولية لا سياسية، سنجد أن الأب الروحي للأصولية السياسية هي الجماعة الشيعية، بصفتها أول معارضة سياسية في الإسلام، لم تستطع الخروج من هذه الصفة حتى يومنا هذا بتموضعها المعاصر فيما بات يعرف بمعسكر الممانعة والمقاومة، وسنجد ان الأب الروحي للأصولية اللاسياسية هي الجماعة السنية، بسيرها التاريخي في كنف السلطة الحاكمة.


ومما يؤكد هذا الطرح هو تربع ندية التشريع الفقهي للمذهبين، السني والشيعي، وتضادهما المحوري بشكل خاص في قضية جواز الخروج على الوالي الحاكم من عدمها، فالمذهب الشيعي بتفريعاته يجيز الخروج على الحاكم بينما المذهب السني بتفريعاته لا يجيز ذلك. هذا الاختلاف التشريعي هو جوهر الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة منذ فجر التاريخ الإسلامي وحتى عصرنا هذا حول قضية هي في الأساس قضية سياسية، فالشيعي من منطق المعارضة السياسية يجيز الخروج على الوالي الحاكم والسني من منطق السلطة الحاكمة لا يجيز ذلك.


يشكّل هذا الخلاف التشريعي النقطة التاريخية الأولى لمنطلق ما يمكن اعتباره اليوم بـ "الأصولية السياسية الشيعية والأصولية اللاسياسية السنية"، ومازال تشريع كل منهما الفقهي ثابت في الأصل لم يتغير.


في حاضر الازمة اليمنية حاليا، يتضح هذا المزج العقدي بوضوح تام بين طبيعة نماء سيكولوجي لجغرافيا أصولية لاسياسية في الجنوب السني، وطبيعة نماء سيكولوجي لجغرافيا أصولية سياسية في الشمال الشيعي


التفصيل الذي يشذ عن ثبات ندية الأصل التشريعي لكلا المذهبين، السني والشيعي، أحدثته السياسة ولم تحدثه العقيدة، فعندما تمكنت الجماعة الشيعية في بعض الأماكن والأزمان من الحكم عمدت الى تحصين سلطان حكمها بوضعها ضوابط تشريع عقدي تعجيزية تبرر الخروج على الحاكم وإقامة الحجة عليه. هذا من جانب ومن جانب آخر حصرت استحقاق الحكم والولاية في طبقة مجتمعية معينة. وعلى النقيض من هذا قامت بشكل متفرق حركات سياسية سنية مناهضة تستند على تشريعاتها العقدية الرافضة رفضا قطعيا الفكرة الشيعية عن الحكم والولاية في فترات محدودة ومعينة أحدثت عملية تبادل الأدوار السياسية بين السنة والشيعة "فمن كان حاكما أصبح معارضا سياسيا ومن كان معارضا سياسيا أصبح حاكما".


هذه النقلة النوعية في الأداء العقدي، فالشيعي صاحب الأصولية السياسية بدأ يفضل انتهاج عامة الناس لأصولية لاسياسية وهو يضع ضوابطه التعجيزية لولاية الإمام الفقيه الواجب توافرها، بينما لجأ السني صاحب الأصولية اللاسياسية إلى انتهاج أصولية سياسية محاولا الاعتراض على هذا التشريع العقدي الطارئ معتبرا اياه يخرج أصول الشريعة الإسلامية، الأمر الذي دفعه لرفض فكرة الطاعة المطلقة لولاية الامام الشيعي باعتباره ولي أمر المسلمين الذي لا يجوز الخروج عليه. 


لكن هذا التفصيل الذي جاء بعد الوقوف المبدئي لكل من المذهبين الإسلاميين على رأس منهجين تشريعيين متضادين، أحدهم يعتبر الأب الروحي للأصولية السياسية في الإسلام والآخر يعتبر الأب الروحي للأصولية اللاسياسية في الإسلام، لا يكاد يذكر، لهذا السبب استهللت مقالي هذا بالقول:

"أعلم ان هذه النظرة السريعة ليست دقيقة في التفصيل لكنها صحيحة في العموم."


محاولة جماعة الإخوان المسلمين التماثل والاتصال مع النهج الأصولي الشيعي، شكّل قوس قزح إسلامي جديد وهجين، أخرج السيكولوجية السنية من ألفتها الأصولية اللاسياسية إلى عراء الاستخدام السياسي


الأصولية السياسية المعاصرة:                      

بانهيار الدولة العثمانية وتقاسم المستعمر الغربي لتركتها في المنطقة العربية، لم تعد هناك قطبية إسلامية من النوع الذي ذكرناه سابقا، لقد حضرت قطبية من نوع آخر "سلامية – صليبية". ولأول مرة في التاريخ الإسلامي المعاصر تحركت أصولية المذهب السني اللاسياسية من مربعها التاريخي إلى مربع الأصولية السياسية في خمسينيات القرن المنصرم على شكل جماعة الإسلام السياسي ذات الطابع السني "جماعة الإخوان المسلمين"، لتتصل بالأصولية السياسية الشيعية، فدخلت هذه الجماعة المعترك السياسي وأدخلت معها أداتها العقدية الحادة «علم التوحيد والعقيدة» التي لطالما استخدمتها لمنازلة المذهب الشيعي. ومن نهج عرض كل قضية، مجتمعية كانت أو سياسية أو عقدية، على أداة «علم التوحيد والعقيدة» تناسلت الفتاوى التكفيرية بحق الاخر، غير الإسلامي والإسلامي على حد سواء، وتناسلت الجماعات التكفيرية والتنظيمات الإسلامية المتشددة.


محاولة جماعة الإخوان المسلمين التماثل والاتصال مع النهج الأصولي الشيعي، شكّل قوس قزح إسلامي جديد وهجين، أخرج السيكولوجية السنية من ألفتها الأصولية اللاسياسية السائرة في كنف السلطة الحاكمة إلى عراء الاستخدام السياسي بلا خلفية فكرية بإمكانها الاستناد عليها، عدا خبرتها المحدودة والقصيرة في معارضتها السياسية ومقارعتها الفكرية للمحاولة الشيعية لتأصيل فكرة ولاية الإمام الفقيه في طبقة اجتماعية معينة، على خلاف الشخصية الشيعية بطبيعة نماءها وخلفيتها الطويلة في تعاطيها مع الأصولية السياسية.


- الأصولية السياسية في اليمن:

في حاضر الازمة اليمنية حاليا، يتضح هذا المزج العقدي بوضوح تام بين طبيعة نماء سيكولوجي لجغرافيا أصولية لاسياسية في الجنوب السني، وطبيعة نماء سيكولوجي لجغرافيا أصولية سياسية في الشمال الشيعي.


وإن بدت ثورة الشمال اليمني ضد حكم الإمامة الزيدية في سبتمبر 1962 وكأنها قد طمست ثقافة المذهب الزيدي  - أحد فروع المذهب الشيعي المتعاطية للأصولية السياسية - وأحلّت بديلا عنها في صدارة المشهد السياسي اليمني جماعة الإسلام السياسي، جماعة الإخوان المسلمين التي تشكلت اخيرا كحزب سياسي تحت اسم «حزب الإصلاح اليمني» في العام 1990، نفس عام اعلان الوحدة اليمنية بين الشمال اليمني والجنوب، إلا أن التعاطي السريع لجماعة اخوان اليمن «حزب الإصلاح» لفكرة الأصولية السياسية والاندماج معها، يعكس مدى الأثر الثقافي الكبير الذي تركته أصولية الزيدية السياسية في إنسان الشمال اليمني وعقيدته المنطبعة في شخصيته التي تطبعت تلقائي مع أصولية جماعة الإخوان السياسية واندمجت تلقائيا معها بلا مشقة ولا عناء يذكر على الرغم من اتخاذ جماعة الإخوان المسلمين من العقيدة السنية منهاجا لأدائها السياسي.   

 

التعاطي السريع لجماعة اخوان اليمن «حزب الإصلاح» لفكرة الأصولية السياسية والاندماج معها، يعكس مدى الأثر الثقافي الكبير الذي تركته أصولية الزيدية السياسية في إنسان الشمال اليمني


بإجرائنا نظرة سريعة للهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن «حزب الإصلاح»، سنجد أن مقود الجماعة بيد قلة من القيادة الشمالية بينما قواعدها الشعبية بأرجل الكثرة الجنوبية، وهذا بحد ذاته يعكس طبيعة نماء الجماعة الهجين الذي أشرنا إليه سابقا، فهيكل إخوان اليمن التنظيمي عبارة عن رأس شمالي أمتهن تاريخيا الأصولية السياسية بطبيعة نماءه العقدي في كنف المذهب الزيدي، رأس على جسد جنوبي غض وطري لا يمتلك المعرفة والدراية الكاملة بطبيعة لعبة الأصولية السياسية، فلديه تركيبة نماء سيكولوجي لشخصية أصولية لاسياسية أو شخصية سياسية لا أصولية، ليتلقى هذا الجسد، جسد الفتى القاصر، أوامر الحركة الإسلامية يمنة ويسرة من الرأس الشمالي المثخن بالفتاوى الدينية خادمة المصلحة السياسية لأصولية الشمال السياسية المسيطرة تاريخيا على اليمن. هذه هي بالضبط طبيعة الخلط الخطر بين شمال الأصولية السياسية تاريخيا وجنوب الأصولية اللاسياسية تاريخيا التي تجعل عملية الفصل بينهما ضرورية وهامة جدا.


وخير دليل على ما ذكرناه عن طبيعة أداء التنظيمات الإرهابية في اليمن بما يتناسب مع الإرادة السياسية للشمال اليمني هو هذه المحاولة لسرد سياق أحداث الحرب في الجنوب بأثر رجعي يتتبع الأداء السياسي والعسكري لكافة الأطراف الشمال يمنية:


1- على صعيد مسرح العمليات العسكرية على الخارطة الجنوبية


- مطلع العام 2015 م ظلت سيطرة الجماعتين الإرهابيتين على الجنوب جماعة أنصار الله (الحوثيين) وجماعة أنصار الشريعة (تنظيم القاعدة)، متجاورتين بتقاسم هو التالي:


جماعة أنصار الله تسيطر على عدن وأبين والأجزاء الشمالية من شبوة من ضمنها العاصمة عتق، وجماعة أنصار الشريعة تسيطر على المكلا والأجزاء الجنوبية من شبوة والأطراف الشرقية من أبين.


يروي لي بعض الجنود الجنوبيين قصة أسرهم من قبل الجماعتين على التوالي. أولا في طريق ذهابهم لحضرموت عن طريق شبوة تعرضوا للأسر من قبل جماعة أنصار الله في عتق، وبعد أُخذ ما بحوزتهم من أجهزة هاتف وأوراق ثبوتية، تم استجوابهم من قبل المحقق الحوثي بتهمة صلتهم بالدواعش والإرهابيين. بعد مدة اعتقال دامت يومين تم إطلاق سراحهم بتعهدات بعدم العودة. ثم ثانيا، في طريق عودتهم إلى عدن عن طريق حضرموت الساحل تعرضوا للأسر من قبل جماعة أنصار الشريعة في المكلا، وبعد أخذ ما بحوزتهم من تليفونات وأوراق ثبوتية تم استجوابهم من قبل المحقق القاعدي بتهمة صلتهم بالروافض الحوثيين، بعد مدة اعتقال دامت يومين تم إطلاق سراحهم بتعهدات بعدم العودة.


بعد أن قامت المقاومة الجنوبية بطرد جماعة أنصار الله من عدن في يوليو 2015، كان عليها أن تتجه غربا باتجاه تعز وإب لتؤمن عدن. وبعد أن قامت النخبة الحضرمية بطرد جماعة أنصار الشريعة من المكلا في إبريل 2016، كان عليها أن تتجه غربا باتجاه أبين وشبوة لتؤمن المكلا. انسحاب جماعة أنصار الله غربا واستمرارها في تشكيل تهديد عسكري هجومي على عدن وفّر عامل إشغال للمقاومة الجنوبية يلهيها عن الاتجاه شرقا إلى أبين وشبوة.


وانسحاب جماعة أنصار الشريعة غربا واستمرارها في تشكيل تهديد أمني على المكلا وفّر عامل إشغال للنخبة الحضرمية يليها عن الاتجاه شرقا إلى حضرموت الداخل، بالإضافة إلى أن فرار تنظيم القاعدة باتجاه أبين والسيطرة عليها شكل حاجزا يفصل عدن عن شرقها الجنوبي. هذا المسرح العملياتي يعيدنا إلى تذكر ما الذي حدث مع أول هدنة انسانية فرضتها الامم المتحدة في تشرين الأول 2016 في الحرب اليمنية!


تفاهم الإخوان والحوثيون، يهدف لفصل الجنوب عن بعضه عبر حرصهما في الإبقاء على سيطرة جماعة أنصار الله وجماعة أنصار الشريعة جنوبا، بالمقابل على صعيد الحرب شمالا تحدث إدارة لمعركة وهمية بينهما، هدفها الحفاظ على وحدة الشمال


- حدث أن التحالف العربي والمقاومة الجنوبية أرادا انتهاز الهدنة بالسعي والتقدم ناحية أبين لدحر جماعة أنصار الشريعة الإرهابية من السيطرة عليها، وعند إعلان التحالف العربي عن حملته العسكرية باتجاه أبين احتجت جماعة أنصار الله على لسان ناطقها محمد عبد السلام في حادثة تعد الأول من نوعها. اذ كيف لجماعة تدعي محاربة الارهابيين والدواعش ان تعترض على من يعتزم التقدم العسكري لمحاربة الإرهابيين والدواعش؟


لقد صرح ناطق الحوثيون قائلا: «ان الهدنة تشتمل على رفض أي تحرك عسكري للتحالف والمقاومة الجنوبية.»


كذلك احتج شيوخ حزب الإصلاح «جماعة الإخوان في اليمن» واعترضوا على الحملة بحجة أن المناصحة والحوار مع هؤلاء الشباب المغرر بهم - يقصدون عناصر أنصار الشريعة - أفضل من أي عمل عسكري.


والشاهد من قصة إشغال كل من المقاومة الجنوبية والنخبة الحضرمية، بالاتجاه غربا، ومن احتجاج الجماعتين اليمنيتين (الحوثية والإخوانية) ، أن تفاهم الجماعتين يهدف لفصل الجنوب عن بعضه عبر حرصهما في الإبقاء على سيطرة جماعة أنصار الله وجماعة أنصار الشريعة جنوبا، بالمقابل على صعيد الحرب شمالا تحدث إدارة لمعركة وهمية بين ذات الجماعتين (الإخوانية والحوثية) في تباب نهم ومأرب على مدار 5سنوات ويزيد، راكدة في مكانها هدفها الحفاظ على وحدة الشمال مع بعضه واستنزاف التحالف العربي ماليا وعسكريا في نفس وقت فكفكة أجزاء الجنوب عن بعضها. وأخيرا بإسقاط محافظة الجوف ونهم وأجزاء واسعة من مأرب تكون وحدة الشمال اليمني الجغرافية قد اكتملت في قبضة الحوثيين.


2- على صعيد السيطرة على أداء التنظيمات الإرهابية «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وجماعة أنصار الشريعة» في الجنوب


- من الجيد تنبه مركز جيمس تاون الأمريكي في تقرير الباحث والخبير في شئون التنظيمات الإرهابية ميخائيل هورتون إلى تغير استراتيجية تنظيم القاعدة في اليمن، من الجوهر الهرمي للقيادة إلى الهيكل التنظيمي الذري، وهو يكاد أن يحدد نقطة زمنية لحدوث هذا التغيير عندما أجرى مقارنة سريعة بين طبيعة أداء التنظيم في فترة زعيم التنظيم الوحيشي وفترة خلفه الريمي، وهو يبرر ضعف أداء التنظيم في زعامة الريمي وقوته في زعامة الوحيشي بـ «الكفاءات الأساسية للزعيمين»، أي باختلاف شخصية كل منهما.


لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فهناك مبرر سياسي لطبيعة اختلاف أداء التنظيم في الفترتين المذكورتين، يواكب كل ما ذكرناه آنفا عن تقاسم خارطة النفوذ والسيطرة على الجنوب بين التنظيمات الإرهابية وجماعة الحوثيين، فما يبرر تغير استراتيجية التنظيم هو:


1- اختلاف الانتماء الجغرافي لكل من الوحيشي والريمي

2- اختلاف النزوع السياسي والأجندة السياسية لكل منهما

3- اختلاف سيكولوجية الشخصيتين القيادتين المسبب بالانتماء الجغرافي والنزوع السياسي معا


عند تسلم الريمي لقيادة التنظيم على حساب التخلص من الوحيشي، فدخلت فترة زعامة الريمي مرحلة جديدة من التماهي مع الأجندات السياسية للشمال الهادفة لعدم دخول التنظيم في صدام حقيقي مع جماعة أنصار الله «الحوثيين»


إذا ما دمجت كل هذه العوامل سنجدها تعزز الحضور القيادي القوي للوحيشي المنحدر إلى الجنوب وعكسه للريمي المنحدر للشمال اليمني بالآتي:


1- السبب التاريخي القديم

هو ما أشرنا إليه سابقا عن أصولية الشمال اليمني السياسية تاريخيا وأصولية الجنوب اللاسياسية تاريخيا، وهذا بدوره منعكس في طبيعة أداء كلا من الشخصيتين القياديتين في تنظيم القاعدة، الوحيشي المنحدر جنوبا والريمي المنحدر شمالا.


2- السبب السياسي المعاصر

غلبة الشمال اليمني العسكرية على الجنوب في مشروع الوحدة اليمنية، عقب فشل الوحدة المبكر في الاستمرار السياسي، مضافة إلى غلبة شخصية الشمالي السياسية المتربعة في صدارة المشهد السياسي على شخصية الجنوبي المهمشة، بالإضافة إلى ان حرب صيف العام1994، التي انتصر فيها الشمال على الجنوب، استقدم فيها الشمال عناصر التنظيمات الإرهابية العائدة من أفغانستان وشرق آسيا، لتشاركه القتال ضد الجنوب ذي النظام الاشتراكي، وهو يحتضنهم ويحثهم عقائديا للقتال ضد كفرية النظام الاشتراكي القائم جنوبا، سليل المنظومة الاشتراكية في أفغانستان وشرق آسيا. 

بعد الانتصار على الجنوب، استمر الشمال في استثمار هذه العناصر الإرهابية والسير التقليدي على نمط الطريقة الغربية في استثمارهم في شرق آسيا، وعندما توقف الغرب عن هذا النهج بسبب تضرره، لم يتوقف الشمال أو ربما لم يستطع ان يتوقف بسبب تغلغل عناصر الإرهاب ووصولها لأعلى المراكز في الدولة.    


الحدث التراجيدي لهذا البون الاستعلائي بين الشمال والجنوب، عزز من حضور وتنامي شخصية الجنوبي الثورية، وبموازاة كل تلك الغلبة للشمال حضرت غلبة الشخصية الجنوبية العفوية الثورية، في ساحة انتشار الروح الثورية المعاصرة في المنطقة العربية برمتها، على الشخصية الشمالية السياسية. فكان لابد من نزوع الشمال لسلوكه التاريخي، فذهب بعيدا في عملية استثمار وتنشيط التنظيمات الإرهابية في الجنوب بما يخدم أجندته السياسية في السيطرة على الجنوب، وهو يعكس صورة جنوب الفكر الإرهابي، ليصنع الإرهاب جنوبا وفي نفس الوقت يتصنع محاربته أمام الخارج. كان لابد لقدرته على تنفيذ مثل هذا الأداء السياسي المزدوج أن يستخدم تبعية العنصر الإرهابي الشمالي السياسية للشمال بمعزل عن تبعية العنصر الإرهابي الجنوبي العقائدية للتنظيم. هذا الانفصام البيني يسمح بضبط مكان وزمان وقوع الحدث الإرهابي بما يتناسب مع سياسة الشمال وحاجته الراهنة لكل حدث زماني مكاني.


قبل اندلاع الازمة اليمنية مطلع العام 2015، حين كانت أجهزة الدولة اليمنية متماسكة، وجود العنصر الجنوبي في صدارة تنظيم القاعدة لا يمثل شيء ، فلدى الدولة وأجهزتها قدرة على التحكم بالمسار العملياتي للتنظيم، لكن في ظل انهيار أجهزة الدولة جنوبا بسبب الحرب، نستطيع القول ان هذا المستجد العملياتي عزز من حاجة الشمال لحضور العنصر الشمالي في صدارة التنظيم أكثر، وهذا ما تم فعلا عند تسلم الريمي لقيادة التنظيم على حساب التخلص من الوحيشي، فدخلت فترة زعامة الريمي مرحلة جديدة من التماهي مع الأجندات السياسية للشمال الهادفة لعدم دخول التنظيم في صدام حقيقي مع جماعة أنصار الله «الحوثيين»، بما يضمن تقسيم مسرح العمليات العسكرية جنوبا وفق إرادة الشمال السياسية. وهذا هو بالضبط ما يبرر اعتراض القوى السياسية الشمالية التي تبدو ظاهريا مختلفة فيما بينها، مجتمعة لحظة إعلان التحالف العربي والمقاومة الجنوبية عن الحملة العسكرية المستهدفة تواجد التنظيمات الإرهابية في أبين في ذلك الوقت. وهذا هو بالضبط ما يبرر أيضا إشارة تقرير مركز أبحاث جيمس تاون الأمريكي إلى تغير استراتيجية تنظيم القاعدة في اليمن عند لحظة تسلم الريمي لزعامة التنظيم، وحديث التقرير عن وجود تعاون بين القوات الحكومية والتنظيمات الإرهابية. وفي هذا السياق لقد حملت صيغة الخبر المتداول عن مقتل الريمي و(تعيين) باطرفي خلفا له في زعامة التنظيم، إشارة واضحة إلى تغير استراتيجية التنظيم واتباعه منهجية سياسية من جانب، ومن جانب آخر إلى تبعية التنظيم للحكومة اليمنية.


بهذه الكيفية من جديد الأداء السياسي للتنظيم الذي تحدث عنه تقرير مركز جيمس تاون الأمريكي للبحوث والدراسات، بنقطة تغير استراتيجية تنظيم القاعدة في اليمن من الجوهر الهرمي للقيادة إلى الهيكل التنظيمي الذري، بالتحديد في فترة انتقال قيادة التنظيم من الوحيشي إلى الريمي. التغيير الذي أرجعه التقرير الأمريكي إلى «الكفاءات الأساسية للزعيمين»، أعتقد أن ما يبرره هو:


بعد انقضاء أيام قلائل فقط على تولي باطرفي لقيادة التنظيم، فإذ بالتنظيم يعلن تنفيذه مؤخرا، لسلسلة اعدامات ميدانية لمجموعة من عناصره الذي وصفهم بـ «جواسيس الصليبين»


- حاجة الشمال خلال المدة الزمنية لسيطرة جماعة الحوثيين وتمددهم في اليمن لحضور الأداء السياسي للتنظيم وعدم ذهابه إلى نقطة صدامية مع جماعة الحوثيين الشمالية، لهذا تم التخلص من الوحيشي وتنصيب مكانه الريمي، أي أن الشمال تعمد إضعاف التنظيم في طريق سيطرة جماعة الحوثيين الشمالية على اليمن بما يتماشى مع مسار الحدث السياسي الدولي. انقضت هذه الفترة البرزخية لسياسة الشمال بانقضاء فترة قيادة الريمي والقضاء عليه. أعتقد أن حدث تعيين باطرفي المنحدر إلى الجنوب خلفا للريمي في قيادة التنظيم تهدف لإعادة نشاط تنظيم القاعدة إلى الساحة اليمنية بوتيرة عالية واخراجه من الحالة السياسية الراكدة بالتزامن مع حاجة الإرادة السياسية للشمال إلى التوغل جنوبا.


فبعد انقضاء أيام قلائل فقط على تولي باطرفي لقيادة التنظيم، فإذ بالتنظيم يعلن تنفيذه مؤخرا، لسلسلة اعدامات ميدانية لمجموعة من عناصره الذي وصفهم بـ «جواسيس الصليبين».


مثلت الوحدة اليمنية بين الشمال اليمني والجنوب نقطة التقاء خطير بين سيكولوجية نماء جغرافي وسياسي جنوبي عُرف تاريخيا بأصوليته اللاسياسية وسيكولوجية نماء جغرافي وسياسي شمالي عُرف تاريخيا بأصوليته السياسية


- نفس الأمر حدث للهيكل التنظيمي لجماعة أنصار الشريعة، إحدى جماعات تنظيم القاعدة، التي كان يتزعمها جلال بلعيدي المنحدر إلى الجنوب، مع زيادة أن جلال بلعيدي قبل عملية التخلص منه بإعطاء احداثيات تواجده كهدف للطيران الأمريكي المسير، كان قد وصل خلافه مع أجندات الشمال السياسية، التي تأمره بعدم الصدام مع جماعة الحوثيين أو التعرض لهم، إلى مرحلة اللاعودة، عندما شارك مجاميع المقاومة المحلية الجنوبية عملية دحر الميلشيا الحوثية من أبين مجريا بعض التفاهمات الجنوبية البينية، ردا على ما لمسها هو شخصيا من تفاهمات شمالية بينية بين مركز قيادة التنظيمات الإرهابية ومركز قيادة الجماعة الحوثية.


وما يؤكد صحة ذلك هو محاولة تعيين العنصر الشمالي في جماعة أنصار الشريعة "أبو أنس الصنعاني" في زعامة الجماعة، في محاولة شبيهة بمثيلتها في زعامة تنظيم القاعدة، من حيث تغير الاستراتيجية التنظيمية وفي نفس الفترة الزمنية التي شهدها تنظيم القاعدة، إلا ان حدث تعيين "أبو أنس الصنعاني" في زعامة الجماعة لاقى اعتراضا شرسا من قبل عناصر الجماعة الجنوبية، الأمر الذي وضع مستقبل جماعة أنصار الشريعة في خبر كان، فحتى هذه اللحظة لم يعد يُرى لها أي نشاط يذكر.


» أخيرا

مثلت الوحدة اليمنية بين الشمال اليمني والجنوب نقطة التقاء خطير بين سيكولوجية نماء جغرافي وسياسي جنوبي عُرف تاريخيا بأصوليته اللاسياسية وسيكولوجية نماء جغرافي وسياسي شمالي عُرف تاريخيا بأصوليته السياسية. نقطة الالتقاء التي أصبحت فرازة لتخريج عناصر التنظيمات الإرهابية. 

لذا ينبغي إعادة الجنوب الأرض والإنسان إلى سياقه التاريخي القديم المألوف بانفصاله العقدي عن السياسة بطبيعة أليفة وإعادة الشمال اليمني إلى سياقه التاريخي القديم المؤتلف مع اختلاطه العقدي بالسياسة بطبيعة أليفة. هذا الأمر ضروري وحتمي ولابد منه.     



- بدر قاسم محمد: كاتب وباحث من جنوب اليمن
- هذه المادة تمت كتابتها لمركز سوث24 للأخبار والدراسات


Shared Post
Subscribe

Read also