ميناء المكلا في حضرموت (مؤسسة موانئ البحر العربي)
11-07-2023 at 8 PM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
منذ فبراير الماضي، تصاعد نشاط ميناء الحديدة الخاضع لمليشيا الحوثيين المدعومة من إيران على حساب ميناء عدن والموانئ الحكومية الأخرى، بسبب تسهيلات قدمتها السعودية لميناء الحديدة تمثّلت بإجراءات تفتيش أقل وبدء دخول سفن الوقود والسفن التجارية دون تأخير.
جاءت تلك الخطوة في خضم وساطة عُمانية بين السعودية والحوثيين ومحادثات ثنائية بين الطرفين أسفرت عن زيادة رحلات مطار صنعاء أيضًا، لكنّها حتَّى اليوم عجزت عن إنتاج اتفاق جديد على أنقاض الهدنة الأممية التي انتهت رسمياً في أكتوبر المنصرم.
وفي 2 مارس الماضي، أعلن وزير النقل في حكومة الحوثيين، عبد الوهاب يحيى الدرة، تشغيل ميناء الحديدة بكامل طاقته. وأعلنت اللجنة الاقتصادية الحوثية آنذاك إعفاءات من رسوم إيجار الأرصفة لـ 21 يوماً. كما قدمت تخفيضاً بنسبة 49% من جمارك البضائع والسلع الواردة إلى ميناء الحديدة.
على مدى الأشهر اللاحقة، حاول الحوثيون تعزيز نشاط ميناء الحديدة أكثر بفرض قيود على مرور السلع المستوردة عبر ميناء عدن إلى مناطق شمال اليمن التي يسيطرون عليها. كما كانت قرارات حكومية برفع التعرفة الجمركية بنسبة 50% قبل ذلك في يناير قد تسببت بزيادة التحديات أمام ميناء عدن.
نتيجة لكل هذا، تراجع نشاط ميناء عدن الاستراتيجي بصورة غير مسبوقة، وتجاوزه ميناء الحديدة بعدد الرحلات البحرية التجارية لأول مرة على الإطلاق في يونيو الماضي. قبل ذلك، كانت تأثيرات تلك التطورات واضحة منذ البداية كما أوضح تقرير نشره مركز سوث24 مطلع مارس الماضي.
أثار تراجع نشاط ميناء عدن لصالح ميناء الحديدة التساؤلات حول ثاني أكبر ميناء في جنوب اليمن، وهو ميناء المكلا في محافظة حضرموت التي توقف إنتاج النفط فيها بعد هجمات حوثية بطائرات مسيرة في أكتوبر ونوفمبر الماضيين على ميناء الضبة النفطي بمديرية الشحر.
نشاط الميناء
يُقر المهندس سالم باسمير، رئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ البحر العربي، بتراجع نشاط ميناء المكلا بصورة ملحوظة بعد فتح ميناء الحديدة.
وقال في حديث خاص لمركز "سوث24": "بالفعل انخفضت عدد الرحلات البحرية إلى ميناء المكلا. لكنَّ هذا بدأ قبل فتح ميناء الحديدة عندما رفعت الحكومة قيمة الضريبة الجمركية. لقد بدأت الآثار بعد هذه الخطوة، وتحول بعض التجار إلى عدن على سبيل المثال، نظراً لتعادل القيمة ولتوفير رسوم النقل".
وأضاف: "معظم البضائع التي تصل ميناء المكلا تذهب إلى محافظات الشمال، نظراً للكثافة السكانية وحجم الاستهلاك في مناطق الشمال. هذا الانخفاض طبيعي ومتوقّع خصوصًا مع انخفاض قيمة التعرفة الجمركية في ميناء الحديدة، لكن هناك ضرورة لتسوية الأوضاع وترتيبها من جديد؛ للتعايش مع الوضع الجديد والراهن".
الأرقام
تغيب الأرقام الرسمية بشأن عدد الرحلات التجارية إلى ميناء المكلا للعام الحالي 2023 على الموقع الرسمي لمؤسسة موانئ البحر العربي، بينما تتوفر تلك الأرقام بشكل مفصل للأعوام السابقة منذ العام 2007.
ووفقًا للمهندس سالم باسمير، ترصد المؤسسة تلك الأرقام بشكل ربع سنوي قبل أن توفرها بشكل كامل نهاية كل عام على الموقع. وتلبية لطلب مركز "سوث24"، كشفت مؤسسة موانئ البحر العربي عن أعداد السفن التجارية الواصلة إلى ميناء المكلا خلال الربع الأول من العام الجاري، فيما تعذر الوصول إلى باقي الأشهر.
ووفقًا للمؤسسة، وصلت 38 باخرة و62 سفينة خشبية إلى ميناء المكلا محملة بالبضائع المتنوعة والحاويات خلال الربع الأول من 2023، ما مجموعه 100 رحلة تجارية بحرية إلى الميناء. وهو عدد أقل من الرحلات مقارنة بالفترة من ذاتها من العام 2022 حيث وصلت عدد الرحلات التجارية البحرية إلى 121 رحلة [31 باخرة و90 سفينة خشبية].
وبمقياس الحاويات، وصلت 5047 حاوية إلى ميناء المكلا خلال الربع الأول من 2023، أقل بنحو 645 مقارنة بذات الفترة من العام 2022 حيث وصل عدد الحاويات إلى 5692 حاوية.
لكنَّ تأثير ميناء الحديدة على ميناء المكلا لا يعود فقط إلى العام الجاري بعد فتح الميناء بشكل شبه كامل أمام الرحلات في فبراير، فوفقًا للمهندس سالم باسمير، بدأت التأثيرات منذ توقيع اتفاق ستوكهولم عام في ديسمبر 2018 بشأن الحديدة، حيث أتاح الاتفاق إدخال الوقود وبعض الشحنات الغذائية عبر الميناء.
وأوضح باسمير أنَّ بعض الشركات والتجار توجهوا على مدى الفترات اللاحقة نحو ميناء الحديدة لأنَّ الجزء الأكبر مما يستوردونه مخصص للسكان في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يشكلون الكتلة البشرية الأكبر في البلاد.
وتظهر الأرقام التي تحصل عليها مركز "سوث24" التراجع المتدرج لنشاط ميناء المكلا بين 2019 – 2022، قبل التطورات الأخيرة مطلع 2023 التي فاقمت المشكلة وزادت من نشاط ميناء الحديدة والموانئ الأخرى هناك على حساب الموانئ الحكومية.
العام | عدد البواخر | عدد السفن الخشبية | إجمالي الرحلات البحرية |
2019 | 223 | 383 | 606 |
2020 | 228 | 244 | 472 |
2021 | 196 | 250 | 446 |
2022 | 150 | 277 | 427 |
إجراءات حكومية
طبقًا لرئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ البحر العربي، المهندس سالم باسمير، قامت وزارة النقل في عدن بإجراءات لتعزيز عمل الموانئ الحكومية في ظل التحديات الراهنة التي تتزايد باستمرار.
وأضاف: "لقد تحركت الحكومة في عدن، وعقدت اجتماعات، وأصدرت تعميمات بتقديم تسهيلات تتضمن: إنهاء تأخير السفن، وتسهيل دخولها وتفريغ حمولتها بشكل سريع. كل هذه التوجيهات نُفذت على الواقع. وفي الوقت الراهن تدخل السفن ميناء المكلا بسلاسة وبدون أي تأخير".
وأوضح المسؤول الحكومي أنّ "إجراءات التفتيش لم تعد مُشددة مثلما في السابق". مضيفًا: "نأمل أن ينجذب التجار لهذه التسهيلات ويظل تعاملهم معنا في ميناء المكلا".
ومع ذلك، لا يبدو أنَّ هذه الإجراءات كافية، حيث يتجاوز الوضع الراهن الحالة الطبيعية القائمة على التنافس بين الموانئ في تقديم الخدمات الأفضل وجذب الرحلات البحرية؛ نظرًا لما يقوم به الحوثيون من تضييق وعرقلة وإجراءات تستهدف ميناء عدن بشكل مباشر ضمن التصعيد الاقتصادي للجماعة الذي يتقدمه منع تصدير وإنتاج النفط.
علاوة على ذلك، تمضي الجماعة في زيادة قدرات الميناء الذي يعتبر من أكبر مواردها المالية، بمساعدة أممية معلنة. ففي 18 يونيو الماضي، قالت وكالة "سبأ" الحوثية إنَّ "الرئيس التنفيذي لمؤسسة موانئ البحر الأحمر، القبطان محمد إسحاق، ناقش مع رئيس المكتب الفرعي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الحديدة، هيما خادكا، الجوانب المتعلقة بتحديث مصفوفة المشاريع المتفق عليها لتوفير احتياجات المؤسسة".
وفي 4 يوليو الجاري، قالت صحيفة "الثورة" التابعة للحوثيين إنَّ نائب المبعوث الأممي إلى اليمن معين شريم "قدم وعودا إيجابية" بالعمل على نقل آلية التفتيش الأممية [UNVIM] من جيبوتي إلى ميناء الحديدة، بعد لقاء مع نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بصنعاء لقطاع الصناعة حسن غالب السياني، في العاصمة الأردنية عمَّان.
يشار إلى أنَّ اتفاق الحديدة كان قد نص على توظيف إيرادات ميناء الحديدة لدفع رواتب موظفي الخدمة العامة في مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما لم تلتزم به الجماعة كما تدَّعي الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دوليًا. وتتهم الحكومة الحوثيين باستخدام تلك الإيرادات لتمويل حروبها وتعزيز قدراتها العسكرية.
على الرغم من ذلك، استمرت الحكومة في اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة. ومن حين إلى آخر، يلوح مسؤولون فيها بإعادة النظر في عمل ميناء الحديدة ومطار صنعاء، والتسهيلات التي جلبتها الهدنة الأممية في 2022 والمحادثات الثنائية بين السعودية والحوثيين لعمل هذين المرفقين الحيويين.
Previous article