تصميم: مركز سوث24
06-09-2023 at 12 PM Aden Time
سوث24 | نانسي طلال زيدان
كانت قمة بغداد الثانية التي جمعت مصر والعراق ودول الخليج على أرض الأردن في ديسمبر (2022)، بحضور إيران، بداية الظهور العلني للمساعي الإيرانية الدؤوبة لاستعادة علاقاتها بُمحيطها العربي، خاصة مع مصر والسعودية. وهما الدولتان، التي مرت إيران بفترات من توتر العلاقات وحتى العداء معهما. إلا أن تبعات التغيرات الدولية التي نجمت عن الأزمة الأوكرانية وألقت بثقالها على دول الشرق الأوسط، دفعت دول المنطقة لانتهاج سياسة أكثر برجماتية وأكثر انفتاح لتعاون أعمق مع القوتين الشرقتين الأكبر روسيا والصين.
تمت خلال الفترة السابقة عدد من المُفاوضات السرية والعلنية بين إيران ومصر والسعودية، قادت لتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية في إبريل الماضي. ذلك الحدث الذي فاجأ الكثيرين، دفع إسرائيل، أكثر الأطراف قلقاً من ذلك التقارب، لتنشيط تنسيقها مع الولايات المُتحدة لوضع التطبيع السعودي الإسرائيلي على رأس أجندة واشنطن في المنطقة.[1]
بالتوازي مع ذلك، تُركّز إيران جهودها الدبلوماسية بكثافة؛ للفوز بالتطبيع الكامل مع مصر. فبعد وساطة عراقية موسعة بين البلدين بناءاً على طلب إيران وزيارات رئيس الوزراء العراقي شياع السوداني لمصر، هناك أيضا وساطة سلطنة عمان، التي اتضحت بزيارة السلطان هيثم بن طارق لكلاً من القاهرة وطهران. فقد أيد العديد من المسؤولين الإيرانيين، بما في ذلك المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، هذه الجهود علنًا، ولكن مصر احتفظت بموقفها الحذر واقترابها المحسوب[2].
تُحاول هذه الورقة نسج مُناظرة بين علاقات إيران بمصر من ناحية وعلاقاتها بإسرائيل من ناحية أُخرى، بهدف صياغة مُعادلة ثُلاثية محورها إيران، وإلى أي مدى تؤثر تلك المُعادلة في الإقليم الشرق أوسطي.
مصر وإيران: مصالح حذرة
مما لا شك فيه أن طهران تنظر إلى تجديد العلاقات مع لاعب رئيسي في العالم العربي مثل مصر باعتباره إنجاز سياسي مهم. كما أنّه بمثابة مؤشر على الاعتراف المتزايد بوضع إيران من قبل الدول العربية، بما في ذلك الكتلة الموالية للغرب. فتعزيز شراكة أكثر تعاونية بين مصر وإيران يمكن أن يكون بمثابة وسيلة لتهدئة مخاوف الغرب من نوايا إيران[3]، كما يُنظر إلى هذا الاتجاه في إيران على أنه فرصة لتعزيز مكانتها الإقليمية وتعزيز قدرتها على الردع ضد إسرائيل، فبقرب إيران من الدول العربية تُجهض آمال إسرائيل الرامية لتشكيل تحالف إقليمي مناهض لإيران.[4]
كما إنّ لإيران مصالح راسخة في تحسين علاقاتها مع مصر، يوفر لها سبلاً لتوسيع علاقاتها الاقتصادية والتجارية في المنطقة، من خلال استغلال قناة السويس وزيادة صادراتها إلى مصر. ويتماشى ذلك مع استراتيجية "اقتصاد المقاومة" التي تنتهجها إيران لتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة العقوبات الدولية من خلال تعزيز التجارة الأكبر مع الأسواق الإقليمية. [5] علماً أنه في العام (2021)، صدّرت إيران إلى مصر ما قيمته (6.92 مليون دولار)، وقُدرت صادرات مصر إلى إيران بـ (994 ألف دولار)[6]، أي نحو مليون دولار.
بالنسبة لمصر، تلعب الاعتبارات الاقتصادية دورًا مهمًا في تشكيل سياستها تجاه إيران، ولكن بشكل مُقيّد بحسابات الحذر الأمني. فهناك العديد من المجالات التي توفّر فوائد اقتصادية محتملة، بما في ذلك زيادة صادراتها للسوق الإيرانية. وعلى الصعيد السياحي، هناك فرصة لتوسيع السياحة الدينية الإيرانية إلى المواقع الشيعية في مصر وجنوب سيناء. في مارس الماضي، أعلنت مصر عن تخفيف متطلبات تأشيرة الدخول للسياح الإيرانيين.[7] كما أكد مسؤول إيراني إتمام تفاهم بين إيران ومصر لتبادل السياح بحلول أكتوبر، بوساطة عراقية. وقد نص هذا التفاهم على أن تكون التأشيرة السياحية للسفر إلى مصر والحد الأقصى لمدة الإقامة في شرم الشيخ لا تتجاوز الـ 7 أيام، حيث من الممكن أن تضاف العاصمة المصرية القاهرة إلى هذا البند، غير أنه لم يتم تحديد ذلك بعد.[8]
هذا الاتفاق يثبت الحذر المصري في تطبيع العلاقات مع إيران، لذا فقد سبقت مُباحثات المخابرات المصرية مُباحثات الساسة والدبلوماسيين. وكانت تقارير قد أشارت لحدوث اجتماع بين وزير المخابرات المصري ونائب الرئيس الإيراني في نوفمبر 2022، بالإضافة لتفاعلات دورية بين الوفود الاستخباراتية من البلدين.
على نحو آخر، لا يُمكننا إغفال ملف إعمار العراق، الذي كانت تطمح وتطمع به إيران نظراً لأن العراق أكبر ساحات نفوذها السياسي، ولأن مكاسب عمليات إعادة الإعمار عادة ما تكون ضخمة للغاية. وقد كشفت عن ذلك صراحة في يناير للعام (2019)،عندما دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى إعطاء الشركات الإيرانية الأولوية في عملية إعادة إعمار العراق بعد انتهاء المعارك ضد تنظيم داعش، محذرا الشركات الغربية من القيام بالمهمة".[9] لذلك فإن مشاركة مصر حالياً في ملفي إعمار العراق وسوريا الواقعتين ضمن دائرة النفوذ الإيراني، يفسّر الكثير.
كذلك هناك مشروع الشام الكبير القائم على فكرة نقل النفط العراقي إلى مصر عبر الأردن، ينخفض معه سعر البترول العراقي لمصر والأردن إلى حوالي (11 دولار) للبرميل الواحد، مُقابل المد الكهربائي من مصر إلى العراق،[10] ذلك يعنى استغناء العراق عن الكهرباء التي تستوردها من إيران[11]. تلك الأمور تُثبت مرونة إيران في التخلي عن مصالح قريبة لأجل مصالح بعيدة وأكثر ديمومة، خاصة وأنّ إيران ومصر تجمعهما صداقة روسيا والصين اللتان لعبتا دوراً مهماً في إلحاق الدولتين لمجموعة بريكس.[12]
ورغم ذلك يبقى المحور الأمني هو الأكثر أهمية لمصر، واختبار ما إذا كانت إيران مستعدة لإحداث تحول في سياستها باتجاه يدعم استقرار المنطقة، ويسهم في تسوية الأزمات الإقليمية على غرار الأزمة في اليمن، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على إيران، بالإضافة لعدم انضمام طهران إلى اتفاقية (فاتف)، لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.[13]
حيث أشارت تقارير في يونيو 2022 ، إلى أن مصر حذرّت إيران من استهداف السياح الإسرائيليين في سيناء ردًا على عمليات القتل المستهدف المزعومة التي نفذتها إسرائيل. ولكن تبعاً لرؤية القاهرة، فهي تهدف إلى منع قطاع غزة من أن يصبح قاعدة إيرانية ضد إسرائيل، وقد تجد أمل في تعاون إيراني يُعزز من جهودها للتوسط بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وتعزيز المصالحة الفلسطينية الداخلية، ومنع التعاون بين الجماعات الإرهابية في غزة وشمال سيناء. بالإضافة لدفع إيران نحو لعب دور إيجابي في استقرار مضيق باب المندب وضمان حرية الملاحة التُجارية في البحر الأحمر من خلا ل منع أي أنشطة عدائية للحوثين.[14]
إيران وإسرائيل: عداء مُقنن
منذ 2017 وحتى 2022 نفذ الجيش الإسرائيلي أكثر من (400) غارة جوية في سوريا؛ وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط ضد أهداف تابعة لإيران وحلفائها.[15] خاصة مع اقتراب إيران من إنتاج سلاحها النووي، ووصول تخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء (83.7%)، وهو ما يقارب مستوى صنع الأسلحة بنسبة (90%).
في يونيو (2023 (أفاد "موقع Ynet News الإسرائيلي" أن الجيش الإسرائيلي شكّل وحدة استخبارات جديدة للتحضير للأعمال العدائية المحتملة مع إيران. وقال مسؤول استخباراتي إن الوحدة المكونة من (30 جندياً)، والتي تسمى “الفرع 54"، كانت مسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية عن الحرس الثوري الإيراني و"تزويد الجيش بالبنية التحتية المعرفية المتعلقة بالقدرات العسكرية الإيرانية والأنظمة الاستراتيجية الخاضعة لسيطرتهم"، بغرض الاستعداد لمواجهة قد تكون عسكرية.[16]
كما ناقش تقرير جديد صادر عن المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA) ضرورة الدعم الأمريكي لإسرائيل، إذا ما سددت ضربات عسكرية لإيران ووكلائها مثل حماس وحزب الله. ويشمل ذلك تضخيم التأكيدات الأخيرة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأن الولايات المتحدة تدعم "حرية التحرك" لإسرائيل، مع مُناشدات بتعجيل تسليم إسرائيل ناقلات الوقود الجوية من طراز KC-46A، والذخائر الموجهة بدقة، وطائرات من طراز F-15 وF-35، والدفاعات الجوية والصاروخية، التي رتبت إسرائيل لشرائها بالفعل، لتحقيق أقصى قدر من الردع..[17]
ليست القضية النووية وحدها هي التي تثير فزع إسرائيل، ولكن هناك حضور إيراني قوي بدرجة أو بأخرى في سوريا والعراق ولبنان. كل ذلك يدفع إسرائيل إلى تبني استراتيجية تُعرف باسم "الحرب بين الحروب" ضد إيران في أجزاء مختلفة من المنطقة،[18] بهدف إبطاء البرنامج النووي الإيراني وقدرته على تشكيل تهديد مباشر أو بالوكالة، من خلال اغتيال علماء رئيسيين أو من خلال الهجمات السيبرانية. كما شنّت اسرائيل ضربات مركّزة على مواقع إيرانية عسكرية في عمق الأراضي الإيرانية.
هذه الهجمات دفعت بلاشك، إيران إلى انتهاج سياسة مرنة غير معهودة لتعزيز تفاهماتها الإقليمية عربياً، وصداقاتها شرقاً مع روسيا والصين. بل وإجراء تفاهمات مع واشنطن، بشأن الإفراج عن خمسة مواطنين أمريكيين مسجونين لدى طهران ووضعهم رهن الإقامة الجبرية، تم بموجبه رفع تجميد ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية.
ختاماً: لا يزال نهج مصر تجاه التطبيع مع إيران حذراً ومتشككاً، رغم مساعي طهران الدؤوب في طمأنة القاهرة. كما يظل تقدم مصر نحو التطبيع مُستنداً على عاملين رئيسيين: العامل الأول، هو نجاح واستقرار التطبيع السعودي الإيراني. والعامل الثاني، هو الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة. وحتى الآن يتأكد ذلك دورياً أنّ واشنطن لا تعارض التقارب العربي الإيراني، حيث تراه مساهماً محتملاً في الاستقرار والهدوء في الشرق الأوسط.
بالمقابل، تبقى الساحة الفلسطينية أكثر الملفات جدلاً، خاصة مع وجود فصائل مسلّحة تمولها إيران. بيد أنّ الأمل يظل قائماً بأن يكون محور التعاون المصري السعودي الإيراني مرتبطاً بشكل دبلوماسي سياسي، يستغل حالة التخبط التي تعيشها إسرائيل حالياً نحو إقرار مكاسب حيوية فاصلة بإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة.
زميلة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي.
مراجع:
[1] نانسي زيدان، مساعي التطبيع الأمريكية بين السعودية وإسرائيل: ماذا تحقق؟،25/5/2023: south24.net
[2] Nael Shama, Egypt and Iran Could Be the Next Thaw in the Middle East, Jul 5, 2023, tiny.cc
[3] Dr. Mohamed ELDoh, After Saudi Arabia: Iran’s Rapprochement with Egypt | Geopolitical Monitor, May 31, 2023.
[4] Ofir Winter and Raz Zimmt | Normalization between Egypt and Iran, and the Implications for Israel, June 29, 2023,p.3, No.-1743.pdf (inss.org.il)
[5] Idem, p.4
[6] Iran and Egypt Economic Exchange 2021, tiny.cc
[7] Ofir Winter and Raz Zimmt,op.cite,p.4
[8] تفاهم جديد بين مصر وإيران بوساطة عراقية - 27.08.2023, سبوتنيك عربي (sputnikarabic.ae)
[9] إيران طامعة بإعادة إعمار العراق بعد القضاء على داعش، l 17 يناير 2019، tiny.cc
[10] د.سهي المغاورى جوهرى، مشروع الشام الجديد وتغير هيكل التبادل التجاري في مجال الطاقة ودور مصر في حل أزمة الطاقة الكهربائية في العراق، المقالة 11، المجلد 9، العدد 2، يونيو 2023
[11] العراق يستورد 7 جيجاوات كهرباء من إيران (alarabiya.net)
[12] ماذا يعني انضمام السعودية والإمارات ومصر إلى مجموعة بريكس بالنسبة للشرق الأوسط؟ | Euronews 28/8/2023
[13] هل تعزز عضوية مصر وإيران في «بريكس» جهود التقارب بينهما؟ (aawsat.com) 28/8/2023
[14] Ofir Winter and Raz Zimmt,op.cite,p.5
[15] Bilal Y. Saab, Nickoo Azimpoor,Peace With Israel Means War With Iran, AUGUST 30, 2023, tiny.cc
[16] Israel: The Iran Threat & Options, August 1, 2023, tiny.cc
[17] MICHAEL MAKOVSKY AND CHUCK WALD, If Israel strikes Iran over its nuclear program, the US must have its back- 08/13/23 tiny.cc
[18] Yossi Mekelberg, Israel and Iran are Edging Closer to Direct Confrontation,28 June 2023, tiny.cc