صيادون يعثرون على حوت نافق بداخله كميات من العنبر، بمديرية الشحر، بساحل حضرموت، 1 مارس 2015 (إعلام محلي)
07-10-2023 at 8 PM Aden Time
سوث24 | عبد الله الشادلي
يُعتبر العثور على كنز بالنسبة لكثير من الأشخاص حول العالم حلماً يراود الجميع، وبينما يبحث البعض عن كنوز تُغير حياتهم، تسوق الأقدار كنوزاً نفيسة لآخرين بمحض الصدفة، كما حدث مع الحاج علي باهادي، المزارع في أرياف ساحل حضرموت بجنوب اليمن الذي تحول إلى تاجر ومقاول بناء.
يروي باهادي لمركز "سوث24" قصة عثوره على مادة العنبر الثمينة، وهي مادة شمعية صلبة، تنشأ في أمعاء حوت خاص يسمّى بحوت "العنبر"، يلفظها الحوت غالبًا أو يتم العثور عليها في جوفه. وتمتاز هذه المادة بقيمة مادية عالية كونها تُستخدم لتثبيت رائحة أفخم وأفخر العطور في العالم.
"كنت أعمل بجد في حقل زراعي أتقاسمه مع بعض أقربائي، بالكاد يفي بقوتنا اليومي. كان امتلاك حقل خاص أو مشروع بديل يوفّر حياة كريمة لأسرتي المكونة من تسعة أشخاص هو الحلم الوحيد بالنسبة لي. قررتُ الذهاب إلى مدينة المكلا للبحث عن عمل يكفيني مدّ يدي للآخرين".
مضيفًا: "جربت حِرفاً وأعمالاً عديدة بما فيها العضلية، لكن لم أكسب منها ما يسدُّ حاجتي ويكفي أسرتي. قضيتُ أشهراً أتنقّل من عمل لآخر؛ بحثاً عن عمل أفضل". ويلفت باهادي إلى أنَّه أعتاد الذهاب إلى البحر باستمرار كلما ضاق به الحال. "كنتُ أذهب إلى شواطئ منطقة فوّة في المكلا، لأروّح عن نفسي من عناء الحياة، ومن متطلّبات الأسرة التي أعجز عن توفير معظمها".
الحاج علي باهادي مع نجله (مركز سوث24)
وفي يوم من الأيام، كان باهادي على موعد مع ابتسامة عريضة من القدر. "ذات يوم ذهبتُ بعد صلاة الفجر مباشرة إلى البحر لأغفو قليلًا، وكنتُ أحمل غطاء ووسادة داخل كيس قمح فارغ، وعندما وصلت الشاطئ، أخذتُ أرتبُ مكاناً لما جئت من أجله، وشممتُ رائحة غير مألوفة".
مضيفًا: "لمحتُ مجموعة من سرطانات البحر تتجمّع حول كتلة على الشاطئ على مقرُبة منّي. انتابني فضول شديد لماهية ذلك الشيء، لا سيّما أنني سمعتُ أحاديث كثيرة وبعض التفاصيل عن العنبر في المسجد مذ قدمتُ المكلا".
وأردف: "عندما اقتربتُ من الكتلة وتفحّصتها بطرف إصبعي. لم تبدُ لي أنّها فضلات بشر، ووضعتها في كيس القمح، ومن شدّة تفاؤلي وفرحتي نسيت أمتعتي على الشاطئ". ويلفت باهادي إلى أنّه أخذ ما وجده من العنبر وخبأه عند إمام المسجد الذي يرتاده دائماً، ووعده بأن يعطيه جزءاً من المال مقابل مساعدته، إلا أنَّه رفض واقترح المساعدة المجانية تقديرًا منه لظروف الرجل.
"لاحقًا توجهت بعيّنة من العنبر إلى أحد محلات العطارة في المكلا بصمت شديد، وكانت المفاجأة الكبرى التي غيّرت حياتي بشكل جذري عندما تأكّد لي أنّ ما بحوزتي هو العنبر. بعت الكمية بـ 9 ملايين ريال يمني، وآنذاك كان هذا المبلغ كبيرًا وضخمًا عندما كانت للعملة المحلية قيمتها".
لم يفضّل الحاج باهادي الحديث عمَّا عثر عليه من كنز على مدى عقد ونيف من الزمن وفقًا له. قال إن الخوف كان ينتابه من مصادرة السلطات لما حصل عليه. واليوم، يمتلكُ الرجل الستيني محلات خاصة بأدوات البناء في قريته يُديرها هو وأبناؤه السبعة، ويشرف بنفسه على تنفيذ أعمال المقاولات.
صيادون محظوظون
وفي قصة نادرة الحدوث، تحول 35 صياداً ينحدرون من قرية «الخيسة» التابعة لمديرية البريقة في العاصمة عدن، التي يمتهن معظم سكانها صيد الأسماك، إلى أثرياء في لحظات مذهلة بعد عثورهم على كميات كبيرة من مادة العنبر.
الصيادون الذين عثروا على كمية العنبر بسواحل عدن (بي بي سي)
بحسب شهادات أشخاص من المنطقة ذاتها، كان الصيادون يبحثون عن رزقهم، في وقت مبّكر كما يفعلون في كل يوم، ولم يكونوا يعلمون أنّ رزقاً وفيراً في جيفة حوت نافق بداخله مئات الكيلوجرامات من العنبر كان بانتظارهم في خليج عدن. "سحب الشباب الجيفة العائمة إلى الشاطئ على متن قارب صغير، ووجدوا ما بداخلها من الثروة"، قال أحدهم.
لكن الحظ لم يكن مكتملًا في قصة هؤلاء الصيادين الذين بدأت الخلافات بينهم بحسب شهادات السكان. دفع هذا إلى النزاع بينهم، وهو ما منعهم من الحديث لوسائل الإعلام عن عثورهم على العنبر. وحاول مركز "سوث24" التواصل مع بعض الأشخاص منهم، إلا أنَّنا لم نتلق أي رد حتَّى الآن.
كميات من العنبر عثر عليها صيادون في داخل حوت نافق، بمديرية الشحر، بساحل حضرموت، 1 مارس 2015 (إعلام محلي)
ومع ذلك، تغيرت حياة العديد منهم إلى الأفضل كما يؤكد السكان المحليون. قالوا إنَّهم بنوا بيوتا جديدة ولم يعودوا بحاجة إلى صيد الأسماك. وتُقدّر الكمية التي استخرجها الصيادون في عدن بنحو 127 كيلو جرام، وهو ما يعادل 1.1 مليون جنيه إسترليني. وهذه أكبر كمية معلنة تم العثور عليها من العنبر في سواحل عدن.
وبحسب مواقع عالمية، يصل سعر الكيلو جرام الواحد من العنبر إلى نحو 40 ألف دولار. إلا أنّ الكمية التي استخرجها الصيادون من جيفة الحوت في عدن بيعت، وفقاً لموقع swissinfo، بنحو 1.5 مليون دولار. وهو مبلغ أقل من المُفترض بكثير.
هاجس العنبر
يدفع هاجس البحث عن مادة العنبر في المناطق الساحلية الكثيرين لخوض تجارب قلّما يبتسم لها الحظ. وفي مدينة المكلا، يخرج العشرات من الأشخاص في الصباح الباكر للبحث عن هذه المادة على الشاطئ، ويعتبرون البحث عنها من أنواع الرياضة.
ولا يجد الشاب العشريني محمد حسن، حرجاً في الحديث عن تجربته في البحث عن العنبر على شاطئ منطقة فوة. وقال لمركز «سوث24»: "آتي يومياً إلى هذا المكان للبحث عن العنبر علّ الحظ يحالفني ذات يوم".
الشاب محمد حسن (مركز سوث24)
مضيفًا: "تخرجتُ من الجامعة قبل عامين، ولم أجد وظيفة مناسبة بمرتب جيد. أنا أفضل العمل الحر على استغلال الجشعين براتب 40 ألف ريال. سأستمر في عملي كما أستمر في البحث عن العنبر يومياً. أنا أعتبر هذه المهمة عملاً إضافياً، لا خسارة منه، بل على العكس، إنها رياضة الصباح".
Previous article