صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية في الرياض (واس)
16-11-2024 at 6 PM Aden Time
"يُمكن القول إن أهمية القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الرياض لم تكن مرتبطة بطبيعة المخرجات التي انبثقت عنها، بقدر ما كانت مرتبطة بشكل رئيسي ببناء مجموعة من التفاهمات الإقليمية العربية والإسلامية تجاه التطورات الراهنة."
سوث24 | محمد فوزي
وُصفت القمة العربية الإسلامية الأخيرة والتي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض في 11 نوفمبر 2024، بأنها "استثنائية وغير عادية"، وواقع الأمر أن هذه التسمية كانت دقيقة، بسبب السياق الذي جاءت فيه هذه القمة، والذي أضفى عليها المزيد من الأهمية، خصوصاً فيما يتعلق بالرسائل البينية التي تم تمريرها من خلال هذه القمة. والحاصل أن هذه القمة تأتي في سياق إقليمي يشهد توسعاً غير مسبوقاً في التصعيد إلى الحد الذي جعل مصطلح "الحرب الإقليمية" مصطلحاً مُتداولاً أكثر من أي وقت مضى. كذلك فإنّ تزامن القمة مع انتهاء الانتخابات الأمريكية، وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب وعودته مجدداً إلى البيت الأبيض، جعل القمة أقرب لكونها رسائل للإدارة الأمريكية معبرة عن موقف الدول المشاركة وحساباتها تجاه العديد من الملفات.
أبرز الرسائل
حملت القمة العربية الإسلامية في الرياض مجموعة من الرسائل المهمة، على مستوى مدلولاتها والسياق الذي تأتي فيه، إلى الحد الذي تجاوز مسألة الحرب في غزة ولبنان والتصعيد الراهن في المنطقة، ليشمل مجموعة من الرؤى بخصوص ملفات استراتيجية راهنة، وهو ما يُمكن استعراضه من خلال المحاور التالية:
1- تقدم في مسار التقارب السعودي الإيراني: ركّزت العديد من وسائل الإعلام العالمية على تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على هامش كلمته في القمة، والتي حملت من جانب تأكيداً على أنّ "جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل وحالة التصعيد الراهنة تعوق أي مسار للسلام"، ومن جانب آخر على تأكيده على "ضرورة احترام إسرائيل لسيادة إيران وعدم مهاجمتها" (1).
وفيما يتعلق بمدلولات هذه الرسائل التي بعث بها الأمير محمد بن سلمان، فقد اكتسبت أهمية كبيرة في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسية، أولها أنّ هذه التصريحات تأتي في إطار الحالة التي فرضها الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية في مارس 2023، ما يعني أن مسار تطبيع العلاقات بين الجانبين حتى وإن كان يسير بوتيرة بطيئة إلا أنه مستمر وقائم. وثانيها أنّ هذه التصريحات مختلفة عن تلك التي كان يطلقها المسؤولون السعوديون في فترات التوتر مع إيران، وثالثها أن هذه التصريحات تعبر عن الرؤية الرسمية السعودية للتصعيد الجاري في المنطقة، بمعنى أن الموقف الرسمي السعودي يرفض تحول المواجهات المتقطعة بين إيران وإسرائيل إلى حرب مفتوحة، انطلاقاً من المتغيرات الجديدة في العلاقات مع إيران، وانطلاقاً من كون هذا التصعيد سوف يحمل تداعيات اقتصادية وجيوسياسية وأمنية سلبية بالنسبة للمملكة العربية السعودية. ورابعها أن هذه التصريحات تزامنت مع زيارة أجراها رئيس هيئة الأركان للجيش السعودي فيّاض بن حامد الرويلي إلى إيران التقى فيها بنظيره الإيراني محمد باقري، حيث تم مناقشة سبل التعاون الثنائي، مع الاتفاق على عقد مناورات بحرية مشتركة بين الجانبين.
وبشكل عام، يبدو أنّ هذا النهج السعودي الجديد يستهدف بشكل رئيسي إعادة هندسة منظومة العلاقات الإقليمية والدولية للمملكة، استناداً إلى ثلاث محددات رئيسية، أولها تفكيك وتصفير الأزمات والتحرك بمنطق المصلحة الوطنية ما يقتضي تحييد بعض الاعتبارات التقليدية والأيديولوجية التي كانت تسيطر على السياسة الخارجية السعودية. وثانيها تنويع خريطة التحالفات الخارجية سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي، بالإضافة إلى عدم تبني أي خيارات في المنطقة ذات تكلفة عالية بالنسبة للمملكة سواءً على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.
2- شروط سعودية للتطبيع مع إسرائيل: كان الملف الرئيسي المطروح إلى الواجهة السياسية في المنطقة والعالم، بالتزامن مع فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية، يتمثل في مسألة التطبيع السعودي الإسرائيلي. حيث ذهبت العديد من التقديرات إلى أن "ترامب" سوف يحرص على استكمال المسار الذي بدأه في إطار ما عُرف بـ "الاتفاقات الإبراهيمية"، في ضوء نظرة "ترامب" لهذه الاتفاقات باعتبارها أهم المنجزات التي حققها في سياسته الخارجية.
لكن التصريحات السعودية الأخيرة بخصوص مسار التطبيع مع إسرائيل، ومنها التصريحات الخاصة بالأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على هامش القمة، والتي حملت في مجملها تأكيداً على أن "الممارسات الإسرائيلية تعوق أي فرص للسلام في المنطقة"، تعكس جنباً إلى جنب مع مجموعة من المؤشرات التي كشفتها الأشهر الأخيرة، أنّ هناك بعض الضمانات والمحددات الرئيسية للسعودية للإقدام على خطوة بناء علاقات مع إسرائيل. فوفق ما يُصرح به المسؤولون السعوديون على المستوى الرسمي يتمثل أول هذه المحددات في الشروع في إجراءات عملية لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وثانيها يتمثل في الضمانات الأمنية والتي تشمل اتفاقات أمنية وعسكرية مع الولايات المتحدة تشمل اتفاق دفاعي مع واشنطن والحصول على مقاتلات إف – 35 بالإضافة للتعاون في المجال النووي. كذلك يبدو أن مسألة التطبيع السعودي الإسرائيلي سوف تكون مرتبطة في أحد أبعادها بملف "اليوم التالي" في غزة ولبنان وطبيعة التفاهمات والترتيبات التي ستتم في مرحلة ما بعد الحرب.
3- جمود على مستوى العلاقات التركية السورية: ركزت العديد من التقارير فضلاً عن رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع مقطع فيديو يُظهر مغادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقاعة القمة العربية الإسلامية بالتزامن مع كلمة الرئيس السوري بشار الأسد (2)، وقد تضاربت الأقاويل والتأويلات بين دوائر اعتبرت هذا التصرف يمثل رسالة سياسية من تركيا، وبين تأويلات ومصادر تحدثت عن أنّ سبب المغادرة ارتبط بوجود بعض الترتيبات واللقاءات التي كانت تنتظر الرئيس التركي.
وبشكل عام أعادت هذه الأحاديث ملف التطبيع التركي السوري إلى الواجهة، وهو الملف الذي شهد بعض المتغيرات المهمة التي يُمكن القول أنها أحدثت حراكاً في المياه الراكدة، خصوصاً بعد أن صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يوليو 2024، بأنه مرحب بدعوة الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة تركيا فى أي وقت، معرباً عن عزمه المضى قدماً فى مسار تطبيع العلاقات التركية-السورية والعمل على إعادتها إلى "ما كانت عليه فى الماضى" وفقاً لتعبيره (3). لكن ورغم هذه المؤشرات الإيجابية يبدو أنّ هناك مجموعة من الإشكالات التي تحول حتى اللحظة دون إتمام هذا المسار. وأولها الخلافات حول بعض الترتيبات الأمنية مثل الانسحاب العسكري التركي من الشمال السوري وتسليمه لنظام الأسد، وتوقف تركيا عن دعم بعض التنظيمات والمجموعات التي يُنظر إليها من قبل سوريا باعتبارها تنظيمات إرهابية. وثانيها عدم وجود ترتيبات إقليمية ودولية خاصة بالتسوية الشاملة للملف السوري خصوصاً فيما يتعلق بملف المجموعات المسلحة والإدارة الذاتية سواءً الكردية أو المناطق الخاضعة لسيطرة بعض التنظيمات. وثالثها يرتبط بعدم وجود مقاربة تركية أو سورية للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين في الأراضي التركية.
4- التركيز على ملف دول الأزمات: كان ملف دول الأزمات في المنطقة حاضراً بشكل كبير في كلمات الزعماء المشاركين في القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الرياض. وكان الاتجاه الغالب في هذه المداخلات، هو التأكيد على أنّ هذه المعضلة هي الأهم في إطار الحالة الإقليمية والعربية الراهنة، باعتبار أن استمرار الأزمات في دول لبنان واليمن وسوريا والسودان وليبيا، يسحب من وجود الدولة الوطنية، في مقابل تحفيز أنشطة المجموعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية. ولعل الإشكالات الرئيسية التي ترتبط بهذا الملف تتمثل في كون ظاهرة "الدول المأزومة" باتت سمة رئيسية من سمات النظام الإقليمي والعربي. كذلك فإنّ مسألة "التدخلات الخارجية" ودورها في تحفيز هذه الأزمات تظل معضلة مستعصية على الحل، خصوصاً وأن بعض الحالات تحولت إلى ساحة للحرب بالوكالة بين العديد من الأطراف الدولية. ويضاف إلى ذلك عدم وجود مقاربات فاعلة وواضحة للتعامل مع ملف الفاعلين المسلحين من دون الدول في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
5- رسائل مهمة للإدارة الأمريكية: كانت القمة وما حملته من مضامين عبارة عن رسائل موجهة من الزعماء المشاركين للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. وحملت في أحد أبعادها تأكيداً على القواعد التي تسعى دول المنطقة إلى التعاون مع ساكن البيت الأبيض الجديد في ضوئها. وأولها الالتزام بمبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، باعتبار ذلك حق أصيل للشعب الفلسطيني، وباعتبار ذلك ضمانة للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وثانيها التأكيد على رفض مخططات تصفية القضية الفلسطينية، خصوصاً وأن بعض الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية راحوا يروجون بالتزامن مع عودة "ترامب" للبيت الأبيض إلى مخططات خاصة بضم الضفة الغربية (4). وثالثها بعث رسائل تتضمن فكرة "العصيان الاستراتيجي" أو عدم التقيد بفكرة القطب الأوحد في إطار النظام الدولي، وإيمان الدول المشاركة بضرورة تنويع التحالفات الخارجية على قاعدة المصالح الوطنية.
وختاماً يُمكن القول إن أهمية القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الرياض لم تكن مرتبطة بطبيعة المخرجات التي انبثقت عنها، بقدر ما كانت مرتبطة بشكل رئيسي ببناء مجموعة من التفاهمات الإقليمية العربية والإسلامية تجاه التطورات الراهنة شديدة الخطورة. وكذا بكونها تمثل منصة لمأسسة العمل العربي والإسلامي المشترك، وتعزيز أوجهه وأنماطه على كافة المستويات، بما يضمن وجود خطاب إقليمي أكثر فاعلية تجاه المجتمع الدولي وتجاه الإدارة الأمريكية الجديدة.
Previous article