credit: Flickr/White House
27-11-2024 at 11 AM Aden Time
"لا يمكن لترامب أن يحقق نجاحا مستداما في مكافحة الإرهاب دون الاعتماد على شراكات قوية مع القوات المحلية في الجنوب. وبناء قدرات القوات المحلية يتطلب استثمارا طويل الأمد في التدريب والتجهيز والتخطيط الاستراتيجي.."
سوث24 | إبراهيم علي
على الرغم من أنَّ أغلب التحليلات المتعلقة بتداعيات فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الأوضاع في اليمن قد ركزت بشكل أساسي على جماعة الحوثي، نظرا للعلاقة الوثيقة بين الجماعة وجمهورية إيران، والتي أبدى ترامب موقفاً حازماً إزاءها، إلا أن التداعيات المحتملة للحرب على تنظيم القاعدة في اليمن لا تقل أهمية. فمن جهة، يعتبر النجاح في مكافحة الإرهاب من الأولويات الرئيسية التي يسعى أي رئيس أمريكي لتحقيقها، الأمر الذي يجعل ملف مكافحة الإرهاب في اليمن يحظى باهتمام كبير في إدارة ترامب. ومن جهة أخرى، فإن الحرب على الإرهاب في اليمن لا يمكن فصلها عن السياسة الأمريكية الأوسع تجاه إيران، خاصة في ظل التقارب المتزايد بين فرع تنظيم القاعدة في اليمن والنظام الإيراني، بعد تولي القيادي أحمد سيف العدل، المقيم في إيران، زعامة التنظيم خلفا لأيمن الظواهري. هذا التطور يفرض تحديات جديدة على الإدارة الأمريكية، ما يدفعها لإعادة تقييم استراتيجيتها في اليمن. ويظهر الترابط المعقد بين جهود مكافحة الإرهاب والصراع الإقليمي، كأحد المحاور الرئيسية التي ستحدد ملامح السياسة الأمريكية في المنطقة خلال المرحلة المقبلة.
تراخٍ أمريكي
على الرغم من عودة هجمات تنظيم القاعدة في بعض المحافظات خلال السنوات الماضية، خصوصا في الجنوب، واستخدامه أسلحة جديدة ذات تهديدا أخطر، مثل الطائرات المسيرة، إلا أنّ الحرب الأمريكية عليه لم تواكب هذه التطورات. على النقيض من ذلك، تراجعت العمليات التي كانت تنفذها الاستخبارات الأمريكية بواسطة الطائرات دون طيار خلال السنوات الماضية. لا تبدو السياسة الأمريكية الحالية منسجمة مع حرصها السابق على إضعاف هذا الفرع الذي اعتبرته أخطر أفرع التنظيم على مستوى العالم. الغريب في الأمر، أن الإدارة الأمريكية لم تقدم الدعم للقوات الجنوبية التي تخوض معارك ضارية ضد التنظيم في معاقله الرئيسية منذ أعوام. لكن الأكثر غرابة، هو أن العمليات الجوية المحدودة التي نُفذت خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، اقتصرت على محافظتي البيضاء ومأرب، ما أثار الكثير من التساؤلات حول الانتقائية الجغرافية في عمليات الاستهداف. وبعيدا عن القول إن العمليات الأخيرة ربما حكمتها اعتبارات غير أمنية.
حرب مختلفة
شهدت اليمن خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحولًا جذريًا في السياسة الأمريكية تجاه مكافحة الإرهاب، إذ شهدت البلاد تصعيدا كبيرا في العمليات العسكرية الأمريكية، لا سيما الغارات الجوية. بدأت هذه التحولات بشكل واضح مع عملية الإنزال الأمريكية الفاشلة في محافظة البيضاء عام 2017. على الرغم من فشل العملية في تحقيق أهدافها المعلنة، إلا أنها أشارت إلى توجه جديد في السياسة الأمريكية تجاه اليمن، حيث تم منح الجيش الأمريكي صلاحيات أوسع في تنفيذ العمليات العسكرية دون الحاجة إلى موافقات مسبقة من البيت الأبيض. هذا التغيير في السياسة تم تبريره بالحاجة إلى مواجهة التهديد المتزايد من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
لكنَّ فشل عملية البيضاء لم يحل دون تكرارها في محافظة أبين بعد أقل من أسبوع. كان التنظيم قد استنفر بشكل غير مسبوق بعد العملية الأولى، ولهذا لم تحقق العملية الثانية نجاحا هي الأخرى. لكن ترامب اعتبر العملية بأنها "حققت نجاحا كبيرًا وجمعت قدرًا كبيرًا من المعلومات الحيوية ستقود إلى كثير من الانتصارات في المستقبل".
وفق الباحث الأمريكي د. غريغوري دي جونسن، فقد أعفى هذا القرار وزارة الدفاع من عبء تقديم لوائح بالأهداف المختارة في هذه المناطق لتدققها مختلف الوكالات المسؤولة بشكل مشترك، ولم يعد قادة الجيش بحاجة إلى موافقة مسبقة من البيت الأبيض لتنفيذ الغارات، بخلاف ما كان يحصل في عهد الرئيس السباق بعد عام 2013.
ومع ذلك، بعد فشل عملية الإنزال في البيضاء، قررت الإدارة الأمريكية تغيير استراتيجيتها، حيث ركزت على تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة لقيادات التنظيمات الإرهابية. لقد كان أبرز مثال على ذلك هو اغتيال قاسم الريمي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. حينها خرج ترامب وأعلن بنفسه أن «الولايات المتحدة «نفذت عملية لمكافحة الإرهاب في اليمن نجحت في القضاء على قاسم الريمي زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب».
قبل ذلك، كان ترامب قد وافق على زيادة عدد العمليات الجوية وعمليات الطائرات من دون طيار، مما ضاعف عدد الهجمات الأمريكية في اليمن لأكثر من أربعة أضعاف، إذ بلغت الغارات خلال نحو شهر في فترة ترامب قرابة ضعف عدد الغارات في عهد إدارة أوباما. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في حينه أنها نفذت منذ 28 فبراير، وحتى أواخر أبريل 2017، 70 غارة، في حين أظهرت تقديرات «Long Wall Journal»، وهي مؤسسة للدفاع عن الديمقراطيات، أن إجمالي عدد الغارات التي شنتها الولايات المتحدة على مدار أي عام مضى لم تتجاوز 40 غارة.
لم يقتصر الأمر على مهاجمة تنظيم القاعدة، فقد شنت الطائرات الأمريكية وللمرة الأولى، غارات على معسكر لتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة البيضاء عام 2017. ووفق تقرير لوكالة «الأناضول» التركية فإن «حرب ترامب على القاعدة في اليمن خلال 100 يوم تعادل 8 سنوات من عهد أوباما».
كذلك، فرضت الولايات المتحدة إلى جانب دول خليجية عام 2017 عقوبات على عدة أشخاص لصلتهم المفترضة بتنظيمي القاعدة وداعش، بما في ذلك 11 رجلا تم فرض عقوبات عليهم بالتنسيق مع «مركز استهداف تمويل الإرهاب»، الذي تأسس خلال أول رحلة للرئيس ترامب خارج البلاد، والتي زار فيها السعودية في مايو / أيار 2017. لهذا السبب انقلب فرع القاعدة اليمني على موقفه السابق من السعودية. ولهذا السبب أيضا، سيشعر التنظيم بالقلق من عودة ترامب إلى البيت الأبيض مجددا.
لا شك أن التقارب المتزايد بين تنظيم القاعدة في اليمن وجمهورية إيران يُشكّل تهديدا مركبا يستدعي رد فعل حازم وحاسم من قبل ترامب. فبالإضافة إلى التحدي التقليدي الذي يشكله التنظيم الإرهابي على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، فإن التقارب مع جماعة الحوثيين المدعومة من إيران يمثل تهديدا مباشرا للتوازن الاستراتيجي في المنطقة، ويساهم في تعزيز نفوذ طهران المتنامي. وقد أشارت التقارير الاستخبارية إلى تطوّر ملحوظ في العلاقة بين الطرفين، لا سيما بعد تولي أحمد سيف العدل زعامة تنظيم القاعدة، وهو ما يضع القضية في قلب الأجندة الأمنية للولايات المتحدة. كما أن هذا التقارب الاستراتيجي يمنح ترامب دافعًا قويًا لتغيير استراتيجيته لمكافحة الإرهاب في اليمن، ويشير إلى ضرورة تبني نهج أكثر شمولية لمواجهة هذا التحدي متعدد الأوجه.
بحث عن إنجاز شخصي
من المتوقع، أيضا أن يشكل الملف الأمني، لا سيما ملف مكافحة الإرهاب، أولوية كبرى في أجندة ترامب خلال فترته الرئاسية الجديدة. فبعد النجاحات البارزة التي تحققت في المرحلة السابقة، والمتمثلة في تصفية قادة بارزين مثل قاسم الريمي وأبو بكر البغدادي، من المرجح أن يسعى الرئيس الأمريكي إلى تحقيق إنجازات جديدة في هذا الملف.
وفي ظل التحولات التي شهدتها قيادة تنظيم القاعدة، والتي تتمثل في انتقالها إلى إيران، مما يصعب من عملية استهداف قيادتها المركزية، من المتوقع أن ينصب التركيز على قيادات أخرى للتنظيم، مثل سعد عاطف العولقي، الذي يعتبر حاليًا زعيم فرع التنظيم في اليمن وأبرز قادته. وربما يشكّل عاطف أولوية نظراً لأهمية اليمن كمعقل للتنظيم ومركز لانطلاق عملياته العابرة للحدود، بخلاف قيادات فروع التنظيم في دول أخرى، كالصومال والمغرب وغيرهما.
كذلك من المتوقع أن تلعب المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في هذه الجهود، لا سيما في محافظة مأرب التي تخضع لسيطرة قوات موالية لها، حيث تتواجد قيادات التنظيم البارزة فيها. كما أن الخبرة الاستخباراتية السعودية، التي أثبتت فعاليتها في الماضي، من الممكن أن تكون عاملاً حاسمًا في تحديد مواقع تلك القيادات وتنفيذ العمليات النوعية ضدهم. من المهم الإشارة هنا إلى أنّ الدور الاستخباراتي السعودي كان حاسما في القضاء على عدد من قيادات التنظيم في اليمن خلال السنوات الماضية، وإن كان هذا الدور قد تراجع كثيرا خلال فترة رئاسة جو بايدن.
دعم القوات الجنوبية
ومع ذلك، لا يمكن لترامب أن يحقق نجاحا مستداما في مكافحة الإرهاب دون الاعتماد على شراكات قوية مع القوات المحلية في الجنوب. وبناء قدرات القوات المحلية يتطلب استثمارا طويل الأمد في التدريب والتجهيز والتخطيط الاستراتيجي. كما يجب أن يشمل هذا الاستثمار توفير التدريب المتخصص في مجالات مكافحة الإرهاب، وتزويد القوات بالأسلحة والمعدات المتطورة واللازمة، ودعم بناء المؤسسات الأمنية القادرة على التعامل مع التهديدات الإرهابية بشكل مستقل. من خلال هذا الاستثمار، يمكن للولايات المتحدة وللدول المتضررة من الإرهاب بشكل عام، أن تساهم في وجود قوات أمنية قادرة على حماية الأراضي والسكان على المدى الاستراتيجي. وقد بدا واضحا، خلال السنوات الماضية، أنّ القوات المسلحة الجنوبية خاضت الحرب ضد التنظيم بجهود ذاتية ومن دون أي دعم دولي حقيقي، وحققت إنجازات ماثلة لم يتم تحقيقها خلال العقود الماضية.
ولذلك فإنّ نجاح أي جهود لمكافحة الإرهاب يعتمد بشكل كبير على مدى التعاون والتنسيق مع القوات المحلية. كما يجب أن يكون الهدف الأساسي هو بناء قدرات هذه القوات وتمكينها من لعب الدور الرئيسي في مكافحة الإرهاب، وذلك من أجل ضمان تحقيق الاستقرار والسلام على المدى الطويل.
خلاصة
من المتوقع أن يشهد ملف مكافحة الإرهاب في اليمن اهتماما متزايدا من قبل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وذلك لدوافع أمنية تتجاوز الاعتبارات السياسية الحزبية. فبالإضافة إلى الأبعاد الأمنية التقليدية، فإن تطورات العلاقة بين فرع تنظيم القاعدة في اليمن وإيران تزيد من حدة التهديد الإرهابي في المنطقة، ومن تنامي النفوذ الإيراني، مما قد يدفع ترامب إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزما.
Previous article