03-11-2020 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| يعقوب السفياني
في العاشر من سبتمبر أيلول 2016، دعا اللواء عيدروس الزبيدي، مُحافظُ عدن السابق، إلى العمل على إنشاء كيان سياسي في جنوب اليمن يوازي القوى السياسية في الشمال، ويعملُ على تمثيل السكّان الجنوبيين وتحقيق تطلعاتهم الوطنية.
حثّ الزبيدي كافة القوى السياسية والاجتماعية الجنوبية المؤمنة بالاستقلال، واستعادة دولة ما قبل 22 مايو/أيار 1990، على توحيد الصف الجنوبي وتمتين جبهته الداخلية، ما تُرجم عملياً، بعد إقالته في 27 أبريل/نيسان بأسبوعٍ واحدٍ من منصبه، عندما احتشدَ، في 4 مايو 2017، مئاتُ الالاف من الجنوبيين في العاصمة عدن، لتفويض الرجل لإنشاء كيان جنوبي يمثّلهم. عُرف هذا التفويض بـ"إعلان عدن التاريخي".
لبّى الزبيدي نداء الجنوبيين وأعلن في 11 مايو من العام نفسه، أمام حشود قُدرت بمئات الآلاف، عن إشهار المجلس الانتقالي الجنوبي، وأسماء هيئته الرئاسية.
إعلان عدن التاريخي حظي بمباركة من قيادات جنوبية (نبيل حسان/فرانس برس)
المجلس
المجلس الانتقالي الجنوبي، كيان سياسي جنوبي جامع يضم معظم القوى السياسية في جنوب اليمن، التي تسعى لاستعادة دولتها الجنوبية، التي كانت قائمة حتى العام 1990، توحدت مع الجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن). هذه الوحدة فشلت بعد اجتياح جنوب اليمن في يوليو/تموز1994 بالقوة العسكرية وطرد الشركاء الجنوبيين.
تضمُّ هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي أبرز السياسيين من محافظات جنوب اليمن، وهي المحافظات التي تُمثّلُ ما كان يعرف جغرافياً بـ "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وتشملُ الهيئة غالبية محافظي محافظاتها الثمان، قبل أن يُقيلهم الرئيس اليمني المقيم في الرياض، عبد ربه منصور هادي، في العام 2017. كما تضمُّ الهيئة وزراءً ووكلاءَ محافظات ورموز قبلية جنوبية بارزة.
"قاد عيدروس معركةَ تحرير الضالع في 25 مايو من العام نفسه، كأول محافظة استطاعت هزيمة الحلفاء الشماليين"
يترأس المجلس اللواء عيدروس الزبيدي، وهو ضابطٌ سابقٌ في جيش اليمن الديمقراطية الشعبية، وقائد الكفاح المسلح ضد القوى المنتصرة في حرب صيف 1994، والتي رآها الرجل ومعه الشعب هناك "احتلالاً للدولة الجنوبية، وانقلاباً على الوحدة اليمنية"، فقاد الحركة المسلّحة حق تقرير المصير (حتم)، التي تبنّت النضال المسلح ضد نظام الرئيس صالح في جنوب اليمن، بعد حرب 94 مباشرة.
لمعَ نجم الزبيدي بصورة أكبر، أثناء الحرب الثانية التي شنتها جماعة الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح في عام 2015، حيث قاد عيدروس معركةَ تحرير الضالع في 25 مايو من العام نفسه، كأول محافظة استطاعت هزيمة الحلفاء الشماليين. كما قاد عقب ذلك عدة معارك في محافظة لحج وقاعدة العند الجوية، وتم تعيينه في السابع من ديسمبر من نفس العام، محافظاً لعدن وترقيته إلى رتبة لواء من قبل الرئيس اليمني هادي.
الزبيدي يشهد حفل تخرج لكتيبة من المقاومة الجنوبية، في محافظة الضالع جنوب اليمن، بعد اندلاع شهر من اندلاع الحرب الأخيرة في مارس 2015 (وسائل إعلام محلية)
صعودُ المجلس
بعد الإعلان عن المجلس بعشرة أيام، شهدت عدن مليونية كبرى في 21 مايو/أيار بذات العام، منح فيها الجنوبيون تفويضهم الكامل للمجلس الانتقالي الجنوبي لتمثيلهم في المحافل الدولية، وتبني مطالبهم في استقلال بلدهم.
وجاءت المليونيةُ استجابةً لدعوةِ المجلسِ الانتقالي الجنوبي ودعماً له، في وقت واجه فيه الأخيرُ معارضةً شديدةً من قبل حكومةِ الرئيسِ اليمني عبد ربه منصورهادي .
لأشهرٍ لاحقةٍ، عمل المجلس على إعلان دوائره وقياداته المحلية في معظم محافظات ومديريات جنوب اليمن، وتم إشهار الجمعية الوطنية الجنوبية التابعة للمجلس في 23 من ديسمبر/كانون الأول 2017، التي تتكون من 303 عضواً يُمثّلون معظمَ المحافظات والمناطق الجنوبية. وبخط متوازٍ، عمل الانتقاليُ الجنوبيُ على بناءِ وحداتٍ وألويةٍ عسكريةٍ من المقاومة الجنوبية، تلقى بعضها تدريباً ودعماً من دول التحالف العربي، وبشكل أساسي من دولة الإمارات.
وهو الدعم الذي شكّل نقطة خلاف واسعة مع حكومة الرئيس هادي، وقادت إلى تأزيم العلاقة بين الأخيرة وحكومة أبوظبي.
قدحُ الزنادِ
مع تدهور الوضع المعيشي في عدن، أمهل المجلس الانتقالي الجنوبي الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في 21 يناير/ كانون الثاني 2018، أسبوعاً واحداً، من أجل تغيير رئيس الحكومة اليمنية حينها، أحمد عبيد بن دغر. اتهمه المجلس بالفساد وتعذيب مواطني عدن والمحافظات الجنوبية، ودعا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة.
عقب انتهاء المهلة في 28 يناير/كانون الثاني من نفس العام، سيطرت القوات الجنوبية على مقر الحكومة اليمنية في عدن، بعد أن قمعت قوات حكومية متظاهرين جنوبيين بالرصاص الحي وقتلت بعضهم. خلال يومين، سيطرت القوات الجنوبية على كامل محافظة عدن بشكل شبه تام، قبل أنّ يتدخل التحالف العربي بوساطةٍ أفضت إلى وقف الاشتباكات، وفض الحصار عن قصر معاشيق الرئاسي، وتسليم المجلس لثلاثة معسكرات تابعة للحماية الرئاسية كانت قد اُسْقِطت.
التحشيد العسكري المستمر لاجتياح عدن، فجّر حرب عنيفة في مايو/أيار من العام الجاري بين القوتين في محافظة أبين. ( ا ف ب، نبيل القعيطي)
تجدّدت حرب عدن في أغسطس/آب عام 2019، عقب اغتيال القائد الجنوبي العسكري البارز، منير اليافعي، وعشرات الجنود الآخرين في معسكر الجلاء شرقي عدن، بهجوم صاروخي، وهو الهجوم الذي اتهم المجلس الحكومة اليمنية بالوقوف وراءه، واندلعت الاشتباكات المسلحة في عدن، انتهت بسيطرة قوات المجلس على المحافظة ودخول القصر الرئاسي في معاشيق، وطرد ألوية الحماية الرئاسية. كما امتدت الحرب إلى محافظتي شبوة وأبين بجنوب اليمن. لم يستطع المجلس توسيع نفوذه العسكري في محافظة شبوة، بعدما طردت القوات الحكومية مسنودة بعناصر قبلية وأخرى مسلحة تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين- قدمت من شمال اليمن- قوات النخبة الشبوانية التابعة للمجلس.
حاولت القوات الحكومية عقب ذلك، تشكيل هجوم مضاد ناحية عدن، لكنها فشلت، عقب تعرضها لغارة جوية في منطقة العلم شرقي عدن، وتراجعت إلى أطراف محافظة أبين الشرقية الحدودية مع شبوة.
اتفاقُ الرياض
بعد أحداث عدن الدامية وفرار وزراء وقادة الحكومة اليمنية، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي ترحيبه بالمقترح السعودي الداع إلى وقف إطلاق النار والجلوس لطاولة الحوار، وهو ما تمخض عنه "اتفاق الرياض" في 5 نوفمبر2019، بعد شهرين من المفاوضات بين المجلس وحكومة هادي.
وبعد عام على توقيعه، لم يرَ اتفاق الرياض النورَ بعد. شكّل الشق الأمني من الاتفاق معضلة كبرى ونقطة خلاف محورية عملت على تأزيم وتعقيد الوضع وإعادته إلى نقطة الصفر بعد كل تقدم، وكادت أن تُفشل الاتفاق بشكل نهائي. اتهم المجلس الإخوان المسلمين في اليمن، الذي يسيطرون فعلياً على القرار داخل حكومة هادي، بالالتفاف ومحاولة افشال اتفاق الرياض، والتحشيد العسكري المستمر لاجتياح عدن، وهو ما فجّر حرب عنيفة في مايو/أيار من العام الجاري بين القوتين في محافظة أبين، لم تنتهي بعد.
الشقُ السياسي من اتفاق الرياض، الذي ينص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية مناصفة بين شمال وجنوب اليمن، تعثّر مرات عديدة، وبالرغم من أنّ بعض بنوده - كتسمية محافظ ومدير أمن جديدين للعاصمة عدن- قد نُفذت، إلا أنّ الشق السياسي مرتبط بشكل وثيق بالشق الأمني والعسكري. لا يشكّل تعيين المحافظ الجديد لعدن، أحمد لملس، ومدير الأمن، أحمد الحامدي، إلا بند هامشي وثانوي من هذه المصفوفة، فالأنظار تتوجه إلى الرياض في انتظار إعلان الحكومة الجديدة في ظّلِ وضعٍ يشوبه التوتر العسكري على طول جبهات محافظة أبين، وأزمة ثقة حادة مُتجددة.
لقاء جمع ولي عهد المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان باللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي، في الرياض، عقب توقيع اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019 (وسائل إعلام سعودية)
التحديات
منذ تأسيسه في 2017، يواجهُ الانتقالي الجنوبي تحدياتٍ كبيرة تضاعفت بعد سيطرة الانتقالي على عدن وتبني دور الدولة في المناطق التي يسيطر عليها.
فضلاً عن التزاماته لسكان جنوب اليمن، يواجه الانتقالي قوى حرب 94 التقليدية مجتمعة، فمن جهةٍ هنالك جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، التي شكّلت حكومة دينية على نمط ولاية الفقيه في صنعاء وشمال اليمن، وتدفع بمقاتليها بشكل مستمر إلى الحدود الجنوبية في الضالع ولحج، يقاتل المجلس أيضاً ميليشيا الإخوان المسلمين الذين ينضوون في الوحدات العسكرية التابعة للحكومة اليمنية.
وبين سندان الوضع الإنساني والاقتصادي الوخيم في جنوب اليمن، ومطرقة الأحزاب الدينية وجماعات الإسلام السياسي، الطرف الأكثر فعالية في الحروب التي خاضها الشمال ضد الجنوب، يحاول الانتقالي الجنوبي تثبيت توازنه وغرس عصاه في الأرض، في خضم توتر إقليمي ودولي واسع، وبداية لصراع يُشكّل جنوب اليمن أحد أبرز مناطقه ومحطاته.
الرهان
ورغم أنّ المجلس يتعرّض لنقد مستمر من قبل أطراف محلية، تختلف معه، فضلّت العمل بعيدا عنه، إلا أنه استطاع إثبات مقدرة سياسية وعسكرية وشعبية لافتة، جعلت منه واقعاً لا مفرّ منه.
مثّل قرار المجلس للإدارة الذاتية لمحافظات جنوب اليمن من 26 أبريل حتى 29 يوليو 2020، اختبارا عمليا، أثبت خلاله المجلس قدرته على إدارة الموارد وتمثيل الدولة ومواجهة التحديات الاقتصادية والصحية، خصوصاً أنه تزامن مع تفشي وباء كوفيد19 وأمراض حميات قاتلة شهدتها المدينة، بعد الفيضانات التي ضربت عدن، وأودت بحياة ما يزيد عن ألفي شخص، خلال نفس الفترة.
وقبل ذلك منحت الأدوار التي لعبها في مكافحة الإرهاب في جنوب اليمن، وتفكيك وضرب معاقل القاعدة وداعش، المجلس الانتقالي صيتا إقليمياً ودولياً، أصبحّ من الصعب معه تجاهله.
لعبت القوات العسكرية والامنية الجنوبية، إلى جانب القوات الإماراتية، دورا بارزا في تطهير مناطق جنوب اليمن، من الجماعات المتطرفة (نشطاء)
كشريكٍ فاعلٍ وأساسي في السعي لحلول سياسية لأزمة جنوب اليمن، بشكلٍ خاصٍ، وللأزمات اليمنية بشكلٍ عام، تمكّن الانتقالي من تسويق استراتيجياته ومشروعه السياسي لدى القوى الدولية. التقت قيادات المجلس ووفده المفاوض في الرياض سفراء الدول الكبار ومبعوث الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعظم وفود الهيئات الدولية البارزة.
يُشدّد المجلس في جميع هذه اللقاءات على ضرورة إشراكه في أي مفاوضات سلام للأزمة في اليمن، انطلاقا من تأثيره الشعبي والعسكري المتصاعد في جنوب اليمن.
وفي حال نجاحه، سُيمثّل اتفاق الرياض بداية لعهد جديد من مناصفة الحكم، بعد أن كان، لأكثر من ثلاثين عام، من نصيب قوى شمالية عائلية ودينية محددة.
يُراهن الجنوبيون على المجلس الانتقالي الجنوبي في الانتصار لقضيتهم الوطنية، وإعادة الحقوق التي سلبتها منهم أنظمة ما بعد وحدة 90، وهو رهان عبّرت عنه عديد من الفعاليات الشعبية الحاشدة في مناطق سيطرته وسيطرة الحكومة.
هل سيستطيع الانتقالي الإبحار بسفينة الجنوب إلى بر الأمان، في ظل مناخ سياسي متوتر وتغيّرات جيوسياسية تعصف بالمنطقة والعالم؟
يعقوب السفياني
صحفي ومحرر في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات