11-11-2020 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| يعقوب السفياني
يُشكّل الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2018 محطة تاريخية فارقة داخل الصراع في شمال اليمن، عندما أعلن الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، فضّ الشراكة – التي دامت ثلاثة أعوام - مع جماعة الحوثيين، ودعى اليمنيين للانتفاضة بوجه، من وصفهم، "العصابات" التي "تمارس الفساد وتُجنّد الأطفال وتزج بهم بالمعارك".
في هذا التاريخ لوّح صالح بـ "فتح صفحة جديدة" مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، رحّب الأخير بذلك، وأكّد دعمه للمؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح من أجل العودة إلى "محيطه العربي".
على أثر دعوة صالح، شهدت صنعاء ليومين متتاليين اشتباكات عنيفة للسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وهي الاشتباكات التي انتهت بمقتل الرئيس صالح والقيادي البارز بحزب المؤتمر، عارف الزوكا، وإحكام الميليشيات سيطرتها على المدينة.
بعد مقتل الرئيس صالح في 4 ديسمبر/كانون الأول 2018، تمكّن نجل شقيقه والقائد العسكري البارز، العميد طارق محمد صالح، من الفرار إلى مدينة مأرب، وفي مأرب التقى طارق بالقيادة الإماراتية المنضوية تحت لواء التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن. لاحقاً، عمل طارق صالح بدعم من التحالف العربي على إعادة تشكيل وتجميع وحدات الحرس الجمهوري وفتح معسكرات لتدريب المنتسبين الجدد في العاصمة عدن، في جنوب اليمن، وهو ما تمخض عنه تشكيل ألوية "حراس الجمهورية" التي رمت بثقلها في معارك تحرير الحديدة والساحل الغربي إلى جانب ألوية العمالقة الجنوبية وأفراد المقاومة من أبناء تهامة (الحديدة)، وهي المعارك التي اندلعت في يونيو/حزيران 2018، وتمكنت فيها ألوية العمالقة وبدعم لامحدود من التحالف العربي إحراز انتصارات كبيرة.
المؤتمر
انقسم حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حكم اليمن لعقدين ونصف من الزمن بعد أحداث ثورة الشباب اليمنية عام 2011، والتي أتت امتداداً لثورات الربيع العربي ونادت بإسقاط نظام الرئيس صالح. وكان الانقسام إلى قطبين، مؤتمر الرئيس صالح المُتحالف مع الحوثي، ومؤتمر نائب الرئيس اليمني الذي أصبح رئيساً لليمن بعد التنازل الشكلي لصالح في فبراير/شباط 2012. عقب مقتل صالح، انقسم جناح مؤتمر صالح إلى جناحين منفصلين، الأول يقوده العميد طارق صالح ورئيس مجلس النواب اليمني، سلطان البركاني، والثاني بقيادة صادق أبو رأس وعبد العزيز بن حبتور، والأخير أبقى على تحالفه مع الحوثيين واستمر بمشاركتهم السلطة في صنعاء.
"التحديات المشتركة التي يواجهها الانتقالي الجنوبي ومؤتمر طارق تكاد تكون مصيرية، وبدرجةٍ متقاربة"
وبوجود ثلاثة أجنحة متصارعة، تلاشى الحضور القوي للمؤتمر على الساحة اليمنية بشكلٍ ملحوظ، إلا أنّ المؤتمر لا يزال موجوداً، وتزايد حضوره مؤخراً بعد تشكيل قوات حراس الجمهورية وانتشارها في الساحل الغربي، وهو ما جعل مؤتمر طارق صالح رقماً مهمّا في المعادلة السياسية بعد تثبيت تواجده على الخارطة العسكرية واندماجه مع جبهة الصد اليمنية الممولة من التحالف العربي ضد الميليشيات المدعومة من إيران.
تجلّى حضور مؤتمر صالح ضمن القوى المناهضة للحوثي عبر اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة عبد ربه منصور هادي والإخوان المسلمين، وهو الاتفاق الذي نصّ على تشكيل حكومة كفاءات مناصفة سيحصل فيها مؤتمر صالح- بحسب تسريبات- على عدة حقائب وزارية.
صورة لطارق صالح أثناء تدريبات لعدد من أفراده في العاصمة الجنوبية عدن، قبل عامين (سكاي نيوز)
تحدياتٌ مشتركة
منذُ الوهلة الأولى، قدمّ المجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن، إلى جانب القوات الإماراتية، الدعم لجناح مؤتمر طارق وحراس الجمهورية، رغم بعض دعوات الرفض الشعبية للخطوة، واستضافت عدن معسكرات تدريب وتأهيل لقوات حراس الجمهورية، كان أهمها معسكر "بئر أحمد" بالعاصمة عدن، وهو المعسكر الذي ألقى فيه طارق صالح خطاباً أكّد فيه على قتال الحوثيين وضرورة تحرير صنعاء. ورغم ماض طويلٍ من الخلافات والعداء جمع بين القوى الجنوبية التي شكلّت الانتقالي وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يعتبر فصيل طارق أحد أجنحته، إلا أنّ الانتقالي الجنوبي ومؤتمر طارق استطاعا الوقوف على أرضية مشتركة من التحديات والأهداف، وهو ما تُرجم عملياً عبر القوات المشتركة والمكونة من حراس الجمهورية وألوية العمالقة الجنوبية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، والعمالقة قوات تشكّلت من المقاومة الجنوبية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
"قدمّ المجلس الانتقالي إلى جانب القوات الإماراتية، الدعم لجناح مؤتمر طارق وحراس الجمهورية، رغم بعض دعوات الرفض الشعبية للخطوة"
ورغم هذا التحالف الذي يظهر بالصورة، إلا أنّ الصحافي اليمني البارز نبيل الصوفي، يرى بأنّ الطرفين لا يزالا "يتمنيان ألا تجمعهما الظروف ببعضهما، وأن تأتي ظروف تُنقذهما من الضرورة التي توجب عليهما التحالف".
الصوفي في حديثه لـ سوث24 قال إنّ هذا "قصور مذهل"، فالمؤتمر الشعبي العام جناح طارق حدّ تعبيره "عاجز تماماً عن مواجهة مخاوفه وأطماعه على حدٍ سواء. مخاوفه التي أساسها وهماً بأنه ممثل للجمهورية اليمنية، والتي لم تعد موجودة أصلاً، وأطماعه بالعودة لشغل مركزه المحوري دون بذل جهد وتغيير".
ويعتبر الصوفي أنّ هذا أنتج "عجزاً" لدى مؤتمر طارق في إدراك أنّ واجبه اليوم "يقتصر على الحفاظ على نفسه وسط تدافعات الحوثي والإخوان".
التحديات المشتركة التي يواجهها الانتقالي الجنوبي ومؤتمر طارق تتمثل بجماعات الإسلام السياسي في شمال ووسط اليمن، وهي جماعة الحوثي التي تحكم صنعاء وأجزاء واسعة من الشمال بحكومة ثيوقراطية على نمط ولاية الفقيه، وحزب الإصلاح اليمني وكيل الإخوان المسلمين في اليمن، والذي يسيطر على قطاع واسع من النفوذ العسكري والسياسي في الحكومة اليمنية، والأخيرة دخلت في نزاع عسكري وسياسي شامل في جنوب اليمن مع الانتقالي الجنوبي في نهايات العام 2019، وهو النزاع الذي مرّ بمحطات دامية ولا زالت فصوله مستمرة حتى اليوم.
"المؤتمر الشعبي العام عاجز عن مواجهة مخاوفه التي أساسها وهماً بأنه ممثل للجمهورية اليمنية، التي لم تعد موجودة أصلا" نبيل الصوفي
لذلك وبحسب الصوفي "لن ننتقل من حاضرنا هذا الذي يهدّده خصومنا شمالاً وجنوباً إلاّ إنّ غادرنا الماضي، أو بصيغة أفضل يجب الانتقال للمستقبل وتحديد الإجابات حول ما يحتاجه المستقبل".
"على الانتقالي أن يساعد في خلق توجه شمالي متحالف معه ليس فقط لأجل الشمال بل لأجل الجنوب أولاً"، يرى الصوفي أيضا أن المطلوب ليس "إلغاء الماضي وتلوينه وإنكار الأخطاء أو البقاء في تلك الأخطاء، بل يجب إيجاد رؤية تصنع المستقبل وتستلهم من أخطاء الماضي منهجاً يتجنب أسبابها، فالسجالات العدمية حول الماضي لا يمكن إلغائها، وستبقى قوية ومؤثرة إلى أن يتم خلق مستقبل يدفع الناس للسير وراء مشروعه".
إجمالاً ورغم ضبابية وتعقيد المشهد، يمكن القول أنّ التحديات المشتركة التي يواجهها الانتقالي الجنوبي ومؤتمر طارق تكاد تكون مصيرية، وبدرجةٍ متقاربة، رغم اختلاف عوامل وحسابات هذه التحديات بالنسبة للطرفين، واختلاف أهدافهما النهائية المنقسمة بين دولتي عدن وصنعاء.
يواجه الانتقالي الجنوبي الحوثيين في جبهات عدة أهمها جبهات شمال الضالع منذ أكثر من سنة ونصف، وهو العدو نفسه الذي يواجهه مؤتمر طارق في الحديدة والساحل الغربي بالشراكة مع العمالقة الجنوبية وقوات توالي الانتقالي الجنوبي. كذلك، يخوض المجلس بالتوازي قتالا شرساً ضد قوات موالية للحكومة اليمنية، وتخضع لتنظيم الإخوان المسلمين، في أبين وشبوة منذ أغسطس/آب 2019، وهما الخصم نفسه الذي يجاهر بعدائه لمؤتمر صالح ويتربص به.
وسبق وأن كشف فيديو مُسرّب للقيادي بجماعة الإخوان المسلمين والجهادي العائد من أفغانستان، عبده فرحان المخلافي والملقب بـ "سالم" وهو مستشار قائد محور تعز، وهو يحذّر من تمدد طارق صالح باتجاه التُربة بتعز.
ضرورة التحالف
تُحتّم التحديات المشتركة التي يواجهها الانتقالي الجنوبي ومؤتمر صالح استغلال العوامل المشترك وإيجاد مناخ أوسع من التنسيق المشترك أو التحالف الاستراتيجي، ربما قد تلعب الإمارات دوراً محورياً في تعزيز ذلك.
ففضلاً من أن خصومهما متشابهين، يتشارك الانتقالي ومؤتمر صالح الرؤية المدنية للدولة، سواء كانت دولة جنوبية للمجلس أو دولة يمنية لطارق، إلا إنّهما تتميزان بالبعد عن مفهوم الدولة الدينية التي ينادي بها الحوثيون والإخوان المسلمون، ولا ترتبطان عقائدياً أو تنظيميا بتنظيمٍ عالمي عابر للقارات كما في حالة جماعة الحوثي التي لا تفوت مناسبة للتأكيد على حجم مطامحها العابرة لليمن والمُتصلة بثورة الخميني الإيرانية، أو جماعة الإخوان المسلمين التي تنشط في كثير من البلدان العربية والإسلامية وتتلقى دعماً من تركيا وقطر والحكومات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي، كحكومة السرّاج الليبية.
ويتفق رئيس تحرير "نيوز يمن" الإخباري، نبيل الصوفي مع ذلك: "لن يستطع أي طرف شمالي أن يفعل شيء للشمال ما لم يستند على جنوب يدعمه بشكل حقيقي"، ويضيف "لا يمكن تحرير الشمال ما لم تقم في الجنوب دولة يمكنها تحمل عبء الحرب شمالاً".
"الحوثي ليس طارئاً سيزول، بل هو معركة كبرى". وفي المقابل، يرى الصوفي أنه "لا يمكن للجنوب أن يستقر مالم تتكون قوة أو حركة شمالية تثق في أنّ الجنوب هو سندها ودعمها، فالإخوان المسلمون عناوين مصالح شديدة العداء للجنوب ما لم تسيطر عليه ستبقيه قلقاً لا يهدأ".
"لن يستطع أي طرف شمالي أن يفعل شيء للشمال ما لم يستند على جنوب يدعمه بشكل حقيقي" نبيل الصوفي
تمثّل عملية اغتيال قائد اللواء 35 مدرع بتعز، عدنان الحمّادي، والذي عُرف بمواقفه الجريئة المُناهضة للإخوان والحوثيين، أبرز الإشارات على حجم المخاطر التي تواجهها القوى الوطنية المستقلة في شمال اليمن، والتهديد الوجودي لها، وعلى رأسها مؤتمر طارق صالح.
لكن هذا التقارب، عادة ما يصطدم في ماضي تورُّط طارق صالح إلى جانب الحوثيين، في حرب 2015 ضد الجنوبيين، وهو الملف الذي درج على استخدامه خصوم المجلس، وبعض النقّاد الجنوبيين.
لذلك يعتقد الصوفي أنّ "الأهم ليس ما كان في 2015، فمن يتهم طارق بحرب 2015 هو من يحشد لاجتياح الجنوب في شبوة ومأرب، فيما طارق يحارب شمالاً هناك في غرب البلاد ويقول إنّه ضد تحرير المحرر".
ويرى الصوفي ضرورة وجود تنسيق مشترك أو "تحالف" بين الانتقالي والمؤتمر حتمية يفرضها الأمر الواقع. ويوضّح رؤيته "لأجل بناء تحالف ما بعد 2020، يمكننا تأجيل النقاش حول 2015، وسنصل إلى تسويات من قبيل أنّ الجميع سيتعلم من أخطاء الماضي، فالجنوب أضطر في 2015 للتحالف مع الإخوان ضد الحوثي، وطارق كان مضطراً للتعايش مع الحوثي، وبسياق ذلك اُرتكبت أخطاءٌ لا يجوز تبريرها ولا يجوز اعتمادها في وقتٍ تغيّرت فيه كل المعطيات."
على الرغم من أنّ بعض المراقبين يرون انتقال العلاقة مع المؤتمر الذي يقوده طارق من تحالف الضرورة إلى تحالف استراتيجي، تبدو متفائلة إلى حدٍ كبير، وقد تواجه إخفاقاً في مرحلة ما، - فبقدر ما هي تستند إلى خلفية ميدانية مشتركة، إلا أنّها قد تصطدم باختلاف المواقف السياسية من القضايا المصيرية في جنوب وشمال اليمن، خصوصا إذا ما حقق الطرفان إنجازات سياسية تقودهم إلى السلطة -. إلا أنّه بذات الوقت، يرى آخرون أنّ مواقف قيادات الحزب منذ رحيل بعضها من صنعاء، إيجابية إلى حدٍ ملموس وتتفق إلى حد كبير مع رؤية المجلس من القضايا الأساسية في البلد، وعلى رأسها قضية استقلال الجنوب.
مقابل ذلك فإنّ أي تنسيق أوسع من هذا النوع بين الانتقالي وصالح يتزامن أيضا مع بوادر توافق وتحالف غير معلن بين الحوثيون والإخوان المسلمين، نتيجة لتقاطع أهداف الجماعتين في الحرب على الجنوب والعداء للتحالف العربي، يعززه تقاطع أكبر في المصالح والأهداف بين إيران – قطر – تركيا، المحور الدولي الداعم للحوثيين والإخوان المسلمين في اليمن.
يعقوب السفياني
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
قبل 3 أشهر