18-11-2020 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بدر محمد
بدت جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) في الحكومة اليمنية، ووسائل إعلامها السياسية والعسكرية، مرتبكة، في اختيار خطابها الإعلامي لتغطية معركتها المسلّحة ضد القوات الجنوبية، في محافظة أبين، جنوب اليمن.
درجت الجماعة، أحياناً على تصوير الحرب الدائرة في أبين بأنّها حرب (جنوبية – جنوبية)، في مسعى يبدو وكأنه يحاول النيل من القضية الجنوبية، وأحياناً أخرى سعت لتصويرها بأنّها حرب الدفاع عن الوطن "اليمن" وسيادته، للتمكّن من تحشيد المقاتلين من كل المحافظات اليمنية ضد الجنوب.
الاستراتيجية الأولى، لم يطمئنوا لها باستمرار، إذ أنّ تركهم كرة الحرب في الملعب الجنوبي دون تدخل منهم علاوة على أنّها لا تحقق أطماعهم في السيطرة والاستحواذ على الجنوب، فهي تدفع بالمساعي الجنوبية الحميدة ولجان الوساطة بين الفرقاء الجنوبيين إلى الاصطفاف الجنوبي، والتغلّب على خلافاتهم.
ولأنّ ذلك قد يُربك مساعي الحزب الإسلامي الذي يسيطر على الحكومة اليمنية، لجأ إلى الاستراتيجية الثانية وصعّد من خطابه الإعلامي إلى مستوى يصوّر القتال ضد القوات الجنوبية في أبين بالدفاع عن الوطن وسيادته، تارة ضد "الاحتلال الإماراتي" وذراعه المجلس الانتقالي الجنوبي، وتارة أخرى لاستعادة الدولة وإعادة مؤسساتها إلى عدن.
انعكست الاستراتيجية الثانية في تحوّل ديموغرافي داخل مدينة شقرة الساحلية بمحافظة أبين، مقر مقاتلي الحكومة العسكري والتدريبي، الذي يعجّ بعديد المقاتلين الوافدين من محافظات شمال اليمن.
وفقاً لأهالي محليين، انعكس هذا الواقع سلباً على الشارع المحلّي في المحافظة، بعد تحوّل مناطقهم إلى مسرح للوافدين الغرباء ومسلّحين بمظاهر لم يعتاد عليها أهالي المدينة، عربات مصفّحة وملابس أفغانية وشعر طويل، ولحى منفلتة.
شكّل هذا التحوّل ذعراً بين معظم السكان المحليين، أعاد لأذهانهم مشاهد ثلاث أحداث عسكرية شمالية شهدتها شقرة وأبين; الأولى في حرب صيف العام 1994 والثانية في حرب سقوط أبين وشقرة بأيدي تنظيم القاعدة في 2011 والثالثة في حرب سقوط أبين وشقرة في أيدي الجماعة الحوثية مطلع 2015.
تحدّث أحد الجنود الجنوبيين الفارين من شقرة إلى عدن عن مشهد انقسام وخلاف واسع بين الفصائل المسلحة بالمدينة. "انسحب جزء أكبر من الجنود الجنوبيين، ورفضوا القتال إلى جانب الفصائل الشمالية المتواجدة في شقرة".
هذا الانقسام من المرجّح أنه يرتبط بإدراك المقاتلين الجنوبيين، شعورهم بالضعف أمام الغلبة الشمالية المسلّحة التي تسيطر على القرار السياسي والعسكري هناك. فضلاً عن أنه يرتبط أيضا بالضغط السياسي والأخلاقي المنبثق عن اتفاق الرياض.
سيعزّز هذا الانقسام نشوء علاقة مضطربة يشوبها التوجس والحذر من الجانبين في مناخ حرب تتخلله السرية والتكتيك العسكري والأخطاء الواردة، وإذا لم يقف كل هذا على مبدأ الثقة المتبادلة والطاعة العسكرية العمياء فإنّ الخلاف والانقسام وربما الاقتتال البيني أمر وارد الحدوث. هذا يؤكّد أيضاً صحة الأخبار الواردة من شقرة عن وجود انسحابات جنوبية وانشقاق في صفوف قوات الإخوان المسلمين، الموالية للحكومة اليمنية.
لكنّ الأخطر من تبعات كل ذلك على المستويين المحلي والإقليمي وكذلك الدولي، هو تمكّن عناصر التنظيمات المتطرفة كتنظيم القاعدة، من المشاركة الواسعة في هذه المعارك، فضلاً عن إدارتها.
وعلى الرغم من الانسجام الأيدولوجي بين جماعتين يستخدمان (الدين) لتبرير نفوذهما بصورة عسكرية - بمعزل عن التشكيلات العسكرية الأخرى، يعززه الشعور بالثقة، والحس الأمني التي تشتهر به هذه الجماعات، كالسرية وعدم الاختراق - إلا أنّه، وفق مراقبين، يحمل بداخله بوادر هزيمة كبيرة وفشل عسكري لأطراف الحكومة اليمنية المستفيدة من استمرار الاقتتال، فضلاً عن وضعها أمام طائل المحاسبة.
بدر محمد
باحث وزميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات