التقارير الخاصة

صفقة مشبوهة تهدد بتحويل البنك المركزي في عدن إلى «مزرعة خاصة»

29-11-2020 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم التحقيقات 


يمنح استمرار الصراع العسكري في اليمن والفوضى السياسية التي تمرُّ بها البلد، بعض الشركات التجارية العميقة ورجال الأعمال القريبين من نفوذ السلطة المنقسمة بين عدن وصنعاء والرياض، فرصةً لمضاعفة أرباحهم المالية، وتوسيع أنشطة حصصهم السوقية دون المرور بإجراءات المناقصات أو التعاملات القانونية التنافسية.


تتم مثل هذه الصفقات في الغالب بتواطئ من بعض موظفي الدولة في أجهزتها المالية والسياسية، لقاء نصيب مالي أو مردود ما منها، وفقاً لعدد من الوقائع التي طفت للسطح مؤخّراً.


وفي هذا الصدد كشفت مصادر مالية رسمية عن عودة أعضاء من مجلس إدارة البنك المركزي اليمني (عدن)، الخاضع لسلطة حكومة هادي، قبل أيام إلى المدينة، جنوب اليمن، معظمهم قد انتهت ولايتهم القانونية في سبتمبر 2020.


وقال مصدر مطلّع في البنك، تحدث عبر الهاتف، لـ سوث24، ورفض نشر هويته، لأنّه غير مخوّل بالحديث إلى وسائل الإعلام، أنّ «مجلس الإدارة عقد اجتماعاً، لأول مرة منذ أشهر، السبت، 28 نوفمبر، برئاسة نائب رئيس المجلس شكيب سعيد الحبيشي، بهدف الموافقة على صفقة تسليم المقسّم الوطني للبنك المركزي لشركة مروج التجارية التي تملكها مجموعة بيت هائل التجارية».


وأوضح المصدر لـ سوث24 «أنّ الاجتماع لم يتطرّق كما ورد في بيان البنك المركزي، للأزمات المالية التي تعصف بالبلد، ولم يتطرق لحالة انهيار العملة الوطنية المتصاعد، بل خُصص لبحث تمرير تشريع قانوني لمنح شركة (وي نت) التابعة لشركة مروج الأحقية بالاستيلاء على المقسّم الوطني وخدمات الدفع الإلكتروني واحتكار شبكة التحويلات الموحدّة.»



شعار ترويجي لشركة وي نت، التابعة لمروج، وقائمة شركائها من البنوك التجارية. (صفحة فيسبوك)

من هي شركة مروج؟


أظهرت معلومات اطلّع عليها سوث24 أنّ شركة وي نت (WeNet) تأسست من خلال صفقة بين عدد من البنوك وشركة مروج في 2015، وشركة مروج بدورها كانت قد تلقت ترخيصاً من الشركة اليمنية للتحويلات المالية، في صنعاء في العام 2006.


ولا تملك شركة (وي نت) مقراً رئيسيا أو فروع للمنشأة، ولا موقع إلكتروني رسمي، بحسب ما أوردته الشركة نفسها على صفحتها الرسمية في فيسبوك.


ووفقاً لـ وي نت، فهي تقوم بتقديم خدمة «الحوالات المالية السريعة» من خلال عدد من البنوك المشتركة في قائمتها وهي: البنك اليمني للإنشاء والتعمير، بنك اليمن والكويت، بنك سبأ الإسلامي، البنك اليمني الإسلامي، مصرف اليمن البحرين الشامل، بنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك بنك)".


وقالت مصادر مطلّعة لـ "سوث24"أنّ «شركة مروج التابعة لرشاد هائل سعيد أنعم، لديها نشاط مالي واسع مع بنوك تخضع لسلطات الحوثيين في صنعاء».


وأضافت المصادر أنّ «رشاد هائل سعيد يتواجد حالياً في عدن، بالتزامن مع وصول مجلس الإدارة هناك وعقْد اجتماعه الأولّ، لتسهيل تمرير هذ الصفقة».


وانتشرت خلال الأيام الماضية بصورة مطّردة إعلانات تجارية ولوحات دعائية، لشركة "وي نت" في عدد من شوارع العاصمة عدن، قبيل انعقاد اجتماع مجلس إدارة البنك، السبت.



لوحة ترويجية لشركة "وي نت" التي تتبع شركة مروج المملوكة لمجموعة هائل سعيد أنعم، في أحد شوارع مدينة عدن، جنوب اليمن. (مصادر)

مجلس منحل


واعتبر مصدر آخر «مجلس إدارة البنك المركزي منحلّ قانوناً لانتهاء ولايته القانونية، في سبتمبر 2020"، وفقاً للائحة القانونية للبنك المركزي اليمني».


ويعزز ذلك بيان سابق صادر عن رئيس نقابة البنك المركزي اليمني في عدن ثابت العيسائي، قال فيه أنّ مجلس إدارة البنك أصبح منحلاً قانوناً وغير ذي صفة، بعد انتهاء مدة عضوية 3 أعضاء من أصل 7 في سبتمبر الماضي.


وأشار العيسائي، في بيان، نشرته وسائل إعلام محلية منتصف نوفمبر / تشرين الثاني الجاري، أنّ قانون البنك المركزي يشترط أن تكون مدة العضوية في المجلس محددة بأربع سنوات من تاريخ التعيين ما لم يتم إعادة التعيين لمرة ثانية. ودعا البيان الحكومة المرجّح إعلانها بـ "إعادة هيكلة إدارة البنك المركزي العليا المتمثلة بمجلس إدارته."


وأوضح المصدر لـ "سوث24" أنّ عضو مجلس الإدارة شرف الفودعي، له صلات بحزب التجمع اليمني للإصلاح، فرع الإخوان المسلمين في اليمن.


واتهم المصدر «نائب رئيس مجلس إدارة البنك شكيب الحبيشي، الذي يرتبط بعلاقة نسابة مع رشاد هائل، بالسعي بصورة رئيسية لتمرير هذا المشروع.»


ولم يتسنَ لـ سوث24 التواصل مع الحبيشي، لمعرفة موقفه من هذه الاتهامات، لكنّ أطراف بالبنك المركزي سبق ورفعت قضية اتهام بـ "الفساد" ضد الحبيشي، وسلّمت محتوياتها لنيابة الأموال العامة في عدن، وللنائب العام، إسماعيل الأعوش، في يوليو 2019، وفقاً للمصدر ووسائل إعلام محلية. ولم تتخذ نيابة الأموال العامة أي إجراءات تحقيق منذ ذلك الحين، وفقاً لمصادر أخرى في البنك.


ويضيف المصدر المالي لـ "سوث24" أنّ اجتماع مجلس الإدارة، السبت، حرص على «تمرير قرارات تعيين وكلاء ومدراء أقسام، أصدرها شكيب الحبيشي، عن طريق المحسوبية والوساطة والمعرفة الشخصية».


تجدر الإشارة إلى أنّ الحبيشي لم يسبق أن تولّى مناصب رسمية في الحكومة، وكان يعمل طيلة سنوات في مرفق تجاري يتبع مجموعة هائل سعيد أنعم، وفقاً للمصدر.


ويمارس الحبيشي صلاحيات واسعة، هي بالأصل من اختصاص محافظ البنك السبعيني، أحمد عبيد الفضلي، الذي عينه هادي في سبتمبر/ أيلول 2019، كما تشير المعلومات التي تحصّل عليها سوث24.


وثيقة تظهر تعيينات قام بها شكيب الحبيشي، لتوظيف أشخاص مقرّبين من محافظة تعز، كوكلاء في البنك. (مصادر)

مخاطر


ورداً على سؤال سوث24 حول المخاطر المتوقّعة من تمرير هذه الصفقة، قال المصدر المالي «أنّ، تخويل شركة تجارية خاصة، ضمن صفقة قرابة وفساد، ولها ارتباط بصنعاء، بصلاحيات المقسّم الوطني واحتكار التحويلات المالية، يهدد مستقبل شفافية البنك المركزي نفسه».


كما أن ذلك «يمنح الحوثيين التحكم بالسلطة النقدية في البلد، ويُظهر البنك بصورة هشة، خصوصاً عقب امتناع البنك المركزي في صنعاء من تسليم بيانات مالية وتعاملات لبنك عدن»، وفقاً للمصدر.


وقال المصدر أنّ «تمرير هذا المشروع سيقضي على تنافسية السوق ورؤوس الأموال الصاعدة في القطاع المصرفي، ويحتكر مصير التحويلات المالية في البلاد بيد تاجر واحد».


ما هو رأي مجلس الإدارة؟


واستباقاً للانتقادات التي قد يتعرّض لها مركزي عدن، نفى بيان صدر عنه فجر الأحد، ما تناولته بعض المواقع الالكترونية بقيام قيادة البنك المركزي بالاتفاق مع احدى المجموعات التجارية بتشغيل وإدارة المقسم الوطني.


لكن البنك نفسه أقرّ بذات الوقت بنيته فعل ذلك. وقال البيان انّ «البنك المركزي وبالتعاون مع خبراء دوليين قام بإعداد تعليمات تنظم أعمال هذا النوع من الشركات .. والتي يتطلب اعتمادها صدور قرار من رئاسة الوزراء».


وبرر البنك المركزي ذلك بعدم فهم وسائل الإعلام للمفاهيم المصرفية، وقال أنّ «المقسم الوطني ليس سلعة للبيع والشراء، إنما هو عبارة عن نظام الكتروني يعمل على ربط البنوك بشبكة اتصالات واحدة وقاعدة معلومات موحدة تتولى عملية تشغيله وادارته وربطه شبكياً مع البنوك والمؤسسات المالية جهة متخصصة يوافق عليها البنك المركزي».


وكان البنك قد قال خلال تغطية صحفية لأعمال اجتماعه، السبت، أنّ « مجلس الإدارة سيقف "في اجتماعاته أمام العديد من الموضوعات الحيوية التي تضمنها جدول أعماله، وفي مقدمتها المشاكل المصاحبة لإدارة السيولة في مواجهة مرتبات موظفي الدولة ومنتسبي القطاعين العسكري والأمني، والنفقات العامة الضرورية في مجال البنية التحتية والخدمات العامة كالكهرباء والمياه».



بعض أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي اليمني (عدن)، بعضهم انتهت ولايتهم (صورة مقتصة من الموقع الرسمي للبنك) 

اتهامات سابقة


وكان تقرير سابق صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في يونيو 2020 العام الجاري، قد حذّر من الآثار والمخاطر المترتبة على عدم صدور التقارير والبيانات المالية السنوية للبنك المركزي وفقا لأحكام المادة (57) من قانون البنك المركزي رقم 14 لسنة 2000 وتعديلاته والمادة (70) من القانون المالي رقم (8) لسنة 1990.


وكشف التقرير، بحسب موقع يمن سكاي، الذي وجّهه رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة د. أبو بكر السقاف إلى رئيس الوزراء معين عبدالملك، عن أنّ القوائم المالية السنوية للبنك المركزي للسنوات 2016، 2017، 2018، 2019 (وهي الفترة من نقل البنك الى العاصمة عدن في سبتمبر 2016)،  لم يتم إصدارها ونشرها.


كما أشار التقرير أنّ البنك لم يصدر أي تقارير لمدققي الحسابات وتقارير مجلس الإدارة المرفقة والخاصة بالتطورات الاقتصادية والمالية والنقدية وشؤون البنك وعملياته عن تلك الفترات المالية المنتهية والتي كان يفترض تقديمها خلال ثلاثة أشهر من انتهاء السنة المالية الى مجلس النواب ومجلس الوزراء".


وكان تقرير دولي صادر مطلع العام الجاري 2020، عن فريق الخبراء المعني في اليمن التابع لمجلس الأمن الدولي قد اتهم البنك المركزي بالتلاعب في أسعار الصرف (العملة)، واتهم البنك بممارسة أعمال فساد واسعة وثراء غير مشروع.


وسلّط التقرير الضوء على واقعة فساد ترتبط بمعاملات للصرف الأجنبي قام بها البنك المركزي اليمني في عدن أواخر عام 2018.


واعتبر الفريق أنّ الفساد يمّثل تهديداً للسلم والأمن، متسبباً بثراء فاحش غير مشروع لموظفين في البنك المركزي اليمني عدن ومسؤولين تابعيين للحكومة الشرعية.


وأشار التقرير إلى أن بنك مركزي عدن خسر نتيجة التلاعب بأسعار صرف العملات الأجنبية مبلغ يقترب من تسعة مليار ريال يمني في الفترة من 4 – 29 نوفمبر 2018.


وأكد فريق الخبراء المعني بمراقبة العقوبات على اليمن، حينها أنه توصل إلى نتائج تؤكد بيع وشراء العملات بين البنك المركزي اليمني، وبنك الكريمي الإسلامي، وبنك التضامن الإسلامي الدولي، في نوفمبر 2018، بفارق كبير في سعر الصرف السوقي ووصلت في بعض الأحيان إلى 23%.


وأوضح فريق الخبراء قبل ذلك، أنه حقق في عمليات فساد قام بها البنك المركزي أواخر 2018، وإذا ما كنت تنطوي على عمليات محتملة لغسل الأموال من خلال النظام المالي اليمني للتحايل على تدابير تجميد الأصول فيما يخص اليمن بموجب القرار 2140.


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات

تنويه: يضمن سوث24 لجميع الجهات والأسماء الواردة في هذا التحقيق، حق الرد.


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا