هل ستلتقط المملكة العربية السعودية العباءة؟

هل ستلتقط المملكة العربية السعودية العباءة؟

دولي

الثلاثاء, 08-12-2020 الساعة 09:13 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| يوناتان توفال 

للحظة  وجيزة في أواخر الشهر الماضي، أثارت تقارير إعلامية عن اجتماع سري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان التكهنات بأنّ الرياض قد تكون مستعدة للمضي قدماً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الأيام المتبقية لإدارة ترامب.

ولكن في الأيام التي تلت ذلك، يبدو أنّ الاجتماع لم يفشل وحسب، بل كان أيضاً كارثة. إذ لم يقتصر الأمر على فشل المفاوضات الليلية بين الزعيمين في دفع التطبيع السعودي الإسرائيلي إلى الأمام بعد أن ورد أنّ الأمير محمد رفض توسلات نتنياهو للمضي قدماً قبل تولي إدارة بايدن السلطة. والأسوأ من ذلك أنّ الاجتماع أثار أيضاً ردود فعل قوية من جانب من يعارضون بشدة داخل الأسرة الحاكمة السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل خارج سياق مبادرة السلام العربية.

وجاءت آخر علامة يوم الأحد الماضي، عندما انتقد أحد أفراد العائلة المالكة السعودية، الأمير تركي الفيصل، إسرائيل بعبارات قاسية على نحو غير عادي، وانتقدها على سلسلة من الجرائم منذ أيام ما قبل الدولة حتى الآن. ومع ذلك، وفي حين لفتت الكلمات العدائية التي أدلى بها رئيس الاستخبارات السعودي السابق معظم الاهتمام، وجّه الأمير تركي أيضاً نداءً حماسياً إلى الإسرائيليين "لأخذ بيد السلام الممتدة" من خلال قبول مبادرة السلام العربية. وهو نداء كان قد تقدم به في الماضي مباشرة إلى الإسرائيليين.

"الأمير محمد بن سلمان رفض توسلات نتنياهو للمضي قدماً في التطبيع قبل تولي إدارة بايدن السلطة." 

وبالنسبة لأولئك الذين يتوقون إلى السلام الشامل في الشرق الأوسط، لا ينبغي أن تكون هذه التصريحات وغيرها من التصريحات المماثلة التي أدلى بها كبار المسؤولين السعوديين مثبّطة للهمم. بل على العكس من ذلك، فإنّها تبعث على الأمل في أن يؤدي السعي الإسرائيلي إلى التطبيع مع المملكة العربية السعودية إلى العودة إلى الوطن بالحاجة إلى التفاوض مع الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، وعلى نحو لا يقل أهمية، فإنّها تؤكد على الفرصة الفريدة التي فُتحت أمام الرياض لإعادة العمل بمبادرة السلام العربية والضغط على الأطراف لاستئناف المحادثات على أساسها.

يُذكر أنّ مبادرة السلام العربية التى بدأت فى مارس عام 2002 تُعدّ أحد أكثر مقترحات السلام بعيدة المدى فى الشرق الاوسط. وقد عرضت المبادرة، التي كانت من بنات أفكار ولي العهد السعودي في ذلك الوقت، عبد الله بن عبد العزيز، على إسرائيل مقابلاً: الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها حرب 1967 والسماح بإقامة دولة فلسطينية، مقابل أنّ يطبّع العالم العربي بأسره علاقاته معها. لسوء الحظ، الخطة لم تحصل على فرصة للانطلاق.

الأسباب متعددة، ولكن التوقيت السيئ لعب عاملاً حاسماً. وقد بدأت الخطة في وقت الانتفاضة الثانية - الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت بعد وقت قصير من انهيار قمة كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000 - ولم تلق آذانا صاغية. وفي ظل الهجمات (.) بشكل شبه يومي، لم تكن إسرائيل في مزاج يسمح لها بالتأمل في استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين.

في الواقع، لسوء الحظ، انعقدت قمة جامعة الدول العربية التي أطلقت المبادرة رسمياً في الصباح بعد أن تعرضت إسرائيل للهجوم الأكثر دموية في تاريخها - مذبحة عيد الفصح في فندق على شاطئ البحر، والتي راح ضحيتها 30 مدنياً وجرح 140. في غضون أيام ، شنّت إسرائيل عملية الدرع الواقي، وهي أكبر حملة عسكرية في الضفة الغربية منذ حرب 1967.

أما الانتفاضة الثانية التي أودت بحياة نحو ثلاثة آلاف فلسطيني و1000 إسرائيلي، تركت (إسرائيل) حذرة من عملية السلام. وفي الوقت الذي كان العنف قد تضاءل خلال عام 2005، حرف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الجهود الدولية الرامية إلى استئناف المفاوضات من خلال بدء انسحاب إسرائيل من قطاع غزة من جانب واحد. بل كان هناك حديث عن متابعة الخطوة في الضفة الغربية.

إلا أنّ الروح الجديدة من الأحادية - التي أعلنت إسرائيل أنها ستعمل بموجبها على تحديد حدودها - لم تدم طويلاً، حيث أن إطلاق الصواريخ على إسرائيل من قبل مقاتلي غزة، إلى جانب حرب 2006 في لبنان (التي انسحبت منها إسرائيل قبل ست سنوات)، وضع حكمة الانسحابات الإسرائيلية من الأراضي في موضع شك.

أدت حملة بقيادة الولايات المتحدة لدفع مفاوضات السلام إلى عقد مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني/نوفمبر 2007. لكن خليفة شارون، إيهود أولمرت، سلك في البداية طريقاً حذراً. وفي نهاية المطاف، تطوّرت مواقف أولمرت، ولكن التوقيت مرة أخرى كان مشؤوماً، حيث تم قطع فترة ولايته بسبب لوائح الاتهام الجنائية بتهمة الفساد الشخصي.

وفي الوقت نفسه، فإنّ انتفاضات الربيع العربي وما تلاها من حرب أهلية سورية كانت تعني أن مبادرة السلام العربية لم تعد تتطلب، فعلياً إن لم يكن صراحة، الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان. وبدلاً من ذلك، ركّز القادة العرب بشكل متزايد على الجبهة الفلسطينية، مضيفين الشرط العملي بأنّ أي تسوية يتفق عليها الفلسطينيون، حتى لو تضمنت مبادلة الأراضي للتعويض عن أقل من انسحاب كامل إلى خطوط ما قبل عام 1967،سوف تتلقى دعمهم الكامل.

ومع ذلك، وعلى مدى السنوات الـ 11 الماضية، رفض بنيامين نتنياهو بشدة كل جهد ممكن للمضي قدماً في حل الدولتين، بما في ذلك الضغط القوي من قبل إدارة أوباما خلال الفترة 2013-2014. ولكن حتى في الوقت الذي أثبت فيه كرهه من تقديم أي تنازلات للفلسطينيين، لم يغفل نتنياهو عن الوعد الوارد في مبادرة السلام العربية. بل على العكس من ذلك، فقد سعى إلى الفوز بالجائزة دون دفع الثمن المطلوب.

"أفضل طريقة لاستخدام السعودية لنفوذها هي اتخاذ خطوة غير مسبوقة برعاية مفاوضات ثنائية اسرائيلية فلسطينية في الرياض على أساس مبادرة السلام العربية." 

ولهذا السبب حقق نتنياهو اختراقات دبلوماسية مع دول الإمارات العربية المتحدة والبحرين وحتى مع السودان باعتباره انتصاراً من هذا القبيل. متوقفًا عن حقيقة أنّ الاتفاقية تطلبت منه التخلي عن خططه لضم الضفة الغربية، أشاد نتنياهو بالاتفاقات باعتبارها إثباتًا لادعائه الطويل بأنّ إسرائيل ستعمل في نهاية المطاف على تطبيع العلاقات مع العالم العربي الأوسع بغض النظر عن التقدم على الجبهة الفلسطينية.

من الناحية التكتيكية، لدى نتنياهو وجهة نظر. ولكن من الناحية الاستراتيجية، فإنّ المملكة العربية السعودية لديها شيء أفضل من ذلك: النفوذ الدبلوماسي لتوجيه العملية في اتجاه أكثر صواباً. وأفضل طريقة لاستخدام هذا النفوذ هي اتخاذ خطوة غير مسبوقة بدعوة القادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الرياض لإطلاق مفاوضات ثنائية، برعاية سعودية، على أساس مبادرة السلام العربية.

صحيح أنّ مبادئ المبادرة يصعب على القيادة الإسرائيلية الحالية قبولها، لكنّ نفوذ الرياض مع إسرائيل يعني أنها لا تستطيع إلا أن تقدّم حافزاً لها: خطوات فورية لتطبيع العلاقات بالتزامن مع إحراز تقدم حقيقي على المسار الإسرائيلي الفلسطيني.

وإذا حكمنا على مدى نشوة الترحيب الاسرائيلي بالاتفاقات المبرمة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، فإنّ احتمال تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية يُمكن أن يفكك مواقف إسرائيل المتصلّبة بشأن ما يمكن وما لا يمكنها القيام به من أجل التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.

المملكة العربية السعودية مستعدة بشكل فريد لدفع السلام الشامل في الشرق الأوسط قدماً. فهل ستلتقط العباءة؟

يوناتان توفال
 
محلل كبير للسياسة الخارجية لدى معهد ميتفيم الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية. 

 
-  المصدر الأصلي بالإنجليزية: مودرن دبلوماسي 
-  عالجه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

السعودية اسرائيل التطبيع مبادرة السلام العربية الشرق الأوسط