التقارير الخاصة

تحقيق: ميناء قنا بشبوة.. ترويج للوهم أم تمرّد على الدولة؟

16-01-2021 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم التحقيقات


أثار افتتاح محافظ محافظة شبوة، في جنوب اليمن، محمد صالح بن عديو، ميناء "قنا" النفطي والتجاري كثيراً من الجدل، فبينما يعتبره البعض إنجازاً تنموياً كبيراً يحقّقه الرجل المقرّب من الإسلاميين في اليمن، يؤكّد كُثرٌ آخرون أنّ الميناء بصورته الحالية، هو مجرد "مشروع وهمي"، لتحقيق مآرب حزبية وسياسية عديدة في هذه المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط، يعزز تهمة "التمرد" على حكومة المناصفة واتفاق الرياض.


الميناء 


عُرفت منطقة "بئر علي" بمحافظة شبوة اليوم- والتي افتتح بها بن عديو ميناء قِنا المزعوم - تاريخياً باسم ميناء قِنا القديم، كان يقع على ساحل البحر العربي، ويبعد عن المكلا بحوالي 120 كيلو متراً، وعن عتق المركز الإداري لمحافظة شبوة بحوالي 140 كيلومتراً. وجاء أقدم ذكر له في العهد القديم من الكتاب المُقدّس، كما ورد ذكره في المصادر الكلاسيكية، الإغريقية واللاتينية، ولاسيما في كتاب الطواف حول البحر الارتيري. [1]


في مطلع نوفمبر/تشرين  الثاني 2020، وقّع المحافظ بن عديو عقداً مع شركتي (Q.Z.Y) و (الإخوة للهندسة والإنشاءات المحدودة) لإنشاء ميناء نفطي بمنطقة "بئر علي" بمديرية "رضوم" بمحافظة شبوة، حملَ اسم "قنا" نسبة للميناء القديم التاريخي المعروف.


وتشمل المرحلة الأولى من مراحل إنشاء ميناء قنا - بحسب المكتب الإعلامي للمحافظ بن عديو - توفير خزانات عائمة للمشتقات النفطية، فيما تشمل المرحلة الثانية، بناء أرصفة التفريغ للمشتقات النفطية مع إنشاء 8 خزانات استراتيجية، بسعة إجمالية تصل إلى 60 ألف طن، إضافة إلى بناء أرصفة النشاط التجاري للميناء.


توقيت الإعلان


رغم أنَّ المشروع لازال في مرحلته الأولى، اختار المحافظ المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، الافتتاح في توقيتٍ لا يخلو من إشارات ورسائل بحسب خبراء وسياسيين، فهو يأتي بعد أقل من أسبوعين على وصول حكومة المناصفة الجديدة بين شمال وجنوب اليمن إلى العاصمة عدن، وهي الحكومة التي تقلّص فيها نفوذ الجماعة بشكل ملحوظ بعد تقاسم السلطة مع المجلس الانتقالي الجنوبي ومختلف الأحزاب والأطياف بشمال وجنوب اليمن.


وسبق لـ "سوث24" الكشف- في تقرير سابق- عن مشروع خطير في محافظة شبوة يستهدف اتفاق الرياض وحكومة المناصفة الجديدة، ويتمثّل في محاولة الالتفاف على الشق العسكري من الاتفاق عبر دمج وحدات عسكرية موالية لنائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر، بالقوات الخاصة، وهي قواتٌ أمنية يقودها "عبد ربه لعكب"، قيادي عسكري يُتهم بولائه المزدوج للحوثيين والإخوان المسلمين.


وينصّ الشق العسكري من الاتفاق على بقاء القوات الخاصة كقوة أمنية في شبوة إلى جانب قوات النخبة الشبوانية، فيما تعود كل الوحدات العسكرية القادمة من محافظات الشمال اليمني إلى ثكناتها وجبهات القتال مع الحوثيين. وبدمجها بالقوات الخاصة، تضمن هذه القوات بقائها في شبوة، وهو ما يعني تمرداً حقيقياً على اتفاق العملية السياسية المتمخضة عن اتفاق الرياض، الذي رعته المملكة العربية السعودية.


اقرأ المزيد: شبوة: «إمارة لعكب» تزاوج الإخوان والحوثيين والمشروع الجديد


مشروعٌ وهمي؟


تُنفّذ مشروع ميناء قنا شركتا "كيو زد واي" و "الإخوة للهندسة والإنشاءات المحدودة"، ووفقاً لوسائل إعلام مُقربة من سلطة المحافظ بن عديو، تبلغ قيمة المشروع الإجمالية 100 مليون دولار.


بحث سوث24 في خلفيات الشركات المذكورة لتنفيذ المشروع. الشركة الأولى "كيو واي زد" لا تملك سجلات معلنة، ولا معلومات على شبكة الإنترنت أو حساباً رسمياً على منصات التواصل الاجتماعي، ويصفها المكتب الإعلامي لمحافظ شبوة بـ "الشركة غير الحكومية"، فيما يؤكّد نشطاءٌ وصحافيون من أبناء شبوة بجنوب اليمن أنّها مجرد "شركة وهمية" تتبع رجل الأعمال اليمني وصاحب النفوذ الكبير والمشبوه "أحمد صالح العيسي".


والعيسي هو رجل أعمال مُقرب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ويعمل نائباً لمدير مكتبه، سبق ووصفته صحيفة "لوموند الفرنسية بأنَّه «أنه تاجر الحرب المسيطر على كل شيء في اليمن ماعدا الهواء».[2]


أما شركة الإخوة للهندسة والإنشاءات المحدودة فتقدّم نفسها على أنَّها شركة "مقاولات" في مجال "الإعمار والإنشاء والاستيراد والتصدير ومجال النفط والغاز". وتذكر الشركة في موقعها الرسمي على ويب عدداً من المشاريع التي نفذتها في عدد من المحافظات الجنوبية- خصوصاً محافظتي شبوة وحضرموت-  مثل المدارس والمجمعات التربوية والحواجز المائية  وغيرها. [3]


ومقر الشركة الرسمي، بحسب سجلات خرائط جوجل، هو مدينة المنصورة بالعاصمة عدن، بجوار مركز ناينتي مول. ولم يتوصل سوث24، حتى اللحظة، إلى تفاصيل دقيقة بشأن ملكية الشركة، والجهات التي تتقاسم أرباحها.



تظهر سجلات الخرائط أنّ مقر شركة الإخوة للهندسة والإنشاءات المحدودة يقع في مدينة المنصورة بعدن. (جوجل)


تُشير وثائق نشرتها وسائل إعلامية في نوفمبر / تشرين الثاني 2019، إلى منح بن عديو صفقة مشروع في منشأة النشيمة بشبوة، لشركة الإخوة. وعارض حينها مجلس تنسيق نقابات شركة النفط اليمنية قيام المحافظ، بتسليم مشروع بناء الخزن الاستراتيجي بمنشأة "النشيمة" لشركة الاخوة للهندسة والانشآءات المحدودة.


ووصفت مصادر حينها الصفقة بالفساد، بعد أن حصلت شركة الإخوة الخاصة على حصة 70% من تنفيذ المشروع، فيما حصلت شركة النفط على حصة 30%. [4]


ووقّع بن عديو عدد من صفقات مشاريع في مجال الطاقة والنظافة والنفط وقطاعات أخرى مع الشركة، منذ توليه منصبه في نوفمبر 2018.


ويتهم خبراء ونشطاء جنوبيون المحافظ بن عديو وسلطته المحلية في شبوة بتنفيذ أجندة الإخوان المسلمين وداعميهم الإقليميين باليمن عبر تنفيذ مشاريع وهمية مثل ميناء قنا، للتغطية على عمليات تهريب السلاح والمشتقات النفطية والمواد المحظورة، ضمن صفقات النهب المنظّم للمال العام، ومنح الامتيازات لذوي النفوذ المُقربين من الإخوان المسلمين.


السياسي البارز من جنوب اليمن، والمسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي، أحمد عمر بن فريد، تساءل في حسابه على منصة تويتر قائلاً: " نتحدى محافظ شبوة أن يعلن بشفافية للجميع عن موارد النفط الشبوانية منذ ٢٠١٥ حتى اليوم؟ أين ذهبت؟ ولمن؟ وكيف؟"، ويؤكّد بن فريد- وهو أحد أبناء المحافظة- "لسنا ضدّ أي مصلحة لشبوة قد تتحقق عن طريق آخر".


ويقول أحمد بن فريد أنَّ ميناء قنا الذي افتتحه محافظ شبوة بن عديو جاء لإعلان العديد من الأمور، من بينها كونه أضحى "رأس جسر لدولة الإخوان ببعدها الإقليمي"، و "استمرار الفساد وعمليات التهريب بشكلٍ رسمي، والتحدي السافر لاتفاق الرياض، وفتح نافذة مساومة تجارية- عسكرية مع الحوثي".


في المقابل، قال المحافظ بن عديو- في مراسم الافتتاح- أنَّ ميناء قنا "سيشكل إضافة مهمة في مشروع نهضة المحافظة، واستعادة لتاريخ مجيد لواحد من أهم الموانئ التجارية منذ آلاف السنين في شبه الجزيرة العربية"، وتحدّث بن عديو عن المنافع التي سيعود بها الميناء التي تشمل رفد الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل لأبناء المحافظة.


وتحدث بن عديو عن "دعم سعودي ومتابعة حثيثة من الرئيس اليمني هادي تمَّ بفضلهما إنجاز ميناء قنا "بسرعة قياسية".


وعمد المحافظ المُثير للجدل إلى تبني سياسة "الإنجازات الموسمية" والترويج لها بين أنصاره، ففي نهاية عامه الأول كمحافظ لشبوة، في 2019، أصدر بن عديو قراراً بإقالة ثلاثة من مدراء العموم في شبوة، بتهم تتعلق بـ "الفساد الإداري"، وعيّن بدلاء يُشاع بانتمائهم لحزب الإصلاح، وكيل الإخوان المسلمين في اليمن.


وفي نهايات العام المنصرم 2020، ومطلع العام الحالي، أصدر بن عديو قراراً مشابهاً بإقالة 9 من مدراء العموم المحليين، وإحالتهم للتحقيق، ومرة أخرى، كانت التهمة هي "الفساد الإداري".


وسبق لبن عديو الإعلان عن توقيع عقود لإنشاء "منتجع قنا السياحي"، بتكلفة وصلت - بحسب مكتبه الإعلامي - إلى أكثر من 30 مليون دولار، ومُنح هذا المشروع- بحسب نشطاء من أبناء شبوة- إلى شركات تركية، واعتبره هؤلاء الناشطون "غطاءً لتركيا في جنوب اليمن، وموطئ قدمٍ لها".


واليوم في مطلع العام الجديد، يعود بن عديو للواجهة مجدداً، عبر مشروعه المُسمّى بميناء "قنا". حيث نشر المكتب الإعلامي التابع له صوراً من حفل الافتتاح سبّبت موجة من السخرية الكبيرة لدى روّاد وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اُعتبرت دليلاً على فساد سلطة بن عديو وترويج لمشروع وهمي لا وجود له.



من مراسم افتتاح ميناء قنا (المكتب الاعلامي لمحافظ شبوة - فيسبوك)


لكنّ مناصري المحافظ، أكدّوا أنَّ المشروع اُفتتح في مرحلته الأولى ولم يستكمل بعد، وهو ما يضع استفساراً، في حال صح هذا الرأي، عن سبب استعجال المحافظ بن عديو، ورمزية التوقيت.


وتُفسّر حالة الاحتفال لدى البعض من أبناء المحافظة على أنها نتيجة نفسية لسبب الحرمان الذي عانت منه شبوة طويلاً، رغم أنها غنية بالنفط، وهو ما يمنح الإعلام الموالي للسلطات المحلية والإسلاميين فرصة جيدة لتحويل المشاريع الصغيرة وحتّى الوهمية إلى إنجازات ضخمة.


مستقبل شبوة


بوضوح، تدير سلطة بن عديو شبوة بعيداً عن المركزية وحكومة الرئيس هادي، باستقلالية مثيرة للريبة، وهي استقلالية ما تلبث أن تضمحّل إذا ما ربطنا مشاريع وخطوات هذه السلطة بأجندة الإخوان المسلمين في اليمن، بل وتمثّلها إلى حد بعيد.


وترتبط سلطة بن عديو بمحافظة مأرب اليمنية - معقل الإخوان المسلمين باليمن - أكثر من ارتباطها بالعاصمة عدن التي تتواجد بها حكومة المناصفة اليمنية.


ولم يتوانى بن عديو عن تبنّي سياسة الإخوان المسلمين المناهضة لوجود التحالف العربي، وخصوصاً دولة الإمارات، الطرف الأساسي في هذا التحالف إلى جانب السعودية. واتهم بن عديو الإمارات بتعطيل منشأة "بلحاف" الغازية، التي تتواجد فيها وحدات من النخبة الشبوانية وقوات إماراتية، لضمان حمايتها.


وتعرّضت المنشأة في أواخر العام المنصرم لقصف بقذائف الهاون نفذتها وحدات يُعتقد بانتمائها لمسلحي الإخوان المسلمين التابعين للسلطات المحلية، كما استُهدفت القوات الإماراتية بعبوات ناسفة زُرعت في طريقها، بعد أسابيع فقط من تصريحات بن عديو على قناة تلفزيونية، بأنّ منشأة بلحاف مُحتلةً ومُعّطلةً من قبل الإمارات.


اقرأ المزيد: منشأة بلحاف وغازُ بن عديو المزعوم.. التوظيفُ السياسي لجوهرةِ الجنوب


"لن تكن شبوة كعدن"، هكذا تحدّث المحافظ بن عديو في حفل افتتاح ميناء "قنا"، وهو ما يعزّز واقع التمرد غير المُعلن على اتفاق الرياض وحكومة المناصفة اليمنية، وهو تمردٌ بدأت إشاراته مبكراً عبر محاولة الالتفاف على الشق العسكري، والترابط الحزبي والإداري العميق مع سلطة الإخوان المسلمين في مأرب، التي قدمت منها الوحدات العسكرية التي شاركت على مدى العامين الماضيين في الحرب ضد الجنوب، وعبر تبني سياسة مناهضة التحالف العربي، وبناء شراكات خارج القانون مع نافذين.


كما يجدر الإشارة إلى أنّ الشق السياسي من اتفاق الرياض يتضمّن تسمية محافظين جُددٍ للمحافظات الجنوبية، ومن بينها شبوة. ومن المتوقع أن تواجه سلطة بن عديو أي قرار من هذا القبيل بالرفض، وهوما يجعل واقع التمرد مُعلناً بوضوح، مما قد يشكل مرحلة جديدة من الصراع المحتدم في جنوب اليمن، لكن هذه المرة مع جناح الإخوان المسلمين في اليمن منفرداً.


- يعقوب السفياني: محرر وصحفي بمركز سوث24 للأخبار والدراسات

- بدر قاسم محمد: باحث وزميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا