دولي

تحقيق بريطاني: الحوثيون مسؤولون عن هجوم مطار عدن الدولي

10-02-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم الترجمات


في 30 ديسمبر 2020، وصلت "حكومة الوحدة" اليمنية إلى مطار عدن. وبعد وقت قصير من هبوطها، هزت ثلاثة انفجارات مطار عدن مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 22 شخصاً، بمن فيهم ركاب عاديون وصحفيون وعمال إغاثة. في ضربة حظ لا تصدق، لم يقتل أو يُجرح أي من أعضاء مجلس الوزراء.


وصل السياسيون إلى المدينة الساحلية على أمل رأب الصدع بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي. وعلى متن الطائرة كان هناك سياسيون من هاتين المجموعتين - وهي حكومة ناشئة بمثابة نتيجة مهمة لاتفاق الرياض الموقع في عام 2019.


كان المجلس الانتقالي، الذي يمثل الحركات الانفصالية في جنوب اليمن، حليفاً للحكومة في قتالها ضد حركة الحوثيين. لكن في عام 2018، تصاعدت التوترات وسيطر المجلس الانتقالي على جزء كبير من جنوب اليمن.


لذلك عندما تعرّض هؤلاء السياسيون، المكلّفون بإصلاح الصدع في التحالف المناهض للحوثيين، للهجوم، سارعت العديد من الأطراف إلى تبادل إلقاء اللوم. ونفت حركة الحوثيين، المعروفة أيضاً باسم "أنصار الله"، مسؤوليتها عن الهجوم، مشيرة إلى أنّ المجلس الانتقالي قد يكون نفذه في محاولة لتخريب الاتفاق. كان ذلك عديم الجدوى. في 11 يناير/كانون الثاني 2021، صنّفت الحكومة الأمريكية الحوثيين كمنظمة إرهابية، وهو قرار تم التراجع عنه فيما بعد.


تم رصد الهجوم على مطار المدينة الساحلية المزدحمة على مقاطع فيديو متعددة، تزامنا مع إطلاق عدد من الصواريخ من المدن التي يسيطر عليها الحوثيون إلى شمال غرب عدن - في نفس اليوم. ويشير تحليل معلومات المصادر المفتوحة من هذه المواقع إلى أنه على الرغم من نفيهم، فإنّ الحوثيين كانوا على الأرجح مسؤولين عن الهجوم على مطار عدن.


الهجوم


الهجوم يتضح بشكل جلي في صور الفيديو المصور أدناه: 



كما نرى، حدثت ثلاثة انفجارات على مدى دقيقة تقريبا، وكلها وقعت بين الطائرة ومبنى المطار. وادعت الحكومة اليمنية أنّ الهجوم وقع في الساعة 13:24، وأيدته بلقطات من كاميرات المراقبة. تم نشر التقارير العامة التي تم تحديدها في وقت مبكر عن وقوع هذا الهجوم في الساعة 13:27 بتوقيت اليمن، وتبعها مباشرة العديد من المشاركات التي أبلغت عن نفس الحدث.


ومن خلال فحص مقاطع الفيديو الأخرى للهجوم، يُمكن تحديد المكان الذي انفجرت فيه هذه الصواريخ. ويمكن تحديد الموقع الدقيق للطائرة بسبب خطوط التوجيه التي تم وضعها على مدرج المطار كونها مرئية في كل من هذا الفيديو وصور الأقمار الصناعية.


 

خريطة لمنطقة الهجوم. نقاط وترتيب التفجيرات التي تحمل علامة باللون الأحمر. (الصورة: جوجل / تقنيات ماكسار)


ومن بين هذه الانفجارات الثلاثة، وقع الانفجار الأول على بعد عدة أمتار من الجدار الشمالي لصالة المطار.  ووقع الثاني على مدرج المطار على بُعد 50 متراً تقريباً من الطائرة. لاحظ وجود خط أصفر على الأسفلت يشير إلى أنّ هذا التأثير أصاب موقف الطائرة الأقرب لصالة الركاب.


 


واصطدم الثالث بجدار منخفض مباشرة إلى الشمال من صالة الركاب.


في حين يحظى موقع الهجوم الثاني أهمية خاصة. فقد ذكر صحفي من موقع "بوابتي" الإخباري كان حاضرا في المطار أنه كان من المفترض أن تكون الطائرة قد أوقفت في موقف هبوط مختلف، لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب حشد كبير من المؤيدين على ساحة المطار. وبدلاً من ذلك، كانت متوقفة بعيداً عن صالة الركّاب. ويدعم ذلك لقطات لعدد كبير من الناس يتجوّلون على المدرج مع وصول الرحلة، فضلاً عن وجود سجادة حمراء وضعت للموقف الأقرب إلى مبنى المطار، على مسافة من المكان الذي كانت فيه الطائرة متوقفة بالفعل.

 


في حدث سابق للسجناء العائدين في مطار عدن في أكتوبر 2020، تم استخدام هذا الموقف، وامتدت السجادة الحمراء تمامًا إلى أسفل درجات الطائرة، لذا فقد وقع الهجوم الثاني مباشرة على موقف الهبوط الذي وُضعت له هذه السجادة الحمراء. ولو كانت الطائرة قد أوقفت به، فمن المرجّح أن يكون العديد من أعضاء مجلس الوزراء قد قتلوا أو جرحوا في الهجوم.


الحفرة


موقع الهجوم الثاني يحتوي على دليل حاسم. وكما أظهرت تحقيقاتنا السابقة، يمكن استخدام الحُفر لتحديد اتجاه مصدر الذخائر. وفي هذه الحالة يمكن مقارنة الحفر بالخطوط على ساحة المطار، مما يشير بوضوح إلى أن الذخيرة وصلت من اتجاه الشمال الغربي.

 


من خلال التلاعب بالصورة لتظهر كما لو كنا نراها من الأعلى، يمكن إثبات أنّ اتجاه المصدر يقع بالقرب من مدينة تعز، حيث، كما سنرى، كانت هناك تقارير متعددة عن إطلاق الصواريخ في ذلك اليوم.


في وقت الهجوم على مطار عدن، كانت تعز والمنطقة المحيطة بها تخضع إلى حدٍ كبير لسيطرة الميليشيات الحوثية.



الذخائر


هناك شحة في المعلومات مفتوحة المصدر حول الذخائر التي تم استخدامها بالضبط. جمعت السلطات أجزاء من هذه الذخائر وعُرضت لاحقًا في مؤتمر صحفي في 15 يناير / كانون الثاني، لكنّ جميعها كانت صغيرة نسبيًا ولم تكن هناك صور عالية الجودة للشظايا نفسها. لذلك، لم يكن أي منها واضحًا بما يكفي لتحديد الذخيرة الدقيقة.


يشير موقع الضربة الأولى، على ارتفاع عدة أمتار من جدار أسفل سقف متدلي، إلى أنّ هذا لم يكن سلاحًا ذا انحناء عالي، مثل قذيفة هاون. التقطت مقاطع فردية متعددة واحدة على الأقل من هذه الذخائر قبل الاصطدام مباشرة. على الرغم من أنّ المنظور قد يتغير بسبب التعرّض القصير للغاية، يبدو أنّ الذخيرة على شكل صاروخ وليس قنبلة هاون أو ذخيرة متسكعة. وهذا من شأنه أن يستبعد استخدام طائرات بدون طيار من طراز قاصف أو صمّاد التي تستخدمها قوات الحوثي.

 


وفي المؤتمر الصحفي نفسه الذي عُرضت فيه شظايا الذخيرة، عُرضت لقطات من كاميرات المراقبة، التي يبدو أنها تظهر أيضا نوعاً من الصواريخ.


المشهد من تعز


وفي نفس اليوم الذي وقع فيه الهجوم في عدن، نُشرت عدة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر صواريخ تُطلق من تعز وذمار، وهي مدينة أخرى تسيطر عليها حركة الحوثيين.


تمكنا من تحديد موقع أربعة من هذه الفيديوهات في تعز، والتي تظهر جميعها نفس إطلاق صاروخين، أحد تلك الصواريخ تدور قبل السقوط على الأرض.


يمكن تحديد موقع الفيديو 1 إلى قرية شرق مطار تعز على (13.68878, 44.16130)


يمكن وضع موقع الفيديو 2 بجوار الطريق في (13.65393, 44.13682)


كذلك استطعنا تحديد الموقع الجغرافي فيديو 3 إلى بالقرب من مدخل مطار تعز. ومع ذلك، وبسبب الفيديو الذي يتم تصويره من سطح ما، هو على الأرجح مسكن خاص، اخترنا عدم تحديد الموقع بدقة حتى لا يعرّض السكان المحليين للخطر. يُظهر هذا الفيديو ما يبدو أنه إطلاق صاروخ واحد على الأقل من داخل مطار تعز.


وقد تم تصوير الفيديو رقم 4 على الطريق الرئيسي مباشرة خارج مطار تعز، ويظهر بوضوح أنّ الصواريخ إما أطلقت من داخل مطار تعز أو من جواره.


صور ومقاطع فيديو أخرى متعددة لهذا الإطلاق تم نشرها في 30 ديسمبر، ولكن لم يكن من الممكن تحديد موقعها الجغرافي. جميعها تبيّن ما يبدو أنه نفس إطلاق الصاروخين، التي سبق الإشارة لها.


إنّ الكثير من مقاطع الفيديو والصور من تعز، والتي تظهر جميعها إطلاق الصاروخ نفسه من زوايا متعددة، تم نشرها على الإنترنت في نفس اليوم، إلى جانب أدلة عن هذا الحدث الذي يجري، تُشير بقوة إلى أنها تم تصويرها جميعًا في نفس اليوم: 30 ديسمبر.


لقد قمنا بتحديد موقع مقاطع الفيديو هذه باستخدام زوايا الشمس والظلال التي تلقيها لإنشاء نافذة زمنية تمت خلالها تصويرها من أجل التخفيف من عدم الدقة باستخدام هذه الطريقة، استخدمنا أدوات متعددة في كل مقطع فيديو، تؤكد أنه تم تصويرها بعد الساعة 13:00 بوقت قصير.  وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك قدرًا من عدم الدقة في هذه الطريقة، وبالتالي فإن التوقيت تقريبي.


 

فشل؟

تشير جميع هذه الفيديوهات إلى أنّ إطلاق صاروخ واحد على الأقل قد فشل. الصاروخ تلولب في السماء وسقط في نهاية المطاف على الأرض. ويمكن استخدام طريقة التقاطع لتحديد المنطقة التي يبدو أنّ هذا الصاروخ قد سقط فيها، بالقرب من مصنع صغير على بعد بضعة كيلومترات جنوب شرق مطار تعز.

 


وهذا يتفق مع المزاعم، التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي في 30 ديسمبر/كانون الأول، نقلاً عن سكان يمنيين محليين، بأنّ صاروخاً سقط بالقرب من مصنع في قرية الظاهرة. وحدد أرشيف اليمن منشوراً على فيسبوك يتضمن صوراً لما يبدو أنه جزء من صاروخ كبير نسبياً مع أحواض التحكم، ادعى أنها التقطت في مصنع الحاشدي في وادي الجند.



على الرغم من أنه من غير الممكن تحديد موقع هذه الصور جغرافيًا بسبب عدم وجود تفاصيل المناظر الطبيعية، إلا أنّ هذا هو نفس المصنع الذي حددناه كنقطة وقوع للصاروخ الفاشل عبر التقاطع. وعلاوة على ذلك، يتضمّن منشور واحد على الأقل على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لنفس الجزء.

 

لم يتسنّ تحديد نوع الذخائر التي تتكون منها هذه القطعة، لأنّ فحص كل من صواريخ الحوثيين والصواريخ الإيرانية لم يسفر عن أي تطابق واضح. وهذا ليس مستبعد، حيث تختلف الذخائر الحوثية في كثير من الأحيان عن نماذجها المعروضة بسبب تقنيات ومواد التصنيع المختلطة.


المشهد من ذمار


بالإضافة إلى عمليات الإطلاق من تعز، يبدو أنّ أربعة مقاطع فيديو اكتشفها شركاؤنا في الأرشيف اليمني تظهر في إطلاقين ناجحين من ذمار. ويبدو أنّ جميع مقاطع الفيديو هذه تُظهر نفس الإطلاق: يمكن رؤية سحابة، فضلاً عن الأثر المطابق للصاروخ، في جميع المقاطع.

 

يمكن تحديد الموقع الجغرافي للفيديو 5 إلى (14.538085, 44.431170)


يمكن تحديد الموقع الجغرافي للفيديو 6 في (14.514387, 44.409254)


الفيديو 7 لا يمكن تحديد موقعه الجغرافية بالضبط، على الرغم من أنه يظهر بالتأكيد إطلاق ذمار بسبب وجود نفس السحابة البارزة ومسار الصواريخ.


كان من الصعب تحديد موقع الفيديو 8 جغرافيًا بسبب جودة الفيديو المنخفضة، ولكن مسار الصواريخ هو بالتأكيد من نفس الفيديو 5 و 6 و 7 ، وموقعه في ذمار. يشير عمود المصباح المزدوج المرئي في الفيديو إلى طريق به ممران مع قسم مركزي، ويبدو أنّ هناك مبنى منخفضًا على الجانب البعيد من الطريق، مع مبنيين أكبر في الخلفية. المكان الوحيد في ذمار الذي يناسب كل هذه الميزات هو (14.52950, 44.40263).


 

وباستخدام طريقة التقاطع، أمكن تحديد المنطقة المجاورة التي أُطلقت منها هذه القذائف. هذا الموقع يشير لمركز تدريب الشرطة على خرائط جوجل، وهو ما يتفق مع العديد من وسائل الاعلام الاجتماعية التي ادعت أن إطلاق صاروخ حدث من قاعدة للشرطة.

 

بسبب عدم وجود نقاط مرجعية واضحة في مقاطع فيديو ذمار، فإنّ دقة تحليل الظل أقل بكثير من تلك التي تم التقاطها في تعز. ومع ذلك، يبدو أن الظلال في الفيديو 5 تبدو عمودية على الطريق، مشيرة مرة أخرى إلى أنّ الإطلاق حدث في بعد الساعة 13:00.



 

علامة حوثية


إنّ الأدلة المفتوحة المصدر حول الهجوم على مطار عدن جوهرية وهامة. وتُبيّن أنه في 30 ديسمبر / كانون الأول، بعد الساعة 1:00 ظهراً بقليل، أُطلقت أربعة صواريخ من مناطق يسيطر عليها الحوثيون: اثنان من محيط مطار تعز واثنان من محيط قاعدة للشرطة في ذمار. فشل إطلاق أحد هذه الصواريخ من تعز. 


على الرغم من أنّ الشظايا من هذه الذخيرة على ما يبدو لا تسمح لنا باستنتاج الكثير عن نوعها الدقيق، إلا أنّ حجم الشظية، ووجود علب التحكم، تُشير إلى صاروخ موجه كبير نسبيًا. وزعم الحوثيون أنّ الصاروخ الباليستي بدر p1، الذي يمكن أن يكون مطابقا محتملا، يبلغ مداه 150 كيلومترا. 


سيكون هذا النطاق كافياً للوصول من تعز إلى عدن، لكن ذمار تقع على بعد 200 كيلومتر تقريبًا من مطار عدن. يبدو من المحتمل أن المقذوفات التي تم إطلاقها من ذمار كانت إمّا من نوع مختلف من الصواريخ، أو من نوع بدر 1P الذي ربما تم تعديله بطريقة ما.


ما يمكننا استنتاجه هو أنّه في حوالي الساعة 13:25، أصابت ثلاثة صواريخ كبيرة مطار عدن في غضون دقيقة واحدة من بعضها البعض. الصاروخ الذي سقط على ساحة المطار جاء بالتأكيد من اتجاه شمالي غربي، باتجاه تعز. من المؤكد أنّ الصاروخين الآخرين أتيا من اتجاه شمالي، ولكن بسبب اصطدامهما بالجدران، لا يمكن تحديد اتجاه أكثر دقة للمصدر. أصاب صاروخ بالضبط المكان الذي كان من المحتمل أن تكون فيه الطائرة التي تقل الحكومة اليمنية المتفق عليها حديثًا، قبل أن تبدل موقفها في اللحظة الأخيرة.


على هذا النحو، تشير الأدلة المتاحة إلى أنه على الرغم من إنكارها، فإنّ جماعة الحوثيين كانت على الأرجح مسؤولة عن هذا الهجوم. وهذا يمثّل استمرارًا لموضوع حركة الحوثيين باستخدام المعلومات الاستخباراتية الفعالة واستهداف أهداف عالية القيمة لتنفيذ ضربات بعيدة المدى ودقيقة، كما شوهد سابقًا في عدن والعند ومأرب.


نيك واترز

ضابط سابق في الجيش البريطاني ومحلل.


- المصدر الأصلي بالإنجليزية: Bellingcat  (تم هذا التحقيق بالاشتراك مع موقع الأرشيف اليمني)

- عالجه ونقّحه إلى العربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات



شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا