التحليلات

خيارات المجلس الانتقالي الجنوبي ما بعد سقوط مأرب

23-02-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم التحليل


تتصاعد الجهود الدبلوماسية الدولية، في الوقت الحالي، بقيادة واشنطن، بهدف الدفع نحو حلٍ سياسي قد يُنهي الصراع الدامي المستمر في اليمن منذ ست سنوات، تزامناً مع اتساع المخاوف الإقليمية والدولية من عواقب سقوط كامل محافظة مأرب، في شمال اليمن، بقبضة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران.

على الأرض تحشد الفصائل المختلفة الموالية للحكومة الشرعية، بما فيهم بعض السلفيين والإسلاميين من تنظيم الإخوان المسلمين من بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية في جنوب اليمن، للقتال ضد الحوثيين في مأرب. [1] حتى القوات المشتركة في الساحل الغربي لليمن، التي لا تتبع الحكومة رسمياً، ويقودها نجل شقيق الرئيس اليمني السابق طارق صالح، أرسلت قافلة مؤن لدعم المقاتلين من القبائل الموالية للحكومة هناك، لاقت الخطوة قبولا واسعاً في صفوف القبائل. [2]

بغطاء جوي كبير من طيران التحالف الذي تقوده السعودية، تشتد المعارك التي مضى على تجددها أكثر من أسبوعين، على أكثر من جبهة في شمال وغرب محافظة مأرب. سقط المئات من القتلى وفقاً لمصادر في التحالف العربي ومصادر في حكومتي صنعاء وعدن.

حذّرت مجموعة الأزمات الدولية من نتائج مدمّرة وتوسّع العنف إذا ما سيطر الحوثيون على المدينة. لوّحت المجموعة إلى أنّ الحوثيين قد يوسّعون قتالهم ناحية محافظة شبوة النفطية في الجنوب، حيث يرفضهم السكّان. [3]

إقرأ أيضاً : سقوط مأرب يعزز مشاعر الاستقلال ويزيل الحكومة من المعادلة


قبل اندلاع المعارك الأخيرة، لجأت القوات التي يُسيطر عليها نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، إلى تسليم عدد من المواقع العسكرية الاستراتيجية، بما فيها كامل جبهة نُهم، في يناير كانون الثاني، العام الماضي، للحوثيين. قال الجيش الوطني حينها أنّ ما حصل هو "انسحاب تكيتكي". مخازن كبيرة من الأسلحة ومعدات عسكرية سعودية حديثة وقعت بأيدي الحوثيين. 

نتائج حرب الجنوب


عوضاً عن ذلك، انشغلت القوات العسكرية التي تتبع حكومة الرئيس اليمني المعترف بها دولياً حتى  الـ 11 من شهر ديسمبر كانون الأول الماضي، بقتال المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته العسكرية التي دربتها ودعمتها دولة الإمارات العربية المتحدة.

مزيج من المقاتلين القبليين القادمين من شمال اليمن، وعناصر جهادية تنتمي لحزب الإصلاح الإسلامي ومقاتلين محليين موالين للرئيس اليمني، شاركوا في قتال القوات الجنوبية في محافظة أبين إلى الشرق من عدن. 

في نفس التوقيت كانت تجري الرياض محادثات سرية مع الحوثيين، بهدف التوصل لصفقة لوقف إطلاق النار على أراضيها. [4]

أعلن التحالف الذي تقوده الرياض في أبريل نيسان 2020 وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد، قبل أنّ تشنّ القوات الحكومية في محافظتي أبين وشبوة في جنوب اليمن معركة واسعة للسيطرة على عدن في مايو آذار 2020.

كان التحالف العربي الذي تقوده السعودية يقود في هذا الوقت وساطة بين الطرفين لتنفيذ اتفاق الرياض الموقّع في نوفمبر تشرين الثاني 2019. مصادر سياسية مطلّعة لمّحت إلى قبول التحالف الذي تقوده السعودية في استمرار القتال على أمل حسم المعركة لصالح حكومة هادي، وهو ما لم يتم. ذلك دفع، بجهود سعودية، لإعلان الرئيس اليمني حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب في 18 ديسمبر الماضي.

خسر الطرفان العشرات من القيادات العسكرية الرفيعة والمئات من المقاتلين، في المعارك. المئات من العربات العسكرية الحديثة وأسلحة ثقيلة ومتوسطة ضخمة، اُستهلكت في تلك الحرب، التي سعت للقضاء على المجلس الانتقالي الجنوبي. في هذا الوقت عزز الحوثيون مواقعهم في جبهات شمال اليمن، وسيطروا على معظم مناطق محافظة الجوف ومناطق استراتيجية واسعة في محافظة مأرب. 

خطوة المجلس الانتقالي القادمة؟

بسيطرة الحوثيين المرجّحة على مأرب، آخر معقل للحكومة المدعومة دولياً في الشمال، تصبح جغرافيا شمال اليمن، وفقاً للتقسيم الحدودي الدولي الذي كان قائم بين دولتي الجنوب والشمال حتى العام 1990، تحت قبضة الحوثيين. 

من شأن ذلك أن يُنهي شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ويقضي على اتفاق الرياض الموقّع بين حكومته والمجلس الانتقالي الجنوبي، ويدفع نحو سيناريو جديد، يعزز من مشاعر استقلال جنوب اليمن، وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية.

وقالت المجموعة في تقرير لها، الاثنين، أنّ "الانتقالي، الذي يُسيطر بالفعل على المحافظات الجنوبية لحج والضالع وعدن، يسعى إلى توسيع نطاق انتشاره عبر أراضي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ومن المرجّح أن تنمو هذه المشاعر (مشاعر استقلال الجنوب) إذا سقطت الحكومة في مأرب". [5]

لم تتضح بعد الخطوات المحتملة، للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي بات شريكاً رسمياً في الحكومة الجديدة، إذا ما سيطر الحوثيون على آخر معقل للحكومة اليمنية في شمال اليمن. 


إياد قاسم

رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات



دعت هيئة رئاسة المجلس في اجتماع لها الأحد، إلى "ضرورة المُضي قدماً في تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق الرياض، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في الجنوب ويوحّد الجهود لمواجهة مليشيا الحوثي والتنظيمات الإرهابية والأخطار المشتركة." [6]

وفي حين يراقب المجلس الانتقالي الجنوبي التطورات في مأرب، بحذر، تخوض قواته العسكرية، بذات الوقت، معارك مسلّحة ضد المقاتلين الحوثيين، شمال محافظة الضالع الحدودية مع الشمال. تصاعدت المعارك بشكلٍ لافت خلال الأيام الماضية على أكثر من جبهة، تزامناً مع الجهود التي يحشدها التحالف الذي تقوده السعودية للحد من قدرات الحوثيين.

لا يبدو أنّ للمجلس الانتقالي الجنوبي نية لفتح جبهة عسكرية مناوئة للحكومة في أبين أو محافظة شبوة، لكنّ إذا سقطت مأرب بيد الحوثيين، سيكون المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولا بدرجة رئيسية عن حماية الأراضي الجنوبية. معظم السكان المحليين في شبوة يؤيدون المطالب التي يتبناها المجلس باستقلال الجنوب. 

على الرغم من طرد قواته من شبوة في أغسطس 2019، إلا أنّ المجلس لا يزال يملك قاعدة شعبية وقبلية واسعة. إلى جانب تواجده في الحكومة كشريك رئيس، ستتضاعف المسؤولية السياسية والعسكرية على المجلس، في الدفاع عن الدولة التي يدعمها التحالف العربي. إلا أنّ مثل هذه الخطوة ستصطدم بدرجة رئيسية مع القوات التي تخضع لسيطرة تنظيم الإخوان المسلمين، التي، قد تنقلّب على الحكومة وتشكّل تحالفاً مع الحوثيين. 

"إذا سقطت مأرب بيد الحوثيين، سيكون المجلس الانتقالي الجنوبي مسؤولا بدرجة رئيسية عن حماية الأراضي الجنوبية"

قال القيادي البارز في الجماعة الحوثية، محمد البخيتي، على تويتر "عما قريب سنجد أنفسنا في صف واحد مع مناضلي حزب الإصلاح للحفاظ على الوحدة وطرد آخر محتل من المحافظات الجنوبية". [7]

لذلك، رأت الأزمات الدولية  أنّه "من المرجح أيضًا أن يؤدي تدفق القوات الموالية للحكومة إلى شبوة إلى إثارة التوترات بين الحلفاء المحليين للرئيس هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للاستقلال."

حدود الدولتين والإعلام السعودي

على غير العادة، وبصورة أثارت كثير من الأسئلة، لجأ الإعلام السعودي إلى اتهام الحوثيين بتقسيم اليمن وفقاً للحدود الجغرافية التاريخية بين دولتي اليمن الجنوبي والشمالي. وبثت قناة العربية البارزة وصحيفة الشرق الأوسط المملوكتان للسعودية، تقارير أشارت إلى مساعي الحوثيين لافتتاح مراكز إدارية للمناطق الواقعة تحت سيطرتها، وكذلك فرض عمليات جمركية ومعاملات مالية خاصة بها.[8]

وفي حين رأى مراقبون هذه التقارير الإعلامية بمثابة استثارة لليمنيين الشماليين لقتال الحوثيين في مأرب، تحت قشة "الوحدة اليمنية"، اعتبرها آخرون محفّزاً لسكان الجنوب، واعترافاً بذات الوقت "للحوثيين بحكم الشمال". [8]

قالت صحيفة الشرق الأوسط أنّ "الآن، وقد دفعت الميليشيات بكل قواتها نحو محافظة مأرب، فإنّ السعي لاستكمال رسم الحدود الشطرية ليس ببعيد عن هذه المغامرة التي تأمل أيضاً من ورائها السيطرة على منابع النفط والغاز، ومحطة الكهرباء الرئيسية، والوصول إلى مناطق الحدود السابقة في محافظتي حضرموت وشبوة." [9]

لكنّ وعلى الرغم من التقارير السعودية، هناك تقارير دولية تعزز احتمالية سيناريو دولتين في الجنوب والشمال، حتى إذا لم تسقط مدينة مأرب، على المدى البعيد. ربما من شأن سقوط ما تبقى من محافظة مأرب أن يعجّل التوصل لحّل سياسي "دائم" للأزمة اليمنية. 

هذا "الحل الدائم" أشارا له المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ والسفير الأمريكي كريستوفر هنزل خلال لقائهم، اليوم الثلاثاء، بوزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك "لمناقشة نهج الولايات المتحدة ثنائي المسار لإنهاء الصراع في اليمن".

ووفقا للصفحة الرسمية للسفارة الأمريكية في اليمن، فإنّ نهج واشنطن "يشمل إيجاد حل سياسي دائم وتقديم الإغاثة الإنسانية للشعب اليمني." [10]

وفي هذا الصدد، اعتبرت صحيفة الأهرام المصرية أنّ إدارة بايدن بالفعل، تسعى لسيناريو وضع شمال اليمن بيد الحوثيين، مقابل عودة الجنوب كدولة مستقلة. 

قالت الصحيفة في تقرير نشرته السبت الماضي أنّ "الحوثيين فهموا تماما رسائل بايدن فتصاعدت هجماتهم على السعودية وعلى جنوب اليمن" .. "وبهذا يتبدى مستقبل اليمن فى عهد بايدن فى تثبيت ـ وربما الاعتراف - بسلطة عبد الملك الحوثى على ما تحت يده من أراضى اليمن، وعودة الجنوب كما هو قبل عام 1990 منفصلا عن الشمال." [11]

منذ تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في 20 يناير الماضي، ومغادرة وفد المجلس الانتقالي الجنوبي للرياض، لم تجرِ أي لقاءات رسمية بين المجلس ومسؤولين من الولايات المتحدة. عوضاً عن ذلك اتجه وفد رفيع من المجلس شرقاً في زيارة هي الثانية نحو العاصمة الروسية موسكو، حيث أجرى هناك لقاءات رسمية مع مسؤولين روس بينهم نائب وزير الخارجية الروسية وممثل الرئيس بوتين.

ما إذا كان المجلس الانتقالي الجنوبي على جدول زيارات المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، ضمن مساعي واشنطن للتوصل لحل "دائم" بالفعل، لم يتضّح ذلك حتى اللحظة.


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا