01-04-2021 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الرصد
احتفت صحف وقنوات سعودية، وإعلاميون سعوديون وعرب يعملون لديها، بتراجع فريق الخبراء الأممي الخاص باليمن، عن اتهاماته للحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني، بارتكاب عمليات فساد وغسل أموال في الوديعة السعودية التي مُنحت للحكومة في عام 2018، برئاسة السياسي اليمني ورئيس مجلس الشورى حالياً، أحمد عبيد بن دغر.
الاحتفاء في كُبرى القنوات والصحف السعودية بإقرار منسقة فريق الخبراء الذي اتهم الحكومة اليمنية والبنك المركزي سابقاً، المحامية السيريلانكية دكشيني روانثيكا، بالخطأ الذي ارتكبه الفريق، يضع تساؤلات عديدة عن أسباب الاحتفاء هذه خصوصاً وأنَّ الإعلام السعودي تجنّب، طيلة الأسابيع الماضية بعد صدور تقرير فريق الخبراء، الحديث والخوض فيه.
الاتهام
في 27 يناير/ كانون الثاني الفائت، اتهم فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، الذي يعمل تحت تفويض لجنة العقوبات، حكومة اليمن بـ"غسل الأموال والفساد بما يؤثر سلباً على وصول إمدادات غذائية كافية".
اقرأ المزيد: تقرير أممي يتهم البنك المركزي اليمني بانتهاج استراتيجية مدمِّرة
وقال تقرير الخبراء أنّ السعودية أودعت ملياري دولار لدى البنك المركزي اليمني في يناير/كانون الثاني 2018 في إطار برنامج للتنمية وإعادة الإعمار.
وكان المقصود أن يموّل هذا المبلغ خط ائتماني لشراء سلع غذائية أساسية، لكنَّ التحقيق اكتشف أنّ البنك المركزي اليمني خالف قواعد تغيير العملات "وغسل جزءاً كبيراً من هذه الوديعة بمخطط معقد لغسل الأموال أدرَ على تجار مكاسب بلغت قيمتها نحو 423 مليون دولار."
وقال التقرير أنّ الوديعة التي وفّرت الدولارات اللازمة لتمويل خطابات الاعتماد لشراء السلع الغذائية الأساسية تم التعامل معها بتلاعب وغسل أموال ومنح الاعتمادات لشركات تجارية بغير الطريقة القياسية والقانونية، وأدّت الأسعار التفضيلية الممنوحة للتجار لخسائر كبيرة للبنك المركزي اليمني.
وأشار تحليل الفريق إلى أنَّ 91 شركة تجارية استفادت من آلية الوديعة السعودية. تسع شركات فقط منها استحوذت على 48% من الودائع السعودية البالغة 1.89 مليار دولار، جميعها تنتمي لشركة قابضة واحدة، مجموعة هائل سعيد أنعم.
مُتعلّق: تفاصيل التقرير الأممي التابع لمجلس الأمن بشأن اليمن
التقرير، الذي تضمّن أيضاً اتهاماً للجماعة الحوثية بشمال اليمن بنهب ما لا يقل عن 1.8 مليار دولار من إيرادات الدولة في 2019، نفى البنك المركزي اليمني صحته بعد أكثر من أسبوعين بمنتصف فبراير/شباط. فيما ردّت مجموعة هائل سعيد أنعم ببيان نفت فيه ما ورد في التقرير واصفة إياه بـ"الباطل".
التراجع
في 29 مارس/آذار، أعلن فريق الخبراء مراجعته للتقرير وتراجعه عن الاتهامات بعد رسالة قدمتها منسقة الفريق، المحامية السيريلانكية دكشيني روانثيكا، لمجلس الأمن أقرّت فيها بـ"الخطأ وبطلان الأدلة التي اعتمد عليها خبير الشؤون المالية في الفريق".
التراجع عن التقرير رحّب به وزير الخارجية في الحكومة الجديدة أحمد عوض بن مبارك وحظي باحتفاء خاص في الإعلام السعودي، الذي وصفه بـ"الفضيحة".
وغطت قنوات سعودية، كـ "العربية والحدث"، وصحف سعودية كـ "الشرق الأوسط"، خبر التراجع باهتمام بالغ، فيما تناول إعلاميون سعوديون وعرب يعملون لدى الإعلام السعودي قرار التراجع هذا.
ووصف مدير مكتب قناة العربية في نيويورك، الصحافي العراقي طلال الحاج، قرار التراجع بـ "الفضيحة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ فرق خبراء مجلس الأمن".
وسبق للصحافي الحاج أن أجرى لقاء مع منسقة الفريق لقناة العربية قبل أكثر من شهر، ناقش معها تهم الفساد وغسيل الأموال هذه، قبل أن تُعلن الأخيرة تراجع الفريق مع نهاية مارس/أذار.
أما مدير قناة العربية ورئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط السابق، وعضو مجلس إدارة مجموعة إم بي سي السعودية، الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد، وصف تفاصيل تراجع فريق الخبراء بـ "المُخجلة"، وتحدّث عن استقالة "متورطين" في تلك التقارير "الكيدية"، حدَّ قوله.
دوافع الاحتفاء
احتفاء الإعلام السعودي فاق نظيره ذا الشأن نفسه، أي الجانب اليمني، وهو ما أثارَ تساؤلات في صفوف سياسيين ونشطاء في جنوب وشمال اليمن.
يمكن القول أنَّ هنالك تفسيرات أربعة لهذا الاحتفاء. أولها احتمالية تورّط جهات وشخصيات سعودية رفيعة في الاتهامات المتعلّقة بالوديعة السعودية إلى جانب الحكومة اليمنية السابقة. التراجع عن التقرير جاء في ظروف غامضة تحتمل- بشكل كبير- فرضية الرشوة لدفع الفريق للتراجع عن تقريره السابق، والذي أثار سخطً كبيراً وأدان البنك المركزي اليمني والحكومة اليمنية ومجموعة أنعم قوية الصلة والنفوذ.
من المرجّح أنّ الأطراف السعودية المتورّطة، أوعزت لوسائل الإعلام السعودية هذه بتغطية شاملة وحثيثة لنبأ التراجع، مع اعتبار أفضلية السبق في إذاعة النبأ.
وقال السياسي البارز من جنوب اليمن وممثل المجلس الانتقالي الجنوبي في الاتحاد الأوروبي، أحمد عمر بن فريد، أنّه "حينما نتحدث عن فساد في مبلغ يقارب الـ 800 مليون دولار، فلا عجب أن تأتي موظفة صغيرة لتنفي فساد الحكومة تماماً."
ويتفق حديث بن بن فريد مع التفسير الأول. وقال في تغريدة أخرى أنّ "الفضيحة الكبرى هي اعتماد رواية عضوة واحدة بفريق الخبراء كذّبت ثلاثة زملاء لها". وقال أنّ هذا يطرح "علامة استفهام حول هذا العمل ومن يقف وراءه، وأنّ هنالك من هو متورط في الفساد، ولا يريد للتقرير أن يُعتمد".
التفسير الثاني لهذا الاحتفاء الذي أظهره الإعلام السعودي هو محاولة منح المملكة مبرر للتهرب من أي التزامات مالية قادمة عبر إظهار أنَّ كل ما قدّمته لليمن- ويتضمن ذلك الوديعة- كان بمكانه الصحيح ولم يتعرّض للنهب والفساد.
يمكن البناء على التفسير الثاني عند النظر لحجم ما تدّعي السعودية تقديمه لليمن، الذي وفق سفيرها في اليمن والمشرف العام على برنامج إعادة الإعمار، محمد آل جابر، بلغَ مجموع ما قدمته المملكة منذ عام 2012 حوالي 17 مليار دولار، توزّع هذا المبلغ بين ودائع سعودية عدّة للبنك المركزي ودعم قطاع الكهرباء ومشاريع إعادة إعمار.
اتهامات نهب الوديعة السعودية في عام 2018 يفتح باب الشك والتساؤلات عن مدى استفادة اليمنيين من الرقم الذي ذكره آل جابر، وعمَّ إذا كانت أيدي النهب وغسل الأموال قد طالته كما طالت الوديعة.
التفسير الثالث يحتمل النية السعودية لتبرير ودائع جديدة للبنك المركزي اليمني الذي لا تزال إدارته نفسها قائمة منذ أعوام، وتبرير الموقف السعودي بتقليل الدعم المالي خلال الفترة القادمة عبر الاكتفاء بودائع ضئيلة.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك الأساسي في اتفاق الرياض مع الحكومة اليمنية والذي تمخّض عن حكومة مُناصفة جديدة، تمسّك كثيراً بمطلب "إعادة هيكلة البنك المركزي والمجلس الاقتصادي" ضمن اتفاق الرياض.
إقرأ أيضا: صفقة مشبوهة تهدد بتحويل البنك المركزي في عدن إلى «مزرعة خاصة»
طابع سياسي
فيما رجّحت مصادر سياسية لـ "سوث24" بأنّ التراجع عن الاتهامات الواردة في تقرير فريق الخبراء، ذو أهداف سياسية، تسعى إلى إعادة تبييض صفحة "الشرعية" في أروقة المجلس الأممي، وتصديرها لواجهة المشهد مجددا، خصوصا أنّ ذلك جاء بالتزامن مع لقاءات دبلوماسية عديدة أجراها المبعوثان الأميركي والأممي إلى اليمن مع مسؤولين وقيادات يمنية في الرياض.
ويتفق مع هذا الطرح، الدبلوماسي الجنوبي السابق في الأمم المتحدة، أحمد مثنى الذي اعتبر "التراجع عن تقرير الفساد ليس بسبب عدم وجود الأدلة بل خلافات داخل منظومة الامم المتحدة".
وأشار مثنى، في مقالة نشرها عدن تايم، أنّ التراجع عن التقرير جاء مع منع روسيا "نشر تقرير الخبراء الدوليين حول حادثة مطار عدن الدولي"، وهذا يدّل على أنّ "للحدثين ارتباط كبير وللروس رؤيتهم حول التطورات القادمة داخل مجلس الأمن بشأن وقف الحرب والدخول في مفاوضات سلام دولية في اليمن." وفقا للدبلوماسي الجنوبي السابق.
وبعيداً عن صحة تقرير الخبراء من عدمه، من المؤكد أنَّ ودائع السعودية السخية لم تحقّق بالمقابل الكثير للاقتصاد اليمني الذي انهار بشكل قياسي خلال الأعوام الأخيرة. عدم فاعلية الدعم السعودي يمكن أن يُعزى إلى فساد ونهب حقيقي لم يكشف التقرير الأممي سوى جانب وديعة عام 2018 منه.
ربما، هذا ما دفع ولي العهد السعودي، الذي يُعرف باستئصاله للفساد في المملكة، للإعلان بنفسه، هذه المرة، عن تقديم منحة مشتقات نفطية جديدة، بقيمة 422 مليون دولار، خلال اتصال أجراه بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الثلاثاء الماضي.
ووفقا للوكالة السعودية "أكد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، مواصلة المملكة الوقوف مع الأشقاء في اليمن والتخفيف من معاناة المواطنين بتقديم منحة مشتقات نفطية بمبلغ 422 مليون دولار من البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن لتشغيل محطات الكهرباء في المحافظات اليمنية، وكدعم للحكومة اليمنية لتقديم الخدمات للشعب اليمني الشقيق وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن."
ورحّب كل من المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس الوزراء في حكومة المناصفة، معين عبد الملك، بمنحة النفط التي أعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان.
ويشهد جنوب اليمن وأجزاء من الشمال الذي لا يخضع لسلطة الحوثيين، انهياراُ اقتصادياً متواصلاً باطراد، انعكس بشكل مدمر على حياة الملايين، وملقياً بظلاله عليهم.
يعقوب السفياني
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات