27-05-2021 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عدن
ثلاثة عقود مضت على وحدة جنوب اليمن مع دولة شمال اليمن. لم يدم العقد والارتباط بين القادة الذين حققوا الوحدة في 22 مايو 1990 طويلاً. في غضون عامين من توقيع رئيس اليمن الجنوبي علي سالم البيض اتفاق الوحدة مع نظيره الشمالي علي عبد الله صالح، بدأ قادة الشمال في تدبير "مؤامرة قذرة" للتخلص من شركائهم الجنوبيين.
حملة اغتيالات
في غضون خمس سنوات، نفذ نظام شمال اليمن عشرات الاغتيالات التي استهدفت قيادات جنوبية رفيعة المستوى. من بين السياسيين والضباط العسكريين الذين قُتلوا، كان النقيب ماجد مرشد، ابن شقيق رئيس اليمن الجنوبي علي سالم البيض، الذي قُتل في 21 يونيو / حزيران 1992، عندما نصب له مسلحون شماليون على متن سيارة "ميتسوبيشي جالانت" كميناً أثناء عودته إلى منزله من مطار صنعاء.
إجمالاً، تم اغتيال 156 جنوبيًا بين عامي 1990-1995 بمن فيهم ضباط الأمن والعسكريين والسياسيين والمفكرين. بالإضافة إلى ذلك، قُتل الآلاف من المدنيين الجنوبيين أثناء الاحتجاج بين عامي 2007 و 2014، بينما قُتل الآلاف من الجنوبيين في حرب الحوثيين الأخيرة المستمرة.
منعطف جديد
في أعقاب الاغتيالات التي نفذَها حلفاء اليمن الشمالي ضد اليمن الجنوبي، هاجمت قوات شمال اليمن مدعومة برجال القبائل الشمالية وحدات من الجيش الجنوبي المتمركزة في محافظة عمران شمال اليمن في أبريل 1994. أشعل هذا الهجوم شرارة حرب التحالف الشمالي ضد شريكه الجنوبي.
تألف تحالف الشمال من المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، وذراعه العسكري مُمّثلاً بالمجاهدين العائدين من أفغانستان، ومقاتلين قبليين من أقصى الشمال. في 7 يوليو 1994، قاموا بغزو عدن وطردوا قادة اليمن الجنوبي إلى المنفى.
بعد حرب 1994، سيطر نظام الشمال بالكامل على الجنوب، ونفّذ خطة مُمنهجة لمحو الهوية الفريدة للجنوب. للقيام بذلك، دمّر نظام صنعاء عمداً الثقافة الجنوبية وحاول "فرض هوية شمالية" مكانها، وفقا لكثيرين.
كان نظام صنعاء يعامل الجنوبيين على أنهم غرباء
اجتماعياً، عامل نظام صنعاء الجنوبيين على أنهم "غرباء" أو "لاجئين". في أعقاب حرب الصيف عام 1994، فصلت صنعاء أكثر من 100.000 ضابط وموظف حكومي جنوبي، واستبدلتهم بشماليين. تم إقالة الطيارين الجنوبيين والمهندسين المؤهلين تأهيلاً عاليا وكبار القادة العسكريين. لجأ البعض إلى العمل كسائقي سيارات أجرة، بينما كان حال البعض الآخر اسوأ.
قال العقيد سالم صالح، طيار عسكري جنوبي أقاله نظام صالح عام 1999، لـ سوث24 "قضيت 15000 ساعة في الطيران بطائرتي الحربية الروسية من طراز ميغ 17 أثناء خدمتي في الثمانينيات، وبعد الوحدة وجدت نفسي أتوسل للحصول على راتبي، وهذا أمر مُحبط.".
أصبح شمال اليمن مُحتلاً لجنوب اليمن، نهب موارده الاقتصادية ودمّر البنية التحتية الصناعية في المدن الرئيسية فيه. تم نهب العديد من المصانع في محافظات عدن وأبين وحضرموت ولحج جنوب اليمن وإغلاقها عمداً، بينما نُقلت مصانع أخرى إلى صنعاء. ترك هذا الآلاف من موظفي الجنوب عاطلين عن العمل.
قام شمال اليمن بتهميش اليمن الجنوبي بطرق أخرى أيضًا. ذهبت 80٪ من وظائف الخدمة المدنية إلى الشماليين، بينما تم تخصيص 90٪ من فرص التدريب للشماليين. لم يُسمح للجنوبيين بالانضمام إلى الجيش أو قوات الشرطة، وكلا الفرعين كانت مقراتهما في شمال اليمن.
"قضيت 15000 ساعة في الطيران بطائرتي الحربية الروسية من طراز ميغ 17 أثناء خدمتي في الثمانينيات، وبعد الوحدة وجدت نفسي أتوسل للحصول على راتبي"
من الناحية الاقتصادية، كانت أرباح التنقيب عن النفط في جنوب اليمن تذهب إلى جيوب الشماليين. وبالمثل، غالبًا ما كانت عقود الأراضي والنفط في الجنوب تذهب لهم، بما في ذلك عائلة صالح، والشيخ القبلي عبد الله الأحمر، وآخرين حصلوا على عقود نفط كتمويلات لمشاركتهم في الحرب ضد اليمن الجنوبي.
توفي اليمن الموحد في 21 مايو 1994
في 21 مايو 1994، أعلن الرئيس علي سالم البيض عن خطة للانسحاب من الوحدة مع الشمال واستعادة استقلال اليمن الجنوبي.
منذ ذلك الحين، يكافح الجنوبيون لتحقيق حلم طال انتظاره لاستعادة دولتهم.
منذ عام 1994، واجه كفاح الجنوبيين من أجل استعادة دولتهم المستقلة عقبات عديدة. تأسست حركة المقاومة الأولى في عام 1996، عندما عاد العقيد عيدروس الزبيدي- ضابط جنوبي من لواء الدفاع الجوي- من المنفى في عمان وأسّس سراً حركة المقاومة المسماة "حتم" في عدن ولحج والضالع وحضرموت.
واصلت المقاومة المسلحة عملياتها السرية في ظل فرق شاسع وهائل بالقدرات بينما كان نظام صنعاء لا يزال قوياً في جنوب اليمن.
في عام 2007، اندلعت ثورة شعبية في جنوب اليمن أشعلتها الاحتجاجات التي نظّمها ضباط الجيش الجنوبي المتقاعدون الذين أقالهم نظام صنعاء بعد غزو جنوب اليمن في 1994.
أنصار استقلال جنوب اليمن يلوّحون بأعلام جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) أثناء مظاهرة في مديرية خورمكسر في عدن، 15 أغسطس ، 2019 (تصوير نبيل حسن/ وكالة الصحافة الفرنسية)
تصاعدت الاحتجاجات، وبحلول عام 2008، كانت هناك مسيرات ضخمة في المدن الرئيسية في جميع أنحاء جنوب اليمن. خرج مئات الآلاف من الجنوبيين إلى الشوارع مطالبين بالاستقلال مرة أخرى.
ارتكبت قوات نظام شمال اليمن انتهاكات واسعة النطاق ضد المتظاهرين الجنوبيين، فقتلت الآلاف واعتقلت تعسفيا الآلاف من النشطاء والسياسيين الجنوبيين. واُعتقل المئات من الصحفيين أثناء مداهمة مكاتب الصحف ووسائل الإعلام الجنوبية.
في مارس 2015، سعى تحالف الشمال المكون من حزب المؤتمر الشعبي العام والحوثيين ومقاتلين قبليين آخرين إلى تجديد احتلالهم لجنوب اليمن. واجتاحت قواتهم مدعومة بالمليشيات القبلية لحج وعدن والضالع وأبين وشبوة وقتلت آلاف الأبرياء.
الجنوبيون الذين دفعوا ثمناً باهظاً منذ الوحدة وقفوا في مواجهة "الغزاة الشماليين"، ونزلوا إلى ساحة المعركة مرة أخرى لكتابة الفصل الأخير من قصة الوحدة المحكوم عليها بالفشل في اليمن.
وبدعم من التحالف العربي، طردت المقاومة الجنوبية "الغزاة" القُدامى/ الُجدد من أراضي الجنوب في غضون أشهر وأعلنت الخاتمة النهائية للوحدة.
في 22 مايو هذا العام، أطلق ناشطون جنوبيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام هاشتاغ (#الوحده_المقبوره)، والذي يلخّص إحباط الجنوبيين تجاه اليمن الموحد.
وقال الرئيس عبد ربه منصور هادي في كلمة ألقاها يوم الجمعة قبيل يوم الوحدة "الوحدة اليمنية تعرّضت للنهش والتهشيم".
قالت الأحزاب السياسية اليمنية، بما في ذلك حزب الإصلاح الإسلامي، في بيان، السبت، إنَّ "وحدة الشعب اليمني كانت وستظل الركيزة الأساسية والأهم للهوية الوطنية اليمنية". كما رفضوا "التقسيم بين الأمة الواحدة".
وخلافًا لأحزاب الشمال، اعتبر الحزب الاشتراكي اليمني، الذي كان يحكم الجنوب سابقًا، إن الوحدة "اُغتيلت". [1]
"كان ذلك قبل ثلاثة عقود، كنت طالباً في المدرسة الثانوية في ذلك الوقت"، قال سالم بايحيى، وهو جنوبي هرب مع عائلته بعد عام 1994. "لقد كنت أنا وزملائي في الصف متفائلين للغاية بأن مستقبلًا رائعًا ينتظرنا بعد توقيع اتفاقية الوحدة مع شمال اليمن".
وقال بايحيى لـ "سوث24": "لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لمعرفة أنَّ هذه الوحدة كانت مجرد شعار، وليست هدفًا حقيقياً لتحقيقه".
وقال "مع مرور الوقت زادت صدمتنا. وبحلول عام 1994 وجدنا أنفسنا ضحايا وليس مستفيدين من الوحدة بعد شن حرب ضدنا. وشهدنا كل أنواع التهميش والحرمان".
وقال بايحيى الذي ينحدر محافظة حضرموت الغنية بالنفط: "لم تكن هناك خيارات أخرى أو بدائل مجدية، فقط الهجرة. البحث عن حياة أفضل هو ما جعلنا نسافر إلى الخارج بعيدًا عن وطننا الذي أصبح مستعمرة لليمن الشمالي".
بصيص أمل
بالنسبة للسيد بايحيى والمغتربين الجنوبيين الآخرين، يظّل استعادة استقلال جنوب اليمن حلماً ومصدراً للأمل.
وقال بايحيى: "نحن ننتظر ونأمل جميعًا أن تعود بلادنا إلى وضعها السابق وهذا هو بصيص الأمل الوحيد الذي يسمح لنا بتخيل العودة إلى الوطن لزيارة أحبائنا".
يشعر معظم الجنوبيين الآن بهذه الطريقة. اليمن الموحّد لم يعد له وجود منذ زمن طويل.
الوحدة انتهت
بالنسبة لسامية، الناشطة الجنوبية، فشلت الوحدة بين شمال وجنوب اليمن لأنَّ الشمال "انتهك اتفاق التوحيد واحتل جنوب اليمن بالقوة".
وقالت لـ "سوث24": "بصفتي جنوبيّة، لا أعتقد أنَّ هناك فرصة ليمن موحد على الإطلاق، إنَّ تعريف الوحدة بعيد عن ما رأيناه أو عشناه في السنوات الثلاثين الماضية، ويشبه إلى حد كبير الاحتلال".
- علي محمود
صحفي مستقل مقيم في عدن ويغطي الحرب في اليمن عبر (ذا ناشيونال) وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية.
- الصورة: منظمة أصدقاء جنوب اليمن البريطانية.
- لقراءة النسخة الأصلية الإنجليزية "اضغط هنا"