أحمد الحشاش، بطلٌ «يُشعل شمعة بدلاً عن لعن الظلام»

أحمد الحشاش، بطلٌ «يُشعل شمعة بدلاً عن لعن الظلام»

التقارير الخاصة

الجمعة, 04-06-2021 الساعة 10:04 مساءً بتوقيت عدن

"أشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"، هذا المثل الأمريكي المشهور ينطبق على حالة أشخاص مثل أحمد الحشاش  

سوث24| قسم التقارير 
 
 

يصل  أحمد الحشاش يومياً على كرسي متحرك لإدارة تجارته الناشئة في شارع السعيدي في مدينة عدن الساحلية جنوب اليمن. نظراً للإعجاب به كشخص تغلَب على الصعاب والإعاقة ليصبح رائد أعمال مُلهماً، تمكّن من بناء قاعدة عملاء مخلصين من الذين يسعون للحصول على مشورته بشأن بدء عمل تجاري، أو من يزورون متجره لصيانة الهاتف وملحقاته.

لم تكن الحياة سهلة على الشاب البالغ من العمر 33 عاماً، والذي تمَّ تشخيص إصابته بالتهاب المفاصل الروماتويدي عندما كان طفلاً، مما تسبّب في تقلّص ذراعيه وساقيه ونموهما. لم يمنعه هذا من تحقيق حلمه في إدارة عمل مستقل، وتأسيس سمعة طيبة كرجل أعمال ناشئ نزيه ومجتهد.

"إعاقتي لن تمنعني أبداً من تحقيق أحلامي"، يقول الحشاش جالساً في متجره الصغير الذي يشبه (الكشك) في شارع السعيدي الخلفي في مديرية المعلا.

أحمد الحشاش، بطلٌ «يُشعل شمعة بدلاً عن لعن الظلام»
أحمد يعمل في محله في عدن (الصورة: أحمد الحشاش) 
 

ويؤكّد: "أعتقد اعتقاداً راسخاً أنَّه إذا كانت هناك إرادة، فهناك طريقة. لقد جعلني هذا أثق بنفسي ومنحني القوة التي أحتاجها لمواصلة النضال لتحقيق أهدافي في الحياة".

بدأت الصعوبات التي يواجهها عندما مرض في سن الخامسة: "لقد عانيت من حمى شديدة لذلك نقلتني عائلتي إلى مستشفى عام في عدن حيث أعطاني الأطباء حقنة الكورتيزون دون تشخيص دقيق، مما أدى إلى تفاقم حالتي".

في عام 1993 عندما كان في العاشرة من عمره نقلته عائلة السيد الحشاش إلى مصر لتلقي العلاج ولكن الأطباء هناك أخطأوا في تشخيصه. في عام 1998 حاولت عائلته مرة أخرى، هذه المرة أخذته إلى الأردن حيث شخّصه الأطباء بالتهاب المفاصل الروماتويدي.

وتحدث أحمد: "قال الأطباء في الأردن إنني مصاب بالتهاب المفاصل الروماتويدي عندما كنت في الخامسة من عمري. قالوا إنَّ حالتي قد تأخرت عن موعدها، لذا فأنا بحاجة للبقاء في الأردن لسنوات لتلقي العلاج الذي لم تستطع عائلتي تحمله بسبب الظروف المالية الصعبة التي كنا نعيشها ".

عائلة احمد مكونة منه وشقيقه وشقيقتيه ووالدته. طلّق والد أحمد والدته منذ سنوات ولم يعد يعيش معهم. تعيش الأسرة على ميزانية محدودة تعتمد على معاش الأم والدخل الذي يحصل عليه أحمد من تجارته الناشئة.

نشأ أحمد الحشاش مع تشوهات في أطرافه الأربعة. لا يستطيع المشي، لذا فهو الآن مُقيّد على كرسي متحرك. ساءت حالته بسبب التشخيص الخاطئ في عدن، ومنذ عام 2000 لم يعد يمشي ولا يقف على ساقيه.



مع تدهور حالته، أصبح من الصعب عليه الذهاب إلى المدرسة واضطر إلى ترك المدرسة في الصف الثالث. لكن بعد ست سنوات، قرر مواصلة تعليمه، واستأنف دراسته، مبتدئاً من الصف الثالث.

ويتذكر الشاب الحشاش دراسته: "كانت السنة الأولى صعبة للغاية بالنسبة لي. لم يقبلني زملائي بسهولة. لقد تم تخويفي كثيرا ! أتذكّر كيف حدقوا في وجهي في اليوم الأول الذي انضممت فيه إلى الفصل على كرس ".

 في بعض الأحيان تحوّل التنمر إلى العنف، قال أحمد، ويضيف: "اعتادوا دفع الكرسي المتحرك أو الوقوف في طريقي حتى لا أستطيع المضي قُدماً، كان ذلك صعباً لكنني تغلّبت عليه بسبب شخصيتي القوية. أنا لا أصمت أبداً كلما شعرت بالتمييز".

على الرغم من الصعوبات التي يواجهها مع زملائه في الفصل، إلا أنَّ الحشاش كان جيدًا في المدرسة. يقول: "كنت ذكياً ومجتهداً، مما مكنني من المواكبة، والاستمتاع أيضاً بالتعلم". وبعد الانتهاء من المدرسة الثانوية، درس وحصل على الرخصة الدولية لقيادة الكمبيوتر قبل الالتحاق بدورة تدريبية في صيانة الهواتف المحمولة.

أحمد الحشاش، بطلٌ «يُشعل شمعة بدلاً عن لعن الظلام»
احمد مع اساتذته بالكلية (الصورة: احمد الحشاش) 

العزيمة والقرار 

لكن الخطوة التالية - الحصول على شهادة - كانت أصعب لأن قسم علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة عدن، حيث أراد الدراسة، كان يفتقر إلى كرسي متحرك وكان بعيداً عن منزله. مُصمماً على إيجاد طريقة، طلب من أحد الجيران الذي التحق بالكلية المساعدة، وفي عام 2016 بدأ الدراسة.

يتذكر أحمد: "كانت سنتي الأولى في الكلية صعبة"، واصفاً تحديات التنقل في الحرم الجامعي على كرسيه المتحرك. ويضيف لـ "سوث24": "هذا الإحباط جعلني أفكر في الاستقالة عدة مرات حتى زار عميد الجامعة كليتنا وتوقفت في طريقه وتحدثت معه عن المشكلة، وأمر إدارة الكلية ببناء ممرات خاصة لي ولذوي الاحتياجات الخاصة ".

طالب ذكي ومجتهد 

اشتهر السيد الحشاش في الكلية بعمله الجاد وأفكاره الذكية.

ويشير أحمد: "لقد عملت بجد على الرغم من التحديات العديدة التي واجهتها، وحصلت أخيراً على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع".

أخبر أحمد "سوث"24 أنَّه يخطط الآن لمتابعة درجة الماجستير ليصبح خبيراً في مجاله.

وحول سبب اختياره هذا التخصص، قال: "اخترت دراسة علم الاجتماع لأنني أرغب في ممارسة مهنة يمكنني من خلالها مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة. هناك الآلاف من المعاقين الذين يموتون بصمت خلف الجدران في اليمن. لا أحد يهتم بهم. لا أحد يحارب من أجل حقوقهم".

منذ دراسته في الكلية، أصبح أحمد متطوعاً منتظماً في المشاريع الاجتماعية بما في ذلك إجراء استطلاعات للنازحين داخلياً وتلقى الدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبعض المنظمات المحلية لبدء عمله الخاص، والذي أطلقه في عام 2018.

بعد عامين في الكلية، يدير المتجر ويقدّم الاستشارات للشباب الذين يتطلعون إلى بدء أعمالهم التجارية الخاصة في عدن. كما أنّه يعمل على إلهام الآخرين الذين واجهوا صعوبات مُماثلة، ويخبر الأشخاص ذوي الإعاقة أن "آمنوا بأنفسكم، وكن واثقين من أنفسكم وواصلوا المعركة من أجل نيل حقوقكم، أنتم لستك مختلفين، لذا لا تدعوا اعاقتكم تحبطكم ".

أحمد وآلاف أمثاله، يتشاركون نفس المعاناة وسط الحرب المستمرة منذ ست سنوات. تعرضت فئتهم للنسيان واستبعدت من حقوقها الأساسية.

علي محمود 
صحفي مستقل مقيم في عدن ويغطي الحرب في اليمن عبر صحيفة "ذا ناشيونال" وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية. 

- الصورة: أحمد يلقي كلمة في يوم تخرجه في كلية الآداب بعدن. الاحتفال بتخرجه في الكلية. الذهاب إلى الكلية على كرسيه (أحمد الحشاش). 

أحمد الحشاش عدن