24-06-2021 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
نهاية ديسمبر 2020، سقطت ثلاثة صواريخ عالية الدقة على مطار عدن الدولي، في جنوب اليمن، لحظة وصول الحكومة اليمنية، التي شُكّلت لتوها، من الرياض. لعبت الصدفة دورها في نجاة الحكومة من الاستهداف الدقيق. حيث جرت مراسم استقبال الحكومة في مطار عدن على نحو غير منتظم، عندما اقتحم حشد من الجماهير مدرج المطار لاستقبال مدير أمن عدن السابق، اللواء، شلال علي شائع. هذا الأمر أبقى الطاقم الحكومي داخل الطائرة للحظات خلالها وقع الصاروخ الأول على صالة المطار، المكان المفترض لتواجد الحكومة. تم إجلاء الطاقم الحكومي من الطائرة عبر سلالم النجاة مباشرة إلى المركبات ومنها إلى مقرها الرسمي.
لم تدم حالة الإرباك الأمني والسياسي طويلا، مقارنة فيما لو نجحت الصواريخ في استهداف الحكومة. بعد أن سادت حالة من الفوضى في طبيعة التناولات الاعلامية المختلفة لعملية قصف مطار عدن، نجحت التقارير والتحقيقات الأمنية في تحديد مسؤولية الحوثيين عن القصف. الأمر الذي دفع الحوثيين إلى إظهار اشارات التبني الضمني لعملية القصف. ليس هذا فحسب بل كشفت الجماعة عن امتلاكها مااسمته ب "قوة والردع"[1]. من جانب آخر سفير طهران لدى الحوثيين، حسن إيرلو استبق التصريحات الحوثية بزيارة لقبر رئيس المجلس السياسي لدى الحوثيين، صالح الصماد الذي قتل في قصف لطيران التحالف العربي في اأبريل 2018، ووضع على ضريح "الصمّاد" اكليلا من الورد [2]. الأمر الذي عدّه مراقبون، إشارة من السفير الإيراني تضع محاولة تصفية الحكومة اليمنية في سياق حق الرد المشروع على عملية قتل صالح الصماد. كان هذا يؤسس لنقلة نوعية في الأزمة اليمنية تضع بوضوح تام، الدعم السعودي للحكومة اليمنية مقابل الدعم الإيراني للحوثيين. ويعني ذلك بالتالي، نقل قدرات إيران العسكرية إلى المستخدم الحوثي الذي جاهر لتوه بامتلاك قوة الردع.
اليمن وتجربة إيران العسكرية
على الرغم من إعلان الحوثيين في سبتمبر 2019 مسؤوليتهم عن استهداف شركة أرامكو شرق السعودية، إلّا أنّ الجانبين الأمريكي والسعودي استبعدا ادعاء الحوثين ذلك، وأشارا إلى مسؤولية إيران عن الهجوم.
بالمقابل، هجوم مطار عدن وضع الحوثيين في واجهة المسؤولية الحقيقية، إضافة إلى أنّه عزز السردية الحوثية والإيرانية في ادعاء الحوثي مسؤوليته عن عمليات الهجوم على أرامكو. فضلا عن ذلك، حملت عملية استهداف مطار عدن، إشارة إيران لنقل معركتها مع خصومها المفترضين إلى اليمن، عقب تعيين "حسن إيرلو" سفيرا لها في صنعاء. لذلك يجتهد الحوثيون في توجيه هجماتهم نحو الأراضي والمنشآت الحيوية السعودية، بعد أن تراجعت الإدارة الأمريكية عن تصنيفهم منظمة إرهابية منتصف فبراير الماضي.
في 7 آذار / مارس الماضي تعرّضت خزانات النفط في رأس التنورة شرق السعودية لهجمات بطيران مسيّر بالتزامن مع هجمات أخرى على عسير وجازان جنوب السعودية. مع ذلك كانت الهجمات على الشرق السعودي الذي يطل على الخليج العربي ويقترب من إيران، أكثر فاعلية من هجمات الجنوب السعودي الذي يقترب من اليمن. إلّا أنّ الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجمات، بينما كانت هناك إشارة سعودية إلى أنّ الهجوم على المنطقة الشرقية قد يكون منفصل. في 26 مارس الماضي بالتزامن مع الذكرى السابعة للحرب في اليمن تكرر الهجوم العسكري على السعودية على نفس المناطق والمنشآت الحيوية، بالمقابل كرر الحوثيون إعلان مسؤوليتهم عن الهجوم، الذي أسموه "يوم الصمود الوطني" بينما أسموا هجوم 7 مارس "عملية توازن الردع السادسة". تحاول هذه الهجمات على السعودية تأكيد مزاعم الحوثيين بامتلاكهم "قوة الردع".
ومن أجل ذلك يحاول خطاب الحوثيين السياسي الارتقاء بالأزمة اليمنية إلى مستوى التدويل مع السعودية، بينما تحاول الأخيرة إرجاع الأزمة إلى مستوى الصراع اليمني - اليمني. على الصعيد السياسي يرفض الرئيس الشرعي للبلاد عبدربه منصور هادي والحكومة اليمنية، عملية نقل تجربة إيران السياسية إلى اليمن، باستخدام الحوثيين، لكنهما يشهدان، عمليا، نقل تجربة إيران العسكرية إلى البلاد الممزقة.
هذه التجربة العسكرية لن تؤسس لسلام دائم إلا في إطار عهود ومواثيق أممية تشمل إيران بالضرورة. ربما من هذا المنطلق تسعى الإدارة الأمريكية إلى ربط تسوية الأزمة اليمنية بتسوية ملف إيران النووي. حيث تتمثل السردية الأمريكية في مجموعة إجراءات اتخذتها إدارة الرئيس بايدن مثّلت ضغطا متزايداً على السعودية والحكومة اليمنية على حد سواء، بالتوازي مع ضغوطات الحوثيين العسكرية. وفي هذا السياق يندرج قرار الإدارة الامريكية سحب بطاريات الـ "باتريوت" من السعودية.
سحب منظومة الباتريوت من السعودية والمنطقة
مؤخرا أتى قرار الإدارة الأمريكية سحب بطاريات الباتريوت من السعودية في ظل تعاظم الهجمات الباليستية على المملكة. الخطوة الأمريكية أثارت العديد من التساؤلات حول أثرها العسكري والسياسي على الجانب السعودي، في هذا التوقيت بالذات. لكن من الأفضل البحث أولاً عن خلفية الخطوة الأمريكية.
يقول المحلل السياسي الأمريكي المقيم في موسكو، أندرو كوريبكو لـ "سوث24" أنّ " الولايات المتحدة تريد على ما يبدو إظهار علامة حسن النية تجاه إيران خلال المفاوضات النووية الجارية وقبل تنصيب الرئيس المنتخب رئيسي".
رؤية كوريبكو للخطوة الأمريكية في سياق يتصل بمفاوضات برنامج إيران النووي، يعزز ارتباط الأزمة اليمنية بالسلوك الإيراني في المنطقة.
"كوريبكو لـ "سوث24": إذا استمر تحسن العلاقات الأمريكية الروسية بعد قمة جنيف، فقد توافق واشنطن على تعاون روسي سعودي في المجال العسكري"
يقول كوريبكو أنّ "الاتجاه الأكبر في اللعبة هو محاولة خفض التصعيد بين هذين الخصمين بهدف تقليل الحاجة إلى وجود عسكري إقليمي أمريكي كبير كما كان من قبل، حتى تتمكن أمريكا من إعادة نشر مواردها نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ من أجل احتواء الصين بشكل أكثر فعالية."
وعلى الرغم من ذلك، يضيف، كوريبكو أنه "من غير الواضح ما إذا كانت هذه المحاولة ستنجح لأنّ الكثير يعتمد على نتيجة المفاوضات [مفاوضات النووي الإيراني]، لكن كل الدلائل تشير إلى هذه الاستراتيجية."
وليست هذه الخطوة الأمريكية الأولى التي تقرر فيها أمريكا سحب بطاريات باتريوت من السعودية ودول أخرى في المنطقة. في سبتمبر 2018 سحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب 4 بطاريات باتريوت من الكويت والبحرين والأردن. وفي مايو 2020 سحبت الإدارة الأمريكية 4 بطاريات باتريوت 2 من السعودية و 2 من دول أخرى. في ذلك الوقت كانت عملية خفض وسحب البنتاجون الأمريكي لقدراته العسكرية من السعودية ودول المنطقة تقرأ في سياق سياسة الرئيس ترامب التي يراها البعض محاولة لـ "ابتزاز" السعودية. لكن الواضح أنّ خفض التواجد الأمريكي الذي شمل قطاعات بحرية وجوية أخرى، يؤكد أنّ الخطوة استراتيجية.
مواقع أنظمة باتريوت في السعودية والإمارات بحسب مصدر من وزارة الدفاع الروسية (RT)
يتكرر الأمر ذاته مع قرار إدارة الرئيس بايدن سحب 3 بطاريات باتريوت من السعودية إحداها من قاعدة الأمير سلطان العسكرية. كان بايدن قد هدد أن يجعل السعودية "منبوذة". لذلك، فالقلق السعودي من الأداء الأمريكي، مازال ماثلا، وفي هذا الصدد ينقل موقع دقائق السعودي عن ستيفن براين النائب السابق لوكيل وزارة الدفاع الأمريكية وصفه خطوة سحب الباتريوت بـ "إدارة الظهر" للسعودية [3].
من جانب عسكري، تنقسم السردية التحليلة لخطوة سحب الباتريوت من السعودية بين من يراها إجراء روتيني وآخر يراها إجراء استراتيجي في إطار خطة إعادة الانتشار لمواجهة الخطر الصيني. وفي هذا السياق يأتي التقليل من الأثر العسكري الذي قد تتركه عملية سحب الباتريوت من السعودية والمنطقة العربية.
يعتبر الخبير الدولي انتوني كوردسمان أنّ قدرات الباتريوت الصاروخية أعلى من القدرة الصاروخية لإيران ووكلائها في المنطقة، [4] الأمر الذي يعني عدم الحاجة للباتريوت في مواجهة الهجمات على السعودية. بالمقابل هذا يفسّر وجود تفاوت فني واقتصادي بين السلاح الأمريكي والسلاح الايراني؛ الفني يتمثل في كثافة وصغر السلاح الإيراني؛ والاقتصادي يتمثل في التكلفة الباهظة لصواريخ الباتريوت مقابل التكلفة الزهيدة للباليستي الايراني. هذا الأمر الذي يؤكد السردية الروسية بعدم فاعلية الباتريوت الأمريكي في مواجهة السلاح الإيراني. رغم البعض يعتقد أنها محاولة، على الأرجح، للنيل من سمعة السلاح الأمريكي والتسويق للسلاح الروسي.
بالمقابل هناك مؤشرات على حدوث متغيرين في الجانب العسكري السعودي هما، تحسّن أداء دفاع الجو السعودي، بشكل لافت منذ أواخر إبريل الماضي في اصطياد الطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون باتجاه السعودية، وإعلان وزارة الدفاع السعودية قدرة دفاعها الوطني على حماية أمن المملكة بالتزامن مع إعلان الإدارة الامريكية اعتزامها سحب بطاريات باتريوت من السعودية والكويت والأردن.
من الضروري الإشارة إلى ما نقله موقع روسيا اليوم في أواخر أبريل الماضي، حول دخول بعض الأسلحة الروسية حيز استخدام الجيش السعودي[4]. في وقت سابق من العام 2017 و2019 أُبرمت اتفاقيات تعاون عسكري سعودي وروسي.
وحول طبيعة المتغيّر في منظومة دفاع الجو السعودي أمام هجمات الحوثيين، يقول المحلل السياسي الأمريكي، كوريبكو لـ سوث24 "من الممكن من الناحية النظرية أنّ الأنظمة الروسية مثل بانتسير وغيرها يُمكن بيعها إلى المملكة العربية السعودية، وربما يتم تسريعها هناك نظرًا للظروف المتغيرة، لتحل محل الوجود العسكري الأمريكي المفقود."
ولكن، مثل هذه الخطوة تتطلب "موافقة أمريكية ضمنية" وفقا لكوريبكو، "لأنّ الولايات المتحدة حساسة للغاية بشأن توسيع روسيا لعلاقاتها العسكرية، خاصة مع حلفاء أمريكا."
وبشأن تعزيز التعاون العسكري بين الجانبين السعودي والروسي، لا يستبعد كوريبكو "إذا استمر تحسن العلاقات الأمريكية الروسية بعد قمة جنيف الأسبوع الماضي، أن توافق واشنطن على التعاون الروسي السعودي في المجال العسكري." يعزو كوريبكو هذه الموافقة المحتملة من أمريكا لسببين، الأول؛ "تجنيب الرياض الشعور بأنه تم التخلي عنها، والثاني تحرير البنتاغون من أجل تركيز المزيد من موارده ضد بكين."
وفي ضوء قمة جنيف التي عُقدت مؤخرا بين الرئيسين بوتين وبايدن، يبدو أنّ الأداء الدبلوماسي لإدارة بايدن يدفع روسيا مزيدا نحو اتفاقية الحد من التسلح. فقد أعلنت إدارة بايدن نيتها تمديد اتفاقية (نيو ستارت) لخمس سنوات مع روسيا لخفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة. لذلك يرى الباحث الأمريكي لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، روبرت سوفر، في مقالة تحليلية، أنّ اتفاقية "نيو ستارت" تتطلب تنازلات من الجانبين الأمريكي والروسي؛ الحد من الصواريخ الروسية قصيرة المدى مقابل الحد من الصواريخ الأمريكية طويلة المدى [5].
لذلك، ربما، تكون خطوة سحب منظومة الباتريوت الأمريكي من السعودية والمنطقة، قد تم التوافق بشأنها في قمة جنيف بين الرئيسين الأمريكي والروسي. وهذا يعني على المدى البعيد، الحد من السلاح الإيراني قصير المدى في المنطقة وعلى المدى القريب إنجاح مفاوضات النووي الإيراني. إلى أن يحين ذلك ماتزال المنطقة العربية أكبر المتضررين من النشاط الإيراني المتزايد، خصوصا السعودية واليمن.
زميل مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية
- الصورة: بطارية باتريوت أمريكية (أرشيف/ روتيرز)