30-06-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
يبدو الصراع على تخوم مدينة مأرب، مؤخرا، أكثر عنفا ودموية. بالتزامن مع ذلك يتصاعد قلق المجتمع الدولي من سلوك الحوثيين "العدائي" وهجومهم المستمر على المدينة الأخيرة المتبقية تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا في الشمال [1]. إذ لم يستجب الحوثيون لمبادرات السلام ووقف إطلاق النار، في الوقت الذي يضغط المجتمع الدولي بقوة لإنهاء الصراع والزام جميع الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية بتسوية سياسية شاملة.
ومقابل ذلك يحث المجتمع الدولي، الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي على ضرورة استكمال تنفيذ اتفاق الرياض [2]. الأمر الذي يتطلّب تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض عبر مصفوفة إجراءات، أهمها، إفساح المجال لعودة قوات النخبة الشبوانية إلى شبوة وسحب القوات التابعة للحكومة اليمنية إلى مأرب. لكن المؤشرات الآتية من محافظة شبوة مؤخرا تضع المراقب أمام صورة مماثلة لما يحدث في محافظة مأرب. إذ يتكرر مشهد السلم الذي تطلبه مأرب مقابل الحرب التي يشنها الحوثيون عليها.
شبوة ومعادلة السلم والحرب
يوم الجمعة والسبت الماضيين، شهدت مديرية نصاب بمحافظة شبوة تحركات عسكرية للقوات الموالية للحكومة، التي يسيطر عليها حزب الإصلاح اليمني، بهدف منع أبناء المحافظة من إقامة تظاهرة سلمية في منطقة عبدان، كان قد دعا لها المجلس الانتقالي الجنوبي بالمحافظة، في وقت سابق. انتشر أفراد وعربات عسكرية من القوات الخاصة ومحور عتق، أقاموا حواجز أمنية على مداخل مديرية نصاب والطرق المؤدية إليها. إلا أنّ الطوق الأمني لم ينجح في منع المتظاهرين من الوصول إلى مقر الفعالية، بعد أن سلك المتظاهرون طُرقا جبلية وعرة وهم يرفعون أعلام دولة جنوب اليمن السابقة.
لم تتورع تلك القوات من استخدام الأسلحة الثقيلة كالمدفعية والدبابات، وفقا لمتحدث المجلس الانتقالي. إذ قصفت التلال القريبة من منطقة عبدان بقذائف المدفعية مساء الجمعة، ثم اقتحمت مقر الفعالية فجر السبت وحطمّت المكان، وفقا لمصدر محلي تحدثّ لـ سوث24 في وقت سابق.
كانت تعليمات المجلس الانتقالي حاسمة بشأن عدم الاشتباك مع تلك القوات. شددت قيادة المجلس هناك على سلمية الفعالية، وضرورة تحقيق تنفيذ اتفاق الرياض. عكست خطوة نقل التظاهرة التي حضرها الآلاف في سقام، إصرار المجلس على خيار السلم، مقابل إصرار السلطة المحلية في شبوة على التصعيد العسكري.
هذا التصعيد، وفقا لمراقبين، يزيد من دافع المجتمع الشبواني للمطالبة بعودة قوات النخبة الشبوانية التي أُجبرت على الانسحاب من شبوة في معركة اغسطس 2019 أمام القوات الشمالية التي قدمت من مأرب والجوف وما تزال تتواجد على أرض شبوة.
عودة النخبة الشبوانية
تذهب مؤشرات الأوضاع في شبوة إلى اتساع رقعة المطالبة الشعبية بعودة قوات النخبة إلى المحافظة، مع اعتزام المجلس الانتقالي الجنوبي هناك توسيع تظاهراته السلمية إلى مناطق عدة بينها العاصمة عتق، خلال الأيام القادمة. خصوصا وأن ذلك جاء متزامنا مع تعليق فريق المفاوضات التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي "تواصله" مع أطراف اتفاق الرياض، حتى يتم وضع ملف شبوة على طاولة أولويات تنفيذ الاتفاق، احتجاجا على عمليات "القمع" والاعتقال التي تصاعدت مؤخرا في شبوة ضد قياداته وناشطيه.
من المهم الإشارة إلى أنّ أحداث شبوة، كشفت عن سلوك آخر للحكومة اليمنية ممثلة بالسلطة المحلية في شبوة، لا ينسجم وسلوكها مع الحوثيين شمالاً والتزامها خيار السلم. هذا التناقض يمكن تفسيره بأنه هروبا من خطوة تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض وسحب القوات الشمالية من شبوة إلى مأرب لمواجهة الحوثيين. الأمر، الذي بدوره يجعل عودة قوات النخبة الشبوانية إلى شبوة من أولويات ذلك.
في هذا الصدد، أكد رئيس وحدة المفاوضات بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الدكتور ناصر الخبجي خلال لقاءه يوم الأحد الماضي بسفير الاتحاد الأوروبي إلى اليمن، على أنّ عملية تنفيذ اتفاق الرياض تتطلب البدء بمعالجة الملف الأمني في شبوة وعودة النخبة الشبوانية لتأمينها.
إذن، مثلما هو قبول الحوثيين المفترض بمبادرة السلام يعني وقف العمليات العسكرية على مأرب، فإنّ التزام الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بتنفيذ اتفاق الرياض يعني تنفيذ الشق العسكري الذي بدوره يعني عودة النخبة الشبوانية إلى شبوة. هذه هي الآلية الوحيدة القادرة على حل الأزمة اليمنية حلاً سياسيا. إذ أنّ المجتمع الدولي يلاحظ القوة المفرطة التي يستخدمها الحوثيون باتجاه مأرب، والقوة الفائضة التي تستخدمها الحكومة اليمنية في شبوة. وإذا كان هناك من حل عسكري للأزمة اليمنية فهو مواجهة القوتين العسكريتين لبعضهما في مأرب، عوضا عن ذهاب كل منهما في اتجاه آخر يزيد الأزمة اليمنية تعقيداً وكوارث إنسانية.
لكن حتى الآن، يبدو أنّ "الشجاعة الكافية" التي طلبها مارتن جريفيث، قبل انتهاء ولايته، لوقف إطلاق النار واحلال السلم في اليمن، لاتتوافر لدى الحوثيين والسلطات الحكومية التي يديرها "الإصلاح" في شبوة. لذا فإنّ مطالبة المجتمع الدولي للحوثيين بوقف إطلاق النار إلى جانب مطالبة الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي بتنفيذ اتفاق الرياض، يهدف إلى اختبار أطراف الصراع بخيار السلم والحل السياسي، الذي يقود بالأخير لإنهاء الأزمة اليمنية.
لا تزال طبيعة تعاطي الحكومة المعترف بها دوليا والرئاسة اليمنية مع الأزمة لاتعكس الشعور بالمسؤولية، رغم تأكيدها المتكرر على مد يدها للسلام. لكنّ التصعيد الذي تنتهجه في الجنوب، فضلا عن حالة الضعف التي تعيشه في مؤسسات "الشرعية" المختلفة الذي انعكس على أدائها الاقتصادي والإنساني، حفّزت المبعوث الأمريكي إلى اليمن خلال ندوة نقاش نظمها المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية،على الإقرار باعتراف واشنطن بالحوثيين كفاعل شرعي في ملف الصارع في اليمن، ولو من زاوية إنسانية.
في آخر اجتماع لمجلس الأمن بخصوص الأزمة اليمنية، قال السفير الأمريكي، جيفري دي لورينتيز، إنّ "الحوثيين ليسوا وحدهم عائقا نحو السلام"، ثم أشار مباشرة إلى ضرورة تنفيذ اتفاق الرياض [3]. لذا فإنّ الأحداث العسكرية والأمنية الأخيرة للقوات الحكومية في محافظة شبوة والمناطق الخاضعة لها في جنوب اليمن، فضلا عن تخلّف حكومة المناصفة عن العودة إلى عدن لممارسة دورها الخدمي والإداري، من شأنه أن يكشف بشكل جلي للمراقب الدولي، مدى عرقلة منظومة "الشرعية" المعترف بها دوليا لمساعي السلام وإنهاء الحرب في اليمن.
زميل مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحث في الشؤون السياسية
- الصورة: جندي من القوات الجنوبي (نبيل القعيطي / ا ف ب)
قبل 3 أشهر