29-06-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ورقة تحليلية
خلال الأشهر القليلة الماضية، كثّفت القوى الإقليمية والدولية مساعيها الدبلوماسية في مسار الدفع إلى مفاوضات ممهدة لحل سلام شامل ينهي الحرب الممتدة في اليمن لأكثر من ست سنوات. ويبدو أنّ جميع أطراف النزاع قد وصلوا لقناعة بأن الحسم العسكري غير وارد لأي منهم، خاصة وأن الجبهات على الجانبين تكبدت خسائر كبيرة في المعدات والمقاتلين خلال العام الماضي. فقوات الجيش الوطني التابع لحكومة هادي أُنهكت، ولم يتبقَّ معها في الشمال سوى مدينة مأرب وبعض مديرياتها كآخر معقل لقواتها العسكرية وتواجدها السياسي؛ إذا ما استثنينا أجزاء من الساحل الغربي التي تسيطر عليها القوات المشتركة. أما جانب الحوثيين، وعلى الرغم من استنزافهم عسكرياً ومالياً، إلا أنّهم يبدون أكثر استعداداً لخوض معارك أوسع باتجاه مأرب وما بعدها.
بموازاة ذلك، تواجه قوات المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلة بالقوات المسلّحة والأحزمة الأمنية والنخبتين في شبوة وحضرموت، جنوب اليمن، تحديات على أكثر من جانب، ففضلا عن تهديدات تشكيلات من «الجيش الوطني» الذي يسيطر على مفاصله حزب الإصلاح في محافظة أبين وشبوة، تتزايد العمليات الممنهجة التي ينفذها تنظيم القاعدة الذي صعّد من نشاطه مؤخراً ضد النقاط الأمنية التابعة للمجلس في أبين وشبوة وحضرموت؛ في هذا الوقت لا تزال قوات المجلس العسكرية تخوض مواجهات عسكرية مع الحوثيين على أكثر من جبهة في شمال الضالع ومكيراس أبين وطور الباحة بلحج؛ يضاف إلى ذلك التهديدات التي قد تتجدد من قبل قوات تخضع لسيطرة حزب الإصلاح من جهة محافظة تعز الشمالية.
التزامن اللافت للأحداث على جبهات جنوبية في أكثر من موقع، يعزوه مراقبون إلى وجود تفاهمات بين القوى المهيمنة على سلطة القرار في حكومة هادي، من خلال تكثيفها الضغط على الجبهات التي تسيطر فيها قوات الانتقالي الجنوبي، في محاولة لاستنزاف مقدّراتها والسيطرة على مساحات أوسع قبل التوصل لتسوية سياسية، من أجل خفض السقف التفاوضي للمجلس، وتحقيق الحد الممكن من مصالح القوى المهيمنة على القرار في حكومة هادي، خاصة إذا ضمنت لها حلول بالتوافق مع الحوثيين.
قد يكون هذا الأمر واردًا بالنسبة للجيش الوطني الذي يديره حزب الإصلاح المنتمي إيديولوجياً لجماعة الإخوان المسلمين، فلم يتبقّ بحوزته سوى مساحات ضئيلة في الشمال يتحرك عبرها؛ سواء في مأرب أو أجزاء في جنوب محافظة تعز. إذ إن رغبة الجيش الوطني الملحّة بالسيطرة على مساحات أكبر في الجنوب؛ تمنح من يديره ميزة تفاوضية أعلى، وإن كان على حساب تجميد العمل بتنفيذ اتفاق الرياض؛ وهذه الرغبة هي الدافع التي يرجع إليها سعي الحوثيين بالمقابل في محاولاتهم الدؤوبة لإكمال السيطرة على ما تبقى من محافظة مأرب.
أما حراس الجمهورية أو ما تُعرف بـ «المقاومة الوطنية»، التي تعد جزءاً من القوات المشتركة في الساحل الغربي، فقد انعكس طموحها السياسي بإعلانها المكتب السياسي، الذي ترغب من خلاله في تسجيل حضور سياسي كطرف يفرض شروطاً من موقعه في ميزان القوى، خاصة في ظل الجهود الدبلوماسية الرامية لاستئناف مفاوضات السلام المتعلقة بإنهاء الحرب في اليمن.
ينبغي القول، أن قرار مجلس الأمن 2216، كبّل عمل الأمم المتحدة عندما حصر المفاوضات في إطار ثنائي بين حكومة هادي والحوثيين، وما يزال الكثيرون يعتبرونه عائقًا للتقدم في مسار مشاورات السلام، في ظل تغير خارطة موازين القوى على الأرض.
إذ يتطلب الوضع الراهن، فتح المجال نحو عملية أشمل تعكس مصالح مختلف أطراف النزاع في اليمن، من منطلقات عدة تفرض من خلالها شروط التفاوض بشأن السلام.
نقاط القوة والضعف
يمكن اعتبار أن القوة نسبية في اليمن، إذ لا يمكن وصف طرف من الأطراف بأنه قوي أو ضعيف إلا إذا تمّت مقارنته بطرف آخر، وتلك المقارنة هي التي تحدد موقعه في هيكل القوة على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وقد تمنحه ميزة في مفاوضات السلام القادم التي تمهد للحل السياسي في اليمن.
وتبرز معايير قوة أطراف النزاع في اليمن أو ضعفها، من خلال عدة عوامل، أهمها: السيطرة على الأرض، القوة العسكرية التي تمتلكها، مدى التأثير على المجتمع المحلي، حجم الدعم الدولي، القاعدة الشعبية لكل طرف من الأطراف. ويمكن من خلال ذلك تناول الكيفية التي تعاطى بها المجتمع المحلي والإقليم والمجتمع الدولي مع أطراف الأزمة اليمنية، وكيف أثر هذا الأمر على مسار المفاوضات الممهدة لحل شامل يخرج اليمن من مأزق الحرب دون مزيد من الخسائر.
أولاً: على مستوى الأفراد
• الرئيس عبدربه منصور هادي:
اتسمت فترة حكم الرئيس هادي البالغ من العمر 75 عاماً؛ بالأداء الضعيف وسوء الإدارة، إذ ساد فيها الفساد بصورة يصعب وصفها. الرئيس الذي أتى قبل ثمان سنوات لا لشيء؛ إلا للاستمرارية الدستورية بعد توقيع المبادرة الخليجية عام 2011، ووطّد شرعيته أكثر مجلس الأمن الدولي بقرار 2216 [1] عام 2015، بعد قيام الحرب الأهلية في اليمن.
من غير المفاجئ أن يتفاقم الصراع الحالي وتشهد اليمن أسوأ كارثة إنسانية، في ظل وجود رئيس يراه الكثيرون أحد أسباب الأزمة، فهو لا يريد التوصل لحلول تنهي الحرب، لأنه حسب مراقبين يعد من أكثر المستفيدين من الوضع الراهن. غير ذلك، ارتبطت مصالح المحيطين بهادي باستمرارية الحرب، وتضخمت أموالهم وكوّنوا أشبه ما يكون بسلطة كليبتوقراطية، همّها الوحيد المزيد من الثراء.
كما أن الرئيس هادي لا يمتلك قاعدة شعبية في مناطق كثيرة في اليمن، خاصة في الجنوب نظير مشاركته في حرب 1994. أما في الشمال فظلّ دائمًا ما يُنظر إليه كرجل ضعيف طوال فترة عمله نائباً للرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ ولم يستثمر الشعبية الطارئة لدى معارضي صالح التي تبدت عند انتقال السلطة إليه بعد انتفاضة 2011، إذ سرعان ما توطدت صورة ذهنية عن فترة توليه اتسمت بالضعف والفساد.
يبقى الرئيس هادي الذي يفتقر للكاريزما، والذي يقتصر عمله فقط على استبدال المسؤولين بآخرين، رئيساً لا يُمكن الاستغناء عنه بالنسبة للتحالف العربي، كون وجوده كطرف رئيس باعتباره رئيسا للجمهورية يشكّل مظلة قانونية للتحالف العربي لخوض الحرب في اليمن ضد الحوثيين الموالين لإيران؛ لما يشكلونه من تهديد على دول المنطقة، بالأخص، السعودية قائدة التحالف، إلاّ في حال تم التوصل لتسوية سياسية تتفق عليها جميع الأطراف المعنية.
• نائب الرئيس علي محسن الأحمر:
دائماً ما شكلت شخصية الجنرال علي محسن الأحمر جدلاً واسعاً بين أوساط المجتمع والنخب السياسية في اليمن، النائب الذي تم تعيينه عام 2016 كي يقوّض محادثات السلام في الكويت حسب مراقبين، بعد إزاحة خالد بحاح عن منصبه كنائب للرئيس ورئيساً للحكومة؛ من خلال قرار تضمّن ديباجة سياسية بررته بإخفاق أداء الحكومة في المجالات الاقتصادية والخدمية والأمنية.
شكّلت شخصية علي محسن الأحمر تحفظًا لدى كثير من الأطراف محلياً ودولياً باعتباره شخصية غير مقبولة، نظراً لعلاقته المشبوهة بالجماعات المتطرفة منذ الثمانينات وحتى اليوم، إذ استطاع توطيد علاقاته مع رجال دين ومقاتلين مرتبطين بأنشطة «إرهابية» داخل اليمن لسنوات طويلة. فضلاً عن ارتباطاته بشبكات فساد كبيرة متورطة بتهريب المشتقات النفطية، إضافة لتحميله مسؤولية الضعف التي طالت الجيش الوطني منذ تأسيسه؛ بسبب إدارته لمنظومة الفساد فيه وتوزيع المنافع بين كبار قادته.
كما أنّ الجنوبيين يكنّون عداءً كبيراً للأحمر، نظير دوره العسكري في حرب 1994 التي قامت ضد الجنوب إبان فترة النظام السابق. وقد كانوا يلقبونه بـ «علي كاتيوشا»، نتيجة استخدامه صواريخ الكاتيوشا ضد الآمنين في منازلهم بعدن.
فضلاً عن علاقة علي محسن الأحمر بحزب الإصلاح، الخصم الأبرز للانتقالي والجنوبيين بشكل عام، لهذا على الأرجح، لن يكون للأحمر دوراً بارزاً في المرحلة المقبلة؛ رغم علاقته الوثيقة بالرياض، بيد أنه غير مرغوبٍ به من الولايات المتحدة والإمارات والحوثيين والجنوبيين.
• زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي:
يحيط الحوثيون، المنسوبين تسميةً إلى زعيمهم، عبد الملك الحوثي بهالة من القدسية، إذ أنّ شخصية عبدالملك كقائد ديني؛ ملهمة بالنسبة للكثير ممن ينتمون للمذهب الزيدي في اليمن؛ فيما يبقى عدد من معارضيه الزيديين يعتبرون ما تحاول الحوثية فرضه إيديولوجيًا مفاهيم وافدة من الإثنى عشرية في إيران على المجتمع، ومخالفًا للمذهب الزيدي الذي تدعّي الحوثية أنها تمثله.
وعلى الرغم من ميل زعيم جماعة الحوثي إلى الخطابات الطويلة الرنانة التي يُلقيها على جمهوره، ويوجهها أحياناً كرسائل للخارج، إلا أنّ ذلك لا يتيح له الظهور في تجمعات عامة، بل إنه يبقي نفسه محصوراً داخل معقله في صعدة شمال غرب اليمن، ويبث كلماته من مكان مغلق. فضلاً، عن عدم إجراءه أي مقابلات مع وسائل إعلامية، وتحاوره مع الآخرين عبر مبعوثيه، الأمر الذي يعدّ نقطة ضعف بعدم إنشاءه لخطوط تواصل مباشر مع الآخرين، وهذا ربما يعود لنهجه شديد الحذر فيما يتعلق بأمنه الشخصي.
الأمر الآخر، لا يحظى عبدالملك الحوثي كزعيم بقاعدة شعبية إلا في إطار جماعته، فهو مكروه لدى قطاع واسع من الشعب في الشمال والجنوب، لما ارتكبته الجماعة التي يقودها من انتهاكات جسيمة بحقهم. إضافة لعدم قبوله على المستوى الإقليمي والدولي، فهو بالنسبة للولايات المتحدة مصنّف على قائمة «الإرهابيين الدوليين»، حسب وزارة خارجيتها مع اثنين آخرين [2] . وكان مجلس الأمن وفق القرار 2216، قد فرض عقوبات على عبد الملك الحوثي لضلوعه في أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن . [3]
• رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي:
برز دور رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بقوة، خلال الحرب الأهلية في اليمن 2015. إذ قاد الزبيدي عملية تحرير الضالع وغالبية مناطق جنوب اليمن؛ إلى جانب قوى عسكرية جنوبية أخرى. قبل أن يترأس قيادة المجلس الانتقالي في مايو 2017.
استطاع الزبيدي الشخصية العسكرية الهادئة، أن يجمع طيف سياسي واسع تحت مظلة الانتقالي الجنوبي، مما خلق له حضوراً وقبولاً على المستوى الشعبي في محافظات الجنوب، إذ مثلت القاعدة الشعبية العريضة لرئيسه أحد أبرز نقاط القوة، مما مكنّه من لعب دور سياسي كبير، خلق من خلاله بيئة عمل تنظيمية وإدارية جديرة بالثقة؛ على الأقل من قبل مناصريه.
غير ذلك، فهو يحظى بدعم إقليمي من دولة الإمارات، حليفه القوي في التحالف العربي، إضافة للموقف السعودي المرحب به كقوة على رأس مجلس سياسي وعسكري لا يستهان به، من خلال ضمه مع حكومة هادي في إطار ما عرف باتفاق الرياض؛ الذي قضى بتشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2020.
ينبغي القول أنه على الرغم من كاريزمية عيدروس الزبيدي كقائد، والشعبية الواسعة التي يتمتع بها، إلا أنه يؤخذ عليه اعتماده على وجوه بعينها في ملفات متعددة، وتعيين شخصيات مقربة من دائرته في مناصب حساسة، ربما يرجع ذلك لحرصه إلى إيلاء الملفات الهامة إلى أشخاص أختبر موثوقيتهم مسبقا؛ فضلاً عن اتهامات خصومة له بتواضع خبرته الإدارية؛ مع عدم إنكارهم خبرته العسكرية التي لازمته منذ التسعينات إبان تأسيس حركة (حتم) الجنوبية المسلحة؛ التي تدعو لفك الارتباط عن اليمن الشمالي.
• قائد حراس الجمهورية «المقاومة الوطنية» طارق صالح:
كشف الإعلان عن المكتب السياسي في أواخر مارس 2021، برئاسة طارق صالح قائد قوات حراس الجمهورية أو ما تعرف بـ « المقاومة الوطنية» في الساحل الغربي، ونجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، كشف عن طموح سياسي كبير للرجل.
إن رغبة «طارق صالح» الذي ينحدر من عائلة حكمت اليمن لثلاثة عقود، من خلال إعلانه مكتباً سياسياً؛ ينبئ عن نوايا للدور السياسي المرتقب الذي يطمح إليه، إذ يعتبر طارق المرشح الأكثر قبولاً لخوض هذا الدور على الأقل بالنسبة لمناصري الرئيس السابق صالح؛ وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي تقسمت قياداته بين دوائر الصراع، خاصة في ظل غياب أحمد علي نجل الرئيس السابق عن المشهد. كما أنّ زيارة طارق الأخيرة لموسكو لم تكن عفوية كما يراها كثيرون، إذ يبدو أنه يطمح لتهيئة ترتيبات سياسية تضمن أن يكون له دوراً في ظل المتغيرات الجارية على الأرض، خاصة وأنّ روسيا أحد الدول الأعضاء الخمس المؤثرة في مجلس الأمن.
على الرغم من حضور طارق العسكري والسياسي، رغم قلة خبرته في الأخير، إلا أنه وبنفوذه ضمن نطاق القوات المشتركة في الساحل الغربي، لا يشكل توافقاً كقائد يجمع الأطراف العسكرية في الساحل، إضافة إلى أنّ قاعدته الشعبية ضئيلة جداً في الساحل التهامي؛ الذي تتزايد فيه دعاوى المظلومية السياسية والاقتصادية منذ عهد الرئيس صالح وحتى الآن؛ وهذا ربما أحد عوامل الضعف التي يواجهها في الساحل الغربي، ورغم أنّ قتاله ضد الحوثيين بعد مقتل عمه نهاية 2017 ، شكّل له ثقلاً عسكرياً ومنحه دوراً في المعسكر المناوئ للحوثيين، إلا أنّ قتاله إلى جانب الحوثيين منذ 2015 ما يزال نقطة ضعف يستثيرها خصومه ضده كلما حانت الفرصة لذلك. لكنه في مقابل ذلك، يحظى بدعم إقليمي من أبوظبي ورضا من الرياض على مستويات عدة، عسكرية وسياسية وإعلامية.
ثانياً: على المستوى المحلي (الدولة)
•حكومة هادي وجيشها الوطني:
تسيطر حكومة هادي وجيشها الوطني الذي يمسك بزمامه نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر؛ وحزب الإصلاح اليمني، تسيطر على مساحات ضئيلة متبقية في مأرب؛ التي تعد آخر معقل للحكومة ومعسكراتها في شمال اليمن، إضافة لأجزاء في جنوب محافظة تعز. ربما هذه ليست ميزة تمنحها سقفا مناسباً للتفاوض، لهذا تصر على تعويض ذلك بالتوسع في مناطق أكبر في الجنوب. وقد سيطرت فعلياً على عدة مناطق في محافظة شبوة وأبين ووادي حضرموت، بعد أن كانت تسيطر عليها الأحزمة الأمنية والنخبتين الشبوانية والحضرمية التابعة للانتقالي الجنوبي. إذ كانت الأخيرة تحظى بقبول شعبي وتشكل حائط صد منيع ضد الجماعات الإرهابية؛ التي بدأت تنشط مؤخراً في أماكن سيطرة «الجيش الوطني».
وعلى الرغم من القوة العسكرية التي يحظى بها «الجيش الوطني»، والدعم الإقليمي من التحالف العربي - تحديداً من المملكة العربية السعودية - على مستويات عدة؛ عسكرية ومالية وإعلامية، إلا أنّ التراخي العسكري الذي أبداه العام الماضي؛ والانسحابات من العديد من الجبهات القريبة من مأرب، شجّع الحوثيين على التقدم وتحقيق أكبر قدر من المكاسب العسكرية على الأرض. وهذا ربما أضعف من موقف حكومة هادي، لكون الجيش لم يكن خارج سياقات المشهد السياسي، فكل تطوّر عسكري على الأرض يرتبط بشكل مباشر بالعملية السياسية ومظلتها التفاوضية.
وقد يبدو أنّ نقطة الضعف الأولى بالنسبة «للجيش الوطني»، هو هيمنة حزب الإصلاح على القرار فيه؛ حسب تعليقات متواترة. فالجيش الذي يفترض أن يكون مستقلاً وضامناً نهائياً للمصالح الوطنية، تسيطر على مفاصله جماعة ذات صبغة دينية، فاقمت من السردية الطائفية للحرب وغذّت الجماعات المتطرفة الأخرى للدخول على خط المواجهة.
وهذا شكّل معضلة بالنسبة للمجلس لانتقالي الجنوبي في البنود المتعلقة بالشقين الأمني والعسكري في اتفاق الرياض، إذ كيف يتم دمج القوات الجنوبية المشكّلة من الأحزمة الأمنية والنخبتين الشبوانية والحضرمية، ضمن جيش تسيطر على قوامه وتشكّل قيادته جماعة دينية تنتمي أيديولوجياً لجماعة مصنفة من دول خليجية كجماعة «إرهابية»، وينتمي إليه بعض أفراد الجماعات المتطرفة؟ بيد أنّ الضغوط السعودية الجارية بشأن استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، ساهمت بأن يجري الانتقالي الجنوبي بعض التعديلات في هيكلية القوات الجنوبية وضمها وفق نظم وقوانين وزارة الدفاع.
مع ذلك، لا تلقى النخب الحاكمة في نظام هادي ترحيباً على المستوى المحلي، فهي بالنسبة للناس في الداخل حكومة يستخدم قادتها الفاسدون سلطتهم السياسية للاستيلاء على ثروات البلاد، في الوقت الذي يقيم أغلب أعضائها في الخارج، دون أن يحققوا أدنى حلول للخدمات الاقتصادية والإنسانية التي تستمر بالتدهور كلما طال أمد الحرب. وكان ذلك بمثابة الحلقة الأضعف بالنسبة لحكومة هادي وجيشها من حيث القاعدة الشعبية، حتى في إطار المناطق تحت سلطتها بما فيها مناطق في جنوب اليمن.
كما أنّ الغياب الطويل للرئيس هادي عن البلاد، أضعف من موقف الحكومة وجعلها في محل انتقاد دائم، ما سمح للسلطة التي تدير الجيش استغلال ذلك.
يمكن القول باختصار، أنّ القوة الأبرز لحكومة هادي تكمن في الدعم الدولي من خلال القرار 2216. الذي لا يبدو مقبولاً لدى معظم الأطراف المحلية؛ إضافة إلى تراجع الحماسة الدولية لاعتبار القرار مرجعية رئيسية للحل.
• الحوثيون (سلطة الأمر الواقع في صنعاء)
يسيطر الحوثيون الذي يتزعمهم عبد الملك الحوثي، على معظم جغرافية شمال اليمن؛ ما تشكل نسبته 70%، ما عدا بعض المديريات في محافظة مأرب؛ وأجزاء من جنوب محافظة تعز؛ وأجزاء من الشريط الساحلي غرباً. كما أنّ امتلاك الجماعة لقدرات عسكرية كبيرة من صواريخ بالستية وطائرات مسيّرة مفخخة، تستهدف مواقع عسكرية داخل اليمن ومطارات ومنشآت حيوية داخل الأراضي السعودية، منحها قوة إضافية أخرى، والتي ثبُتَ أنّ هوية صنع قوتها العسكرية؛ إيرانية، وكانت تتلقاها عن طريق منافذ التهريب عبر البحر الأحمر، وكذا عبر منافذ محافظة المهرة شرق جنوب اليمن، قبل أن يحكم التحالف قبضته على المنافذ البرية هناك.
في الوقت نفسه، يشكّل التأثير السلبي على المجتمع في مناطق سيطرة الحوثيين عامل ضعف، كون أفكار جماعة الحوثي لا تلقى قبولاً إلا ممن ينتمون لها كطبقة هاشمية منفصلة عن طبقة المجتمع، على اعتبار أنّ الأولى ترى نفسها أعلى رتبة من الثانية. وهذا الأمر شكل مع الوقت فجوة عميقة بين مكونات المجتمع اليمني، لكونه أعاد توزيع التركيبة الاجتماعية على أسس طبقية؛ على غرار «السادة والعبيد». في المقابل، لا يحظى الحوثيون بقاعدة شعبية إلا في مناطق الزيدية، وإن وجدت حالات رفض شعبي وسياسي للجماعة بسبب الفساد الهائل الذي تمارسه قياداتهم، فهي إما تواجه بالقمع والاعتقال أو القتل. فضلاً عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الجماعة بحق الشعب في اليمن على مستوى الشمال والجنوب، وهو ما عمّق الفجوة بزيادة بُغضهم وعدم قبولهم على المستوى الشعبي.
أما فيما يتعلق بحجم الدعم، فإنّ المساندة الإيرانية للحوثيين على المستوى الإقليمي، إضافة إلى فتح قنوات اتصال مع مناهضيهم عبر سلطنة عمان، والتعامل معهم على المستوى الدولي من خلال المحادثات والمفاوضات الأممية والأمريكية، هذا النوع من الدعم غير المباشر؛ شكّل للحوثيين عامل قوة ومكنّهم من الاستقواء والتأقلم طيلة فترة الصراع.
وقد يبدو تصريح المبعوث الأمريكي الخاص لليمن «تيم ليندركنغ» بشأن الحوثيين كفاعل شرعي داخل اليمن؛ الذي أثار جدلاً واسعاً مؤخراً، يبدو أنه طرح كبالون اختبار تراوغ به إدارة بايدن للتماهي مع إيران في الملف النووي، وربما محاولة لتشجيع الحوثيين الدخول في عملية سلام. في المقابل، وعلى الرغم من أنّ الحوثيين لا ينتظرون اعترافات بشرعية يرون أنفسهم من خلالها عبر جهات دولية، إلا أنهم وعبر خفضهم للتصعيد العسكري والتقدم في بعض الجبهات، لا يريدون خسارة المكاسب التي حصلوا عليها من الإدارة الأمريكية عندما شطبتهم من قوائم «الإرهاب».
• المجلس الانتقالي الجنوبي:
يشكّل وجود الكيان السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى لاستقلال جنوب اليمن، ويرأسه عيدروس الزبيدي، عامل قوة مهم في ميزان القوى على الأرض، إذ من الصعب تجاوز حضوره السياسي والعسكري كطرف أساس في معادلة الحرب اليمنية. وتستند قوته الرئيسية الأكبر على القاعدة الشعبية الواسعة التي يحظى بها في محافظات الجنوب، وهي ميزة مكّنته في أن يكون واحداً من أفضل المكونات السياسية على المستوى التنظيمي والإداري في الداخل والخارج. إضافة لسيطرته على جغرافية واسعة في جنوب اليمن، منها العاصمة عدن وحضرموت الساحل وسقطرى وأجزاء من شبوة وأبين وكامل محافظتي الضالع ولحج.
غير ذلك، أثبتت التشكيلات العسكرية والأمنية الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي؛ التي تأسست بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ ممثلة بالأحزمة الأمنية في عدن ولحج، والنخبتين في حضرموت وشبوة، أثبتت نجاحها في حفظ الأمن والاستقرار. كما حظيت بمؤازرة قبلية وشعبية خصوصاً في محافظتي حضرموت وشبوة، قبل أن تسيطر على الأخيرة قوات «الجيش الوطني» الذي يديره حزب الإصلاح، وتكرّسها بالفوضى والجماعات المتطرفة حسب مصادر محلية، إذ مثَّلت تلك المناطق نقاط انطلاق لعمليات «إرهابية» استهدفت قوات الأحزمة والنخبتين؛ كما حدث في الآونة الأخيرة.
وقد أشاد تقرير الخبراء الدوليين عام 2019، بدور قوات الحزام الأمني والنخبتين الشبوانية والحضرمية في مكافحة الإرهاب، واصفاً إياها «بأنشط القوات في مكافحة تنظيم القاعدة وداعش في شبة الجزيرة العربية» [4]. وهذه ميزة أخرى تعزّز من موقف الانتقالي الجنوبي الذي يحاول فرض سلطة أمنية قوية؛ ساعياً بذلك لتحييد الجنوب عن الفوضى والصراع - حسب ما يعلنه باستمرار-.
علاوةً على ذلك، يتفاعل المجتمع المحلي في الجنوب مع المجلس الانتقالي الجنوبي، من منطلق نشأته التي قام عليها، فهو يمثّل مطالب قطاع واسع من الجماهير الجنوبية التي كانت بداية حركتها في 2007، ممثلة بالحراك الجنوبي. وعلى الرغم من أنّ الحراك الجنوبي ينضوي تحت مظلته عدد من المكونات الجنوبية الأخرى، بيد أن الانتقالي الجنوبي يمتلك القاعدة الشعبية الأوسع والأكثر قبولاً وتفاعلاً مع القضية السياسية للمجتمع، رغم بعض الإخفاقات في تحقيق المصالح الاقتصادية التي يعزوها قادة الانتقالي لأطراف تدير القرار في حكومة هادي تحقق مصالحها السياسية هناك بتعطيل الخدمات العامة.
يؤخذ على الانتقالي الجنوبي التراجع المتكرر عن قراراته، إذ سبق وتراجع عن قرار الإدارة الذاتية التي أعلنها في إبريل/نيسان 2020،على خلفية التصعيد العسكري من قبل حكومة هادي وجيشها الوطني في شقرة بأبين، الذي عدّه البعض ضعفاً سياسياً، في حين اعتبر البعض الآخر التراجع ميزة تفاوضية، لكون الهدف الأساس من القرار تحمّل مسؤولية إدارة الخدمات بعد فرار الحكومة من عدن؛ فضلاً تشكيل نوع من أنواع الضغط على الأطراف المعرقلة لاتفاق الرياض، التي استجابت في آخر المطاف للدعوات الإقليمية التي طالبت التوقيع عليه والالتزام به.
وعلى الرغم من تنوّع الأطياف السياسية تحت مظلة الانتقالي الجنوبي، من قادة الأحزاب اليمنية كالاشتراكي والرابطة والمؤتمر، وغيرها من الشخصيات الاجتماعية والقبلية في الجنوب، إلا أنّه يؤخذ عليه اعتماده في هيكلية القوات العسكرية الجنوبية على مناطق محددة في الجنوب.
من حيث الدعم الإقليمي، يحظى الانتقالي الجنوبي بدعم من التحالف العربي وعلى وجه الخصوص دولة الإمارات، التي ساندته سياسياً وعسكرياً وإعلامياً. إذ اعتبر باحثون، أن الانتقالي برهن أنه الحليف المؤتمن والموثوق للتحالف العربي في حرب اليمن. في حين برزت تحالفات غير موثوقة تقيمها أطراف يمنية أخرى مع دول مثل إيران وتركيا، أو تغذي جماعات متطرفة في البيئة التي تسيطر عليها، الأمر الذي يهدد أمن دول المنطقة عموماً واليمن خصوصاً.
•القوات المشتركة في الساحل الغربي:
تنخرط في قوام القوات المشتركة المرابطة في جبهة الساحل الغربي في اليمن، ثلاث قوى رئيسية هي: قوات العمالقة؛ القوات التهامية؛ حراس الجمهورية. وتعمل هذه القوات تحت قيادة عليا مشتركة جماعية، وغرفة عمليات مرتبطة بالتحالف العربي، إذ تعتبر مستقلة عن الجيش الوطني في مأرب.
وقد سيطرت القوات المشتركة على مساحة شاسعة في الساحل الغربي ابتداءً من مضيق باب المندب في أقصى جنوب الساحل الغربي، باتجاه الشمال، وصولاً إلى مدينة الحديدة، في محاولة للتقدم نحو موانئ الحديدة – الصليف - رأس عيسى؛ على البحر الأحمر. لولا أن «اتفاق ستوكهولم» الموقع بين حكومة هادي والحوثيين في أواخر 2018، برعاية الأمم المتحدة، أوقف تقدم القوات عن استكمال مهمتها.
تتجلى نقاط قوة القوات المشتركة في سيطرتها على رقعة ساحلية كبيرة غرب اليمن، بالإضافة لقدرتها العسكرية المكوّنة من أسلحة خفيفة ومتوسطة؛ من مدرعات وعربات نقل عسكرية، وبعض الأسلحة الثقيلة، فضلاً عن الغطاء الجوي لقواتها البرية من التحالف العربي، الذي حظيت به قبل «اتفاق ستوكهولم».
في ضوء ذلك، ينبغي القول، أنه على الرغم من الدعم العسكري والمالي الذي تتلقاه القوات المشتركة من دولة الإمارات في الساحل الغربي، وعلى رأسها قوتي العمالقة وقوات حراس الجمهورية، إلا أنها تواجه محدودية القاعدة الشعبية، إذ لا تتمتع قوات حراس الجمهورية بقيادة طارق صالح؛ وقوات العمالقة بقيادة أبو زرعه المحرمي، بحاضنة شعبية واسعة هناك، بالقدر الذي تتمتع به قوات المقاومة التهامية، التي تنتمي لتهامة نفسها الممتدة على طول الساحل الغربي. وهذا عملياً يشكل نقطة ضعف بالنسبة للقوتين الأخريين، لأنّ القاعدة الشعبية في نهاية الأمر يترتب عليها غطاء اجتماعي؛ وبالمقابل تأثير على الحياة الاجتماعية، وهذا الأمر لم يحدث في الساحل الغربي.
• الأحزاب والمكوّنات السياسية، المستقلين (المرأة، والشباب):
خفت دور الأحزاب السياسية في اليمن بعد أحداث الربيع العربي في 2011، وتراجع دورها بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب الأهلية في اليمن منذ 2014. إذ سبب غياب المشروع الوطني الجامع للأحزاب؛ إلى بروز الحوثيين عسكرياً على حساب العمل السياسي للأحزاب. فضلاً عن انخراط بعض الأحزاب بشكل مباشر في النزاع كحزبي الإصلاح والمؤتمر، قبل أن يتفتت الأخير إبان مقتل زعيمه السابق علي عبدالله صالح.
وعلى نحو مماثل، تباينت أدوار الأحزاب السياسية وبالمثل لبعض المكونات الأخرى، المرتبطة ببعض مصالح دول الإقليم أو التي تنتمي لها إيديولوجياً، ما انعكس بصورة سلبية على العمل السياسي والمدني للأحزاب، حتى في إطار حكومة هادي. إذ حاول حزب الإصلاح في الصراع؛ توجيه أفعاله وسلوكياته في الاتجاه الذي يصب في مصلحته، دون أن تستشعر بقية الأحزاب الأخرى التي انكمش دورها، في أنها تقدم تنازلات ذات قيمة على حساب وجودها السياسي.
على مستوى أعمق، يمكن القول، أنّ حزب الإصلاح – فرع الإخوان المسلمين في اليمن- كان بحاجة ماسة للرئيس هادي؛ ليمنحه غطاءً سياسياً وعسكرياً يستطيع من خلاله التحرك واللعب عبر استراتيجية تبادل الأدوار، للمحافظة على نفوذه في الداخل وتحالفاته في الخارج. وهذا الأمر بحد ذاته أضعف من دور بقية الأحزاب السياسية على الساحة بالقدر الذي أضعف الرئيس هادي نفسه، عندما تحوّلوا لمجرد ديكور سياسي تحت الطلب.
غير ذلك، إن تطرقنا للقاعدة الشعبية، فإنّ الأحزاب اليمنية لا تحظى بقاعدة شعبية كبيرة في مناطق بعينها، وإن خصصنا لذلك الجنوب؛ فحزب الإصلاح اليمني على سبيل المثال، يعد خصم تاريخي وينظر إليه الجنوبيين بعين الازدراء والبغض، نتيجة لسياساته ضد الجنوب بدءً بمشاركته في حرب 1994 مع النظام السابق، وانتهاءً بالأحداث العسكرية عام 2019 وما تلاها.
فيما يتعلق بالمستقلين، كبداية، القول بأن المرأة داعية سلام وأمان، وهي أكثر من يدفع ثمن الصراع في اليمن، ومع ذلك لا يتم إشراكها في دور حقيقي، يعزوه البعض لمجرد حديث للاستهلاك السياسي. إذ أنّ اقصاءها من المشاركة في حكومة المناصفة بين الشمال والجنوب؛ المكونة من 24 وزيراً لا يوجد من بينها حقيبة واحدة للمرأة، شكّل نكسة غير مسبوقة في الحقوق المدنية للنساء في اليمن.
هذا الأمر استوجب طرح أسئلة، خاصة واليمن على مشارف نهاية الحرب، هل ستراعي الأطراف الإقليمية والدولية مشاركة النساء في مفاوضات السلام المقبلة؟ بما فيها أطراف الصراع المحلية التي تنضوي بعض النساء تحت مظلتها؟ أم أنّ دورها سيقتصر على مشاركة استشارية ضمن إطار الأمم المتحدة كما جرت العادة؟
عملياً، يستوجب على النساء الضغط من داخل كياناتهن وأحزابهن السياسية على أقل تقدير، إن تعذر عليهن المشاركة بشكل مستقل. وكذا الضغط على النساء في مراكز القرار السياسي راهناً، بمسؤولية الدفع بمشاركة المرأة في أن يكون لها أولوية في عملية مفاوضات السلام.
ينبغي القول، إن تركيز المرأة على قضاياها بصورة كبيرة رغم أهمية ذلك بلا شك، حصر دورها وقيّد فرص المشاركة لديها في مجالات متنوعة أخرى سياسية واقتصادية وغيرها. إذ شكل نقطة ضعف أضيفت إلى رصيدها، الأمر الذي أتاح للأطراف السياسية إنشاء دوائر خاصة بالمرأة تعنى بشؤونها، مما انعكس عليها سلباً وهمّشها مع الوقت بصورة غير مباشرة.
فيما يتعلق بالشباب، كان المبعوث الأممي السابق «مارتن غريفيث»، قد طمأن قطاع واسع من الشباب والشابات في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2020، في افتتاح مؤتمر الشباب اليمني لبناء السلام، طمأنهم بوضع خارطة لإشراك الشباب في عملية صنع القرار، كون إشراكهم مهمًّا ومحوريًّا في عملية إحلال السلام بشكل شامل. [5]
بالنسبة للشباب، فهو يتوق إلى أن يصبح جزءا من عملية صنع القرار وقبلها المشاركة في المفاوضات المرتقبة للسلام، تعبيراً منهم عن الحاجة لوجوه جديدة تأخذ بزمام الأمور في أي هيكلية تتعلق بالتسوية السياسية في اليمن.
حتى الآن، لا يبدو واضحاً كيف ستشارك الأطراف اليمنية الأخرى من شخصيات اجتماعية أو قبلية أو رجال أعمال، التي لم تتورط بشكل مباشر في الصراع المسلح، في مفاوضات الحل الشامل لإنهاء الحرب. لكن يبدو أن هناك نوايا بإدراجها ضمن البرامج والسياسات الموجهة نحو السلام، وإن لم تشارك في المرحلة الأولى من المفاوضات.
شكل (1) يبين نقاط القوة (√) ونقاط الضعف (×)، لكل طرف من الأطراف على المستوى المحلي [south24]
من خلال الطرح أعلاه (1)، يتبين أنّ المجلس الانتقالي مقارنة ببقية الأطراف يحظى بنقاط عالية في معايير القوة، والذي يمكنه من خلالها لعب دور كبير في مسار مفاوضات السلام والمرحلة التي تليها، إذ يعتبر الفاعل الأكثر تأثيراً وفقاً لذلك.
ثالثاً: المستوى الإقليمي والدولي
تلعب الأطراف الإقليمية والدولية دوراً بارزاً في حرب اليمن منذ اندلاعها خاصة منذ بدء عمليات التحالف العربي في 2015، فالتحالف العربي الذي تقوده السعودية لاستعادة شرعية هادي المعترف بها دولياً وفق القرار 2216، لم يعد يطمح للتقدم في اليمن، في ظل تراجع الحل العسكري في جبهات القتال ضد الحوثيين، وكذا في ظل تغير ديناميكيات النفوذ لصالح قوى أخرى برزت على الساحتين العسكرية والسياسية كالمجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن، وقوات طارق صالح في الساحل الغربي. إذ شكلت خطوة «المبادرة السعودية» بالتعاون مع المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن، المعلن عنها في أواخر مارس العام الجاري، عن نية جادة لإيقاف الحرب. وقد رحبت بها جميع الأطراف الإقليمية والدولية، في الوقت الذي اعتبر الحوثيين هذه الخطوة؛ التفافاً على دعواتهم برفع بعض القيود عن مرفأ الحديدة وإعادة تشغيل الرحلات التجارية إلى مطار صنعاء.
علاوةً على ذلك، ألقت سلطنة عمان بثقلها الدبلوماسي كاملاً، كفاعل إقليمي من أجل تسهيل المفاوضات بين الأطراف المعنية، بالنهج المحايد الذي عُرف عنها، على الرغم من ضبابية النتائج التي تمخّضت عن زيارة وفدها الأخير إلى صنعاء. إضافة للمساعي الخليجية الأخرى التي يتوقع أن تلعب دوراً محورياً في المرحلة المقبلة. سواء عبر الكويت التي أبدت استعداداً لاستضافة مراسم التوقيع على اتفاق ينهي الحرب في اليمن في حال توصل الفرقاء إلى تسوية سياسية، أو دولة الإمارات التي نالت عضوية غير دائمة في مجلس الأمن، والذي يبدو أنه من خلالها ستدرج ملف الأزمة اليمنية ضمن حزمة قضايا عديدة في المنطقة على جدول أعمالها، خاصة وأن لديها تجربة عميقة في اليمن، من خلال مشاركتها في عمليات التحالف العربي عسكرياً، أو عبر الهلال الأحمر إنسانياً.
في غضون ذلك، شكّل دعم ايران الإقليمي للحوثيين نقطة قوة في ميزان الحرب، إذ يرجح كثيرون أنّ سبب فشل محادثات السلام المتواصلة مع الحوثيين؛ هو عدم موافقة التسويات المقترحة مع مصالح إيران.
على المستوى الدولي، يبدو أنّ الولايات المتحدة عبر إدارة الرئيس بايدن، تسعى لتحقيق انتصار في سياستها الخارجية، من خلال تخفيفها التوتر بين السعودية وإيران، وكذا مساعيها لإنهاء الحرب في اليمن عبر وقفها الدعم العسكري للتحالف العربي، وتعيينها مبعوثاً خاصاً إلى اليمن لجسر الخلافات بين أطراف النزاع.
بموازاة ذلك، سجّل الإخفاق الأممي للمبعوثين الثلاثة الخاصين إلى اليمن، نقاط سلبية تضاف إلى رصيد الأمم المتحدة، إذ تضمّن الفشل عدة ملفات سياسية وإنسانية وإغاثية. إذ برزت نقاط الضعف لدى مبعوثو الأمم المتحدة من خلال تراخيهم مع الحوثيين وتساهلهم في الكثير من الملفات والشروط التي يضعونها، إضافة إلى إبقاء كل مبعوث أممي على نهج سلفه خاصة فيما يخص التزامهم بالقرار 2216، المتعلق بالنموذج الثنائي في المفاوضات، دون النظر لبقية الأطراف الرئيسية الأخرى المؤثرة على الأرض.
إن جردة سريعة للنهج الإقليمي والدولي في التعامل مع ملف الأزمة اليمنية، يشير بوضوح إلى ضرورة تغيير السياسة الحالية نحو عملية أوسع وأشمل، تعكس مصالح أطراف النزاع المحلية وفقاً لمراكز قوتها وتأثيرها. كما أن ّتجاوز بقية الأطراف الفاعلة، من شأنه أن يهيئ لبيئة خصبة من الاضطرابات وعدم الاستقرار، على عكس ما يرجوه دعاة السلام.
بناءً على ما سبق يمكن القول:
أنّ معادلة مشاركة الأطراف المؤثرة على الأرض القادرة على فرض إرساء السلام لم تعد محصورة بين حكومة هادي من جهة والحوثيين من جهة أخرى؛ بل يُفترض أن تتوسع حسب المتغيرات التي حدثت على المشهدين السياسي والعسكري؛ من حيث توقف مؤشر صعود وهبوط مستوى التأثير لكافة الأطراف. وهو ما يستوجب إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تفوّق على الأطراف الأخرى، من حيث حصوله على نقاط القوة الأعلى في سلم الأهمية، وإشراكه على الأقل كطرف ثالث رئيس من منطلق ميزان ثقله وحجم تأثيره وقوته على الأرض. كما يجب الأخذ بالاعتبار القوات المشتركة في الساحل الغربي كطرف مؤثر جديد، ومشاركته في مسار المفاوضات كطرف ضمن الأطراف الأخرى في المشهد.
زميلة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في الشؤون السياسية
- الصورة الرئيسية: مقاتل في أحد جبهات القتال في اليمن (فرنس برس)
- لتحميل الورقة إلكترونيا (من هنا)