06-07-2021 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
تشهد محافظة حضرموت شرقي جنوب اليمن حربًا باردة تخوضها القوى السياسية، لتحقيق أكبر المكاسب قبل بروز الصيغة النهائية لما ستؤول إليه الأوضاع بعد الحرب. المكونات السياسية في حضرموت وإن بدت أصواتها المطالبة بحقوق حضرموت متوافقة، إلا أنّ جذورها الممتدة خارج حدود المحافظة قد تختلف وفقًا لمصالح كل مكون.
من أجل توحيد المطالب الحقوقية لحضرموت والتصدي لأي محاولة لنقل المعارك إلى أراضيها، اتحدت القوى السياسية في مؤتمر حضرموت الجامع، الذي مثّل توافق القوى السياسية والقبلية في حضرموت، إلا أن دوره بدأ يخفت بعض الشيء نتيجة الغضب الشعبي الذي يلاحقه، في ظل عدم تحقيق مكاسب ملموسة.
منح اتفاق الرياض "المؤتمر الجامع" حقيبة وزارية في حكومة المناصفة، وبالرغم من قرب السياسيين الحضارم من مواقع صنع القرار في رئاسة حكومة هادي السابقة وكمستشارين للرئيس، ووزراء، وأعضاء مجلس نواب، إلا أنهم أخفقوا في تحقيق التأثير اللازم لتحسين مستوى الخدمات في المحافظة، بحسب مراقبين.
ويبرز ثقل حضرموت السياسي في قدرتها على جلب أنظار العالم، كمنطقة تعيش في هدوءٍ كبير في ظل الحرب، فقد استطاعت أن تؤمِّن انعقاد جلسة لبعض أعضاء مجلس النواب اليمني في سيئون في أبريل 2019، بعد توقف دام أكثر من أربع سنوات منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، واستقبلت مدينة المكلا هي الأخرى عدّة وفود أممية ودولية رفيعة المستوى، كان آخرها زيارة الوفد السويدي لمدينة المكلا برئاسة وزيرة خارجية السويد آن كريستين ليندى الشهر الماضي.
فبينما تشتعل الحرب في جبهات عموم المحافظات الواقعة على خط التماس مع الحوثيين، يُروج دائمًا إلى رمزية حضرموت "كأرض للتعايش والسلام"، خاصة بعد تحرير ساحل حضرموت من عناصر تنظيم القاعدة من قبل قوات النخبة الحضرمية، بدعم وإسناد جوي من التحالف العربي في أبريل 2016.
وتكمن هذه الرمزية لحضرموت نتيجة استقبالها آلاف النازحين من شمال اليمن، واحتضانها للنازحين من عدن إبان سيطرة الحوثيين عليها أواخر مارس 2015، قبل تحريرها بعد أربع أشهر من القتال من قبل المقاومة الجنوبية في "عملية السهم الذهبي"، بدعم بري من التحالف العربي بقيادة الإمارات.
ورغم ذلك فإنّ السلام في حضرموت سيبدو هشًا من أول تهديد قد يطول المحافظة، فجماعة الحوثيين التي تشن هجمات متتالية على مأرب بغرض السيطرة عليها، قد تفكّر بالتقدّم نحو المحافظات الجنوبية من بوابة وادي حضرموت، التي تتواجد فيها خلايا حوثية [وفق تقارير] وجماعات دينية تقترب عقائديًا معها.
براجماتية
بعد تحرير ساحل حضرموت حكمت محافظة حضرموت إدارتان، تمثلت الأولى بالمحافظ السابق اللواء أحمد سعيد بن بريك الذي عُيّن لاحقًا رئيسًا للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومن ثم خلفه اللواء فرج سالمين البحسني الذي امتد حكمه لأربع سنوات حتّى الآن. استطاعت السلطات المتعاقبة في حضرموت ضبط ميزان القوى السياسية في المحافظة، وقد أفرزت الأزمات المتالية إشهار "مؤتمر حضرموت الجامع" في عهد المحافظ السابق بن بريك بعد عام من معركة التحرير.
براجماتية المحافظ البحسني برزت في التعامل مع كافة المكونات دون استثناء، عرّضه ذلك، على الأرجح، إلى محاولتي اغتيال، كانت الثانية في أبريل العام الماضي عبر "عبوة ناسفة شديدة الانفجار، زرعت في طريقه أثناء توجهه إلى مقر قيادة المنطقة العسكرية الثانية" وفقا للناطق الرسمي للمنطقة العسكرية السابق هشام الجابري، في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في الساحل على غرار الوادي، الذي تسيطر عليه قوات من شمال اليمن.
حضرموت استطاعت أن تقول كلمتها حتى في أصعب المواقف والمنعطفات السياسية الحرجة، وعلى الرغم من رفض السلطة المحلية لـ "الإدارة الذاتية" للمحافظات الجنوبية التي دعا لها المجلس الانتقالي في أبريل 2020، إلا أنّ المطالب الشعبية في حضرموت، التي أقامت تظاهرة "مليونية" في المكلا، أيّدت موقف الانتقالي الذي يحظى بشعبية وقدرة واسعة على جمع الحشود في حضرموت.
حتى وعلى الرغم من ذلك حدد المجلس الانتقالي بمحافظة حضرموت، موقفًا متزنًا يتوافق مع الدبلوماسية المرنة التي تنتهجها إدارة المحافظ البحسني، وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي أن "الإدارة الذاتية" جاءت من أجل "تسريع تنفيذ اتفاق الرياض" ومن ثم ألغاها بعد ثلاثة شهور من إعلانها. ولا تزال القوى السياسية بالمحافظة تعبّر عن موقفها إلى جانب حكومة المناصفة المعترف بها دوليا، رغم التباينات في نظرتها للحلول النهائية.
حشود غفيرة في المكلا، حضرموت، خلال مليونية مؤيدة للمجلس الانتقالي، وطالبت بالإدارة الذاتية، 18 يوليو 2020 (نشطاء)
السباق نحو كسب الشارع
سيرث الجيل الجديد فشل السياسيين، من هنا كان سباق القوى السياسية نحو كسب أصوات جديدة من الشباب؛ لترميم نفسها، واستمرارية مطالبها، وتقديم رؤى جديدة لتغيير الواقع السياسي، ومع انخفاض قيمة حزب المؤتمر الشعبي العام في حضرموت "إثر اعتقال القاعدة بعض رموزه أثناء سيطرتهم على المكلا بتهمة العمل لحساب الأمن القومي، في حين اختفى آخرون خوفًا من مصير مماثل" [1] تُركت الساحة في حضرموت لقوتين متنافستين متمثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحظى بشعبية كبيرة، وحزب الإصلاح الذي يسيطر على وادي حضرموت.
فبينما يكسب المجلس الانتقالي مؤيدين جدد من مختلف الفئات العمرية نتيجة تمثيله لقضية "استعادة دولة الجنوب" يبقى تأثير الإصلاح محصورًا على الطلاب الجامعيين وما دونهم الذين يتلقون خطابًا دينيًا بغية استقطابهم لصالح الحزب.
قال المحلل السياسي هشام الكاف لـ "سوث24" أن "المجلس الانتقالي الجنوبي كانت لديه الفرصة لتكوين قاعدة شعبية كبيرة في ساحل حضرموت إبان تحرير الساحل من تنظيم القاعدة، إلا أنه لحد الآن لم يستطع أي حزب أو مكون سياسي من الاستحواذ على الساحة، التي هي عرضه لكل أنواع السيطرة".
ويتجلى تأثير المكونات السياسية من خلال ردة فعل المواطنين المؤيدة أو المعارضة لهذه القوى، فغالبا ما يحمّل الشارع مسؤولية انعدام الأمن في وادي حضرموت، على سبيل المثال، لحزب الإصلاح. إذ أنّ تزايد الاغتيالات في الوادي تثير قلق المواطنين، وكان آخرها "إصابة الحكم سالم بن ثابت النهدي ومصرع أحد مرافقيه، الأحد، نتيجة إطلاق النار من قوات شمالية تابعة للمنطقة العسكرية الأولى" بحسب مصادر قبلية.
وتشهد حضرموت وقفات احتجاجية للمطالبة بالحد الأدنى من الحقوق من خدمات وأمن، وترفض الفساد الإداري؛ والممارسات القمعية، والانتهاكات ضد الناشطين. هذا يعكس عدم ثقة الشارع بقدرة المكونات السياسية على انتزاع الحق الحضرمي بالقوة، حيث تعد المحافظة الرافد الرئيس لخزينة الدولة؛ كونها أكثر المحافظات إنتاجًا للنفط، وتغطي 70% من ميزانية الدولة.
الرفض الشعبي للفساد دفع المحتجين "لرمي موكب رئيس الوزراء في حكومة المناصفة، معين عبد الملك، بالحجارة أثناء زيارته للمكلا" في أبريل الماضي تعبيرًا عن استيائهم لتجاهل الحكومة حقوق أبناء حضرموت مطالبين الحكومة "بالكشف عن مصير حصة حضرموت النفطية".[2]
سببت توجيهات وزير الداخلية إبراهيم حيدان في حكومة المناصفة المقرّب من الرئيس هادي بـ "إنزال أعلام الجنوب" أثناء زيارته لمدينة المكلا نهاية مايو الماضي توترا في المحافظة، فقد علّق المجلس الانتقالي بالمحافظة في بيان له أنّ "الشرعية ورموزها في الحكومة، يعملون على توتير الأوضاع، لمنع استقرار ساحل حضرموت أمنيًا وخدميًا" مبينًا أنّ " علم الجنوب هو رمز لتضحيات ونضال الجنوبيين في سبيل استعادة حقه". [3]
ويستعد المجلس الانتقالي بحضرموت الخميس المقبل إلى إقامة تظاهرة جماهيرية وعصيان مدني في مدينة سيئون إحياء لذكرى 7 يوليو [ذكرى الحرب ضدّ جنوب اليمن عام 1994]، في مقاربة تدلّ في مضمونها على قدرة المجلس الانتقالي على جمع أنصاره حتى في المناطق التي يسيطر عليها حزب الإصلاح [الجناح اليمني لتنظيم الإخوان المسلمين].
سالم بن سهل
محرر وصحفي بمركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: أثناء وصول الوفد السويدي برئاسة وزيرة خارجية السويد لمطار الريان في المكلا مطلع يونيو الماضي (إعلام رسمي)