12-07-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ورقة تحليلية
أدى إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن اعتزام واشنطن ووزارة الدفاع الأمريكية إعادة التعامل مع "القوات المسلحة اليمنية" – الجيش الوطني التابع لحكومة هادي – وبناء قدراتها، إلى ردود فعل متباينة في الشارع اليمني.
بررت واشنطن إعادة هذا التعامل بأنه يأتي لدعم مصالح الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب حد قولها، ومكافحة المنظمات المتطرفة العنيفة والتهريب غير المشروع، وضمان حرية الملاحة من خلال مضيق باب المندب، والأهم من ذلك حسب ما صدر عنها، أنّ هذا الدعم المركّز سيزيد من قدرة اليمن على مواجهة النشاط الإيراني. (1)
غير ذلك، فإنّ هذا الجيش هو ذاته الذي يهيمن على قراره حزب الإصلاح اليمني بالدرجة الأولى – فرع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن -، ويقود زمامه الجنرال ونائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، الذي رحّب بالإعلان الأمريكي عبر صفحته بتويتر؛ وأشاد بإيجابية القرار في مكافحة الإرهاب والتطرف ومواجهة النشاط الإيراني التخريبي حد قوله (3). الأمر الذي يفتح الباب لطرح تساؤلات عديدة عن ماهية السياسة التي تنوي إدارة بايدن انتهاجها في اليمن، خصوصاً وأنّ لدى إدارته نوايا بإنهاء ملف الحرب في اليمن؛ من خلال قرار وقف دعم بلاده لعمليات التحالف العربي العسكرية، بما فيها صفقات بيع الأسلحة للسعودية. وكذلك تعيين الدبلوماسي تيم ليندركنغ مبعوثاً أمريكياً خاصاً إلى اليمن.
إذ كيف ستدعم إدارة بايدن الجيش الوطني – القوات المسلحة اليمنية، وهناك نوايا بإغلاق باب التصعيد العسكري بين أطراف النزاع في اليمن، وهو ما أثبته الحراك الدبلوماسي المكثّف على أكثر من جانب؟ وهل التعاون فقط سيقتصر على مكافحة الإرهاب بالتعاون مع الجيش، أم أنّ الدعم سيوجه نحو محاربة الحوثيين؟
ينبغي القول أنّ علاقات الجنرال علي محسن الأحمر - الذي يقود مفاصل الجيش الوطني حالياً - الطويلة مع التنظيمات المتطرفة سواء في اليمن أو خارجها، تشكّل مصدر قلق بارز على المستوى المحلي والدولي؛ خاصة وأنّ تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب استعاد نشاطه في مناطق سيطرة الجيش الوطني الذي يقوده الأحمر ووزير الدفاع المقدشي، ويتخذ منها ملاذات آمنة تنطلق منها معظم عملياته وتهديداته مؤخراً؛ خاصة في محافظتي شبوة وأبين من خلال استهدافه النقاط الأمنية لقوات الحزام الأمني في أبين والنخبة في شبوة.
إضافة لذلك، فعلاقة علي محسن الأحمر بتنظيم القاعدة قديمة منذ الثمانينات حسب تقارير المخابرات الأمريكية، التي أوضحت أنّ أسامه بن لادن قدّم لعلي محسن الأحمر 20 مليون دولار أثناء زيارة الأخير لأفغانستان، لمساعدته في توطين المقاتلين الأفغان العرب في اليمن، بصفته قائداً عسكرياً رفيع المستوى في الجيش (4). كما أشرف على مشاركة الجماعات الإسلامية المتشددة من الأفغان العائدين في حرب 1994، التي اندلعت بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، إذ قتل تحالفهم ما لا يقل عن 10000 مدني في جنوب اليمن وفق تقارير حقوقية، تحت ذريعة قتل الشيوعيين الكفار المدعومين من الاتحاد السوفيتي.
وقد كانت النتيجة بقاء الأفغان العرب بعد الحرب في الجنوب بدعم من نظام علي عبدالله صالح السابق؛ لاستخدامهم في أي عمليات للدفاع عن الوحدة وحمايتها. كما أنّ العاصمة صنعاء تحوّلت إلى خليط من التناقضات السياسية والأيديولوجية والدينية، باعتراف وزير الخارجية اليمني آنذاك عبد الكريم الإرياني، الذي صرّح بأنهم فعلاً ساعدوا الجهاديين خلال حرب 1994 (5)، وقرروا استيعابهم بعد ذلك في نظام الحكومة . هذا الأمر يؤكده أيضاً انضمام معظم الجهاديين إلى قوات علي محسن الأحمر، إلى درجة أنّ البعض منهم كان ضمن الدائرة الضيقة من الضباط المقربين إليه الذين يثق بهم. كما أنّ الأحمر أشرف على أنشطة التهريب بشواطئ "ذوباب" في محافظة تعز؛ المطلة على البحر الأحمر، وفي صدارة ذلك تهريب السلاح إلى عدد من الفصائل الصومالية المتطرّفة، وتنظيمات أخرى في إريتريا وإثيوبيا.
على خلفية ذلك، أتاحت الحرب الأهلية في اليمن منذ 2015، فرصة لتمدد تنظيم القاعدة في المناطق الرخوة أمنياً، مما سمح لها بالسيطرة على مساحات أوسع في المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، وشبوة وأبين. لولا أن انسحب التنظيم من المكلا بعد سيطرته عليها لمدة عام كامل، إثر تدخل التحالف العربي وفي المقدمة دولة الإمارات؛ بدعمها للنخبتين الحضرمية والشبوانية، في عمليتين أُطلق عليهما "الفيصل، والسيف الحاسم" منتصف فبراير 2018. لقد ساهم ذلك بانحسار قوة تنظيم القاعدة، واتجهت عناصره نحو وادي حضرموت كأحد الملاذات الآمنة. وهي ذات الأماكن التي يتواجد فيها الجيش الوطني؛ الذي يسيطر على مفاصله علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح؛ والأخير تقاسم حينها مع تنظيم القاعدة حكم مدينة المكلا وإدارتها عبر المجلس الأهلي الحضرمي بقيادات محسوبة عليه. كما يتركز نشاط التنظيم في الوقت الحالي ضمن النطاق العملياتي للمنطقة العسكرية الأولى، المتواجدة في مديريات وادي حضرموت.
متعلّق: تنظيم القاعدة في وادي حضرموت: احتمالات البقاء أو الانحسار
الجيش الوطني وتنظيم القاعدة خندق واحد
وفّرت قيادات عليا في الجيش الوطني الذي يقوده وزير الدفاع محمد المقدشي؛ ونائب رئيس الجمهورية الحالي علي محسن الأحمر؛ الذي أعلنت إدارة بايدن عن نوايا دعمها له عسكرياً قبل أيام، وفّرت غطاءً لتحركات عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في بعض الجبهات. كما أنّ عدداً كبيراً من العناصر الجهادية المتطرّفة كانت متواجدة ضمن وحدات الجيش الوطني في مأرب وشبوة، والجبهات الشرقية والشمالية للبيضاء "الصومعه، ناطع، نعمان"، وفي قيفه، ومديرية القريشية، وولد ربيع، قبل أن يتمكن الحوثيون من السيطرة عليها العام الماضي، وفق قائد عسكري ميداني لسوث24.
غير ذلك، تتعامل قيادات الجيش الوطني مع المناطق التي يتمركز فيها تنظيم القاعدة منفرداً دون الجيش، بأنها مناطق آمنة وتحديداً في القريشية وولد ربيع، التي كان التنظيم يسيطر عليهما منذ 2015، إلى أن انتزعهما الحوثيون من يد القاعدة في 2020، وفق ذات المصدر العسكري.
ويمكن العودة على هذه الخلفية للوراء، نحو العملية الأمريكية التي استهدفت عدد من المنازل في قرية يكلا بمحافظة البيضاء شمال اليمن، فجر 29 يناير 2017، والتي نتج عن الاشتباكات فيها مقتل 14 من عناصر تنظيم القاعدة، بينهم ثلاثة من قادة القاعدة حسب القيادة المركزية الأمريكية (6)، وعلى رأسهم عبد الرؤوف الذهب، أحد أمراء التنظيم في المحافظة. الأمر الذي يقودنا لتفسير التصريحات التي أعقبت العملية الأمريكية، التي أوضحها اللواء محسن خصروف، رئيس دائرة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني، عبر مداخلة على أحد القنوات الفضائية السعودية، صرّح بأن القيادي الذهب كان في مأرب قبل أيام من مصرعه، وأنه تلقى دعم من إحدى الجهات العسكرية في الجيش الوطني، لتفعيل جبهة قيفه - رداع ضد الحوثيين، وهذا إقرار واضح من قائد عسكري كبير في الجيش الوطني، بتواطؤ قيادات الجيش مع قادة تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء. (شاهد الفيديو)
إضافة لذلك، وهو ما يؤكد تبادل التنسيق والدعم بين الجيش الوطني وتنظيم القاعدة، هو تصريح الناطق الرسمي لحكومة هادي "راجح بادي"، ومن نفس القناة الفضائية، من خلال تبريره سقوط تلك المناطق بيد الحوثيين؛ في إشارة لمديريات القريشية وولد ربيع في البيضاء؛ معللاً ذلك بسبب تواجد تنظيم القاعدة وداعش فيها حسب قوله، بمعنى أنها لم تكن سابقاً بيد الجيش الوطني لحمايتها. وهو ما يقودنا لطرح تساؤل، عمّا إذا كانت تلك المناطق المتاخمة لمحافظة مأرب بيد تنظيم القاعدة، لماذا لم يشن الجيش الوطني عمليات عسكرية ضد القاعدة وداعش هناك؟ رغم أنها مديريات قريبة ومطلة على محافظة مأرب؟ تصريح متحدث حكومة هادي؛ منح للحوثيين ميزة مكافحتهم للإرهاب، لكنه في ذات الوقت أظهر تواطؤ الجيش بقيادة علي محسن الأحمر مع القاعدة؛ وغضه الطرف عن تواجد التنظيم في المناطق القريبة منه، وهو ما يشي إلى حقيقة التعاون العسكري بين الجيش والتنظيمات "الإرهابية" في اليمن. (شاهد فيديو)
لم تختلف سياسة الجنرال علي محسن الأحمر في تعاملاته مع عناصر القاعدة، عن الفترة التي سبقت الحرب الأخيرة، إذ كان يمارس المحاباة ويعطي الحظوة والأفضلية لهم؛ متى ما احتاجهم إلى جانب الجيش الذي يقوده. وقد ذكر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في 2018، في أحد تقاريره أنّ الرئاسة اليمنية التي يمثلها الرئيس الكبير في السن هادي، باتت مخترقة من القاعدة التي يشجعها ويدعمها نائب الرئيس علي محسن الأحمر (7). وهو ما يشي عن دوره الخطير على المستوى السياسي حال توليه الرئاسة بعد هادي تحت أي ظرف، أو نظير دوره العسكري على المستوى الميداني عبر أدواته وعلاقاته بالمتطرفين على الأرض.
تراخي عسكري ممنهج للجيش
يرتبط علي محسن الأحمر بشبكات فساد كبيرة متورطة بتهريب المشتقات النفطية في اليمن، فضلاً عن إدارته لمنظومة فساد في الجيش الوطني منذ تأسيسه، وهو ما أدى إلى التراخي العسكري الممنهج في جبهات عديدة، لارتباط قيادات الجيش المنتمية لحزب الإصلاح؛ بأجندة إقليمية، ترى ضرورة إطالة أمد الحرب واستنزاف التحالف العربي وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، الأمر الذي قيّد العمليات العسكرية للجيش وأدى لتراجعها، وساهم بتقوية الموقف الحوثي في الصراع.
غير ذلك، وفي خضم المعارك الدائرة حالياً في محافظة البيضاء التي تقودها قوات العمالقة الجنوبية لتحريرها من الحوثيين، كانت قيادات في الجيش الوطني الذي يهمين على القرار فيه علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح، قد رفضت التقدم نحو العاصمة صنعاء عبر جبهة البيضاء في أواخر 2015، بحجة أنها حاضنة شعبية لقوى سياسية أخرى، ومحافظة بلا موارد. إذ ارتأى قادة الجيش بعدم ضرورة تحريرها، لأنّ ذلك قد يضاعف من الأعباء على حكومة هادي وجيشها، باعتبار البيضاء تحتضن كتلة سكانية كبيرة، وهو ما سيتطلب توفير رواتب وخدمات تعجز حكومة هادي عن توفيرها في محافظات أخرى.
في المقابل، الجيش الوطني لا يريد تحرير الجبهات ولا يخطط له حسب القائد العسكري لـ "سوث24"، وإنما يسعى لمنافسة القوى الوطنية الأخرى وتقويضها في عديد من الجبهات. إذ تم اقتراح التقدم عبر جبهة البيضاء - ذمار، من قبل اللواء أحمد الأبارة عام 2015، وتمت إبادته مع 250 جندي في لوائه بمنطقة العبر. وهي مقترحات أرادت قيادات عسكرية وطنية من خلالها إظهار أنّ للدولة مشروع سياسي، يضمن مؤازرة مجتمعية من حوله، ويضمن إدارة الحرب باستراتيجية عسكرية تستعيد العاصمة التي انقلب عليها الحوثيون في 2014. بيد أن أجندات القوى الدينية في حكومة هادي، بدأت تحارب القيادات الوطنية وتخلصت منها عبر سلطتها في الجيش الوطني، وقد فعلت ذلك في مأرب وتعز، ومناطق جنوبية محررة.
ومن غير المفاجئ، أنّ الجيش الوطني لم يحرك أيً من وحداته العسكرية باتجاه البيضاء؛ خلال المعركة الأخيرة في الزاهر والصومعه، فيما يفترض أن يتم تحريك الجبهات جنوب مأرب على الأقل، بالتزامن مع انشغال الحوثيين في جبهات أخرى، لكن ذلك لم يحدث.
وبالعودة للوراء، كانت هناك خطة لإسناد المهام في جبهة البيضاء لطارق صالح في 2018، بيد أن حزب الإصلاح سارع بتشكيل ما أسماه باللواء 151، بقيادة سيف عبد الرب الشدادي، وأوكل إليه هذه الجبهة من اتجاه مأرب، ورغم أنه لم يحقق أي تقدمٍ يذكر؛ منعت بقية القوى الوطنية من تحرير البيضاء، وفق المصدر العسكري لـ "سوث24". وهو ما أغلق الباب على طارق نحو أي محاولة لفتح جبهة من البيضاء، المحافظة الأقرب لصنعاء وذمار "خولان-الحداء"، القريبتان من البيضاء، واللتان تشكلان حاضنة شعبية وسياسية وقبلية لحزب المؤتمر الشعبي العام.
إنّ الانشغال الأكبر الذي سيطر على اهتمامات قادة الجيش المكلّف بمقاتلة الحوثيين؛ لم يكن معركتهم مع الحوثيين ولا واجبهم في مكافحة الإرهاب الذي وجد في المناطق التي يسيطر عليها بيئة ملائمة لتجميع عناصره وتنظيم نفسه، بل بات الانشغال الأكبر لقادة هذا الجيش هو خزن الأسلحة خارج الكشوفات الرسمية والانخراط في عمليات التهريب والفساد المنظم حسب الاتهامات المتواترة ضده. ومن الأمثلة الأبرز لهذا الاهتمام - خارج الإطار القانوني بجمع السلاح والمال للصالح الشخصي - الهيمنة التي فرضها هاشم الأحمر وهو أحد القادة البارزين المقربين من علي محسن الأحمر على منفذ الوديعة البري بين اليمن والسعودية، والذي بات أحد المنافذ الرئيسية للاستيراد والتصدير من وإلى اليمن، إضافة لكونه المنفذ الرئيسي لعبور الأفراد إلى خارج البلاد؛ وبات يحقق لشبكة فساد الجيش دخلاً مالياً مهماً للغاية.
تصريحات مثيرة للجدل
لقد جاء إعلان الدعم الأمريكي المزمع لقوات هادي ونائبه، متزامنا مع تصريحات القائمة بأعمال السفير الأمريكي إلى اليمن، كاثي ويستلي، التي دعت إلى إيقاف الخطاب التصعيدي والعودة إلى حوار تنفيذ اتفاق الرياض، وتوعدّت برد دولي لمن يهدد استقرار اليمن وأمنه ووحدته.
فسر البعض هذه التصريحات بأنها جاءت على خلفية التظاهرة الكبرى التي خرجت، في 8 يوليو تموز، في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت وطالبت باستقلال الجنوب. انتقد جنوبيون تلك التصريحات واعتبروها تناقضات للسياسة الأمريكية، تخالف قيم الديمقراطية والحرية للتعبير عن الرأي السلمي. في الوقت الذي فسرها البعض؛ بأنها حملت تهديداً للطرف الآخر في الحكومة – وتحديداً حزب الإصلاح، الذي سعت قواته مؤخراً نحو التصعيد العسكري في شبوة وأبين جنوب اليمن.
على الأرجح، حملت زيارة نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، للولايات المتحدة الأمريكية كأول زيارة في عهد الرئيس الأمريكي بايدن، مطالب سعودية للضغط على المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية لاستكمال بنود تنفيذ اتفاق الرياض، إلى جانب الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في اليمن، والتعاون في ملف مكافحة الإرهاب.
لم تأخذ جهات عسكرية يمنية تصريحات الخارجية الأمريكية بخصوص دعم "القوات المسلحة اليمنية" هذا التصريح على محمل الجد، لما رأت أنه عبارة عن مجرد نوايا، ربما جاءت في سياق الضغط الأمريكي للدفع بالحوثيين نحو طاولة التفاوض.
إذ كيف توجه إدارة بايدن بمؤسساتها وأجهزتها الاستخباراتية بإعادة الدعم العسكري بالآلية المذكورة، رغم أنها تعلم جيداً عن الهشاشة العسكرية للجيش الوطني المخترق من قبل الجماعات المتطرّفة، بالإضافة إلى علمها المسبق بسجل الجنرال علي محسن الأحمر؛ وارتباطاته المباشرة بالتنظيمات "الإرهابية" داخل اليمن وخارجها حتى اللحظة؟ إلا إذا كانت ترتكب خطئاً استراتيجياً فادحاً؛ قد يكلفها فشل سياستها الخارجية ويحمّلها أعباء عسكرية فوق طاقتها، خاصة وهي تكرر سياسات الإدارات السابقة التي تعاملت مع نفس الوجوه المسؤولة والمتورطة بتغذية نشاط الجماعات المتطرفة؛ وتوفير الغطاء لها على مدى سنوات في اليمن.
في المقابل، وقبل عام 2010، كانت الولايات المتحدة تشرف بشكل مباشر على فرقة مكافحة الإرهاب في الأمن المركزي اليمني (الأمن الخاص) المكوّنة من 400 فرد، إذ كانت واشنطن تتكفل بتدريب وتسليح وتغذية ومنح علاوات لأفرادها بشكل مستقل عن وحدات جيش النظام اليمني السابق؛ حسب المصدر العسكري الذي تحدّث مع "سوث24". ورغم علاقات الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالإدارة الأمريكية التي كانت تبدو جيدة في مجال مكافحة الإرهاب، وما كانت عليه الدولة حينها من استقرار نسبي لمؤسساتها، إلا أنّ واشنطن كانت تشترط على النظام السابق؛ عدم تحويل الدعم لأي مهام أخرى؛ تخرج عن إطار مكافحة الإرهاب.
أما الآن، وفي ظل الحرب والانفلات الأمني وعدم الاستقرار في الكثير من مناطق اليمن، بما فيها مناطق سيطرة حكومة هادي، يمكن طرح تساؤل عن كيفية توجيه الدعم العسكري من قبل إدارة بايدن؛ إلى جهات عسكرية في الجيش الوطني بقيادة الجنرال الأحمر وحزب الإصلاح، والتي ثبت عدم موثوقيتها في مواقف عديدة، في حين ثبت موثوقية جهات عسكرية أخرى في جنوب اليمن ممثلة بالأحزمة الأمنية في عدن ولحج وأبين؛ والنخبتين في شبوة وحضرموت التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، التي حاربت تنظيم القاعدة في عمليتين ناجحتين في 2018، وأحرزت تقدما في المناطق التي تسيطر عليها؟. خاصة وأن تقرير الخبراء الدوليين عام 2019، أشاد بدور قوات الحزام الأمني والنخبتين الشبوانية والحضرمية في مكافحة الإرهاب، واصفاً إياها «بأنشط القوات في مكافحة تنظيم القاعدة وداعش في شبة الجزيرة العربية» (8).
هل يخطو بايدن نحو خُطى سلفه أوباما؟
في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق أوباما، ارتأت الإدارة الأمريكية وجود شراكة سياسية مع تيار الإخوان المسلمين في دول عربية عديدة؛ منها تونس ومصر واليمن، بل ودعمهم للوصول إلى سدة الحكم. بالمقابل تبنى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رؤية لحركات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، على أنها جماعات لا تقل خطورة عن التنظيمات المتطرّفة. وكانت هناك جهود حثيثة من قبل إدارة ترامب لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين، كتنظيم إرهابي أجنبي (9). غير أنّ التعثر القانوني والمؤسسي الذي حال دون إدراج الجماعة على اللائحة الأمريكية، ولأسباب أخرى أرجأت إحداها للتعقيدات التي يمكن أن تحدث بين واشنطن وأنقره؛ إذا ما تم ضم الجماعة لقوائم الإرهاب، خاصة وأنّ تركيا حليفتها في الناتو- حلف شمال الأطلسي، وفي ذات الوقت حليفة للإخوان المسلمين في دول عربية كثيرة من بينها اليمن، كل ذلك لم يغير من موقف ترامب تجاه الإخوان، وهو ما بدا أنه سبب ارتياح سعودي ومصري وإماراتي في المنطقة تجاه سياسات ترامب، قبل أن يتم إعادة ضبط العلاقة بمجيء بايدن.
وقد يبدو أنّ جو بايدن في طريقه لتبني رؤى سلفه الديمقراطي أوباما لجماعات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها رؤيته لجماعة الإخوان المسلمين؛ كبديل وسطي معتدل عن الجماعات الإسلامية الأكثر عنفاً، مثل تنظيمي القاعدة وداعش. إذ يبدو أنّ الجنرال علي محسن الأحمر وحزب الإصلاح - فرع الإخوان المسلمين في اليمن، يراهنان على إدارة بايدن لإحياء مشروع الإسلام السياسي في المنطقة من جديد، عبر سياسة القوة الناعمة المعهودة عن الديمقراطيين لتسوية الأزمات، مقابل القوة الصلبة التي يعتمدها الجمهوريون في الشرق الأوسط.
على ضوء ما سبق، يمكن أن نستنتج مدى الخطورة التي يُمكن أن تجازف بها إدارة بايدن؛ من خلال نوايا دعمها العسكري للجيش الوطني – القوات المسلحة اليمنية، التي يقود مفاصلها الجنرال علي محسن الأحمر، المعروف بـ "بابا القاعدة" في اليمن، وفقا لصحيفة ليبرسيون الفرنسية (10)، نتيجة دعمه واحتواءه للجماعات المتطرفة لسنوات طويلة، حتى آخر أيامه في صنعاء.
إذ كانت "جامعة الإيمان" التي يديرها متطرفون سبق لهم الجهاد في أفغانستان مثل رئيسها عبد المجيد الزنداني؛ تتخذ من حرم مقر الفرقة الأولى مدرع مقراً للجامعة المتطرفة التي يفصلها عن مخزن سلاح الفرقة سور لا يتجاوز ارتفاعه أربعة أمتار؛ وبذلك وفّرت الفرقة للجامعة حماية عسكرية ضمن محيطها وغطاءً سياسيا لمزاولة نشاطها بتخريج أفواج من المتطرفين الذين تشترط الجامعة انتمائهم إليها بشرط انتمائهم لحزب الإصلاح، كما كانت تشترط استمارات تزكية للمتقدمين للدراسة في الجامعة؛ وهذا الارتباط بين الفرقة الأولى مدرع وحزب الإصلاح هو امتداد لارتباط علي محسن الأحمر بالأفغان العرب وجماعة الإخوان التي تصنفها دول عربية من بينها الإمارات والسعودية ومصر كجماعة "إرهابية". وهي ذات الجماعة التي تهيمن على القرار في حكومة هادي حسب تعليقات متواترة.
لذا فالسؤال الذي ستعبّر إجابته عن طبيعة أهداف الولايات المتحدة لحربها ضد "الإرهاب" في اليمن، هو: إلى أي مدى يمكن أن يوافق الكونغرس على منح اعتمادات مالية عسكرية لإدارة بايدن، تتعلق بمكافحة الإرهاب في اليمن؛ دون أن يعي إلى أين تذهب ولمن؟ خاصة وأنّ أحد أولويات السياسة الأمريكية بمختلف إداراتها السابقة، هو محاربة التنظيمات "الإرهابية" في الشرق الأوسط، وبشكل خاص اليمن بسبب وجود تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هناك، أحد أخطر المنظمات المتطرّفة في العالم؛ والذي تتعدى خطورته النطاق المحلي والإقليمي إلى محاولة إيلام الولايات المتحدة داخل أراضيها.
في حين أنه يمكن، عوضا عن ذلك، الاعتماد على بدائل عسكرية أخرى في جنوب اليمن، كالأحزمة الأمنية في عدن ولحج وأبين، والنخبتين الحضرمية والشبوانية، التي أثبتت موثوقيتها في مكافحة "الإرهاب"، وساهمت بتحرير مساحات جغرافية واسعة من خطر الجماعات الدينية المتطرّفة، سواء تنظيمي القاعدة وداعش؛ أو الحوثيين.
فريدة أحمد
زميلة مقيمة في مركز سوث24 باحثة في الشؤون السياسية
ملاحظة الباحثة: شكر خاص للقائد العسكري الميداني، الذي تعاون بتقديم المعلومات العسكرية لمركز سوث24، مع التحفظ عن ذكر اسمه حفاظاً على حياته.
الصورة: نائب رئيس الجمهورية، علي محسن الأحمر خلال لقاء بقائد قوات البحرية الأمريكية الوسطى قائد الأسطول الخامس الفريق بحري براد كوبر، 30 يونيو 2021 (رسمي – تويتر)
- لقراءة الورقة التحليلية إلكترونيا من (هنا)