25-07-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بيروت
طلب الرئيس اللبناني ميشال عون من مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بخرق إسرائيل للسيادة اللبنانية، إثر عملية جوية للطيران الإسرائيلي نفذها أثناء قصفه لمواقع في سوريا.[1]
بالمقابل حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، لبنان مسؤولية إطلاق قذيفتين صاروخيتين على إسرائيل فجر يوم الثلاثاء الماضي [2]. مما استدعى الجيش الإسرائيلي للرد بقصف مدفعي مماثل على الأراضي اللبنانية.
وهدّد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي "سنرد بشكل علني وسري على أي انتهاك للسيادة الإسرائيلية من لبنان"[3]. لكن الرد الإسرائيلي يختلف عن الاتهام الدبلوماسي اللبناني، إذ تشير عملية التراشق العسكري إلى مسئولية حزب الله اللبناني عن القصف الصاروخي، الأمر الذي يحدث بمعزل عن التراشق الدبلوماسي بين لبنان وإسرائيل، بحسب خبراء.
ووفقاً لمراقبين، ثمة تناقض بين الأداء السياسي والعسكري، وهو نتيجة طبيعية لحالة التناقض التي يعيشها لبنان، حيث يظهر حزب الله بقواته، وترسانته العسكرية، وتمثيله السياسي الكبير في الحكومة، كدولة داخل الدولة اللبنانية. الأمر الذي يضعف الأخيرة، ويسلبها القرار السيادي على لبنان، إضافة إلى ذلك تمر لبنان بأزمة سياسية واقتصادية تزيد الأوضاع سوءًا، مما ينذر بانهيارها الكلي، لذلك لا يصب التصعيد الأمني مع إسرائيل في هذا التوقيت في مصلحة لبنان.
خطورة التصعيد الأمني
بحسب البنك الدولي، يمر لبنان بانهيار اقتصادي هو الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، فإلى جانب التعثر في تشكيل الحكومة، الذي رافق الأزمة الاقتصادية، أو بمعنى أصح تسبب في مضاعفتها، وفق مراقبين دوليين. ففي 8 يوليو الحالي صدر البيان الأمريكي الفرنسي المشترك، الذي أكد على الحاجة الماسة إلى حكومة لبنانية تتمتع بصلاحيات كاملة، تكون ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات.[4]
وشدَّد البيان المشترك على ضرورة عمل "إجراءات ملموسة يتخذها القادة اللبنانيون لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد"، ستمهد لإطلاق دعم إضافي من فرنسا، والولايات المتحدة، والشركاء الإقليمين، والدوليين.
وفي هذا الصدد يرى مراقبون أنَّ مصادقة الرئيس اللبناني ميشال عون على قرار رقم 244 يوم الإثنين الماضي، وتوقيعه أيضًا على المرسوم رقم 7998 يوم الجمعة الماضية في إطار إصلاحات الجانب الإداري والمالي للبنان، تأتي منسجمة مع الجهود الدولية لإخراج لبنان من أزمته، انطلاقًا من تفعيل وإصدار القوانين الناظمة لاقتصاد البلد بصورة تعزز سيادة الدولة اللبنانية. وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الإصلاحات تظهر بالتوازي مع زيارة وفد من مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية التابع للخزانة الأمريكية لبيروت في الفترة من 19 إلى 21 يوليو تموز الحالي. [5]
بالمقابل هذه التوجهات الدولية التي تهدف لتعزيز سيادة الدولة اللبنانية، أتت بعد اتخاذ حزب الله اللبناني خطوات استباقية لمواجهة الانهيار الاقتصادي في البلد، والتي تعدها قيادات الحزب خطة استجابة للأزمة، الأمر الذي عكس سردية الكيان الموازي للدولة اللبنانية أو ما يعرف بـ" الدولة داخل الدولة". لكن هذه المرة ليست على الصعيد العسكري بل على الصعيد الاقتصادي الذي يمهد للاحتلال الكلي للدولة اللبنانية.
في هذا الجانب نشرت وكالة رويترز منتصف أبريل الماضي تقريرًا بعنوان "حزب الله يستغل الأزمة الاقتصادية ويحتل مكان الدولة اللبنانية"[6]، أشارت فيه إلى إنشاء حزب الله لجمعيات خيرية، وشركة بناء، ونظام تعويضات، مما يبرز الدور المتنامي لحزب الله في التعامل مع الأزمة بخدمات توفرها عادةً الحكومة".
من ناحية أخرى تظهر مسارعة الدولة اللبنانية في ضوء التوجهات الدولية والإصلاحات القانونية في سياق تصادمي مع توجهات حزب الله، لذلك التصعيد الأمني مع إسرائيل ليس من مصلحة لبنان، إذ ينذر ذلك بانفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة تمامًا. الأمر الذي أشار إليه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بالقول "لبنان في طور الانهيار الذي ساعد حزب الله في إحداثه"، وفي ذات السياق قال وزير الدفاع الإسرائيلي إنَّ "إسرائيل لن تسمح للأزمة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية في لبنان بالتحول إلى تهديد أمني عليها".[7]
ويرى حزب الله في الإصلاحات التي تجريها الدولة اللبنانية أنَّها تضيّق على اقتصاده السياسي المرتبط بإيران وسوريا، إضافة إلى تماهي الدولة اللبنانية مع عقوبات الخزانة الأمريكية على الحزب، حيث يرجح مراقبون اقتصاديون أنَّ انهيار العملة اللبنانية حدث نتاج معركة في الجانب المالي والمصرفي، خاضها حزب الله مع بنك لبنان المركزي مما أدت إلى انهيار الأخير.
أزمة البنك المركزي اللبناني
منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان أواخر 2019، فُرِضت قيود على سحب الإيداعات من البنوك اللبنانية، الأمر الذي أثار مخاوف المودعين من أن حاكم البنك المركزي اللبناني رياض سلامة وكبار المسئولين حولوا مبالغ كبيرة من لبنان إلى خارج البلاد أثناء الأزمة.
وفي ذات السياق ألقت حكومة تسيير الأعمال برئاسة حسن دياب باللوم على رأس السلطات النقدية في لبنان، لذلك يواجه حاكم البنك المركزي اللبناني رياض سلامة تهمًا عدة منها اختلاس المال العام والتهرب الضريبي، حيث سيُمثَّل أمام القضاء السويسري مطلع أغسطس المقبل، على ذمة بلاغ قدمه ممثل عن المدعي العام اللبناني.
إلى جانب ذلك قدمت مؤسسة "شيربا لمكافحة الجريمة المالية"، ومؤسسة "تجمع ضحايا الممارسات الاحتيالية" في لبنان ببلاغ للسلطات الفرنسية ضد حاكم البنك المركزي اللبناني، فيما نفى "سلامة" كل التهم الموجهة إليه، وأكد أن البنك المركزي اللبناني موَّل الدولة.
انعكاسات
وانعكس تأثير الأزمة التي تعيشها لبنان على بلدان عديدة، فمقابل تضرر الداخل اللبناني من القيود المفروضة على سحب الإيداعات من البنوك اللبنانية، تضرر أيضًا البنك المركزي اليمني، حيث تم تجميد ودائع الأخيرة لدى البنوك اللبنانية منذ أواخر العام 2019، في الوقت الذي يمر فيه اليمن بأزمة اقتصادية هو الآخر.
وفي سياق مطالبة البنك المركزي اليمني بالإفراج عن الأموال اليمنية، أرسل وفدًا إلى بيروت الأسبوع الماضي؛ لمناقشة آلية تسليم المبلغ مع حاكم مركزي لبنان رياض سلامه، ووفق إفادة مدير عام حسابات البنوك المراسلة في البنك المركزي اليمني ياسر القباطي لـ"العربية نت" قال "تقدر ودائع البنوك اليمنية بأكثر من 250 مليون دولار"، وأشار إلى أن "بنك بيروت أفرج عن بعض أرصدة البنوك اليمنية".[8]
وعن إمكانية لجوء البنك المركزي اليمني للقضاء لاستعادة الأموال، أكد القباطي على "الضغط لاستعادة الأموال مع تقدير الأزمة التي يمر بها لبنان". لكن بسبب حالة الفصام التي يعيشها الاقتصاد اليمني، حيث يتواجد بنكين مركزيين الأول في عدن لدى الحكومة اليمنية، والآخر في صنعاء لدى الحوثيين، قد يضطر مركزي عدن إلى اللجوء للقضاء لاستعادة الأموال من البنك المركزي اللبناني، بسبب تنامي الحديث عن اختلاس الأموال من قبل الأخير، ولسبب آخر متعلق بعلاقة صنعاء ببيروت، والحوثيين بحزب الله اللبناني، وإمكانية أن تكون الأموال قد خرجت بطريقة غير شرعية.
زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحث في الشؤون السياسية اليمنية والعربية
- الصورة: جندي من حزب الله يحمل العلم اللبناني وراية الجماعة (إعلام لبناني)