23-07-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عدن
صباح يوم الخميس، 23 يوليو/ تموز 2009، قُتل وأصيب نحو 68 شخص، بعد أن أطلقت قوات الأمن المركزي التابعة لنظام الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، الرصاص الحي ضد المئات من المحتجين السلميين، خلال مهرجان للحراك الجنوبي بمدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين.
هزت الحادثة أهالي جنوب اليمن، نظرا لدمويتها والطريقة التي تمت فيها الواقعة. وصفها السكّان بـ "المجزرة". يقول الأهالي أنها أحد أكبر الانتهاكات ضد الحراك السلمي الجنوبي الذي اندلع في العام 2007.
قبل وبعد هذا التاريخ، أيضا، شنت قوات النظام اليمني أعمال قمع واسعة ضد المعارضين في الجنوب، كالاغتيالات الفردية لنشطاء وقيادات في صفوف الحراك الجنوبي، فضلا عن حملات اعتقالات وإخفاء قسرية بحق المدنيين، وفقا لمنظمات حقوقية محلية. تعرّضت، كذلك، عدد من المدن في محافظات أبين ولحج والضالع، لأعمال قصف مدفعي بالأسلحة الثقيلة كالدبابات.
اليوم، بعد مرور 12 عاماً على الحادثة، يستذكر أبناء جنوب اليمن تاريخاً طويلاً من القمع العنيف والمفرط، الذي تعرّضوا له خلال مرحلة كفاحهم السلمي من أجل استعادة دولتهم التي توحدت سياسياً مع الجمهورية العربية اليمنية في شمال اليمن عام 1990.
«مجزرة زنجبار»
بالعودة لتفاصيل الحادثة في العام 2009. وجّه الحراك الجنوبي لأنصاره دعوةً لإقامة مهرجان سلمي بمدينة زنجبار، حاضرة محافظة أبين، ضمن أنشطته المناهضة لنظام الرئيس صالح. حضر المئات من الجنوبيين المهرجان، واحتشدوا أمام منزل الشيخ القبلي الجنوبي طارق الفضلي. كان الفضلي قيادي في الحراك الجنوبي، وأثار انضمامه، حينها، كثيرا من الجدل.
قالت مصادر مقرّبة من الضحايا لـ "سوث24"، أنّ اللجنة الأمنية بمحافظة أبين أمرت قواتها بقمع المتظاهرين السلميين. نفذّت الأوامر، قوات الأمن المركزي، وهي القوة الأساسية التي اعتمد عليها نظام الرئيس صالح في قمع المناوئين والمعارضين له في جنوب اليمن.
تنوّعت أعمال القمع، وفقا للمصادر، بين "القنص الدقيق الذي استهدف شخصيات بعينها، إلى إطلاق الرصاص الحي بشكل عشوائي"، تسببت بمقتل 18 متظاهراً، وإصابة نحو 50.
يتذكّر خالد عمر العبد، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في أبين، حاليا، وأحد الناجين من المجزرة لـ "سوث24"، بأسى تلك الحادثة". "قوات الاحتلال" قمعت، حينها "مهرجانا سلميا".
قصة ضحية
عبد الله المعسلة، نجل العميد محمد سالم علوي المعسلة "سمن" (قيادي في الحراك الجنوبي، وأحد الضحايا)، يروي قصة والده لـ "سوث24": "توجه والدي إلى ساحة المهرجان قبل يومين من إقامته، كان أحد اللجان المنظمة، ويشارك في صياغة البيانات".
لقد "تمَّ استهدافه بطريقة مُمنهجة في زنجبار وقُتل قنصاً". وفقا لـ عبد الله، كان والده مراقبا، حيث "سبق لقوات النظام أن حاولت اغتياله في مظاهرة سلمية بمدينة عدن قنصاً أيضاً، لكنَّها أخطأته وقتلت الشخص الذي كان بجواره مباشرة".
يقول خالد العبد لـ "سوث24" أنّ العميد محمد سالم علوي ورفاقه الآخرين "لم يكن بعلمهم أنَّهم سيُقتلون بدم بارد لمجرد التعبير عن رأيهم بشكل سلمي".
بالنسبة لعبد الله المعسلة، لطالما حمل والده موقفاً رافضاً لما يصفه بـ "احتلال الجنوب"، بل كان من "الرافضين للوحدة مع الشمال".
والد عبد الله هو قائد عسكري سابق في الجيش الجنوبي، ولكن "عقب حرب 1994 التي قاتل فيها [والدي] كأركان حرب لواء مدرم، تعّرض للتسريح كغيره من ضباط الجنوب".
وفقا لإحصائيات محلية، بلغ عدد الضباط والجنود من الجنوبيين، الذي تعرضوا للتسريح القهري عقب اجتياح جنوب اليمن عام 94، أكثر من 60 ألف فرد. لقد ضاعفت هذه الممارسات من غضب الشعب هناك، ودفعته للثورة على النظام.
مجّد الجنوبيون "شهداء مجزرة زنجبار" الدامية باعتبارهم من رموز حركتهم التحررية، وأطلقوا اسم "ساحة الشهيد سمن" بمنطقة المُمدارة بمحافظة عدن تخليداً لذكرى العميد علوي. يتم إحياء هذه الذكرى كل عام تقريبا. كما نظمت أندية رياضية كبيرة في أبين مباريات بهذه المناسبة.
أهالي من أبين يزورون قبور الضحايا بمدينة زنجبار بمحافظة أبين، 23 يوليو 2020. (كريتر نت)
اتهامات حكومية
اتهم نظام صالح حينها، المتظاهرين السلميين بـ "التخريب والخروج عن القانون". كما قصفت القوات اليمنية منزل الشيخ القبلي طارق الفضلي، وقالت إنَّه "يقف وراء الدعوة والتنظيم لهذا المهرجان".
كان محافظ أبين آنذاك هو أحمد الميسري (وزير الداخلية السابق في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي). ورغم أنَّه من أبناء أبين، إلا أنَّ القوة العسكرية والأمنية في المحافظة كانت تديرها وتوجهها قيادات من شمال اليمن، مثل مدير الأمن، "المروني".
ويشير عبد الله المعسلة إلى أنَّ المحافظ الميسري - الذي كان رئيس اللجنة الأمنية أيضاً - سُئل لاحقاً "لماذا أعطيت الأوامر بقمع الفعالية؟"، فأجاب: "الأوامر جاءت من الرئيس علي عبد الله صالح".
ويعلّق عبد الله على ذلك: "مثّل هذا تهرباً من المسؤولية، وتنصلاً منها".
ولفت خالد عمر العبد إلى أنَّ معلومات وصلتهم – بعد عملية تحري وبحث – أشارت إلى "صدور الأوامر مباشرة من علي عبد الله صالح لتنفيذ القمع". وقال العبد أنّ اجتماع لما سمّي "المجالس الأهلية" في العاصمة صنعاء، فوّض النظام بـ "قمع أي فعاليات للحراك السلمي الجنوبي".
وأفاد العبد بأنَّ أوامر شبيهة كانت قد صدرت لقمع فعالية سابقة في محافظة أبين في شهر أبريل/ نيسان من ذات العام، إلا أنَّها لم تُنفذ "بسبب اعتراض قيادات جنوبية في صفوف نظام علي عبد الله صالح، منهم نائبه (الرئيس الحالي لليمن) عبد ربه منصور هادي".
بعد 12 عام
منذ ذلك الحين، شهد اليمن تحوّلات عسكرية وسياسية كبيرة. فالرئيس علي عبد الله صالح، "الراقص على رؤوس الثعابين" قُتل فعلا، على يد حلفائه الحوثيين وانهار نظامه. بات الحوثيون يسيطرون على معظم جغرافيا اليمن الشمالي، بعد إخراجهم من عدن ومدن جنوبية أخرى، بمساعدة من تحالف عربي أطلقته السعودية وقادته الإمارات في مناطق جنوب اليمن.
استطاعت معظم قوى الحركة الوطنية في الجنوب أن تنضوي تحت كيان "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي تأسس في مايو أيار 2017.
يقول عبد الله المعسلة، "لطالما أكّد والدي الشهيد أنَّ الجنوب تمَّ احتلاله بالقوة ولن يتحرّر إلا بمثلها".
وعلى الرغم من تبدل المشهد في جنوب اليمن منذ العام 2009، لا تزال الحقوق القانونية لذوي الضحايا غائبة، وفقا لخبراء قانونيين.
وفي إشارة لذلك، دعا المحامي، يحيى غالب الشعيبي، المجلس الانتقالي الجنوبي "إلى توثيق مجزرة زنجبار" وتحريكها في سياق ما أسماها "جرائم الاحتلال في الجنوب".
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: خلال فعالية رياضية أحياها نادي حسان ونادي شباب ردفان في محافظة أبين، 23 يوليو 2018 (المندب نيوز)