01-08-2021 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| المحرر السياسي
تشهد محافظة حضرموت فصلاً جديدًا من مشاهد احتدام الصراع بين طرفي اتفاق الرياض، بعد زيارة رئيس مجلس النواب اليمني "المنتهية ولايته" سلطان البركاني للمحافظة الثلاثاء الماضي، في إطار مساعيه لإقامة مقر دائم للبرلمان في سيئون.
تباين المواقف بين المجلس الانتقالي وحكومة هادي بشأن السلطة التشريعية الممثلة بمجلس النواب "المنتهية ولايته"، تجلّت قبيل أيام من وصول البركاني إلى مدينة سيئون، حيث حذر رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي أحمد بن بريك من انعقاد جلسات البرلمان باعتبار أن حكومة هادي تريد "شرعنة نفسها على جنوب اليمن من خلاله".
تزامن هذا التوتر مع عودة محافظ حضرموت فرج البحسني إلى مدينة المكلا قادمًا من دولة الإمارات، بعد رحلة له بالخارج استمرت قرابة 5 أسابيع، ليجد نفسه على خط المواجهة بين طرفي اتفاق الرياض، لاتخاذ موقف من هذا التصعيد.
البحسني الذي يُعد حليفًا سابقًا لأبوظبي، حيث تقيم عائلته هناك منذ تحرير المكلا من عناصر تنظيم القاعدة في أبريل 2016، يسعى لخلق توازن مع الرياض، التي تسعى لتمكين نائب الرئيس اليمني من السيطرة على المحافظة النفطية، التي تغذي 70% من ميزانية الحكومة اليمنية.
صراع النفوذ على حضرموت أعاد البحسني إلى الواجهة بعد قرابة 20 سنة قضاها في منفاه الاختياري في السعودية، بعد اجتياح القوات الشمالية لجنوب اليمن في حرب صيف 1994، حيث كان ظهوره الأول بعد غيابه الطويل إلى جانب القيادي في المجلس الانتقالي أحمد بن بريك، الذي عُين محافظًا لحضرموت عام 2016، بينما شغل البحسني في تلك الفترة قيادة المنطقة العسكرية الثانية.
وبعد إطاحة الرئيس هادي ببن بريك نتيجة انضمامه للمجلس الانتقالي الجنوبي، تولّى البحسني إدارة المحافظة إلى جانب مهمته العسكرية، الأمر الذي خلق ازدواجًا وظيفيًا مكّن البحسني من الاقتراب خطوة ثانية نحو تنفيذ سياسات هادي ونائبه علي محسن الأحمر الموالي للإصلاح.
لعل هذه الخطوة الجديدة ساعدت البحسني في كشف الكثير من الملفات التي تنوي أطراف من الحكومة اليمنية تمريرها في المستقبل القريب، مما دفعه لاستقبال البركاني بكل حفاوة والتباحث معه، لعلّه يحظى بلعب دور فاعل في رقعة الشطرنج، وسط "موت بطيء" لهادي، الذي فقد نفسه في ظل اهتزاز شرعيته كرئيس.
من يخلف هادي؟
أثارت تغريدة وزير النقل اليمني السابق صالح الجبواني يوم الثلاثاء الماضي ردود الفعل، بالتزامن مع وصول البركاني إلى مدينة سيئون، والتي كشف فيها عن ترتيبات لتعيين رئيس مجلس النواب "المنتهية ولايته" خلفًا للرئيس هادي.
ويحاول ناشطون يتبعون لحزب الإصلاح تقديم البركاني على أنه القادر على حلحلة الأزمة اليمنية، باعتباره يحظى بقبول داخلي وخارجي من دول التحالف العربي، الأمر الذي يروج له البعض باعتباره البديل الشرعي للرئيس في حالة غيابه، وفقًا للدستور الذي يمنح الصلاحيات لرئيس مجلس النواب عند عدم التوافق على رئيس جديد.
وسعت منصات بحثية وسياسية يمنية شمالية إلى التشكيك مؤخرا بشرعية وأهلية الرئيس هادي. ودعا باحثون يمنيون لإزاحة الرئيس الحالي وتشكيل مجلس رئاسي بديل [1]. وشنّ موظفون سابقون يعملون لدى هادي هجوما حادا على الرجل. وصف مترجم الرئيس السابق، وائل الهمداني، هادي بـ "العنصري" وقال أنه يكره "الزيود"، في إشارة إلى الطائفة الدينية التي ساهمت في تأسيس قوة الحوثيين اليوم في شمال اليمن.[2]
وعلى الأرجح، لأجل هذه الخطوة، تداول ناشطون قبل أيام أخبارًا عن عزم مجلس النواب اليمني "المنتهية ولايته" لتأسيس مقر دائم له في سيئون والترتيب لجلسة لبعض أعضائه، بغرض مناقشة ملف الرئاسة اليمنية، الذي يبدو أنه على وشك تفجير صراع داخل الحكومة اليمنية نفسها، بعد تدهور صحة الرئيس هادي الذي يتلقى العلاج في الولايات المتحدة، غير أنّ هذه الأخبار سرعان ما انقطعت بعد وصول هادي إلى مقر إقامته الدائم في الرياض قادمًا من الولايات المتحدة، وإعلان البركاني أنّ صحة هادي على نحو جيد.
ويواجه هادي طوال فترة رئاسته التي امتدت نحو تسع سنوات، شكوكًا حول شرعيته كرئيس، فضلاً عن الرفض الشعبي له في شمال اليمن، وانعدام شعبيته في جنوب اليمن، التي ينحدر منها، بسبب تحالفه مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في حرب صيف 1994 ضد الجنوبيين، التي مهدت له الطريق ليكون نائبًا للرئيس السابق، ومن ثم رئيسًا انتقاليًا لمدة عامين عبر انتخابات أشبه بالاستفتاء، كان فيها المرشح الوحيد عام 2012، وفق المبادرة الخليجية بعد الانتفاضة الشعبية في شمال اليمن.
إلا أن سيطرة الحوثيين على صنعاء قابلها فرار هادي إلى الرياض، ليعلن التحالف العربي بقيادة السعودية تدخله العسكري في الحرب الأهلية نهاية مارس 2015 بغرض استعادة ما أسماه "شرعية هادي" الأمر الذي جعل ولاية هادي تمتد كرئيس دون تقييد بفترة محددة، خاصة بعد انتزاع السعودية لقرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي اعترف به كرئيس شرعي. [3]
البرلمان "المنتهية ولايته"
تريد الحكومة اليمنية استعادة أنفاسها من محافظة حضرموت بعد شلل مجلس النواب اليمني "المنتهية ولايته" من الانعقاد طيلة سنوات، في ظل تماهي البحسني في الاستجابة لأجندة حكومة هادي الموالية للإصلاح، التي عمدت لاختيار مدينة سيئون بوادي حضرموت، الذي تخضع عمليًا لنفوذ حزب الإصلاح لعقد مقر دائم للبرلمان.
وبتحليل لجدول أعمال البحسني الأخيرة يتضح عدم علمه بقدوم البركاني للمكلا، فلربما بشكل مفاجئ تم إشعاره بترتيب جملة من الزيارات الميدانية للبركاني في المدينة. هذا التخبط تجلى في زيارة البحسني للمجمع السياحي لنادي الضباط يوم الأربعاء الماضي، ومن ثم تكرار الزيارة لنفس الموقع بعد يومين فقط برفقة رئيس مجلس النواب "المنتهية ولايته"، غير أنه على ما يبدو بعد فهم إشارات ومدلولات الزيارة عمد لتهيئة الظروف لاستقبال حافل يرفع من شأن رصيده في احتواء رموز الحكومة اليمنية.
من جانب آخر استدعى هذا التطور الدراماتيكي في ترتيب الأهداف المرحلية لطرفي اتفاق الرياض، لغضب شعبي واستنكار سياسي جنوبي، تصدى له المجلس الانتقالي بمحافظة حضرموت من خلال برنامج تصعيدي، تضمّن مظاهرة حاشدة يوم أمس، نددت في بيان لها بفساد الحكومة اليمنية ونهبها عائدات نفط حضرموت، ورفضت استفزاز الحكومة اليمنية لأبناء حضرموت، ومحاولة "توطين مؤسساتها غير الشرعية".
من المثير للانتباه أنّ هذه الخطوات أزعجت رئاسة مجلس النواب اليمني "المنتهية ولايته" وتسببت في خلط أوراقه، حيث أكدت مصادر لـ "سوث24" أن البحسني أصدر أوامر عسكرية صارمة بمنع المتظاهرين السلميين من الوصول إلى أمام مقر إقامة البركاني يوم الجمعة الماضية، بغرض إفشال الوقفة الاحتجاجية التي دعا لها انتقالي المحافظة.
ومن المرجّح أن قبضة البحسني على السلطة التنفيذية والمنطقة العسكرية بالمحافظة في آن واحد، عززت من موقفه في فرض قراراته، حيث، على الرغم، من أن قوات النخبة الحضرمية التابعة للمنطقة العسكرية الثانية تدين بالولاء للجنوب، وترفع فوق أطقمها ونقاطها العسكرية أعلام دولة جنوب اليمن، إلا أن الجنود العسكريين فضلوا الانصياع لأوامر القيادة.
وفي إطار خطته التكتيكية لاستفزاز الجنوبيين واصل البركاني زياراته لمحافظات جنوب اليمن، حيث وصل أمس إلى المهرة، الأمر الذي استدعى المجلس الانتقالي بمحافظة المهرة لرفض ما أسماه بـ "سياسة التجويع والتركيع التي تهدف إلى تزوير الإرادة الشعبية"، بالمقابل قام بحشد أنصاره اليوم، الأحد، في مظاهرة سلمية رفضا للزيارة.
ورأى المحلل السياسي سعيد باسبعين لـ"سوث24" أنّ زيارة البركاني إلى حضرموت والمهرة " لا تحقق أي شيء إيجابي في الساحة السياسية، غير بعض المكاسب ضعيفة التأثير التي يُنظر لها من زاوية تواجد صناع القرار في المناطق التي يسيطرون عليها، وبعض الحسابات التي لا ترتقي لحجم المشكلة التي يعيشها النظام السياسي"
وقال باسبعين: "وفقاً لاتفاق الرياض فإن المجلس الانتقالي أصبح جزء من الحكومة، أي أنه أصبح جزء من السلطة التنفيذية"، وأضاف أنه "إذا كانت لدى المجلس الانتقالي أي إشكاليات مع نواب معينين، فبالإمكان أن تكون مطالبتهم بإجراء انتخابات نيابية لإعادة هيكلة مجلس النواب، بالرغم أن حدوث انتخابات برلمانية أمرًا صعباً في الوقت الحالي مع وجود مناطق غير محررة، ودولة غير محددة الشكل والرؤية والمسار".
غير أن مجلس النواب اليمني الذي فقد شرعيته في شمال اليمن، بعد أن أصدرت جماعة الحوثي في صنعاء الإعلان الدستوري، الذي بموجبه تم حل البرلمان، وشكّلت ما أسمته "المجلس السياسي" الذي يتولى إدارة البلاد، مطلع فبراير 2015، [4] كان قد فقد شرعيته أيضًا في جنوب اليمن نتيجة الرفض الشعبي، باعتبار أن نوابه لا يمثلون الجنوبيين.
ومثلما شهدت الأزمة اليمنية ترحيلاً لأتون الصراع في حقب مختلفة، كانت ولاية مجلس النواب تمدد في كل أزمة، فبعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أبريل 2003، كان من المفترض أن تنتهي مدة البرلمان في فبراير 2009، غير أن اتفاقًا أبرم بين الأحزاب السياسية في ذلك الوقت قضى بتمديد ولاية البرلمان عامين إضافيين حتى 2011، إلا أنه في العام الأخير لولاية البرلمان اندلعت الانتفاضة الشعبية في شمال اليمن، التي أسقطت نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وانتهت بتسوية سياسية وفترة انتقالية لمدة عامين بموجب المبادرة الخليجية مددت ولاية البرلمان حتى عام 2013، [5] لكنّ التحولات الاستراتيجية في المشهد السياسي اليمني في ذلك الوقت حالت دون إجراء انتخابات برلمانية جديدة، الأمر الذي انتهى بحل البرلمان من قبل جماعة الحوثي، التي تملك سلطة الأمر الواقع في شمال اليمن.
ومنذ حل البرلمان عام 2015 تشتت معظم نوابه هربًا من جماعة الحوثي، وفقد مجلس النواب اليمني تأثيره طوال فترة الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات، حتى أبريل 2019 عندما احتضنت مدينة سيئون الجلسة الأولى للبرلمان بعد الحرب، والتي كانت تهدف بالأساس إلى انتخاب رئاسة جديدة للمجلس، تم فيها اختيار القيادي في حزب المؤتمر سلطان البركاني رئيسًا لمجلس النواب، والقيادي في حزب الإصلاح محسن باصرة نائبًا له، إلا أنّ هذه الجلسة الوحيدة واليتيمة لم تعقبها جلسات أخرى طيلة العامين الماضية، ولم يقم مجلس النواب "المنتهية ولايته" بأي دور فعال في توجيه الحكومة اليمنية للخروج من الأزمات المتلاحقة في أماكن سيطرتها.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- محافظ حضرموت إلى جانب سلطان البركاني يضعان إكليلا من الزهور على قبر الجندي المجهول بالمكلا، الجمعة، 30 يوليو 2021 (إعلام محلي)