12-08-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
بعد مرور 6 سنوات من الحرب الأهلية الضارية، تبدو صناعة النفط والغاز في اليمن في مفترق طرق، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكية التوسط لإبرام اتفاق سلام شديد الأهمية لإحياء هذا القطاع المتهالك.
لم تكن اليمن قط بين كبار منتجي النفط، لا سيما عند مقارنتها بجيرانها العرب والفرس، ولكن في أوائل الألفية الثالثة، كانت تضخ أكثر من 400 ألف برميل يوميا، مما كان يجلب إيرادات ضرورية جدا للدولة صاحبة الاقتصاد الأكثر فقرا في المنطقة. بيد أنه منذ أوائل 2015، تراجع الإنتاج إلى أقل من 100000 برميل يوميا، بمتوسط 57000 برميل يوميا هذا العام وفقا لتقديرات شركة"إس & بي جلوبال بلاتس أناليتيكس".
ويشهد البلد المحطم اشتداد وطأة القتال بين قوات التحالف العربي والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في كل من مأرب الغنية بالنفط والغاز، والتي تُعد آخر معاقل الحكومة في شمال اليمن، ومحافظة البيضاء إلى الجنوب. وتسبب العنف في أزمة إنسانية مدمرة دفعت العديد من شركات النفط الدولية إلى الهروب. أما الشركات التي آثرت البقاء فتشهد إنهاكًا متزايدا لعملياتها بسبب تداعيات جائحة كورونا في ظل النقص الحاد للموارد الطبية في اليمن.
وشهد يوليو الماضي موجة من الاجتماعات الدبلوماسية بدأتها الولايات المتحدة وشملت السعودية واليمن ومسؤولين يمنيين بهدف إنهاء الحرب مع الحوثيين مما قد يمثل خطوة إيجابية لخلق الاستقرار، لكن الوصول إلى سلام مستدام ما يزال يبدو بعيد المنال.
من جانبها، قالت نيام ماكبيرني، رئيسة الفريق البحثي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمجموعة استشارات المخاطر "فريسك مابلكروفت" أنّ "التواصل الأمريكي يوضح التزام إدارة بايدن بالارتباط بهذه الحرب الأهلية، لكن إذا ما كان هذا الارتباط سوف يجعل الصراع أقل جمودا وتدميرا أو يسطر نهايته فتلك مسألة أخرى تمامًا".
بعد وقت قصير من تولي إدارة بايدن سدة الحكم، تم إزالة الحوثيين من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، كما قامت بمطالبة علنية للمملكة السعودية، التي تقود قوات التحالف العربي، بوضع نهاية لهذه الحرب.
بالرغم من هذه الخطوات، كثف الحوثيون هجماتهم على مدينة مأرب، التي تمثل بوابة الحقول النفطية في شبوة، وزادوا كذلك وتيرة هجماتهم الصاروخية التي تستهدف المملكة السعودية.
القتال في مأرب
وفي بيان أصدرته في 27 يوليو، نوهت الخارجية الأمريكية إلى "التداعيات المتزايدة" للقتال في مأرب، وأعلنت عن خطتها لإرسال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج إلى المملكة السعودية.
ويبلغ احتياطي الهيدروكربونات في اليمن، الدولة التي تقع في الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، نحو 3 مليارات برميل من النفط الخام و17 تريليون قدم مكعبة من الغاز وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ويمثل الزيت الخام الحلو "ماسيلا" منتج التصدير الرئيسي لقطاع النفط في اليمن، بمكوناته الخفيفة، حيث تبلغ نسبة الكبريت به 0.51%، بينما يصل مقياس الكثافة النوعية لديه إلى 34.10. وعلاوة على ذلك، تقوم اليمن بتصدير الزيت الخام الحلو الأقل كثافة "مأرب" ولكن بأحجام أقل.
وشهدت الفترات الأخيرة انحدارا شديدا في حجم الصادرات النفطية اليمنية أعلاها 88 ألف برميل يوميا في فبراير 2021، بينما لم تتجاوز متوسط 15000 برميل يوميا في الشهور الأخرى وفقا لبيانات شركة التحليل (Kpler).
وتعد الصين المستورد الأكبر للنفط الخام اليمني، كما تضم قائمة الدول التي تشتري بعض شحنات النفط من من الدولة الآسيوية من حين لآخر كلا من أستراليا وتايلاند وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة.
وفي ظل نقص إمكانات التكرير، تعتمد اليمن على واردات المنتجات النفطية المكررة من الإمارات والمملكة السعودية وروسيا والعراق من أجل تلبية احتياجاتها من الجازولين والديزل.
وفي حال عدم حدوث تصاعد للعنف، تتوقع "بلاتس أناليتيكس" نمو إنتاج النفط اليمني بشكل طفيف إلى 65000 برميل يوميا عام 2022.
ومع ذلك، "إذا لم يتحقق نمو ملحوظ واستمرت وطأة الصراع على نحو يمثل تحديا للبيئة الاستثمارية، قد يدفع ذلك الشركات الأجنبية في اليمن إلى دراسة البحث عن بدائل"، وفقا لبول شيلدون، كبير المستشارين الجيوسياسيين لدى "بلاتس أناليتيكس".
وقالت "أو إم في"، التي يقع مقرها في فيينا، والتي تعد الشركة الدولية الكبيرة الوحيدة التي ما تزال تعمل في اليمن، إن إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي المسال في الدولة الآسيوية انخفض بنسبة 28% عام 2010 جراء تداعيات كوفيد-19 التي عمقت تأثير الفوضى الناجمة من الحرب. وامتنعت الشركة عن الإدلاء بمزيد من التعليقات جراء الوضع السياسي الدقيق في هذا البلد.
علاوة على ذلك، فإن مشروع الغاز الطبيعي المسال في اليمن، والذي تملك فيه شركة "توتال إنرجيز"TotalEnergies حصة تبلغ نسبتها 39.62%، توقف عن الإنتاج التجاري والصادرات عام 2015. وتم وضع الحقل، الذي تبلغ سعته 6.7 مليون متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي المسال في "وضع الحماية" وفقا للشركة المذكورة التي امتنعت كذلك عن التعليق بشأن خططها المستقبلية في اليمن.
في عام 2019، كانت "كالفالي" الكندية، المنوطة بتشغيل المربع 9 في حوض المسيلة، هي الشركة الأجنبية الثانية التي تبدأ إعادة إنتاج عملياتها في اليمن بعد الإغلاق عام 2015. يذكر أن شركة "ميدكو إنرجي" الإندونيسية شريكة بنسبة 25% في المشروع المشترك بالمربع 9.
وبالمقابل، عجزت شركة "بتسيك إنرجي"، التي يقع مقرها في سيدني، عن إعادة الإنتاج في المربع S-1 في شبوة، كما كان مخططا في 2019-2020، بسبب المماطلة في الحصول على الموافقات الحكومية لاستئناف عملياتها واستخدام خط أنابيب للتصدير وفقا لتصريحات تيرينس فيرن، الرئيس التنفيذي للشركة الذي أضاف: "لو كنا حصلنا على هذه الموافقة، لزاد الإنتاج إلى 10000 برميل يوميا في غضون 6 شهور".
ومضى يقول: "تحتاج الحكومة اليمنية إلى العمل بشكل تعاوني للحفاظ على تواجد الشركات الأجنبية وتشجيعها على الاستثمار في قطاع النفط والغاز باليمن، وإلا سيواصل الإنتاج انحداره".
وزير النفط الجديد عبد الله سالم باعبود، الذي تولى منصبه في مايو 2021، يتحمل مسؤولية جذب المزيد من الاستثمارات في القطاع، حيث أعلن أن هدفه يتمثل في إحياء صناعة النفط اليمنية.
بيد أن جهودنا في التواصل مع وزارة النفط اليمنية باءت بالفشل.
بدورها، قالت الاقتصادية كارول نخل، خبيرة الطاقة، ورئيسة شركة "كريستول إنرجي" للاستشارات: "ضخ أموال في دولة مثل اليمن اقتراح بعيد عن الجاذبية". واستدركت: "ولكن، بالنسبة للشركات التي استثمرت بالفعل مبالغ معتبرة هناك، ليس من المحتمل أن تنسحب ببساطة حيث يحدوها الأمل أن يسود السلام في مرحلة ما".
بيد أن أي نهاية للحرب لا تضمن عودة الشركات الدولية إلى اليمن، في ظل استمرار ارتفاع المخاطر الأمنية، والاستقرار السياسي ما يزال بعيد المنال، كما يقبع الكثير من السكان تحت وطأة الفقر والتشرد بسبب القتال.
واختتمت ماكبيرني قائلة: "ما يزال طريق تعافي اليمن طويلًا جدا".
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: "إس & بي جلوبال بلاتس أناليتيكس" العالمية (كلوديا كاربنتر)
- ترجمة ومعالجة: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: صهاريج تابعة لمصفاة النفط في مدينة عدن الساحلية، جنوب اليمن./ رويترز
قبل 3 أشهر