16-08-2021 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
منذ أسبوع كشفت صحيفة ديلي اكسبرس في المملكة المتحدة عن وصول قوات خاصة بريطانية إلى مطار الغيضة بمحافظة المهرة جنوب اليمن [1]. وفقا للصحيفة، يأتي ذلك في سياق "مطاردة الإرهابيين الذين يقفون وراء الهجوم بطائرة بدون طيار على ناقلة نفط في الخليج، أسفر عن مقتل حارس أمن بريطاني". حيث تذهب الرواية البريطانية إلى أنّ الهجوم انطلق من سواحل المهرة القريبة من عمان، في إشارة لمسؤولية الحوثيين وإيران في نفس الوقت. هذه الرواية كانت قد أكدتها، الأسبوع الماضي، تصريحات نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي، قبل أن ينفيها المتحدث الرسمي باسم البنتاجون.
طبيعة الدور البريطاني في المهرة، تضع له الجماعات الدينية اليمنية تفسيرات أخرى خارج سياق الأزمة اليمنية وطبيعة التدخل العسكري للتحالف العربي الذي تقوده السعودية وتدعمه كل من بريطانيا وأميركا، ما يفسّر مساعي جهات إقليمية لتحويل المنطقة الشرقية لجنوب اليمن إلى ساحة صراع جديدة.
الوجود العسكري البريطاني
مطلع القرن التاسع عشر بدأ الوجود العسكري البريطاني في جنوب الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي إلى أن قرر في النصف الثاني من القرن العشرين الانسحاب من المنطقة لدوافع سياسية واقتصادية، تشبه إلى حد كبير دوافع الانسحاب الأمريكي حاليا من نفس المنطقة. الا أنّ الانسحاب مما كان يعرف بسلطنات جنوب الجزيرة العربية كان مختلفا عن الانسحاب من شرقها في منطقة الخليج، حيث جاء الأول عنيفا بفعل ثورة مسلحة فكانت المتغيرات عنيفة ومتطرفة على الصعيد الوطني والسياسي. فيما جاء الانسحاب من منطقة الخليج تاليا وسلميا نتاج اتفاق سياسي بريطاني، خليجي لذلك ظلت المتغيرات سلمية وطفيفة، الأمر الذي أبقى على الصداقة البريطانية الخليجية قائمة مقابل العداوة الدائمة مع ايران، بدلالة خوض العراق الحرب مع إيران بالنيابة عن دول الخليج لمدة طويلة. لكن عقب الأحداث الاخيرة التي شهدتها المنطقة واندلاع الأزمة اليمنية مطلع العام 2015 إثر سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران على العاصمة صنعاء وشمال اليمن، تعاظم التهديد الإيراني أكثر وبالتالي برزت الحاجة للتواجد البريطاني في إطار دعم عمليات التحالف العربي في اليمن.
وفي مطلع العام 2020 أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن زيادة الإنفاق العسكري لجيشه بنسبة 10٪. من جانب آخر كشف الموقع البريطاني البارز "ديكاسفايد بريطانيا" عن امتلاك المملكة المتحدة شبكة واسعة من القواعد العسكرية في العالم. حيث ذكر الموقع المتخصص في نقد السياسة الخارجية امتلاك بريطانيا 15 موقعا في السعودية و16 موقعا في سلطنة عمان بعضها يديرها الجيش البريطاني مباشرة، إضافة إلى التواجد العسكري في قاعدة العديد بقطر وقاعدة المنهاد بالإمارات وقاعدة علي السالم بالكويت وقاعدة بحرية في البحرين [2]. ووفقا للموقع فإنّ التواجد العسكري البريطاني في سلطنة عمان هو الأكثر اتساعا في الخليج. حيث أنفقت المملكة المتحدة 23.8 مليون جنية إسترليني لتوسعة القاعدة البحرية السلطانية في الدقم بما يسمح لاستيعاب حاملات الطائرات البريطانية. وفي سياق دعم عمليات التحالف العربي في اليمن، كثفت القوات البريطانية من تواجدها قبالة خليج عدن وخليج عمان وفي مينائي نشطون وقشن بالمهرة، وذلك عقب تعرض سفن النقل البريطانية لهجومين منفصلين قبالة سواحل المكلا في مايو 2020 وقبالة سواحل المهرة في ديسمبر من نفس العام. لكن الهجوم على ناقلة النفط "ميرسر ستريت" الذي راح ضحيته مواطن بريطاني ربما استحق الكشف عن وصول فرقة خاصة مكونة من 40 جندي لمواجهة انشطة إيران ووكلائها في اليمن" الحوثيين".
هل ثمة تدخل دولي محتمل في الأزمة اليمنية؟
الإجراء البريطاني الأحادي الجانب لم يثر الجانب الأمريكي الذي طلب من الدول المتضررة من الهجوم على ناقلة النفط" ميرسر ستريت" بريطانيا وإسرائيل ورومانيا، ما أسماه بـ "رد جماعي متناسب" [3]، كذلك لم يصدر عن الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية في محافظة المهرة الواقعة تحت سيطرتهما، أو المجلس الانتقالي الجنوبي، أي تعليق بخصوص الخطوة البريطانية.
على صعيد الجماعات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا، برزت تصريحات ودعوات منددة بالتواجد البريطاني في المهرة من مستوى سياسي أدنى، حيث طلب المكتب التنفيذي لحزب الإصلاح اليمني بالمهرة من الحكومة والسلطة المحلية بالمحافظة تقديم توضيح شفاف حول ما أسماه "وجود قوات عسكرية أجنبية خارج إطار التحالف العربي التي دعت لتدخله قيادة الشرعية الدستورية في البلاد" [4]. بالمقابل انتهزت الجماعة الحوثية المناهضة لحكومة هادي، فرصة الكشف عن التواجد العسكري البريطاني، فذهبت تستثمره لتبرير آمالها في السيطرة على جنوب اليمن مقابل ماتصفه بالتواجد الأجنبي. قالت قناة المسيرة التابعة للجماعة اليمنية أنّ "أحزاب اللقاء المشترك تدين التواجد العسكري البريطاني خاصة والأجنبي عموما في محافظة المهرة اليمنية خاصة وغيرها من المحافظات [5]. كذلك غرد القيادي في الجماعة محمد البخيتي، قائلا "استقبال قوات الاحتلال السعودي للقوات البريطانية يؤكد أن السعودية مجرد أداة للغرب وأن المرتزقة مجردة أداة للأداة .."، ثم ختم التغريدة المرفقة بصورة فوتوغرافية لما قيل إنها لجنود من التحالف العربي يستقبلون القوات البريطانية بمطار الغيضة، مضيفا "وضحت الصورة وعلى الشعب اليمني أن يتوحد لطرد كل القوات الأجنبية" [6].
بالمقابل على الصعيد السياسي كثر الحديث مؤخرا عن إمكانية الإطاحة بشرعية الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي ونقل صلاحياته السياسية لنائب توافقي أو مجلس رئاسي، في ظل تصريحات مؤيدة وأخرى معارضة. قال وزير الخارجية اليمني الأسبق الدكتور ابوبكر القربي على صفحته بتويترأنّ "تعيين المبعوث الأممي الجديد يأتي بينما يتم بحث حل أزمة اليمن من خلال نقل السلطة إلى نائب رئيس توافقي أو بتشكيل مجلس رئاسة لذلك.." [7]. من جانب آخر حذّر رئيس مجلس الشورى اليمني الدكتور أحمد عبيد بن دغر من المساس بشرعية الرئيس هادي، وقال: "لاينبغي لنا القيام بما لم تقم به الانقلابات العسكرية"[8].
الجدير الإشارة له، أنّ بروز الجدل السياسي اليمني جاء بالتزامن مع تعيين مبعوث أممي جديد إلى اليمن، إضافة إلى دفع الولايات المتحدة باتجاه تسوية سياسية شاملة يكون فيها الحوثيين طرفا معترفا به إلى جانب الأطراف الفاعلة الأخرى. وفق مراقبين دوليين، فإنّ ذلك يتطلب إلغاء مرجعيات الحل السياسي للأزمة اليمنية وعلى رأسها القرار الأممي 2216. إذ يفترض للمبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرج البدء بمرحلة جديدة تجبّ ما قبلها تماما، لذلك تأخر قرار تعيين الدبلوماسي السويدي غروندبرج لمايزيد عن شهر، تم خلاله إسناد مهمة مواصلة الجهود لإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية، للتوافق السعودي العماني مؤخرا، بما يهيئ الظروف أمام المبعوث الأممي الجديد. الأمر الذي لم يحدث، فهناك مايشير إلى فشل الدولتين الخليجيتين في المهمة السياسية. بالمقابل يحمل الإجراء البريطاني في المهرة، إشارة إلى فشل التحالف العربي الذي تقوده السعودية على الصعيد العسكري والأمني وبالتالي هذا يعزز، إلى حدٍ ما، من فرضية التدخل الدولي في اليمن.
التنسيق السعودي البريطاني في المهرة: تنافس أم تقاطع مصالح
من منطلق الرغبة السعودية في الإطلال المباشر على بحر العرب والمحيط الهندي، هدفت المملكة من خلال توغلها العسكري في المهرة إلى تأمين صادراتها من النفط عبر المحافظة الجنوبية عوضاً عن منطقة الخليج ومضيق هرمز حيث تتزايد التوترات الأمنية مع إيران. لكن الضغط الدولي باتجاه إنهاء الحرب في اليمن والدفع بتسوية سياسية شاملة تلغي الدور السعودي في اليمن، كان مخيبا لآمال المملكة، لذلك جاء التوافق السعودي العماني في قمة نيوم كي تشق المملكة طريقها باتجاه ميناء الدقم العماني وبحر العرب والمحيط الهندي في صورة مشاريع استثمارية أطلقتها القمة، كمحاولة للتعويض وحض السعودية على الدفع باتجاه حل سياسي للأزمة اليمنية. لكن حتى هذه اللحظة لا توجد مؤشرات عملية، على التقارب الاقتصادي بين المملكة وعمان، في ظل التواجد البريطاني الكبير في عمان وخصوصا ميناء الدقم. لذلك، ربما قد تُظهر السعودية استجابة متسارعة للحل السياسي في اليمن، بما يعزز سردية الإطاحة المستعجلة بـ "شرعية" الرئيس هادي، حيث ترى المملكة أنه لم يعد هناك طائل من الأخيرة. لذلك اتخذت السعودية قرار ترحيل المغتربين اليمنيين من مناطق جنوب المملكة، بما يشكل عبئا إضافيا على الأزمة اليمنية.
بدت هذه النقطة محورية في سعي وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني أحمد عوض بن مبارك للقاء نظيره السعودي فيصل بن فرحان، حيث اتضح اختلاف الجانبين من خلال اختلاف البيانات السياسية، وفق مراقبين.
في شهر مارس آذار الماضي، لم يستبعد رئيس الوزرا البريطاني بوريس جونسون، نشر قوات في اليمن، في إطار مهمة مستقبلية للأمم المتحدة. إلا أنه شدد على أنّ "ظروف اليمن يجب أن تكون مختلفة تماماً عما هي عليه الآن حتى نتمكّن من المضي قدماً في النزول على الأرض." [9]
ولأنّ بريطانيا تحافظ على تواجدها في منطقة خليج عدن والخليج العربي بصمت منذ سنوات، يرى البعض أنّ من شأنّ وصول قوات إضافية إلى جنوب اليمن، أن يعزز مفهوم انتقال الأزمة اليمنية إلى مربع التدخل الدولي المباشر، لكن آخرين لا يستبعدون فرضية أن تكون الخطوة، لحفظ ماء الوجه، عقب مقتل بريطاني في هجوم الناقلة قبالة ساحل عمان، أرادت من خلالها بريطانيا إرسال رسالة لإيران، وفقا لصحيفة ديلي إكسبرس. كما أنّ الخطوة لا تمثّل مواجهة عسكرية ضد إيران، خصوصا وأنّ وسائل إعلام إيرانية أشارت إلى أنّ لندن بعثت برسالة إلى طهران، أكّدت فيها "أنها لا تعتزم القيام بعمل عسكري ضدها." [10]
لمّح خبير سعودي بارز مقرّب من حكومة المملكة، إلى إمكانية انسحاب التحالف الذي تقوده بلاده من اليمن، ضمن عدة سيناريوهات، لكنه اعترف بأنّ ذلك سيعني تدخل دول عديدة في الشأن اليمني وسوء الوضع الإنساني وتهديد الممرات المائية والمضائق، وفقا لما نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية عن عبد العزيز الصقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، مطلع هذا الشهر. [11]وللحيلولة دون ذلك، رأى الصقر، خلافا للآمال البريطانية، أنّ "الصين يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في الشأن اليمني بحكم علاقتها الجيدة مع إيران، واعترافها بالحكومة الشرعية اليمنية".
ويخشى مراقبون من تحويل مناطق جديدة من اليمن إلى بؤر صراع دولي ونفوذ إقليمي، يزيد من تفاقم المعاناة الإنسانية للأهالي، ويضاعف من حجم الكارثة الاقتصادية التي يعيشها المواطنون في الجنوب والشمال.
بدر قاسم محمد
باحث في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: أفراد سعوديون يستقبلون قوات بريطانية، أرشيف (إعلام خليجي)