20-08-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| المحرر السياسي
انطلقت فعاليات الحراك الجنوبي السلمي في العام 2007 بالاستناد الى ميثاق شرف أخلاقي صاغته الإرادة الشعبية تحت عنوان "التصالح والتسامح"؛ لكن هذا النزوع الشعبي الى التوحد لم يقابل بحراك سياسي مماثل على مستوى النخبة القيادية الممثلة حينها لمطالب القضية الجنوبية.
منذ 2008 بدأت ضغوط الشارع الجنوبي على النخبة تؤتي أكلها، وتُرجمت دعوات الحوار عمليا عبر سلسلة من الفعاليات السياسية التي أرادت توحيد فصائل وقيادات الحركة الجنوبية. ورغم أن أهداف الحوار الجنوبي لم تتحقق بشكل كامل حتى الآن، إلا أنّ الدعوة إليه ظلت بمثابة تقليد سياسي راسخ استمر على مدار عقد كامل، لكنه افتقر أيضا الى عنصري التراكم والفعالية.
وقد اتسمت جميع الفعاليات الحوارية الجنوبية بثلاث خصائص مشتركة – مثّلت في الوقت نفسه نقاط ضعفها البنيوية - وهي:
• الانعقاد الموسمي وغياب الاستدامة، وكان المحفّز الأساسي لتحرك النخب الجنوبية هو الاقتراب من موعد الاستحقاق السياسي؛ سواء المتعلق بشراكة بعض القوى في السلطة او الاشتراك في حوار سياسي أشمل يتناول الأزمة اليمنية.
• اكتفاء النخب المتحاورة بالتوافق حول الشعارات الكبرى، وتحوّل اللقاءات المتكررة في الداخل والخارج الى منصة للمزايدة الثورية مع بقاء الخلافات السياسية – بما فيها الشخصية- على حالها.
• بقاء الحوار عند طابعه السياسي النخبوي، دون استيعاب الفعاليات الاجتماعية الصاعدة أو مناقشة العديد من القضايا المستجدة داخل المجتمع الجنوبي.
واليوم يتحتم على المجلس الانتقالي الجنوبي تجاوز نقاط الضعف السابقة في حال أرادت قيادته إنجاح مساعيها المتكررة للحوار، ويمكن العمل على تحقيق ذلك من خلال الآتي:
• المأسسة والاستدامة: وقد كان قرار المجلس الانتقالي موفقا في إنشاء لجنة خاصة لمهام الحوار الجنوبي ضمت شخصيات معتدلة ذات قدرات حوارية عالية، لكن أنشطة هذه اللجنة لا يجب أن تقتصر على موعد التحركات الأممية لبدء مفاوضات سياسية شاملة. كما أنّ على المجلس الانتقالي أن يتخلى عن رغبة التوحيد الشامل والتمثيل الحصري، وأن يتبنى صيغة تحالفية واسعة تكون بمثابة "تحالف مشترك جنوبي".
•الانتقال من الشعاراتية الى البرامجية، ولا يكفي للقوى السياسية المتحاورة أن تتفق على مطلب استقلال الجنوب أو تنشغل بمناقشة البنود المستقبلية لدستور الدولة، قبل أن يتم التحاور للخروج ببرنامج عمل تشاركي يتسم بالمرحلية والواقعية، ويتناول ثلاث مواضيع أساسية:
1- توحيد الموقف التفاوضي العام للقوى الممثلة عن القضية الجنوبية في أي حوار أممي قادم. كما يجب التوافق على الخيار الأمثل الذي يحفظ للجنوب وحدته ويقود لتحقيق تطلعات شعبه ويضمن حقه في تقرير المصير. وأيضا توحيد التصورات الجنوبية عن الطريقة المثلى لترتيبات المرحلة الانتقالية وكيفية تعزيز جهود السلام.
2- ترتيب إجراءات توافقية لإدارة الشأن العام في المناطق التي يهيمن فيها المجلس الانتقالي، وتعزيز إجراءات الحوكمة المالية والإدارية والعسكرية. وبناء مقاربة موحدة عن كيفية إدارة الصراع مع الخصوم المشتركين، وعن كيفية إدارة الشراكة السياسية داخل "الحكومة الشرعية".
3- ترتيب الملعب السياسي الجنوبي بما يتيح لكافة القوى والفصائل الوطنية، في الجنوب، العمل بشكل (تنافسي /تعاوني) بعيدا عن الصدامات الأمنية والسياسية.
• تقسيم تحركات الحوار إلى ثلاث مراحل متعاقبة، تستهدف كل مرحلة بناء توافقات برامجية مع فئة سياسية بعينها:
1- المرحلة الأولى: الفواعل المطالبة باستقلال الجنوب، وهو ما يتم الاشتغال عليه بشكل أولي في القاهرة.
2- المرحلة الثانية: الفواعل المطالبة باستقلال الجنوب تحت إطار مشروع "الدولة اليمنية الاتحادية"، والوصول الى هذه النقطة يقتضي فتح قنوات تواصل أشمل مع كافة مكونات "الشرعية" الجنوبية.
3-المرحلة الثالثة: الفواعل الاجتماعية الفئوية، والتي تريد المزيد من الشراكة في السلطة والثروة دون أن يكون لها موقف مبدأي من الوحدة أو الاستقلال.
• تعدد مسارات الحوار؛ وإلى جانب التحركات السياسية، يستحسن إطلاق مسارين مستقلين للحوار يعملان بشكل متزامن ويعززان من دور المسار السياسي:
1- الحوار المجتمعي، ويضم منضمات المجتمع المدني والأهلي، ويتناول قضايا المواطنة والحفاظ على اللحمة الاجتماعية وكيفية مواجهة النزعات الانقسامية وتطبيع الأوضاع المتوترة من جراء الاستقطاب السياسي الحاد.
2- الحوار الفكري، والذي يضم نخبة من المثقفين وصناع الرأي وصانعي السياسات، ومهمته ترشيد الخطاب الشعبوي ودراسة المشاكل القديمة والمستجدة بشكل هادئ وعميق، وبناء إطار نظري مفاهيمي مرجعي حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، وطرح مقاربات تاريخية ومستقبلية تتسم بالموضوعية والعلمية.
ويجب أن يتسم هذان المساران بحد أعلى من الاستقلالية والاستدامة، ويكونا بعيدين عن ضغوط اللحظة السياسية وعن متطلبات الصراع الآنية. ويمكن للمجلس الانتقالي أن يلعب دورا تيسيرا فيهما بما يعزز من الصالح العام دون ممارسة أي دور توجيهي.
في المحصلة يُمكن القول أنّ إنجاح أي حوار يتطلب تحويله من مجرد دعوة ظرفية إلى قيمة أخلاقية وإلى آليات عمل فاعلة يمكن للمجتمع أن يلجأ إليها بدلا عن العنف، وهذا الأمر ينضوي على مسار طويل وتراكمي لا يقل وعورة عن مسار الثورة السلمية أو الكفاح المسلح. ولعله من غير المناسب رفع سقف التوقعات السياسية لمخرجات حوار القاهرة لأن ذلك يصعب كثيراً من مهامه، والأنسب تقديم خطاب نقدي مسؤول يحاول البناء على هذه الخطوة ويساعد في رسم خارطة طريق تسهل على المعنيين استكمال بقية الخطوات.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: أطفال يحملون علم دولة جنوب اليمن السابقة، خلال فعالية بعدن، 2016 (أحمد شهاب)