23-08-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
بعد مرور ما يقارب سبع سنوات على اندلاع الحرب في اليمن، وبعد الجهود غير المسبوقة للسلام التي أعيد تنشيطها مطلع العام الجاري، عبر المبعوثين الأمريكي والأممي إلى اليمن، قبل أن يتم تغيير الأخير، وذلك لمساعي إنهاء ملف الحرب في اليمن، مازالت عملية المفاوضات المتعلقة بالسلام متعثرة. فالحوثيون على أبواب مدينة مأرب بعد أن سيطروا على عدد من مديريات المحافظة، التي تعد آخر معقل لحكومة هادي وجيشها الوطني، مقابل ثبات باقي الأطراف الأخرى في مواقعها على الأرض، كالمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة.
يبدو أنه من غير الواضح كيف سيتطور الوضع الحالي، خاصة وأنه لا توجد خطة أو رؤية واضحة للسلام حتى الآن، لقاء تعنت كل طرف عند موقفه. وهنا يتبادر سؤال؛ عمّا إذا كانت الأمم المتحدة ستبني عملية السلام وفق الإطار المحصور والمرتبط بقرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015، المتعلق بمفاوضات ثنائية بين طرفين فقط (الحكومة والحوثيين)، أم أنها ستصحح مسار عمليتها نحو فتح الباب لعملية أوسع وأشمل نطاقاً تستوعب باقي الأطراف في الحل النهائي. إذ إن الإصرار في التعامل على نفس المقاربة التي اتبعها المبعوثان الأمميان السابقان، سيثبت عدم فهم للحالة اليمنية التي تغيرت دينامياتها السياسية والعسكرية على الأرض، وهو الأمر الذي سيعيق بدوره الآلية الدبلوماسية التي تدخلت وفقها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، عندما تتمسك بقرار من الواضح أنه يشكل عقبة في تحقيق السلام.
مع قول ذلك، لم تكن عملية وجهود السلام الأممية والدولية وحدها متعثرة، فتطبيق تنفيذ بنود اتفاق الرياض مازال متعثراً أيضاً، رغم تشديد المجلس الانتقالي الجنوبي حد بياناته المعلنة، على الدفع لاستئناف عملية حوار جديدة بين الأطراف الموقعة على الاتفاق، غير أن هناك استرخاء ومماطلة من قبل حكومة هادي منها على سبيل المثال: تذرّع الحكومة بالجانب الأمني، رغم أن تأمين الحكومة وعودتها مرتبط بقيادة العمليات المشتركة للتحالف العربي، مع ذلك؛ فالمجلس الانتقالي أشار عبر متحدثه الرسمي علي الكثيري، أن لديهم الاستعداد لتوفير الحماية الكاملة للحكومة عند عودتها (1). بالإضافة لخلافات أخرى بين طرفي الاتفاق تتعلق بتشكيل وفد تفاوضي مشترك للتمثيل في أي عملية سلام قادمة.
حوار بيني
إن التعويل على عملية حوار جنوبي بيني في سبيل حسم المسائل العالقة للخروج برؤية موحدة تعبر عن مصالح الجنوبيين، يشكّل أهمية بالغة في الدفع نحو عملية سلام شاملة، وهو ما بدأ فعلياً العمل عليه بدعوة وجهها المجلس الانتقالي أواخر شهر يونيو؛ لمختلف الأطياف السياسية والاجتماعية في الجنوب؛ والذي يفترض أن تسير عمليته على عدة مراحل. هذه البادرة التي قدمها الانتقالي الجنوبي، قد تمثّل دوراً تكميلياً لجهود الأمم المتحدة في تسوية الأزمة اليمنية، عندما يتم فيها تعزيز الحوار بين الجنوبيين، قبل الانطلاق نحو حوار ومفاوضات أشمل في عملية السلام، أو التحرك بموازاتها على الاقل، وهو الأمر الذي يستوجب دعماً من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
وتتمثل رؤية الجنوبيين للسلام من خلال محددين رئيسيين:
المحدد الأول: عملية حوار بينية مبدئية؛ يمكن لها أن تشكل نقطة قوة للانطلاق نحو حل تتقارب فيه وجهات النظر بشأن مستقبل الجنوب، ويتم فيه استشفاف كل الآراء والمواقف الجنوبية، بيد أنّ نقطة التحدي التي يمكن أن تواجه الحوار؛ تكمن في تنوع الاتجاهات السياسية الجنوبية، هذه الاتجاهات تتلخص في الآتي:
• الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي برئيسه عيدروس الزبيدي، وعدد كبير من قوى الحراك الجنوبي، من بينها المجلس الأعلى للحراك الثوري الذي يتزعمه حسن باعوم، هذه القوى وإن اختلفت في الوسائل لكن هدفها واحد يتمثل في (الاستقلال) واستعادة دولة الجنوب إلى ما قبل حدود 1990، ويشكل هذا الاتجاه النسبة الأعلى في الجنوب، كما يحظى فيه الانتقالي الجنوبي على القاعدة الشعبية الأوسع على مستوى الداخل والخارج.
• الاتجاه الثاني: يمثل هذا الاتجاه التيار المعتدل والوسطي، الذي يعترف بمظلومية الجنوب بعد حرب 1994، إلا أنه لم يحدد موقفا واضحا من بقائه مع الوحدة أو عدم بقاءه، لكنه يرى أن المخرج الآمن لحل القضية الجنوبية هو (تقرير المصير) بعد فترة انتقالية لا تزيد عن خمس سنوات مع الشمال، ويمثل هذا التيار علي ناصر محمد وحيدر أبو بكر العطاس وآخرين، وإلى حد ما الحزب الاشتراكي اليمني.
• الاتجاه الثالث: وهو الاتجاه الذي يرى أن بقاءه ضمن دولة يمنية واحدة، بقيام دولة اتحادية وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، هو الأنسب. ويمثل هذا التيار عدد من القوى الجنوبية أبرزها تيار الائتلاف الوطني الجنوبي.
يمكن القول باختصار، أنّ الاتجاه الأول يشكل التأثير الأكبر في معادلة الحل للرؤية السياسية الأشمل بالنسبة للجنوبيين، وقد يتوافق معه التيار الثاني في بعض الأساسيات للوصول إلى رؤية حل موحدة يمكن البناء عليها في عملية الحوار الجنوبي البيني، أما الاتجاه الثالث، على الأرجح سيأخذ الكثير من الوقت للاتفاق مع باقي التيارات الجنوبية الأخرى للوصول إلى أرضية مشتركة للحل المناسب، رغم انخفاض نسبته مقارنة بالاتجاه الأول، والذي قد لا يشكل دوره ذات التأثير الذي يمكن أن يشكله الاتجاهين الأول والثاني مجتمعين.
المحدد الثاني: الوصول لحل أشمل يرى فيه الجنوبيون أن تحديد مستقبلهم ورؤيتهم للحل السياسي الأنسب لهم، هو من يحدد السلام المستدام في اليمن شماله وجنوبه، لأن البناء على حلول مؤقتة لن تؤدي أبداً للسلام، وهو بالتالي ما سيؤثر على أمن واستقرار المنطقة، خاصة إذا ما أخذ الصراع بُعداً آخر أكثر خطورة، حتى بعد التسوية السياسية التي قد لا تصمد كثيراً إذا لم تحسم جذرياً قضايا الصراع الرئيسية.
فرص نجاح نحو السلام
يمثل الحوار الجنوبي البيني تعزيزاً لكل الاستحقاقات السياسية والعسكرية، التي تم تحقيقها منذ 2015 حتى اللحظة، والذي يمكن على أساسه وضع خارطة طريق لحل مناسب لشكل الجنوب في المستقبل، وتحديد مسارات العمل بين مختلف الأطراف للوصول إلى مقاربات تحدد ملامح هذا الجنوب.
لكن، ثمة أمر آخر أكثر أهمية، يتعلق بالرفض من بعض الأطراف الجنوبية للدخول في الحوار، والذي يعد رفضاً غير منطقياً حسب مراقبين لأنه يشكل خطئاً استراتيجياً في الوقت الذي من المفترض أن تلتف حوله مختلف القوى وتعزّز من خطوات انطلاقه. إذ أن الرفض لكون الانتقالي الجنوبي هو من دعا إليه؛ لا يعني أن الانتقالي هو من يحتكر حقيقة الحل وحده، ولا يحتكر تحديد مستقبل الجنوب وحده حسب ما أعلن عن متحدثه الرسمي (2)، وكما يصرح دوماً رئيسه عيدروس الزبيدي: "بأن من لم يأتِ إلينا سنذهب إليه". بل إن الاستجابة لهكذا نوع من الحوارات؛ سيؤسس لمظلة توافقية واسعة تستصحب متغيرات المرحلة، ويمكن لها أن تحقق فرص نجاح عالية إن تم الاستجابة لها والدخول في إطارها.
علاوةً على ذلك، فالوحدة الوطنية الجنوبية ستشكل مصدر قوة في ظل تجاذبات وصراعات بين مختلف القوى اليمنية سياسياً وعسكرياً، خاصة في وقت تسعى فيه بعض القوى اليمنية التي تسيطر على القرار في حكومة هادي كحزب الإصلاح المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن؛ حسب تعليقات متواترة، تسعى بدفعها لبعض القوى الجنوبية للرفض؛ إلى إحداث فراغ تتسرب منه الفوضى السياسية وبالتالي الأمنية والعسكرية في محافظات الجنوب، وهو ما يهيئ بدوره لبيئة تنمو فيها الجماعات المتطرفة مثل تنظيمي القاعدة وداعش، كما يستمر فيها تعطيل الخدمات بغياب الحكومة، في مقابل توفيرها الخدمات في أماكن سيطرتها، لإثبات استقرار الأوضاع في تلك المناطق.
مع ذلك، ما تزال فرص نجاح الدعوة إلى الحوار والمضي في مراحل منه؛ عالية؛ وإن كانت بعض الأطراف لم تعلن تأييدها أو قبولها بالدعوة، إلا أن عدم رفضها لها مؤشر إيجابي يرجح أنها في طريقها للقبول حسب الاعتبارات التي تنتظر أن تتلقها بعد الدعوة العامة. كما أن الأطراف المحدودة التي أعلنت رفضاً سريعاً للدعوة، تعتقد أن بقائها في معارضة الانتقالي الجنوبي هو وسيلة لحضورها السياسي القائم على المناوئة، وإذا ما تبدلت الظروف السياسية التي تعتمد فيها هذه الأطراف على حضورها خاصة المتعلق بالدعم من قوى شمالية وإقليمية؛ أو راعت الأطراف التي تقف مع مشروع استعادة الدولة ترتيب وضع جديد في الإطار الجنوبي لهذه الأطراف فيتوقع أن توافق لاحقاً على الحوار.
لذا، بقدر ما تعكس تلك المساعي عرقلة لأي عملية حوار جنوبي نحو مسار السلام، فهي في الوقت ذاته؛ تشكل عامل قوة للطرف الذي دعا إليها، وهو ما يستوجب الاهتمام من المجتمع الإقليمي والدولي، لأنه يؤسس لعملية سلام أشمل وأوسع مع مختلف أطراف الأزمة اليمنية، إذ أن عملية سلام لا يكون الجنوبيون الذين يحملون مشروع قضية الجنوب جزءاً منها، لن تفضي إلى حلول مستدامة، بل يمكن أن تنتج دورات جديدة من الصراع على مستوى اليمن.
زميلة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في الشؤون السياسية
- الصورة: جيتي