22-08-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | قسم التحليلات
نشأت سردية التأكيد على الشرعية اليمنية أو ما يسمى بالطرف الحكومي المعترف به دوليا إثر سيطرة الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء وفرار الرئيس الشرعي لليمن عبدربه منصور هادي خارج البلاد مطلع العام 2015. لذلك تتلخص الشرعية اليمنية في شخص الرئيس هادي، أولاً كسلطة مؤقتة لنقل اليمن من الدولة المركزية إلى الدولة الاتحادية، وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات ما يسمى بمؤتمر الحوار اليمني، وثانيا كسلطة شرعية مدعومة دوليا وفق القرار الأممي 2216 في أبريل 2015 مقابل عدم الاعتراف بالسيطرة الحوثية على البلاد أواخر العام 2014.
كل تلك المستندات القانونية التي تدعم شرعية الرئيس هادي يعبر عنها بما يعرف بـ "المرجعيات الثلاث" التي دائما ما تضعها حكومة الرئيس هادي كشرط لحل الأزمة اليمنية، وهي كذلك تشكّل نقاط قوة "الشرعية" اليمنية. لكن على صعيد الوقائع والأحداث على الأرض ليس هناك ما يدعم هذه السردية في ظل سيطرة الحوثيين على معظم الشمال والمجلس الانتقالي الجنوبي على معظم الجنوب، مقابل بقاء حكومة هادي خارج اليمن إلى جانب ضعف وهشاشة دورها في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية الإنسانية. كل ذلك دفع بعض الأطراف السياسية اليمنية إلى مناقشة خيار إزاحة الرئيس هادي. بالتزامن مع تعيين المبعوث الأممي الجديد والدعوة الدولية لتسوية سياسية شاملة تضم كل الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية، الأمر الذي يتطلب توسيع دائرة الاعتراف بهذه الأطراف وبالتالي سحب الغطاء الدولي عن شرعية الرئيس هادي.
شرعية الرئيس هادي.. الخلفيات والمآلات
في 21 فبراير 2012 تسلّم هادي رئاسة اليمن عن سابقه الرئيس علي عبد الله صالح في أعقاب الثورة الشبابية التي اندلعت مطلع العام 2011 انتهت برحيل الأخير. إذ ظل هادي نائبا لصالح بصلاحيات محدودة منذ أواخر العام 1994 إلى اللحظة التي أصبح فيها رئيسا. حيث كشفت مدة بقائه الطويلة كنائب، عن شخصيته غير المتطلبة سياسيا على نحو لا يثير القضايا وبالتالي لا يثير المخاوف. لذلك مرة أخرى لعبت الصدفة دورها في وصول هادي لرئاسة اليمن، بعد أن استجاب الرئيس صالح للاتفاق السياسي الذي يقضي بنقل سلطته للأخير وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وتوافق جميع الأحزاب اليمنية، إضافة إلى ذلك أجريت انتخابات رئاسية كان هادي مرشحها الوحيد كإجراء شكلي يمنحه المزيد من المشروعية والصلاحيات السياسية.
على الرغم من ذلك، ظلت أهمية الرئيس هادي تكمن في التلويح بفزاعة الفراغ السياسي ودخول البلد في دوامة صراع لانهاية لها. الأمر الذي انعكس في إقدامه على الاستقالة احتجاجا على "انقلاب" الحوثيين وسيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 [1]، حيث لم يستطع مجلس النواب البت في استقالة هادي حينها. لذلك برزت شخصية الأخير غير المتطلبة سياسيا إلى جانب الأخطار المترتبة على دخول الدولة اليمنية في حالة فراغ سياسي.
من هذا المنطلق تستمد شرعية الرئيس هادي أهميتها، إضافة إلى ذلك أكسبتها المخاوف الإقليمية والدولية من سيطرة الحوثيين على اليمن مزيدا من الأهمية، ما لبث أن عززها الإجماع العربي والدولي وصدور القرار 2216 الذي حددها بالطرف المعترف به دوليا.
بالمقابل تتمثل مكامن ضعف شرعية الرئيس هادي في اعتمادها المفرط على نقطة قوتها السالفة الذكر الأمر الذي انعكس في أدائها المتهاون الذي يعتقد بحاجة جميع الأطراف "المحلية والإقليمية والدولية" إليها، وبالتالي أظهر على الصعيد العسكري تراخياً في الدفاع عن شرعيتها السياسية، معتبرة ذلك من مهام الأطراف التي تُبدي قلقها إزاء سيطرة الحوثيين على اليمن، بالمقابل على الصعيد السياسي تقاعست حكومة الرئيس هادي عن القيام بمسؤولياتها تجاه الشعب اليمني في ظل انهيار الوضع الاقتصادي والإنساني مقابل ازدهار الفساد الإداري والمالي.
في بادئ الأمر، ساهم ضعف دينامية الرئيس هادي السياسية، بإخضاع شرعيته لما يمكن وصفه بالإدارة الجماعية، الأمر الذي انعكس في توسعة دائرة المستشارين على اختلاف مشاربهم السياسية، أثرت على القرارات السياسية والعسكرية لهادي، إلى جانب تدخلات الرعاية السعودية التي تحتضن هادي وحكومته وأخيرا الاعتماد المطلق على الدعم الدولي. لكن في نهاية الأمر يبدو أن هذه المؤسسة الرئاسية بدأ عقدها ينفرط بسبب اعتقادها الزائد بأهميتها واعتمادها المفرط على أن ينجز الآخرون واجباتها نيابة عنها. لذلك هناك مؤشرات على سعي بعض الأحزاب اليمنية لنقل سلطة الرئيس هادي لنائب توافقي أو مجلس رئاسي، بدأت تظهر بالتوازي مع توجهات سعودية شكلت ضغطا مضاعفا على حكومة هادي إلى جانب دفع المجتمع الدولي باتجاه تسوية سياسية شاملة.
القرار الأممي 2216
يؤكّد المجتمع الدولي على حاجة الأزمة اليمنية لتسوية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف الفاعلة. لكن ثمة عائق يكمن في مرجعيات الحل السياسي المضمنة في القرار الأممي 2216 يتجاوز الاعتراف بالأطراف المسيطرة على الأرض، الأمر الذي يتطلب إلغاء القرار 2216 لتهيئة الملعب السياسي أمام مشاركة هذه الأطراف، مما يعني بالضرورة إلغاء شرعية الرئيس هادي وبالتالي الانتقال الفعلي إلى التوافق السياسي على شكل الدولة وهويتها السياسية بين أطراف التسوية السياسية الشاملة. ذلك ربما يحدد مصير القرار الأممي لكنه لا يحدد مصير الدولة اليمنية، ففي حال حصول الجماعة الحوثية على الاعتراف قد يعزز مثل هذا الأمر حدوث سيناريو مماثل للسيناريو الأفغاني.
بالمقابل سبق وأشار الجانب الأمريكي إلى الاعتراف بالحوثيين، كما أبدى رغبته مؤخرا بعودة السفارة الأمريكية إلى صنعاء [2]، فيما تُسارع السعودية في إجراءات ترحيل اليمنيين وبالأخص العاملين في جنوب المملكة، في وقت لم تنجح حكومة الرئيس هادي في إقناع الجانب السعودي بالعدول عن قراراتها بخصوص كل المغتربين اليمنيين. يأتي هذا في ظل أنباء تتحدث عن ضغط أمريكي لعودة الحكومة اليمنية، المنبثقة عن اتفاق الرياض، إلى عدن بدون اشتراطات مسبقة [3] بينما يلوّح الحوثيون باستهداف القوات البريطانية المتواجدة في محافظة المهرة جنوب اليمن [4].
كل هذه المؤشرات تقترب نوعا ما من تكرار السيناريو الأفغاني في اليمن، وهي بالمحصلة تقود إلى وضع "الشرعية اليمنية" أمام مصير مجهول، خصوصا مع الاتهامات لها بعدم الالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض، وكذلك تعقيد عملية السلام إلى جانب الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران.
يعتقد الدبلوماسيون الغربيون بشكل متزايد أن أيًا من الجانبين [الحكومة والحوثيين]، "ليسوا جادين بشأن التسوية." ويبدو، وفقا لتحليل نشرته مؤسسة "الشؤون الخارجية" (فورين أفيرز) الأمريكية، أنّ "الطرفين يستخدمان خلافاتهما حول شروط صفقة محتملة كذريعة لتجنب المفاوضات تمامًا."
وفقا للتحليل، الذي كتبه المحللان المخضرمان في مجموعة الأزمات الدولية، مايكل حنا، وبيتر سالسيبري، "يرى الحوثيون في مأرب جائزة أكبر من حكومة موحّدة، ويخشى هادي وحلفاؤه من أنهم أضعف من أن يظلوا على قيد الحياة كجزء واحد من هذه الحكومة." ولذلك رأت فورين أفيرز بأنّ "توسيع المحادثات سيعكس الواقع اليمني الحالي، وبالتالي سيجعل التسوية السياسية أكثر استدامة." [5]
بدر قاسم محمد
باحث في الشؤون السياسية، مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
-الصورة: إعلام محلي