25-08-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
بعد ما يٌقرب من ست سنوات ونصف على اندلاع الحرب، أدّى الجمود في اليمن ووصول الأزمة إلى طريق مسدود إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، مع استمرار تدهور الوضع الأمني في البلاد. احتدم القتال من أجل مدينة مأرب، مما يُهدّد آلاف النازحين داخليًا، وتدفق إمدادات الوقود والكهرباء. يرسم فشل المحادثات التي استضافتها مسقط خلال الأشهر الثلاثة الماضية صورة قاتمة للأوضاع، حيث من المُقرر أن يصبح السويدي هانز جروندبيرج رابع مبعوث خاص للأمم المتحدة إلى اليمن. أخيرًا وليس آخرًا، تُهدّد التوترات المتجددة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بعرقلة جهود المملكة العربية السعودية لتحديد مسار يُسهّل خروجهم من الصراع.
بينما يشير معظم المراقبين إلى مفترق طرق جديد، بعضهم متفائل مع تقدم المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث، والبعض الآخر أكثر تشاؤمًا مع تفاقم الأزمة الإنسانية في جميع أنحاء اليمن ؛ ولكن ما يُمكننا بالتأكيد أن نشير إليه هو حالة من الجمود [1]، سواءً على طول جبهات القتال أو المسار السياسي. أدّى الوضع في مأرب - حيث يدعَي الطرفان إحراز تقدمات على طول الطريق الرئيسي، أو في صرواح - إلى جمود في المحادثات بين الحوثيين والسعودية. وقد سمح ذلك للحوثيين بتصعيد المعارك في جنوب غرب محافظة البيضاء، وصرف الانتباه الدولي عن مأرب. يواجه المبعوث الخاص الجديد بيئة أكثر تشتتًا منذ ستوكهولم في 2018. علاوة على ذلك، يمكننا أن نتوقع أن يمارس المجلس الانتقالي مزيدًا من الضغط على الأمم المتحدة من أجل حوار أكثر شمولاً مع انهيار اتفاق الرياض الموقّع في نوفمبر 2019.
القتال في مأرب
احتدم القتال في جميع أنحاء المحافظة. منذ مارس 2020، تمكن الحوثيون من السيطرة على المنطقة الغربية بأكملها، مدعين - اعتبارًا من أوائل مايو - أنّهم على بعُد 12 كيلو متر فقط من مركز المحافظة. خلال هذا الصيف، زعمت القوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي أنَّها دفعت الحوثيين للتراجع على طول الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدينة مأرب والغرب من سد مأرب باتجاه صرواح. أدّت الادعاءات المُتبادلة من قبل جميع الأطراف في الأشهر الأخيرة إلى حالة من الجمود جلبت بعض الراحة للمجتمع الدولي فيما يتعلق بسلامة مخيمات النازحين، ومزيدًا من القلق بشأن عدم إحراز تقدم على مسار السلام.
بينما قضى الحوثيون معظم عام 2020 في تعزيز سلطتهم في غرب الجوف وغرب مأرب، والمناطق العازلة على طول الحدود مع محافظات عمران وصعدة وصنعاء، لم يكن المجتمع الدولي منزعجًا للغاية من تقدمهم على الأرض، ولم تكن وكالات الأمم المتحدة قد دقت ناقوس الخطر حتى أوائل هذا العام بشأن وصول المساعدات الإنسانية والظروف في مخيمات النازحين حول سد مأرب وعلى طول الطريق الرئيسي المؤدي إلى المدينة.
حاول التحالف الذي تقوده السعودية حشد القبائل من مراد في جنوب مأرب لوقف تقدم الحوثيين من الجوف لكنه فشل، مما أدى إلى تعبئة القوات من الساحل الغربي إلى مأرب. فشلت القوات والإمدادات التي وصلت في كبح جماح الحوثيين ووقف تقدمهم، مما تسبب في خسائر كبيرة في كلا الجانبين. من أجل تغطية تقدمهم، وفي محاولة لإضعاف معنويات السكان المدنيين، شن الحوثيون سلسلة ضربات بطائرات مسيرة وصواريخ على أهداف داخل مدينة مأرب. وزعمت الجماعة أنها استهدفت منشآت عسكرية في وسط المدينة ومنازل قيادات عسكرية ومحافظ مأرب، سلطان العرادة. ومع ذلك، فشل عدد من الصواريخ في إصابة أهدافها، مما تسبب في مقتل المئات من المدنيين في جميع أنحاء المدينة.
اكتفى قادة الحوثيين بالإبلاغ عن الأهداف المقصودة، ولم يزعموا أبدًا أخطاء الاستهداف التي تُصيب المناطق المدنية. سلطت هذه الحوادث الضوء على تدهور قدرات الاستهداف من قبل الحوثيين، الأمر الذي ربما دفع الحوثيين إلى تقليل الاعتماد على الضربات الصاروخية لتغطية تقدمهم. يبدو أيضًا أن استخدام الطائرات بدون طيار قد انخفض في مأرب حيث حسنَت القوات الحكومية من قدرتها على إسقاطها.
في وقت مبكر من هذا الشهر، اقترح الحوثيون وقف إطلاق النار [2] لكنهم استمروا في إلقاء اللوم على القوات الموالية للحكومة لرفضها التفاوض. يهدف هذا النهج من قبل الحوثيين في المقام الأول إلى قلب الروايات الإعلامية التي لطالما حملتهم مسؤولية رفض شروط المملكة العربية السعودية والمحادثات الأمريكية في مسقط منذ أواخر مارس. ومنذ مبادرة السلام الأحادية السعودية التي أعلنت عنها الرياض في 22 مارس / آذار 2021، تواصل المبعوثان الخاصان للأمم المتحدة والولايات المتحدة مع المسؤولين الحوثيين، مثل محمد عبد السلام، في مسقط، لكن تم رفض جميع العروض، مع مطالبة الحوثيين برفع بكافة القيود على ميناء الحديدة ومطار صنعاء قبل أي تقدم في وقف إطلاق النار.
تحوّل نهج الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية هذا العام عن المفاوضات السابقة من خلال إشراك إيران بشكل مباشر. في السابق، واجهت إدارة أوباما مقاومة من المملكة العربية السعودية [وإسرائيل] فيما يتعلق بإدراج إيران بشكل مباشر، في حين أنَّ النهج العدائي الذي اتبعته إدارة ترامب كان بطبيعة الحال مُهمشًا للجمهورية الإسلامية. لكن الرئيس بايدن، وولي العهد حالياً محمد بن سلمان، استخدما المحادثات حول خطة العمل الشاملة المشتركة [3]، والمحادثات المباشرة بين السعودية وإيران [4]، للاستفادة من النفوذ الإيراني على الحوثيين في الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في مأرب، والتفاوض بشأن العودة إلى محادثات السلام الشاملة تحت رعاية الأمم المتحدة. وأنّه لمثير للاهتمام بما فيه الكفاية، فمهما كانت النفوذ الذي اعتقدت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أنَّهما يمكن أن تمارسه على إيران للضغط على الحوثيين، فقد تم تخفيفه منذ البداية، حيث يبدو أنَّ المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث استبق الولايات المتحدة والسعودية بزيارته إلى طهران في فبراير 2021 [5]. وبينما ادّعى مكتب جريفيث في البداية أنَّ الزيارة كانت مُخططة قبل الإعلان عن مبعوث بايدن الخاص [6]، يبدو أنّه لم يتم تنسيقها مع أعضاء مجلس الأمن أو الرئيس هادي أو المملكة العربية السعودية.
المشهد مع تعيين غروندبرج
أصبح دور المبعوث الخاص للأمم المتحدة مثيرًا للجدل بشكل متزايد مع استمرار الصراع. من جمال بن عمر [7] إلى إسماعيل ولد الشيخ أحمد [8] ومارتن غريفيث [9]، رأينا خيبة أمل اليمنيين بسبب الإخفاق في الحفاظ على محادثات سلام ناجحة بين الخصوم منذ عام 2012. المبعوث المعين حديثًا، هانز غروندبرغ [10] [الرجل الرئيسي السويدي السابق في منطقة الخليج] سيواجه يمنًا مختلفًا كثيرًا عن أسلافه الثلاثة. وقد أشار المسؤولون الحوثيون بالفعل إلى أنّهم سيرفضون الاجتماعات معه حتّى تتم معالجة قضية ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
يصل جروندبيرج في وقت أصبح فيه الحوثيون أكثر جرأة. استولت السلطات في صنعاء على أكثر من عشرين بالمائة من الأراضي منذ ديسمبر 2018، عندما استضافت السويد محادثات ستوكهولم [11]. تطور تحالف المصلحة بين الحوثيين وطهران إلى تحالف عسكري مُعترف به علنًا [12]، مع علاقات احتفالية رسمية أكثر [13] منذ وصول حسن إيرلو، سفير إيران في صنعاء، في أكتوبر 2020 [14]. في حين أنَّ جروندبرغ يعرف أطراف النزاع جيداً خلال عمله سفيراً للاتحاد الأوروبي في اليمن منذ عام 2019، سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان بإمكانه القيام بدور قيادي، مثل أسلافه، أو التوجه لدعم جهود الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في المحادثات مع الحوثيين وإيران.
حتى الآن، لم نر أي مؤشرات على نهج جروندبيرج المُحتمل منذ أن اختياره لخلافة مارتن غريفيث. عقد مسؤولون سعوديون اجتماعات مع وزير خارجية السويد [15] والسفير [16] في الأشهر الأخيرة، لكن ليس جروندبيرج. واجتمع الأخير بالحوثيين في عام 2020 [17]، وزار عدن في وقت مبكر من هذا العام [18]، وربما كان ذلك بمثابة لمحة من الأمل للجنوبيين المطالبين بمزيد من الاهتمام من المجتمع الدولي. على الرغم من أنَّ جروندبيرج قد التقى سابقًا عيدروس الزبيدي في الرياض، إلا أنه لم يلتق علنًا بأي من أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي أثناء وجوده في عدن. ولقد أجرى محادثات مباشرة مع رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي مشاط في صنعاء.
وفي حين أنَّ الغالبية قد يتوقعون أن يعالج جروندبيرج المأزق في مأرب على الفور، فإنَّه سيضطر إلى التعامل مع القضايا الأساسية التي تعيق الحوثيين وحكومة الرئيس هادي. طالب الحوثيون برفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي، بينما اتفقت السعودية [والرئيس هادي] على بدء محادثات حول آليات رفع القيود، ولكن فقط بعد العودة إلى تنفيذ مكونات اتفاقية ستوكهولم الثلاثة [19]. يزعم الكثيرون في حكومة هادي أن ستوكهولم أصبحت الآن غير ذات صلة، حيث فشل الحوثيون في تنفيذ أي من النقاط المتفق عليها في عام 2018، في حين استخدم الحوثيون الاتفاق لردع العمليات العسكرية حول مدينة الحديدة، والتي تقوم بها بعض العناصر الموالية للتحالف مرة أخرى من أجل الضغط على الحوثيين، وربما تشتيت حضور قواتهم على جبهات أخرى. سيتعين على مبعوث الأمم المتحدة الجديد أيضًا موازنة التوترات المتزايدة بين شركاء التحالف والانقسامات داخل حكومة هادي، وفي المقام الأول التوتر بين حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي.
انهيار وشيك لاتفاق الرياض
يتمثّل أحد التحديات الرئيسية للسيد هانز جروندبرج في تحديد نطاق ولايته، حيث أنَّ الوضع في اليمن يختلف كثيرًا حتى عما واجهه غريفيث في عام 2018. قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل القرار 2216 في عام 2015، لم تتكيف بعد مع الصراع الحالي المُجزأ، مما يمنع اتباع نهج شامل للتعامل مع القضية الجنوبية والصراع بين الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي.
لم يؤد فشل مارتن غريفيث في معالجة التوترات في الجنوب والانقسامات داخل التحالف منذ عام 2018، من بين العديد من القضايا الأخرى، إلى توسيع سيطرة الحوثيين على الأراضي فحسب، بل أدى أيضًا إلى تمكين الفصائل وسيطرة الميليشيات. علاوة على ذلك، يصل المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة وسط سلسلة من المحادثات الفاشلة التي استضافتها مسقط، وانهيار اتفاق الرياض [20]. ظلّت قضية الجنوب خارج النطاق الرئيسي لتفويض المبعوث، مما سمح للمملكة العربية السعودية بأخذ زمام المبادرة كوسيط بين المجلس الانتقالي وحكومة الرئيس هادي. بوساطة من السعودية، مع عدم وجود دور لمارتن غريفيث، فشل اتفاق الرياض خلال العامين الماضيين في إخماد التنافس بين الانتقالي وحزب الإصلاح الإسلامي. يُنظر إلى هذا التنافس على أنه خارج نطاق الصراع مع الحوثيين، لكنه بلا شك يلعب دورًا رئيسيًا في إطالة أمد النزاع المسلح من خلال السماح للحوثيين بمزايا عسكرية وسياسية حيث تتشقق القوات المتنافسة وتقاتل بعضها البعض.
ويواصل "المتمردون" الحوثيون الإصرار على أنَّ المحادثات المباشرة مع المملكة العربية السعودية يجب أن تسبق أي محادثات بين الفصائل اليمنية. وهذه قضية رئيسية يجب على المبعوث الجديد معالجتها منذ البداية لأنَّها تتحدى بشكل مباشر دور الأمم المتحدة على النحو المنصوص عليه في مبادرة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 2011، وعملية "الحوار الوطني" وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216. كذلك، فإنَّ دور إيران، الذي أضفت عليه زيارة غريفيث في فبراير / شباط الشرعية على موقف الحوثيين خلال المفاوضات، يقوّض بشكل مباشر دور مكتب مبعوث الأمم المتحدة. مرة أخرى، جروندبرج يجب أن يحدد دوره على أنَّه إما داعم للجهود الأمريكية والسعودية أو باعتباره الفاعل الرئيسي في الوساطة، ووضع إطار لهذه العملية بعناية من أجل تهميش أي مُفسدين محتملين. إذا لم يتمكن السويدي من إعادة إدراج مكتبه باعتباره الوسيط الرئيسي، فلن يقبل به أي طرف فاعل كطرف محايد له تأثير كافٍ لقيادة أي محادثات. لا ينبغي أن يُنظر إلى المأزق في مأرب في الوقت الحالي على أنه وقف محتمل لإطلاق النار أيضًا، فقد قام الحوثيون فقط بتحويل مسار اهتمامنا نحو جبهات القتال في جنوب البيضاء، مع تقوية أنفسهم لأي محادثات حول الوضع في مأرب واستخلاص أقصى الفوائد، مثل إعادة فتح مطار صنعاء الدولي ورفع جميع القيود المفروضة على ميناء الحديدة.
بينما يأمل الكثيرون في أن يتمكن المبعوث الجديد من عكس المسار بعد خروج جريفيث، لا توجد علامة واضحة على تغيير جدول الأعمال في أي وقت قريب. ميزة جروندبيرج هي حقيقة أنَّه كان قريبًا من الوضع في اليمن لأكثر من عامين. ولن تكون هناك مفاجآت بالنسبة له عندما يصل إلى مكتبه في عمان، الأردن أو عندما يبدأ زياراته إلى الرياض، وربما أبوظبي. في دوره الجديد، يجب عليه أيضًا إدارة العلاقات مع مجلس الأمن الدولي حيث يطالب الخبراء والوكالات الإنسانية بتغيير قرارات الأمم المتحدة والتحول عن نظام العقوبات من أجل تسهيل الاستجابة الإنسانية، لا سيّما في جميع أنحاء الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
عمل كخبير مجموعات مسلحة وخبير إقليمي في فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن بين أبريل / نيسان 2017 ومارس / آذار 2019. (الآراء الواردة في هذه المقالة، تعكس رأي المؤلف، ولا تمثّل بالضرورة السياسة التحريرية لمركز سوث24)
-صورة: هانز غروندبيرج، مبعوث اليمن الجديد (twitter)
قبل 3 أشهر