العواصف الرعدية، أداة موت أخرى تحصد الأرواح في اليمن

العواصف الرعدية، أداة موت أخرى تحصد الأرواح في اليمن

التقارير الخاصة

الخميس, 26-08-2021 الساعة 07:55 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| الضالع 

بينما  تسببت السيول الشهر الماضي في اكتساء المرتفعات باللون الأخضر، ضرب الشاب محمد حسن، 25 عاما، موعداً مع أصدقائه للقيام برحلة لزيارة موقع تاريخي في أعلى جرف صخري جبلي بمديرية جحاف التابعة لمحافظة الضالع على مسافة 115 كم من عدن بجنوب اليمن. واستيقظت المجموعة المؤلفة من 15 شخصًا مبكرًا، وقد تملكتهم سعادة غامرة، وأخذوا يواصلون الغناء والتقاط الصور على امتداد الطريق الوعر المؤدي إلى الموقع المذكور والذي استغرق الوصول إليه أكثر من 4 ساعات سيرًا على الأقدام.

وأخيرا، استطاع محمد ورفاقه الوصول إلى الموقع التاريخي حيث قضوا وقتا لطيفا في استكشاف المعبد التاريخي على جبل أيوب الذي كان يقطنه هذا النبي وفقا لاعتقاد السكان المحليين. وهو من نسل النبي إبراهيم وابن شقيق النبي يعقوب، والذي أرسله الله من أجل هداية هؤلاء الناس الذين كانوا يعيشون في الصحراء الواقعة في شمال فلسطين في عهد ما قبل الإسلام.

وفي منتصف اليوم، تناول محمد وأصدقاؤه الغداء، وجلسوا بالقرب من المعبد للاستمتاع بالمشهد المطل على كافة الأراضي المنخفضة بالمديرية. وبدأت السماء تمطر بغزارة، في ظل عدم وجود أي مأوى يحميهم باستثناء المعبد القديم، ولذلك توقفوا عن التقاط الصور ودلفوا إلى الداخل، ولكن فجأة ضربتهم عاصفة رعدية أودت بحياة محمد واثنين من رفقائه، بينما نُقل الآخرين إلى المستشفى.

قتلت العاصفة في الحال محمد حسن، الأب لطفلين، واثنين من أصدقائه، فيما لحقت إصابات بالغة الخطورة بخمسة آخرين، ولم يكن الأمر أفضل حالا بالنسبة للآخرين.

العواصف الرعدية، أداة موت أخرى تحصد الأرواح في اليمن
الصورة الأخيرة للمجموعة بجوار المعبد قبل دقائق من المأساة (الصورة: أحد الناجين) 

وفي تصريحات لـ "سوث 24"، يتذكر محمد صالح أحمد، أحد الناجين، تفاصيل الحادث: "لقد كان الأمر أشبه بالكابوس، لقد تحول يومنا إلى جحيم. شاهدتُ ضوءًا براقًا للغاية يصاحبه صوت انفجار هائل ضرب باب المعبد".

وأضاف: "لم أفقد وعيي، لكني شعرت بالاختناق، وفقد إحساسي بأطرافي السفلية لوهلة". 

ومضى يقول: "استطعت بعدها الخروج من المعبد، قبل أن أهرع بعد وهلة للدخول مجددا للبحث عن أصدقائي، وانتابني إحساس مدمر وأنا أشاهد البعض ينزف، وثلاثة منهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة".

"وحاولت الضغط على صدورهم(لعمل إنعاش رئوي لهم) لكن دون أي استجابة. وذهبت بعد دقائق لقرية مجاورة لطلب المساعدة وهرع السكان إلى المكان لتقديم يد العون" وفقا لرواية محمد صالح أحمد.

واستطرد: "لقد حاول السكان أيضا إجراء إنعاش رئوي للثلاثي لاعتقادهم أنهم ربما فقدوا الوعي ولكن دون جدوى. لقد رحلوا!".

وأجرى المنقذون، القادمون من القرية المجاورة، الإسعافات الأولية على المصابين، وتم إرسال صور الذين لقوا حتفهم عبر تطبيق "واتس آب" في سياق مناشدات للقرى المجاورة للمساعدة في نقل الضحايا والمصابين، لا سيما في ظل الوعورة الشديدة للطريق وعدم قدرة السيارات على الوصول إلى المكان.

وبعد ثلاث ساعات، وصل المصابون إلى المستشفى في الضالع لتلقي العلاج المناسب.

وتحدث الدكتور محمد الجحافي، القائم بأعمال مدير مستشفى النصر الحكومي بالضالع إلى "سوث 24": "لقد استقبلنا 5 مصابين، أحدهم كان يعانى من جروح بالغة في رأسه بعد أن تسببت العاصفة في تدمير أجزاء من سقف المعبد، وسقوطها على رأسه. لقد احتاج أكثر من 6 غرز جراحية، بينما كان الأربعة الآخرون يعانون من حروف وصدمات".

 وكان الحادث بمثابة صدمة هائلة لعائلات الضحايا والمنطقة بأسرها حيث قال معاذ الحاج، أحد أقارب اثنين من المتوفين في تصريحات لـ "سوث 24": "لقد شعرنا بالصدمة ونحن نرى صور جثامين أحبائنا تنتشر عبر واتس آب وفيسبوك"

العواصف الرعدية، أداة موت أخرى تحصد الأرواح في اليمن
جثامين الشباب الثلاثة الذي قتلتهم العاصفة الرعدية 

وأردف معاذ: "لم أكن قادرا على التصديق لأنهم كانوا قد ذهبوا للتو إلى النزهة سيرا على أقدامهم".

محمد حسن وأصدقاؤه ليسوا الضحايا الوحيدين الذين قتلتهم العواصف الرعدية في اليمن هذا العام، حيث شهدت حصيلة الموتى الناجمة عن ذلك صعودا مطرت هذا العالم في كل من جنوب وشمال اليمن. ففي يوليو الماضي، لقى شخصان حتفهما في محافظة إب جراء ذات السبب، وهو ذات المصير الذي لحق أب ونجله بالقرب من مزرعة بمحافظة حجة في شمال اليمن في الثاني من أغسطس 2021.

ويعزو خبراء الأرصاد هذا الصعود في حصيلة ضحايا العواصف الرعدية إلى نقص الوعي بين سكان البلد الذي دمرته الحرب.

"لا يأخذ الناس بعين الاعتبار البيانات الموجزة والتحذيرات المبكرة التي نصدرها يوميًا بشأن الظروف الجوية"، وفقا لما نقله "سوث 24" عن المهندس علي باتيسير، المسؤول بقطاع الأرصاد الجوية بهيئة الأرصاد والطيران المدني اليمنية.

وأوضح ذلك: "لقد تصاعدت الوفيات الناجمة من العواصف الرعدية لأن الناس لا تأخذ تعليماتنا مأخذ الجد، حيث يستخدم البعض هواتفهم الخلوية المؤلفة من أجهزة إلكترونية متصلة بالإنترنت وقت هطول الأمطار مما يضعهم في طائلة الخطر لأن هذه الأجهزة تجذب العواصف"

بيد أن كريس فاجاسكي، الخبير بالمجلس الوطني الأمريكي للسلامة من الصواعق، قال إن استخدام الهواتف الخلوية أو غيرها من الأجهزة الإلكترونية اللاسلكية أثناء الأمطار لا يجذب البرق.

وفسّر ذلك في تصريحات لـ "ساوث 24": "استخدام الهواتف الخلوية أو غيرها من الأجهزة الإلكترونية اللاسلكية لا يجذب البرق تجاه شخص، لكن أثناء العاصفة الرعدية، لا يجب استخدام أجهزة إلكترونية تتصل بالحائط، أو استخدام أي شيء يرتبط بالسباكة. إذ أن الصاعقة تستطيع التدفق عبر الأسلاك أو السباكة وتصيب الأشخاص".

 إذهب إلى الداخل عندما يزأر الرعد  

ووضع فاجاسكي عددا من النصائح للحماية من الصواعق قائلا: "من أجل الحفاظ على سلامتك من العواصف الرعدية، تحتاج للتواجد داخل مبنى به أسلاك إلكترونية أو نظام سباكة عبر الحوائط، أو أن تكون داخل سيارة ذات سقف معدني".

وزاد: "أذا ضربت صاعقة مبنى أو سيارة، فإن التيار الكهربائي يسري عبر هذه الأشياء وإلى الأرض بدلا من أن تضربك شخصيا. ولذلك بمجرد أن تسمع صوت الرعد، ينبغي أن تعلم أنك قريب بشكل كاف من العاصفة وأنك معرض لضربة صاعقة. بمجرد الاستماع إلى الوعد، ادلف داخل واحدة من هذه الأماكن الآمنة. وفي الولايات المتحدة نقول: "عندما يزأر الرعد، اذهب إلى الداخل".


علي محمود  
صحفي مستقل مقيم في عدن، يغطي الحرب في اليمن من خلال صحيفة "ذا ناشيونال" وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية 

الصورة: جبل الضالع، جنوب اليمن (إعلام محلي) 

جنوب اليمن الضالع عواصف رعدية