31-08-2021 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | قسم الترجمات
من الممكن اتباع نهج دولي نشط تجاه اليمن. إنّ الهيكل الحالي للنهوض بالسلام المتفاوض عليه يواجه تحديات من التطورات الدولية والمحلية على حد سواء. إن الطبيعة المطولة للصراع، وخطر تفاقمه، والتطورات السياسية المحلية على مدى العامين الماضيين، تتطلب إعادة تقويم عملية السلام، مستنيرة بالحقائق على أرض الواقع، والاحتياجات الملحة للسكان، والمطالبة بالأمن. وقد تكون أولويات التحالف المتطورة، والمشاركة الأمريكية المتجددة، وتعيين مبعوث خاص جديد للأمم المتحدة فرصة للمضي قدما في حل النزاعات. إن تحقيق المزيد من الوحدة بين الجهات الفاعلة في الجنوب سيكون عاملا أساسيا في نجاح المحادثات على المستوى الوطني، وهناك حاجة ماسة إليه لمنع المزيد من الانزلاق إلى العنف والتطرف والكارثة الإنسانية.
لقد اندلعت الحرب الأهلية اليمنية لأكثر من ست سنوات مع ما يترتب على ذلك من عواقب كارثية على الشعب اليمني. ويعاني عشرون مليون شخص من الجوع وسوء التغذية. ويصفها برنامج الأغذية العالمي بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وتزعم حكومة الجمهورية اليمنية بدعم من التحالف الذي تقوده السعودية حاليا سيطرتها على معظم الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، في حين يتم يتمركز المتمردون الحوثيون في معظم المرتفعات الشمالية، بما في ذلك العاصمة صنعاء. فيما الاحتمال الفوري للحد من القتال يبدو ضئيلا.
وقد بُذلت جهود ضخمة في السنوات الأخيرة لإيجاد حل تفاوضي. وعلى الرغم من الجهود الدؤوبة التي بذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة المنتهية ولايته، وكذلك العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، إلا أن ذلك لم يسفر إلا عن نتائج محدودة. وتتمثل إحدى المشاكل في أن هيكل المحادثات قد لا يكون مناسبا للحقائق المتطورة.
تستند عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة إلى حد كبير إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي خلق انقساما بين الحكومة والحوثيين ويبدو أنه عفى عليه الزمن على نحو متزايد. وقد أدى هذا التقسيم إلى توجيه العملية، لكنه في الواقع تجاهل عددا من الجهات الفاعلة العسكرية والسياسية المؤثرة الأخرى، لا سيما في المحافظات الجنوبية. لم يكن لأطراف النزاع الهامة سوى مشاركة محدودة في المفاوضات المباشرة على المستوى الوطني منذ عام 2016.
وكان الهدف من اتفاقية الرياض، الموقّعة في عام 2019 بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، معالجة هذا العجز من خلال السماح بدمج بعض الجهات السياسية الفاعلة الجنوبية على الساحة الوطنية. وكان المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على العاصمة المؤقتة عدن وأجزاء من المحافظات الجنوبية، نظيرا للحكومة في ذلك الاتفاق.
لكن تنفيذ الاتفاق واجه العديد من التحديات، لا سيما فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية، وتسليم المنشآت العسكرية الحيوية، وتعيين مسؤولين حكوميين مقبولين للطرفين. وقد أدى ذلك إلى تصاعد التوترات على الأرض بين الحكومة والقوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مما أدى إلى العنف. ومع انقسام خصومهم إلى هذا الحد، لا يملك الحوثيون حافزا كبيرا لمتابعة التوصل إلى حل تفاوضي.
ومع ذلك، لا تزال مبادئ اتفاق الرياض ذات صلة بمستقبل الحل في اليمن. وتمثل إحدى نتائجها الرئيسية في تكليف المجلس الانتقالي الجنوبي بالمشاركة في المفاوضات المستقبلية على المستوى الوطني مع الحوثيين، كجزء من الوفد الحكومي.
إنّ تحقيق قدر أعظم من الوحدة بين أصحاب النفوذ في الجنوب سوف يكون أمرا صعبا، ولكنه ليس مستحيلا. وسيتوقف التقدم على عملية تحظى بثقة الأطراف الفاعلة الرئيسية على السواء، وينظر إليها على أنها تستجيب للاحتياجات الفورية للسكان، وتحظى بدعم الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية.
إن التشرذم في الجنوب ليس أمرا حتميا؛ ولكنه مظهر من مظاهر الفشل في معالجة سلسلة من المظالم السياسية والاقتصادية والقانونية. ويعزو الكثيرون في المحافظات الجنوبية من البلاد هذه المشاكل إلى الطريقة التي تم بها إقرار الوحدة بين دولتي اليمن الشمالية والجنوبية السابقة. تعود بعض القضايا التي تولد الاستياء إلى زمن الدولة اليمنية الجنوبية المستقلة خلال السبعينيات والثمانينيات.
وقد تفاقمت هذه المظالم بسبب النزاع الحالي، لا سيما بسبب هجوم الحوثيين على عدن وبقية جنوب اليمن في عام 2015. ومما يزيد الطين بلة أنّ اليمنيين في الجنوب يشعرون بأن محنتهم قد تم تجاهلها في العمليات السياسية التي تم متابعتها في السنوات الأخيرة للتوسط في الصراع.
إنّ معالجة القضية الجنوبية قد وضعت دائما من قبل المجتمع الدولي على أنها مرهونة، بل ثانوية، بالحل السلمي للصراع المسلح بين الحكومة اليمنية والحوثيين. وسيكون من المفيد أكثر التعامل معها كجزء لا يتجزأ من إقامة سلام قابل للحياة وشامل ودائم في اليمن.
"من المفيد معالجة القضية الجنوبية والتعامل معها كجزء لا يتجزأ من إقامة سلام قابل للحياة وشامل ودائم في اليمن"
إن الاستمرار في تجاهل مخاوف اليمنيين الجنوبيين سيعقّد جهود السلام الجارية ويمكن أن يقوّضها، بدلا من المساهمة في التوصل إلى حل. كما أنّ الفشل في التصدي له يزيد من فرص نشوب المزيد من الصراع في الجنوب، مع كل العواقب التي ستترتب على ذلك، بما في ذلك الفرص المتاحة للجهات الفاعلة المتطرفة.
يُذكر أنّ المجلس هو المنظمة الرئيسية المقرر أن تنضم الى الوفد الرسمي في المحادثات على المستوى الوطني. لكن اليمنيين من مختلف المحافظات الجنوبية الثمانية يعربون عن درجات متفاوتة من الدعم لعدد من المنظمات السياسية الأخرى التي تسعى لتمثيلهم. وتغطّي هذه المنظمات مجموعة واسعة من المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتدافع عن مجموعة متنوعة من المصالح والدوائر الانتخابية، تتراوح بين الاهتمامات على مستوى المحافظات، والشواغل المحلية، والقبلية، والمستوى الوطني.
أدى انتشار الجهات الفاعلة السياسية والعسكرية في جميع أنحاء جنوب اليمن إلى زيادة التوترات على الأرض بين مختلف الجماعات، وكذلك مع الحكومة. وكثيرا ما تصاعدت التوترات إلى صراع مفتوح مع امتداد العنف إلى مناطق الاستقرار النسبي، مما أعاق الجهود الرامية إلى معالجة الحالة الإنسانية المزرية.
وفي ظل هذه الظروف، من غير المرجح أن ينجح إسناد دور الممثل الوحيد والرسمي لمصالح أو آراء الطائفة الواسعة من اليمنيين في المحافظات الجنوبية إلى أي كيان بمفرده. وستعتمد مصداقية حتى أقوى مجموعة جنوبية على أن ينظر إليها على أنها تستجيب لجدول أعمال أوسع نطاقا يحقق نتائج إيجابية لجميع الجنوبيين.
وعلى المستوى الوطني، تضم الحكومة الحالية وزراء من جميع الأحزاب الرئيسية عبر المناصفة بين الشمال والجنوب. لكن هذا لم يمنع التوترات أو الاضطرابات المدنية في المحافظات الجنوبية التي تنبع من تدهور الوضع الاقتصادي بسرعة ونقص الخدمات.
"حان الوقت الآن للحوار الشامل بين جهات الأطراف اليمنية الجنوبية الفاعلة"
لا يمكن للدولة ولا للجهات الفاعلة من غير الدول تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين اليمنيين. إنّ انهيار سبل العيش، وتزايد انعدام الأمن، واستمرار العسكرة، وغياب الأفق السياسي تولد شعورا عميقا باليأس.
وبما أنّ محادثات السلام على المستوى الوطني لا تزال بعيدة المنال، يجب أن يكون من الضروري نزع فتيل الوضع المتوتر بتزايد في جنوب اليمن ومنع اندلاع صراع في المستقبل. وقبل كل شيء، يحتاج اليمنيون الجنوبيون إلى أن يروا أن مخاوفهم تعالج. ولا يشعر معظمهم أن هذا هو الحال في المناقشات على الصعيد الوطني.
وقد حان الوقت الآن للحوار الشامل بين جهات الأطراف اليمنية الجنوبية الفاعلة. وقد جرت عمليات الحوار في الماضي، ولكنها لم تؤت ثمارها لأسباب متنوعة. وتشمل هذه الخطوات عدم وجود جدول أعمال محدد جيدا، ورأي سائد مفاده أنّ تفسيرات القرار 2216 لا توفّر مجالا كبيرا للمناورة للتأثير على محادثات السلام الوطنية، والافتقار إلى التنوع والشمولية، وعدم الثقة بين المشاركين، وعدم كفاية التسهيالت. كما أنّ الحوار سيستفيد من التيسير المهني.
فالجهات الفاعلة الجنوبية لديها خلافات سياسية بشأن المسائل الأساسية - بما في ذلك الترتيبات الدستورية في المستقبل. ولا بد من إجراء حوار يتسم بالاحترام وحسن الإدارة ليس فقط لتحديد نقاط الاختلاف هذه، بل أيضا للمصالح المشتركة. وما لم يحدث ذلك، فإنّ المشاركة المثمرة في المحادثات على المستوى الوطني تصبح أقل احتمالا.
ومن الأهمية بمكان أن يكسر الجنوبيون الحواجز وأن يلتفوا حول مجموعة من المبادئ المشتركة في إطار النقاط المرجعية للأمم المتحدة، فضلا عن الجهود الدولية والإقليمية الجارية. وستكون عملية الحوار الناجحة عملية تتجنب المزالق التي حدثت في الماضي، وتعترف بالدور السياسي الهام الذي تقوم به عدد من المنظمات الجنوبية والجهات الفاعلة الأخرى التي ظهرت أثناء الصراع الحالي.
وقد يفتح العمل مع القادة السياسيين الوطنيين ورؤساء المنظمات وزعماء القبائل لمعالجة المسائل الأمنية العاجلة والاحتياجات الملحة سبلا للحوار والتعاون فيما بينهم. ينبغي ألا يكون إشراك الجماعات النسائية والمجتمع المدني على أساس "الصواب"، بل على أساس التطبيق العملي: وهذا سيؤدي إلى مسارات وخطوات أكثر وضوحا للاستجابة للتحديات العديدة التي تواجه اليمنيين. وينبغي أن يصمم الحوار بطريقة تكفل مشاركة المرأة والجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي هي في وضع جيد للنهوض بصنع السلام على الصعيد المحلي.
ويمكن لعملية حوار في الجنوب تشارك فيها جميع الأطراف المعنية والجماعات، بالتنسيق الوثيق مع الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي، أن تُسهم بشكل ملموس في معالجة تعقيدات النزاع اليمني. ويمكن أن يعود بفوائد على الحوار على الصعيد الوطني وكذلك على الجنوب. وعلى النقيض من ذلك، فإن الفشل في التوصل إلى توافق أكبر في الآراء بين الجهات الفاعلة في الجنوب يزيد من احتمالات المزيد من القتال والتطرف والأزمة الإنسانية.
مايكل كيتينغ: المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام | ثانوس بيتوريس: المستشار الإقليمي للمعهد الأوروبي للسلام في اليمن
- نُشرت هذه المادة باللغة الإنجليزية في موقع: معهد الشرق الأوسط في واشنطن
- عالج هذه المادة للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات