08-09-2021 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
يبدو أنَّ التلفزيون التركي التابع للدولة لم يستقبل بعد الرسالة التي تشير إلى سعي أنقرة وأبوظبي لدفن الضغائن فيما بينهما، في إطار جهود عديدة تبذلها أنقرة للحد من التوترات في الشرق الأوسط ومنع خروجها عن نطاق السيطرة.
وتتأهب قناة "تي آر تي" التركية لعرض موسم ثان وجديد من مسلسل المنظمة (Teşkilat) ، الذي يحظى بدعم مزعوم من الاستخبارات التركية، حيث يُجسدها وهي تخوض حرباً سرية ضد خصم عربي يكاد يكون مكشوف الهوية (الإمارات العربية المتحدة).
المنظمة الخيالية المدعومة من الإمارات العربية يقودها زايد فادي، وهو شخصية مركبة، يشير اسمه الأول إلى ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والذي تصفه وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة بـ "أمير الظلام". أما "فادي" فيُمثل إشارة للقيادي الأمني الفلسطيني السابق المثير للجدل، محمد دحلان، والذي يقيم في أبوظبي، ويعمل مساعداً لبن زايد، ويرتبط بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويشتهر دحلان بكنيته "أبو فادي" نسبة إلى نجله الأكبر، ودائماً ما يتفاوض بالنيابة عن الإمارات العربية المتحدة في مواقف يفضل فيها بن زايد عدم الظهور المباشر، أو لدعم طموح رئيس الأمن السابق في العودة لتقلد منصب قيادي بالسلطة الفلسطينية.
وبثت "تي آر تي " هذا الأسبوع مشاهد ترويجية "تريلر" للموسم الثاني من المسلسل، مما يشير إلى اعتزامها المضي قُدماً في أحداثه، لكنها لم تُعلن بعد عن موعد محدد لعرض الحلقات. بيد أنَّ ذلك سيكشف الكثير بشأن مدى صلابة الجهود التركية والإماراتية في احتواء خلافاتهما والتركيز على القضايا الاقتصادية.
من جانبه، أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الجانب الاقتصادي في أعقاب مكالمته الهاتفية هذا الأسبوع، الأولى منذ 8 أعوام، مع الشيخ محمد بن زايد، ولقائه السابق لذلك مع الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، شقيق ولي العهد ومستشار الأمن الوطني الذي زار أنقرة الشهر الماضي.
وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، التابعة للدولة، أنَّ زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي إلى تركيا استهدفت "تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين"، لا سيما على صعيد التعاون الاقتصادي والتجاري وفرص الاستثمار في مجالات النقل والصحة والطاقة.
القرار الذي ستتخذه "تي آر تي" إذا ما كانت ستعرض الموسم الثاني من مسلسل "المنظمة" من المرجح أن يلعب دور "كبش الفداء"، وسوف يكشف مدى هشاشة الجهود الأخرى في احتواء النزاعات عميقة الجذور بالشرق الأوسط، بين الإمارات وقطر على سبيل المثال أو بين المملكة السعودية من جانب، وتركيا وإيران من الجانب الآخر.
النهج التركي- الإماراتي بالتركيز على التجارة والاستثمارات مع تجميد الخلافات الجيوسياسية معادلة لم تُثبت بعد جدواها في الشرق الأوسط، لا سيّما بالنظر إلى الترابط الداخلي للنزاعات الإقليمية.
وتُمثّل سوريا واحدة من نقاط مشتعلة عديدة، حيث تقود الإمارات الجهود الرامية لاستعادة شرعية نظام الرئيس السوري بشار الأسد من خلال التخطيط لعودته إلى الحضن العربي. وكانت جامعة الدول العربية قد اتخذت قراراً بتعليق عضوية سوريا بعد 8 شهور من اندلاع الحرب الأهلية السورية داخل الدولة التي تقع على عتبة تركيا.
وبالمقابل، فإنَّ القوات التركية في شمال سوريا، التي جرى إرسالها للتيقن من عدم بزوغ أي كيان كردي على الجانب السوري من الحدود، دخلت مراراً وتكراراً في مواجهات مع جيش الأسد.
ومن أجل تحقيق النجاح في مهمتها، فإنَّ الإمارات، التي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018، تحتاج إلى دعم السعودية التي أشارت إلى مساندتها لجهود أبوظبي من حيث المبدأ من خلال إرسال رئيس المخابرات بالمملكة، الفريق خالد الحميدان، إلى دمشق في مايو لمناقشة إعادة فتح سفارة بلاده في العاصمة السورية.
بيد أنَّ المشكلة تتمثل في سعي السعودية للاستفادة من دعمها في محادثاتها المجمدة مع إيران، بوساطة عراقية. وتعد إيران، جنباً إلى جنب مع روسيا، الداعم الرئيسي للأسد. وترفض طهران حتى الآن مقترحاً سعوديا بإعادة تأسيس علاقاتها مع سوريا مقابل ضغط إيراني على الحوثيين للتفاوض بشكل حقيقي من أجل إنهاء الحرب اليمنية المستمرة منذ ستة أعوام ونصف.
يُشار إلى أن شرق البحر المتوسط يمثل نقطة مشتعلة أخرى تتحد فيها الجيوسياسية الإماراتية مع الاقتصاد لمنافسة الطموحات التركية. ووضعت إسرائيل "الرتوش" الأخيرة هذا الأسبوع لصفقة بيع حصة مقدارها 22% من حقل تمار البحري للغاز الطبيعي إلى الإمارات العربية المتحدة، لقاء 1.1 مليار دولار أمريكي.
والإمارات هي إحدى أعضاء منتدى غاز شرق البحر المتوسط، والذي يضم أيضاً كلً من إسرائيل ومصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، لكنَّه لا يضم لبنان وسوريا رغم مطالبتهما بأحقيتهما في ذلك. وتأمل أبوظبي في تصدير النفط إلى أوروبا خلال خط أنابيب إسرائيلي يربطها بميناء إيلات، على البحر الأحمر، وعسقلان على البحر المتوسط.
من جانبها، وقعت تركيا اتفاقاً مع ليبيا يقسم شرق البحر المتوسط إلى مناطق اقتصادية حصرية لصالح كلا البلدين. وتتداخل المناطق المذكورة مع ادعاءات أعضاء منتدى غاز شرق البحر المتوسط، وكذلك مع لبنان وسوريا.
وداخل العالم التآمري بمسلسل "المنظمة"، تُمثّل سوريا ساحة معركة تقوم فيها وحدة سرية وغامضة تابعة لجهاز الاستخبارات الوطنية التركي بمجابهة منظمة فادي التي تجد معاناة في سوريا للهروب من الطائرات المسيرة التركية، وتحالفت مع داعش وحزب العمال الكردستاني لضرب أهداف في تركيا، كما تعاونت في أوروبا مع اليمين والنازيين الجدد لمهاجمة الأتراك بالقارة العجوز.
وتستند أحداث المسلسل على ادعاءات تفوّه بها أعضاء بحكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم مفادها أنَّ الإمارات مولّت الانقلاب العسكري الفاشل عام 2016. وأصدرت تركيا مُذكرة اعتقال ضد دحلان جراء دوره المزعوم في الانقلاب، ورصدت مكافأة 1.2 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
وفي الوقت الحالي، ورغم علاقاتها المتوترة مع تركيا، أقنعت الإمارات أعضاء مجلس التعاون الخليجي (السعودية، قطر، الكويت، البحرين، عمان) بتصنيف حركة فتح الله غولن كمنظمة إرهابية. وفي ذات الوقت، طردت الإمارات جنراليْن تركيين متهمين بأنَّهما جزء من الانقلاب. وتتهم تركيا حركة غولن بالوقوف وراء محاولة الاستيلاء العسكري على الحكم.
عرض الموسم الثاني من مسلسل "المنظمة" سوف تنظر إليه السلطات الإماراتية باعتباره خطوة استفزازية لا سيّما بعد بادرة حسن النوايا التي قدمتها أبو ظبي باعتقال زعيم المافيا، سادات بكر، الذي تربطه صلات بالدولة العميقة التركية، وطالبته بالتوقف عن نشر فيديوهات عبر الإنترنت تتهم مسؤولين ورجال أعمال أتراك بارزين بالفساد. وظلّت هذه الفيديوهات التي حققت انتشاراً هائلاً لفترة طويلة حديث المدينة في أنقرة وإسطنبول. الإمارات ... ترفض حتّى الآن الاستجابة لطلب تركي بتسليم بكر.
ونظراً للاستعداد الإماراتي لمنح اللجوء لشخصيات بارزة قوية بعد سقوطها، دون توجيه تساؤلات بشأن مصادر ثرواتهم التي جلبوها معهم أو جرى تجميدها، فإنَّ الأسهل أن تقوم تركيا بإلغاء زايد فادي من أن تنتظر موافقة أبو ظبي على تسليم بكر.
وأنكر الرئيس الأفغاني المعزول أشرف غني، أحدث الوجوه اللاجئة في الإمارات، ادعاءات مفادها أنَّه جلب معه 169 مليون دولار أمريكي نقداً أثناء هروبه من بلده الأم.
وربما يكون تولي طالبان السلطة بدلاً من غني، بجانب الدور الذي تلعبه قطر كوسيط دبلوماسي ولوجستي رئيسي في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بالإضافة إلى الذي تلعبه تركيا مع قطر لتشغيل مطار كابول مجدداً، سبباً وراء سعي الإمارات إلى إعادة تقاربها مع أنقرة.
الامتناع عن عرض مسلسل زايد فادي يمثل لتركيا ثمرة قريبة المنال حتّى بالرغم من أنَّ شعبية المسلسل ربما تُشعل رد فعل غاضب على وسائل التواصل الاجتماعي.
بيد أنَّ ذلك القرار لن يمحو الخلافات الجيوسياسية والإيديولوجية الكبرى بين تركيا والإمارات والتي سوف تؤثر حتما على الجهود المرتكزة على التجارة والاستثمار.
وتتناقض الجهود الحالية لتحسين العلاقات مع محاولات سابقة فاشلة عندما رفضت تركيا عرضاً إماراتياً بضخ استثمارات مقابل طرد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وتغيير السياسات الإقليمية التي تنتهجها أنقرة.
وربما تستمد الإمارات شجاعتها من الخطوة الأخيرة التي اتخذتها تركيا، بناء على طلب مصر، بشن حملة مشددة ضد القنوات التلفزيونية المصرية المعارضة في إسطنبول من أجل إعادة التقارب بشكل متزايد بين انقرة والقاهرة، وكذلك من تصريحات أردوغان الأسبوع الماضي التي رحّب خلالها بالاستثمارات الإماراتية.
ومع ذلك، أكّد الصحفي والمحلل التركي، فهيم تستكين، أنَّ خطط التعاون مع العراق، والتي عرضها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أثناء قمة إقليمية في بغداد تمثل إشارة إلى "اعتزام أنقرة مواصلة نهجها التدخلي".
واقترح جاويش أوغلو إنشاء طريق سريع وخط سكة حديدية يربط شمال سوريا ببغداد على نحو يضمن تطويق المناطق ذات السيطرة الكردية في شمال العراق مما يُعقّد حركة المقاتلين العراقيين وأكراد سوريا، ويُسهل دخول الأكراد إلى مدينة الموصل.
وقال دبلوماسي عربي: "المشكلة تتمثل دائماً في التناقض بين وعود تركيا وأفعالها. يتعين على أردوغان هذه المرة برهنة أن الأمور مختلفة، لكن هذا الشيء قد يثبت صعوبة تحقيقه".
- جيمس إم دورسي، موقع "الدبلوماسية الحديثة"، النص الأصلي
-ترجمه إلى العربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: الشخصية الرئيسية بمسلسل "زايد فادي"، (التلفزيون التركي)