القوات المسلّحة الجنوبية: أهمية استراتيجية وتحديات قائمة

القوات المسلّحة الجنوبية: أهمية استراتيجية وتحديات قائمة

التحليلات

السبت, 11-09-2021 الساعة 04:58 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| قسم التحليلات 

تأتي  سيطرة القوات الجنوبية على جنوب اليمن، كنتيجة طبيعية محلية لإرادة القوى الوطنية هناك. لكنَّها تتصل في السياق العام، بتعاطي العالم مع أزمات المنطقة العربية والإسلامية عموماً، بالتزامن مع تراجع دور القوى العالمية الكبُرى مقابل تحمل المجتمعات المحلية المسؤولية في تقرير مصيرها بنفسها.

بعيداً عن جذور هذه الإرادة التاريخية والسياسية وارتباطها الوثيق بـ "الثورة الجنوبية" ضدَّ ما يعتبره الجنوبيون "احتلال شمال اليمن للجنوب عام 1994"، وجود هكذا عوامل وطنية ساهم كثيراً في تشكيل القوات الجنوبية وانخراطها إلى جوار عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية ضد محاولة الجماعة الحوثية والتنظيمات المتطرفة السيطرة على جنوب اليمن. الأمر الذي يوضح الفرق بين نجاح الجهود الدولية جنوباً واخفاقها في شمال اليمن معقل سيطرة الحوثيين، حيث تبدو أفضلية الشراكة المبنية على إرادة القوى الوطنية أولا ومن ثم إرادة القوى الإقليمية والدولية في التدخل بهدف حل الأزمة اليمنية وحفظ الأمن والسلم الدوليين ثانياً. لذلك كان لزاماً على القوات الجنوبية أن تتشكل على أسس وطنية وأخرى علمية وفق مسرح العمليات العسكرية وجبهات القتال المتعددة في أزمة الصراع اليمني.

 تشكيلات القوات الجنوبية المسلحة 

وفق آخر تقديرات تقريبية، بلغ قوام القوات المسلحة الجنوبية ما يزيد عن تسعين ألف جندي، موزعين على العديد من الوحدات العسكرية والأمنية أهمها: ألوية الإسناد والدعم التي شُكلت في مايو 2015 قبل معركة تحرير مدينة عدن من قبضة الحوثيين؛ قوات النخبة الحضرمية التي شُكّلت قبيل معركة تحرير مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت من سيطرة تنظيم القاعدة في أبريل 2016؛ قوات النخبة الشبوانية صاحبة الدور البارز في تحرير محافظة شبوة من الجماعات والتنظيمات المتطرفة في العام 2018 - 2019؛ الأحزمة الأمنية التي لعبت دوراً في طرد خلايا تنظيم القاعدة من مديرية المنصورة، عدن في العام 2016، ومن محافظتي أبين ولحج في عامي 2018 و 2019. إضافة إلى ذلك ألوية العمالقة التي شاركت في معركة تحرير الساحل الغربي في الحديدة ومديرية المخا من قبضة الحوثيين في العام 2018. كذلك انضمت وحدات من الأمن والجيش اليمني إلى القوات المسلحة الجنوبية، مثل معسكر القوات الخاصة، اللواء الخامس مشاة بحري، واللواء 33 مدرع وألوية قاعدة العند، على خلفية الصراع الذي اندلع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس 2019 بالعاصمة عدن.

وفي سياق تعزيز حضور هذه القوات، أعاد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي و"القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية"، اللواء عيدروس الزبيدي، مطلع يونيو الماضي، هيكلة وتنظيم القوات الجنوبية بما يتناسب مع طبيعة مهامها الدفاعية والأمنية.

على الرغم من ذلك، هناك آراء ترى أن عمليات القوات المسلحة الجنوبية ليست موحدة، وأن خضوعها المباشر لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي غائب إلى حد ما، حيث يسود الاعتقاد بخضوع إرادة البعض منها، لديناميكية التقدير السياسي وحساباتها المقيّدة بالسير ضمن شراكة إقليمية ودولي تبتغي الكمال الذي يصعب إدراكه. 

لكن بالنظر إلى طبيعة الظرف السياسي والعسكري الذي تشكّلت على أساسه القوات الجنوبية يبدو الأمر مختلفاً تماماً، حيث يجمع الجنوبيون على إقامة كيانهم السياسي بنظام اتحادي، وبالتالي بناء وتشكيل مؤسستهم العسكرية والأمنية على أسس تعزز مبدأ التكامل، إذ تبرز حاجة الكل للكل في مواجهة هجوم الجماعة الحوثية والتنظيمات المتطرفة. الأمر الذي يجعل للحسابات السياسية علاقة بالأطراف الخارجة عن الإجماع الجنوبي والإقليمي والدول.

لذلك هناك عدة جبهات مشتعلة مع الحوثيين على طول حدود الجنوب مع شمال اليمن، منها: جبهات الضالع، جبهة كرش، جبهة طور الباحة، جبهة مكيراس، وجبهة يافع، إلى جانب جبهة ناطع باتجاه شبوة، حيث يظهر اعتماد كل جبهة على العناصر المحلية من نفس المنطقة الجنوبية على الأرجح، إلا أنّ واحدية الخطر والمصير وحاجة الكل للكل من شأنها أن تعزّز واحدية القوات المسلحة الجنوبية، ويساعد على تماسكها الميداني والهيكلي.

الأهمية الاستراتيجية للقوات الجنوبية 

يقع جنوب اليمن على خط الملاحة الدولية من جهة خليج عدن وباب المندب الممر الواصل بين المحيط الهندي والبحر الأحمر أو الشرق والغرب، حيث تمر 40% من التجارة العالمية، لذلك تبرز حاجة المجتمع الدولي إلى ما يضمن أمن واستقرار هذا الممر الحيوي وهذه المنطقة الجغرافية الهامة. 

إضافة إلى ذلك تعمل تداعيات الأزمة اليمنية بمفاعيلها المحلية والإقليمية على تعزيز مخاوف الإقليم والعالم من سيطرة الجماعات والتنظيمات المتطرفة على جنوب اليمن، وما يترتب على ذلك من ضرر على الأمن والسلم الدوليين. الأمر الذي يضع لتمكين وسيطرة القوات الجنوبية أهمية استراتيجية تساعد على الاستقرار والحيلولة دون السقوط في مربع الفوضى والإحتراب. لذلك من الأهمية بمكان الإشارة إلى أهمية الشراكة الإقليمية والدولية مع القيادة السياسية والعسكرية في جنوب اليمن والعمل على تعزيز قدراتها القتالية بما يتناسب مع طبيعة مهمتها الدفاعية والأمنية. استنادا إلى مسلّمة الاعتماد الدولي على القوى الوطنية في تقرير مصير بلدانها أولاً، ومن ثم إرساء مبدأ الشراكة ثانياً. 

يقول الخبير العسكري، العميد ثابت حسين صالح، لـ سوث24 "كل دول العالم، صغيرة كانت أم كبيرة، غنية أم فقيرة تحرص على بناء قواتها المسلحة التي تتولى مسؤولية حماية أمنها واستقرارها وتدافع عن سيادتها ومصالحها القومية. وتزداد أهمية القوات المسلحة في البلدان ضعيفة التطور الاقتصادي والثقافي والعلمي، وبدرجة قصوى تلك البلدان التي كانت ومازالت عرضة لأطماع قوى خارجية إقليمية كانت أم دولية".
لذلك، وفقاً للخبير صالح، فإنّ "الجنوب اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى قوات مسلحة مبنية على أسس وطنية وعلميه حديثة، بل يمكن القول أنّ هذه المهمة تفرض نفسها كمهمة رقم 1".

القدرات والتأهيل 

أثبتت القوات المسلحة الجنوبية تفوقها في جميع المواجهات المباشرة مع الحوثيين، من جبهة الساحل الغربي باتجاه الحديدة وحتى جبهة يافع باتجاه البيضاء. بالمقابل يتفوق الحوثيون في العمليات العسكرية غير المباشرة، من خلال منظومة الهجوم بالصواريخ الباليستية والطيران المسيّر، حيث نفذ الحوثيون العديد من الهجمات الباليستية المباغتة والخاطفة أحدثت ضرراً أمنيا وعسكرياً وسياسياً بالقوات الجنوبية، كان آخرها الهجوم الذي استهدف قاعدة العند العسكرية في 29 أغسطس بطائرات مُسيّرة وصواريخ. 

الأمر الذي يوضّح وجود تفاوت في القدرات القتالية بين القوتين الفتيتين إلى جانب اختلاف العقيدة القتالية، حيث تمتلك القوات الجنوبية عقيدة وطنية مستمدة من قضية الدفاع عن الجنوب واستعادة دولته السابقة، التي كانت قائمة قبل الوحدة السياسية مع الشمال عام 1990، بينما يمتلك الحوثيون عقيدة دينية مستمدة من الفكر الشيعي، إضافة إلى عداء القوات الجنوبية مع التنظيمات والجماعات المتشددة.

وبناءً على تفوّق القوات الجنوبية في المواجهات البرية مقابل تفوق الجماعة الحوثية في العمليات الجوية، يكمن تفاوت القدرات القتالية في الجانب التسليحي وليس العنصر البشري، الأمر الذي يُفسر إلى أي مدى يشكّل السلاح الإيراني أحد أهم نقاط قوة الحوثيين، بالإضافة إلى أثره البالغ على الصعيد الأمني الجيوسياسي.

في هذا الوقت تظّل التهديدات التي قد تواجه القوات الجنوبية، قائمة، من قبل القوات والوحدات الموالية للحكومة اليمنية، وتلك التي تخضع لسيطرة الإسلاميين في اليمن. حيث دخل الطرفان مرات عديدة في مواجهات مباشرة في عدن وأبين وشبوة.

توصيات 

- يظهر اعتماد الجماعات الإسلامية والتنظيمات "الإرهابية" على استراتيجية التهديد الأمني الجيوسياسي، الأمر الذي يتضح في تنامي قدرات الحوثيين الصاروخية والبالستية. لذلك على القوات المسلحة الجنوبية العمل على تعزيز منظومتها الأمنية والاستخباراتية أولاً، ومن ثم تعزيز وتأهيل منظومتها الدفاعية ثانياً.

- ارتباط صناعة القرار العسكري بديناميكة التقدير السياسي في فترة زمنية اتصلت بجهود توحيد الجبهة ضد الحوثيين، وعملية استكمال تنفيذ اتفاق الرياض مع الشرعية اليمنية، باءت بالفشل. لذلك فإنّ عملية اتخاذ القرار العسكري تستلزم الأخذ بالتقدير الوطني والأمني.

- طالما يتجه العالم إلى ترك القوى الوطنية تواجه مصيرها بنفسها، وبالاستناد إلى الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها جنوب اليمن، إلى جانب التهديد الأمني الذي تشكّله الجماعات والتنظيمات الإسلامية على الأمن والسلم الدوليين، فإنَّه يتعين على المجتمع الدولي دعم القوات المسلحة الجنوبية وتأهيل قدراتها الدفاعية والأمنية ومساندة خياراتها الوطنية والسياسية.

باحث في مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

- الصورة: عرض للقوات المسلحة الجنوبية في عدن (رسمي) 

جنوب اليمن القضية الجنوبية القوات الجنوبية عيدروس الزبيدي المجلس الانتقالي الجنوبي التحالف العربي النخبة الشبوانية