06-09-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | التحليلات
أنهت الحرب في اليمن سنتها السابعة، منذ بدء انقلاب الحوثيين على الدولة في 2014، وانطلاق عاصفة الحزم في 2015 بقيادة التحالف العربي، إلى تنامي الأزمة بشكل دراماتيكي خلال السنوات الماضية حتى اللحظة الراهنة. إذ شهدت تحولات على مختلف الجوانب؛ سياسية وعسكرية واقتصادية وإنسانية، وتغيرت معها ديناميكيات مراكز النفوذ من حيث السيطرة والقوة، وحملت التغييرات بين طياتها تفاصيل وأحداث كثيرة؛ تارة بين الاتفاقات والمفاوضات، وتارة أخرى بين الخلافات ومزيد من الاحتراب الداخلي.
رؤية دولية
إذا أردنا الإجابة عن "ماهيّة النظرة أو الرؤية الدولية للأزمة في اليمن؟"، يمكن القول أنها نظرة مُحبِطة نوعاً ما؛ لا تقتصر عن كونها ملف (سعودي - إيراني) بالدرجة الأولى، وقبل ذلك؛ فاليمن كان عبارة عن بؤرة للتنظيمات الجهادية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، أو لا يعدو عن كونه ممر دولي لحركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب الاستراتيجي في جنوب اليمن. على سبيل المثال: عرّفت أغلب الأبحاث الغربية منها أبحاث مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، الأزمة اليمنية والخلاف، بأنه ديني قديم، وجاء في أحد تقاريرها أن "السعودية السنية وإيران الشيعية تتنافسان على الزعامة الإسلامية في الإقليم، وأنهما يستخدمان هذا الانقسام الطائفي لمواصلة طموحاتهم في قيادة المنطقة". (1)
يبدو الأمر صادماً في عمومه، غير أن المجتمع الدولي لم يكن ملمّاً بتفاصيل الأحداث وتعقيداتها الداخلية في اليمن، لولا تدخل التحالف العربي وفي مقدمته المملكة العربية السعودية في الحرب الأخيرة 2015. ومازال كثير من الباحثين والمحللين الغربيين حتى اللحظة؛ غير ملمّين بأبسط القضايا المحلية التي أدت في جذورها لاندلاع الحرب في 2014، وما سبقها من حروب في 1994 بين اليمنين الشمالي والجنوبي؛ المنبثق عنها قضية الجنوب، أو حروب صعده الستة التي بدأت 2004 في شمال اليمن. بمعنى آخر؛ القضايا العالقة التي ظلت بلا حلول، والتي تتطلب فهم أشمل للجذور على مستوى أوسع من صراع نشب في 2014، الأمر الذي أدى لتصاعد الأزمة لتصل إلى ما وصلت إليه.
ما تؤكد هذه النظرة، طبيعة التغطية الإعلامية التي تتناول الحرب في اليمن، لا سيما في تناولات ملف حقوق الإنسان خلال الحرب وما يتعلق منها بالانتهاكات التي تسجل ضد السعودية، إذ ليست ثمة مبالغة في القول؛ أنه لولا تدخل القوى الإقليمية في الحرب سواء التحالف العربي بقيادة الرياض أو الدعم الإيراني الموجّه للحوثيين من قبل طهران، التي تعد الحليف الدولي الوحيد الذي اعترف بالحوثيين كسلطة وليس انقلاباً، لن يلتفت المجتمع الدولي لحرب داخلية أو على الأقل لن يتناولها بهذا القدر من الاهتمام، وهو أمر حدث في الحروب الأهلية السابقة.
غير ذلك، سيكون من السهولة أن تقامر الدول البعيدة بقرار المشاركة والدعم في حرب اليمن، في الوقت الذي تحاول الدول القريبة أن تتريث في قراراتها؛ خاصة الدول الحدودية مع اليمن أو تربطها مصالح بحرية معها، على سبيل المثال: دعمت إيران كإحدى الدول الإقليمية البعيدة الحوثيين عسكرياً ومالياً قبل وبعد سيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وقد أكدت هذا الدعم عدة مصادر يمنية وإيرانية وغربية. بالمقابل، ورغم مشاركة دول التحالف العربي في الحرب؛ بيد أن بعض دول الخليج إما علّقت مشاركتها في السنوات الأولى من الحرب؛ أو لم تشارك منذ البداية مثل سلطنة عمان، نظراً لتعقيدات الحرب، أو لما يمكن أن تسببه من تداعيات ناتجة عنها، أو لأسباب أخرى تتعلق بسياسة كل دولة خليجية، منفردة.
كما بدا جلياً أنّ اهتمام المجتمع الدولي بحرب اليمن إلى جانب اعتبارها حرباً سعودية - إيرانية تتضارب مصالحها ويتصارع وكلاؤها على الأرض، إلا أنّ العائق الأكبر تبدّى في عدم فهم المساقات التي قادت إلى الأزمة وما نجم عنها، نتيجة الضخ الإعلامي المغلوط من قبل ما يعتبره الإعلام الغربي بالوكلاء على الأرض؛ أو حتى من قبل دول الإقليم ذاتها؛ من خلال التشويش والتضليل على حقيقة الأحداث ومجرياتها. على سبيل المثال: خدم التضليل الإعلامي تجاه التحالف العربي من قبل بعض المنظمات الدولية أو خصوم السعودية في المنطقة؛ أهدافاً سياسية ودعائية لبعض الدول، من بينها الولايات المتحدة التي دعا الرئيس الأمريكي بايدن، في أول خطاب رسمي له عن السياسة الخارجية، إلى إنهاء الحرب في اليمن، معلناً وضع حد للدعم ولمبيعات الأسلحة الأمريكية للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية (2)، فبدا الموقف الأمريكي كأنه موجه ضد السعودية أكثر منه رغبة في إنهاء الحرب في اليمن.
رؤية إقليمية
منذ أن تدّخل التحالف العربي في حرب 2015، استجابة لطلب الرئيس هادي بهدف دعم ما أطلق عليها "الشرعية اليمنية"، لم تعد الأزمة شأناً يتعلق بصراع بين أطراف يمنية فقط، بل تحول إلى صراع بين قوى إقليمية؛ على رأسها السعودية وإيران والإمارات وقطر وتركيا وباقي الدول التي شاركت في عمليات عاصفة الحزم. هذا التدخل أفصح عن تحولات أساسية وأدوار مؤثرة لدول الإقليم في معادلة الحرب، من حيث تقوية نفوذ الأطراف المتحاربة على الأرض، أو من حيث إضعافها.
بالنسبة للسعودية، فإضافة لتأمين حدودها كدولة جارة لليمن نتيجة لما ترى أنه دعماً متصاعداً للحوثيين من إيران، هي ترى في اليمن موقعاً استراتيجياً مهماً بالنسبة لها، فعبر مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، يمكنها تصدير نفطها لدول كثيرة في العالم. علاوةً على ذلك، تحاول الرياض أن تفرض نفوذ وهيمنة لها في المنطقة، لا سيما في ظل عدم وجود توازن قوى في الإقليم، الأمر الذي قد يشكل خطورة على استقرار المنطقة إذا انفردت قوى مثل إيران وإسرائيل بالقوة النووية، مقابل ضعف قوى أخرى.
أما بالنسبة لإيران، فرؤية الرياض وهي تغرق في صراع طويل الأمد في اليمن، وانشغالها بتفاصيله وتداعياته، إلى جانب استنزافه لمقدراتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية، هو جُل ما تطمح إليه طهران. فاهتمام السعودية بقضية جيرانها اليمنيين، يشغلها عن الاهتمام بقضايا جيران إيران "العراق وسوريا"، وهو الأمر الذي قد يشكل تهديداً وعبئاً بالنسبة لإيران عندما ينتقل الصراع والدعم إلى خصومها في ملعبها وبالقرب منها، ما يعوق تحقيق مصالح طهران هناك.
بموازاة ذلك، كانت تعقيدات الأزمة الخليجية في 2017، بقطع العلاقات مع قطر من عدة دول؛ من بينها السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن، إلى جانب دول أخرى خفّضت تمثيلها الدبلوماسي، لها تبعاتها على الأزمة اليمنية. فزيادة الضخ الإعلامي المناوئ للسعودية والإمارات في حرب اليمن كان مضاعفاً، خاصة وأن تركيا كانت تقوده إلى جانب قطر، من خلال الإخوان المسلمين في اليمن، خاصة في مناطق نفوذ سيطرة حكومة هادي في مأرب وتعز، وكان لذلك أثره حتى على مستوى الجبهات القتالية، التي بدت على وفاق مع الحوثيين الفترة الأخيرة؛ من خلال تخفيف الضغط على بعض الجبهات، خاصة عندما تشتد المواجهات بين جبهات تقودها قوى جنوبية تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي.
وبنظرة سريعة لرؤية باقي الدول الخليجية للأزمة في اليمن، التي إما علّقت مشاركتها أو لم تشارك مثل الكويت وعمان، فهي ترى الصراع عبئاً إضافياً لأعبائها الداخلية الأخرى؛ إن هي تورطت بشكل مباشر فيه، لذا عملت على تحييد نفسها عنه ووجهت مساعيها وجهودها بطرق تمهد نحو السلام.
غير ذلك، برزت معالم عديدة من المتغيّرات السياسية والاقتصادية بين الدول الإقليمية في الأشهر الأخيرة، ويبدو أن هناك رغبة لإعادة ترتيب العلاقات فيما بينها، والبحث عن شراكات ومصالح جديدة، يمكن أن تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الأزمة في اليمن، خاصة بعد سقوط أفغانستان بيد طالبان، إذ أدى الخروج الأمريكي من كابول إلى اختلال توازن الثقة في دور واشنطن، وأضحى في محل شك بالنسبة للقوى الإقليمية في المنطقة، التي سعت إلى تسوية ملفاتها العالقة فيما بينها، والاستفادة من المتغيرات الجديدة بما يخدم مصالحها.
وهو ما يفتح الباب لعدة تساؤلات، عمّا إذا كان المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة سيسعى لتسليم شمال اليمن للحوثيين على غرار ما حدث في أفغانستان، خاصة إن تعهد الحوثيون بمقاتلة القاعدة وداعش في اليمن، وعمّا إذا كانت السعودية تستشعر خطورة الأمر للدرجة التي يمكن أن تعقد تحالفات مع الحوثيين للحفاظ على حدودها، خاصة وأن المشهد الدراماتيكي في اليمن من تساقط للجبهات وتسليمها للحوثيين بكل سلاسة، لم يترك المجال للثقة في حكومة هادي وجيشها الوطني الذي ثبت فساده في ملفات عديدة؛ حتى على مستوى ارتباط القوى التي تسيطر على القرار فيه بالتنظيمات "الإرهابية"، وهو ما ناقشته ورقة سابقة لمركز سوث24 (3). إضافة إلى ذلك، فواشنطن تحت إدارة بايدن تحاول إغلاق الكثير من ملفاتها العالقة في الشرق الأوسط، وعلى رأس أولوياتها اليمن من خلال تعيينها مبعوث أمريكي خاص.
فضلا عن ذلك، فالحوثيون يرون أنهم أقوى من أن يبحثوا تسوية مع أطراف داخلية، في ظل ضعف وهشاشة الحكومة المعترف بها دوليا، وبالتالي فالسيناريو الأكثر احتمالاً لدول التحالف العربي، هو التقارب بشكل مباشر مع الحوثيين في شمال اليمن، وتقوية نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن، خاصة وأن الأخير أظهر جديته في محاربة تنظيمي القاعدة وداعش في المناطق التي يسيطر عليها، فضلا عن هيكلة وتنظيم وحداته العسكرية وتأمين جبهاته ومناطقه الخاضعة لسيطرته.
رؤية محلية
لا يبدو أن هناك حلولاً سياسية تتبدى في الأفق، بسبب عدم جدية أطراف الصراع المحليين في اليمن لإنهاء الحرب، وعدم رغبتهم في تقديم تنازلات، بالإضافة لتأثير الداعمين الإقليميين على مسارات الحرب وفق ما يتناسب مع سياساتهم وحلفائهم على الأرض، رغم الجهود الدولية المبذولة للوصول إلى حلول تمهد للسلام في اليمن.
بالنسبة للمجتمع المحلي، لا يوجد طرف واحد حتى الآن يحقق مصالح المجتمع، فالحوثيون يمثلون الفكرة الطائفية والمشروع الإيراني، والشرعية بسبب الفساد والولاءات الإقليمية المتعددة؛ وعدم وجود القيادة التي من الممكن لها توظيف التنوع الذي يمثل الشريحة الأوسع على المستوى السياسي والعسكري والمذهبي والثقافي وغيره؛ لم تعد تمثل طيفاً من المجتمع بالمثل. وبالتالي فكرة التمثيل الوحيد للطرف المناوئ للحوثيين غير موجودة، لذا بات من الضرورة وجود عدة أطراف؛ كل طرف يمثل مجتمعه المحلي وقضيته، حتى يتسنى القول أنّ هناك تمثيل في المجتمع المحلي.
وثمة أمر آخر أكثر أهمية، يرتبط بعدم وجود طرف وحيد يحقق مصالح المجتمع المحلي، خاصة إذا ظلت المفاوضات بشكلها الثنائي، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2216، وهو الأمر الذي يعقّد الصراع إن تم تجاهل أطراف على حساب أطراف غير فاعلة وليس لها تأثير أو قوة على الأرض، والقوة لا تعني الجانب العسكري فقط، بل القاعدة الشعبية والحضور والقبول من المجتمع المحلي للطرف الذي يمثله ويمثل قضاياه.
عملياً، المجتمع الدولي بحاجة لآلية تستوعب كل الأطراف ضمن العملية التفاوضية، وهي مقاربة مضمونة من شأنها فهم تعقيدات الصراع وجذوره. كما أنّ إهمال مصالح المجتمع المحلي على حساب مصالح المجتمع الدولي أو الإقليمي؛ يؤجج الأزمة ويفاقمها ويعرقل جهود بناء السلام. كما أنّ هندسة إنهاء الصراع بعدم الاهتمام بمصالح وجذور الخلافات والأزمات الداخلية في المجتمع المحلي؛ سيؤدي بالضرورة إلى إخفاق كارثي، وبالتالي لن يصل المجتمع الدولي للنتيجة المرجوة التي يريد إنهاء الأزمة بها، بسبب إهمال مصالح المجتمع المحلي.
مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في الشؤون السياسية
- الصورة: ا ف ب
قبل 3 أشهر