14-09-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ورقة تحليلية
ما أن يُذكر اسم "شبوة" في جنوب اليمن، يتبادر إلى الأذهان النفط والغاز والموارد والثروات، ومعها الصورة النمطية المتمثلة في الفقر والأمراض والصراعات القبلية وتنظيم القاعدة. هذه المحافظة الثقيلة المكتنزة بكل هذه المتناقضات؛ أضحت اليوم محط أنظار الفاعلين الدوليين والإقليميين. على الرغم من الثراء الاقتصادي الذي تملكه، ومساحتها التي تبلغ 47 ألف كيلو متر، وقلة كثافتها السكانية، إلا أنّها ظلت نائية ومهملة ومتخلّفة إنمائياً.
في شهر مارس 2015، شن تحالف الحوثي وصالح، رئيس النظام السابق، حرباً على محافظة شبوة للسيطرة عليها، وخاضت المقاومة الجنوبية إلى جانب قوات هادي المواجهات في عدة مناطق من بينها مدينة عتق عاصمة المحافظة. استمرت المواجهات لأشهر حتى نهاية أغسطس من نفس العام، وسُلّمت بالكامل للقيادي في الحراك الجنوبي ناصر النوبة بعد خروج الحوثيين من مركز المحافظة، وتركّز بعد ذلك وجود قوات الحوثيين وصالح في بيحان شمال غرب المحافظة لعامين آخرين؛ نظراً لقربها من خط أنابيب بلحاف ولكونها على طريق رئيسي يذهب للسعودية، وذلك قبل أن يتداعى تحالفهما بعد مقتل الرئيس السابق في ديسمبر 2017.
لم تكن شبوة أحسن حالاً قبل دخول قوات الحوثي وصالح إليها في 2015، إذ تركّز نشاط تنظيم القاعدة في مدينة عزان بين عامي 2011 و2012، بعد أن أعلنها التنظيم إمارة إسلامية، لكنه سرعان ما انسحب منها بضغط من أهالي المدينة ورجال القبائل، غير أن نشاطه ظل متواصلاً ببعض العمليات المتقطعة ضد قوات من الجيش اليمني. وبعد اندلاع حرب 2015، استعاد التنظيم قوته وسيطر على مدينة حبان بالكامل. وفي 1 فبراير 2016، استولى أيضا على عزان دون مقاومة من جانب السكان أو الجيش اليمني وكوّن فرعه المحلي الذي عُرف آنذاك بأنصار الشريعة، بيد أن عملية "السيف الحاسم" التي أطلقتها قوات النخبة الشبوانية، بدعم من دولة الإمارات في أواخر فبراير 2018؛ اقتلعت التنظيم من جذوره من هناك، في خطوة نوعية عدّت الثانية بعد نجاحها في محافظة حضرموت، وذلك عقب أيام من انطلاق عملية "الفيصل" في مدينة المكلا وكامل وادي المسيني الذي يربط بين المحافظتين.
عن النخبة الشبوانية
أحكمت قوات النخبة الشبوانية السيطرة على مديريات شبوة وعاصمتها عتق، ويتألف قوامها من 6000 آلاف جندي شبواني على الأقل، وعملت على تثبيت الأمن والاستقرار فيها لوقت طويل بعد استعادة بعض مديرياتها من تنظيم القاعدة مطلع 2018. وحققت في المحافظة إنجازات كبيرة؛ من بينها توفير الخدمات للناس وتأمين المسافرين ومنع حمل السلاح، على سبيل المثال: قامت النخبة الشبوانية بإغلاق أكبر سوق لبيع الأسلحة في مدينة عتق، ويسمى سوق "الوحدة"، الذي تم افتتاحه عقب قيام الوحدة بين دولتي اليمن الشمالي والجنوبي عام 1990، بعد أن كانت دولة الجنوب السابقة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، تمنع ضمن قوانينها حمل السلاح والمتاجرة به في جميع المناطق. كما أصدرت النخبة قراراً يقضي بمنع حمل السلاح في كامل مديريات شبوة؛ ووزعت منشورات على الجدران والمحال التجارية لحث المواطنين على عدم التجول به [1]. بالإضافة لتعقبها مهربي المخدرات ونجاحها في تضييق الخناق على عصابات التهريب، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2019.
غير أنّ قوات النخبة في شبوة، التي تأسست عام 2016، وعلى الرغم من الدور المحوري الذي لعبته في مكافحة الإرهاب وتأمين المحافظة ومديرياتها، ظلّت مستقلة عن وزارتي الدفاع والداخلية التابعتين لحكومة هادي، وهذا الأمر لم يمنحها ميزة التدرج والترقيات وفق القانون العسكري للأمن والجيش المتعارف عليه، إذ بقي جميع الأفراد سواسية ويحملون نفس الرتب ما عدا قادة الألوية.
وتتكوّن النخبة الشبوانية من الألوية التالية:
استطاعت قوات النخبة الشبوانية استقطاب شريحة واسعة من الشباب العاطل عن العمل، وتم ضم الكثيرين منهم إلى الوحدات العسكرية، الأمر الذي ساعد بدوره في التقليل من حدة الفقر وتدني مستوى الدخل، إذ أصبحت بعض الأسر تعيش على مرتبات أبنائها المنتمين للنخبة، والمقدر للفرد الواحد منهم بـ 1500 ريال سعودي. [2]
بعد أحداث أغسطس 2019، وسيطرة قوات حكومة هادي الذي يدير القرار فيها حزب الإصلاح، تم إخراج قوات النخبة الشبوانية من المحافظة، وبقي اللواء الأول الذي يتواجد في محيط منشأة بلحاف، واللواء الخامس في معسكر العلم بجردان، بالقرب من القوة المشتركة للتحالف المكوّنة من قوات "إماراتية وسعودية وبحرينية وسودانية"، حسب مصدر محلي مطلع لسوث24. وتشكّل القوتان المتبقيتان من النخبة الشبوانية معضلة بالنسبة للسلطة المحلية في شبوة التي يديرها حزب الإصلاح وأطراف أخرى، الأمر الذي يفسر محاولة التصعيد بشكل متواصل في المحافظة، من أجل إزاحة ما تبقى من قوات للنخبة، لما يعتبرون أن بقائها قد يمهد لعودة ألوية النخبة الأخرى في بقية المحافظة؛ إذا ما حدث تصعيد عسكري.
وعزا مراقبون، إلى أن هزيمة قوات النخبة الشبوانية في المحافظة بعد سيطرة قوات جيش هادي عليها، ترجع أسبابها؛ بالإضافة إلى التعزيزات التي وصلت من مأرب، إلى أسس تشكيلها وتوزيعها حسب الانتماءات للمناطق القبلية، أي أنها لم تكن كتلة واحدة متماسكة، على سبيل المثال: يُطلق السكان المحليون على بعض قوات النخبة مسميات بالقبائل المسيطرة على مناطقها، كـ (نخبة الواحدي، ونخبة بني هلال، ونخبة بالعبيد، ونخبة العوالق)، وهي من الأسباب التي رجّح أنها أذابت قوات النخبة عند أول اصطدام بقوات جيش هادي. بالإضافة إلى أنها دُربت لمهمات معينة من بينها مكافحة الإرهاب والأمن، أي أنها لم تكن مدربة كقوة جيش قتالية، وهذه عوامل إضافية أخرى شكلت خطراً أمنياً على بقائها كقوة لها حضور وقبول في المحافظة، ارتكز معظم عملها على تأمين المحافظة من تنظيم القاعدة؛ أو منع أي توغل للحوثيين.
جولة صراع أغسطس 2019
أسفر تصاعد الأحداث بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات حكومة هادي في العاصمة عدن صيف 2019، إلى سيطرة الانتقالي على العاصمة عدن ثم محافظة أبين تباعاً، بعد توتر دام لأيام بين الطرفين، خاصة بعد مقتل قائد قوات الحزام الأمني، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، "منير اليافعي" الملقب بأبو اليمامة، في هجوم صاروخي على عرض عسكري؛ ذهب ضحيته 31 شخصاً من الجنود. وكان تقرير فريق الخبراء المقدم إلى مجلس الأمن قد أشار في وقت لاحق إلى أن مزاعم الحوثيين في قصف معسكر الجلاء لم تكن صحيحة [3]. الأمر الذي فُسر أن أطراف أخرى كانت وراء هذا الاستهداف.
انفجرت الأوضاع العسكرية في محافظة شبوة بين قوات حكومة هادي الذي يدير القرار فيها حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، وبين قوات النخبة الشبوانية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي؛ بعد فشل لجان الوساطة المحلية لتهدئة الأوضاع، خاصة بعد نجاح الانتقالي الجنوبي في السيطرة على عدن وأبين. وسارعت السعودية إلى جانب قوات هادي بإرسال تعزيزات عسكرية من مأرب للسيطرة على الأمور في شبوة، وهو ما حدث فعلاً بعد معارك دامية خاضها الطرفان في مدينة عتق، وشاركت فيها جميع ألوية النخبة الشبوانية ما عدا لواءين، اللواء الثالث واللواء السادس، الذين ارتبط قرارهما بقبائلهما، وهذا القرار أضر بالمجلس أكثر مما أضر بحكومة اليمن، حسب تقرير أورده فريق الخبراء لمجلس الأمن. [4]
وأثّر الصراع على التوازنات العسكرية في شبوة، إذ تراجع دور النخبة ومكثت معظم قياداته وأفراده في البيوت، وهو وضع يشبه إلى حد ما تقاعد العسكريين الجنوبيين بعد حرب 1994، خاصة بعد سيطرة عدد من الألوية الشمالية التي تتبع الجيش الوطني الخاضع لسلطة حزب الإصلاح في المحافظة والتي يقودها عسكريون شماليون، منهم: قائد محور بيحان "مفرّح بحيبح" وتتكون قواته من 5 ألوية، و "محمد الفتي" أركان اللواء 21 ميكا والقائد الفعلي له، والعقيد "علي ضرمان" قائد حماية الشركات النفطية وموقع القيادة في العقلة بجانب شركة OMV النمساوية، بالإضافة لقادة كتائب شماليون في معظم الألوية وقادة نقاط تفتيش في أكثر من مديرية.
لذا، من غير المفاجئ، أن يغادر بعض أفراد النخبة الشبوانية إلى عدن وأبين والمكلا؛ بعد الاغتيالات والاعتقالات والملاحقات التي حدثت لجنود النخبة خاصة بعد إحكام السلطة الأمنية للإصلاح قبضتها على المحافظة. على سبيل المثال: اغتيل الجندي في قوات النخبة الشبوانية؛ "زكريا باعوضه العاقل"، وسط مدينة جول الريدة في مديرية ميفعة، عبر مسلحين مجهولين [5]. وعلى نحو مماثل، اعتقل الجندي في النخبة الشبوانية "محسن القميشي" في معتقل يتبع السلطة الأمنية لمدة 3 أشهر، تعرض فيها للتعذيب الشديد والتناوب عليه بالضرب لانتزاع اعترافات منه بالقوة بسبب انتمائه لقوات النخبة[6]. فضلاً عن الاغتيالات والعمليات المنظّمة التي ينفذها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، المشتبه بعلاقاته بجماعة الإخوان المسلمين، على بعض المواقع ونقاط التفتيش التي يديرها عدد من أفراد النخبة في شبوة؛ والحزام الأمني في أبين خلال السنتين الأخيرتين. وكان سكان محليون في شبوة قد أكدوا، أن طائرات "الدرونز" الأمريكية؛ عاودت التحليق في سماء المحافظة وبكثافة لتعقب عناصر القاعدة، الذين عادوا للظهور مجددًا بعد تراجع سيطرة النخبة الشبوانية على المحافظة.
انعكاسات سيطرة (الإخوان المسلمين) على شبوة
عكس الاقتتال العسكري الداخلي في أواخر أغسطس 2019، تحولات في الديناميكيات الأمنية والعسكرية للمحافظة. فمحافظ شبوة محمد صالح بن عديو؛ الذي تم تعيينه بقرار جمهوري في 2018[7]، والذي يشغل منصب الدائرة السياسية في حزب التجمع اليمني للإصلاح، بدا أكثر ارتياحاً بعد سيطرة قوات الجيش الذي يدير قراره الحزب الذي ينتمي إليه، بعد أن كان نفوذه مقتصراً على العمل الإداري في المحافظة.
علاوةً على ذلك، لعب "بن عديو" دوراً في تعيينات لمقربين منه وأعضاء ينتمون إلى حزب الإصلاح، في وظائف مهمة، لإحكام السيطرة على الوظيفة العامة في المؤسسات الحكومية. على سبيل المثال: عين قريبه "خالد محسن الدهولي"، رئيسًا لغرفة العمليات المشتركة بالمحافظة، كما عيّن "محمود عبد الله العمري" مديراً عاماً لمكتبه، إضافة إلى منصبه السابق كمدير عام مكتب شركة الغاز في المحافظة [8]، فضلاً عن إصداره قراراً بتعيين "نايف محمد القميشي"، قائداً لقوات خفر السواحل، الذي ينتمي لحزب الإصلاح اليمني هو الآخر [9]. الأمر الذي يناقض حديث المحافظ "بن عديو" عن ميزة التنوع والتعددية السياسية في شبوة، من خلال وقائع على الأرض؛ أثبتت أن حزب سياسي بعينه أعاد هيكلة الوظائف المحلية العليا وإحلال عناصره فيها للهيمنة على سلطة القرار في العديد من المؤسسات والمنشآت في المحافظة.
بموازاة ذلك، إعلان تدشين ميناء قنا (بير علي) بمديرية رضوم، خارج سلطة المؤسسات المختصة التابعة لوزارة النقل التي ذهبت حقيبتها للمجلس الانتقالي الجنوبي في حكومة المناصفة الجديدة، حسب ما ينص "قانون الموانئ البحرية" رقم (23)، الذي أصدره الرئيس هادي عام 2013 [10]، شكّل موجة غضب وخلافات بين أعضاء الحكومة. إذ من المفترض أن يدار الميناء من قبل مؤسسة موانئ البحر العربي التابعة لوزارة النقل ومقرها المكلا، والتي تدير الموانئ المطلة على البحر العربي كميناء المكلا وسقطرى ونشطون. غير أن السلطة المحلية في شبوة ضربت بذلك عرض الحائط، وتعاملت مع الأمر كسلطة أمر واقع فوق القانون وخارج الإدارة الفنية الملاحية التي تختص بها مؤسسة الموانئ والهيئة العامة للشئون البحرية. الأمر الذي فسره مراقبون على أن الهدف من تدشين الميناء كان احتمالاً لأغراض غير مشروعة تتعلق بعمليات التهريب، وفي نفس الوقت نوعاً من أنواع المكايدة السياسية، كون وزارة النقل آلت إلى حصة الانتقالي الجنوبي، خصمها الأبرز سياسياً وعسكرياً.
غير ذلك، يدلل إصرار الإبقاء على "بن عديو" محافظاً لشبوة، عن مخالفة واضحة لبنود اتفاق الرياض، التي تنص على تعيين محافظين ومدراء أمن في المحافظات الجنوبية، والذي يفترض أن يتم تغييره وفق الإجراءات التي تمت في عدن، بيد أن التمسك به من قبل رئاسة هادي ونائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر المقرّب من الإخوان المسلمين، يشير إلى رغبة هذه الأطراف استمراره لتحقيق مصالح حزب الإصلاح في المحافظة؛ الذي يهدد رحيله بانتهائها، خاصة وأن شبوة تعدّ المعقل الأخير في جنوب اليمن الذي يتمتع فيه الإخوان المسلمين بسلطة "عسكرية" قوية.
بالنسبة للسعودية، يبدو الأمر مناقضاً تماماً للجهود المبذولة في اتفاق الرياض ومنافية لما يحدث على الأرض، إذ بدا جلياً أن الرياض تدعم حزب الإصلاح بالمال والسلاح بشكل كبير في محافظة شبوة، ويلاحظ ذلك من خلال نوعية الأسلحة والمعدات التي تستخدمها القوات الخاصة وبقية الوحدات المحسوبة على الإخوان [11]. غير ذلك؛ فهي تقدم الدعم السياسي والمادي لـ "بن عديو"، في المحافظة، وقد كان دورها محورياً في معادلة أحداث أغسطس 2019، من خلال مسارعتها دعم قوات هادي بإرسال التعزيزات العسكرية من مأرب؛ لصد أي تقدم لقوات النخبة الشبوانية.
من غير الواضح كيف سيستمر هذا الوضع. فالرياض دائماً ما تتحدث عن دعمها لهادي وشرعيته وقوات الجيش الوطني والأمن، والذي لم يعد خافياً هيمنة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) على القرار في مؤسسات الحكومة، وبالذات وزارتي الدفاع والداخلية، وهو الأمر الذي لا يعفي الرياض من مسؤوليتها المباشرة عن تنامي نفوذ الإخوان المسلمين في شبوة وحضرموت ومناطق أخرى في اليمن.
القوات الخاصة في شبوة
برز مسمى القوات الخاصة كثيراً في الآونة الأخيرة، بالذات بعد المواجهات التي شهدتها مدينة عتق منتصف يوليو الماضي، بين جنود من الأمن العام والقوات الخاصة. ولا تخضع الأخيرة كجهاز أمني لوزارة الداخلية اليمنية، على الرغم من تبعيتها لإدارة أمن شبوة، فضلاً عن الإمكانيات الكبيرة بحوزتها والتي تفوق إمكانات إدارة الأمن في شبوة بكثير. وتنتشر القوات الخاصة في مديريات شبوة كافة؛ والتي يديرها القائد "عبدربه لعكب الشريف"، ويتجاوز عدد منتسبيها الخمسة آلاف جندي، لا يحملون أرقاماً عسكرية من قبل وزارة الداخلية؛ ولا يتحصلون على رواتب؛ بل يعيشون على المصروف اليومي والمساعدات التي تحصل عليها القوات الخاصة من الضرائب أو مبيعات النفط أو الدعم الخارجي الذي تتلقاه. إذ أكدت مصادر موثوقة لسوث24، أن الدعم الشهري الذي تتلقاه هذه القوات يصل إلى 500 ألف دولار شهرياً، من "حمود سعيد المخلافي"، القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، المدعوم من الجانب التركي، والذي يقيم حالياً في سلطنة عُمان. الأمر الذي يؤكد أنه أنشئ لأجندة خاصة ولخدمة مصالح معينة للإخوان المسلمين في المحافظة، من خلال حصوله على موارد مالية خارج ميزانية وزارة الداخلية.
في المقابل، تأسست هذه القوة على أساس عقائدي متطرف، ويضم التوجيه المعنوي لهذه القوات رجال دين في حزب الإصلاح اليمني. وعلى الرغم من أن شبوة كباقي المحافظات الجنوبية نأت بنفسها عن تأثير الصراع على أسس مذهبية، غير أن علاقة القوات الخاصة ممثلة بقائدها عبدربه لعكب الشريف؛ وأركان القوات أحمد درعان السيد؛ وكلاهما ينتميان إلى ما يُعرفون بالسادة (آل البيت) تبدو علاقتهما بالحوثيين وثيقة، خاصة وأن أخوالهم آل محسن المحضار في مرخه، يؤيد الكثير منهم ما يسمى بالمسيرة القرآنية للحوثيين.
مؤخراً، عززت حادثة احتجاز رتلاً عسكرياً وجنوداً يتبعون القوات الإماراتية المتواجدة في منشأة بلحاف للغاز قبل أيام، من قبل مسلحي قبائل "المحضار" بسبب قضية سابقة، أثناء ما كان الرتل في طريقه إلى معسكر العلم بمديرية جردان لعملية تبادل شهري لقواته، والتي انتهى رفعها بوساطة سعودية، عززت احتمال أن من قام بالترتيب لعملية الاحتجاز وحماية المسلحين؛ هي القوات الخاصة حسب تعليقات متواترة نظير العلاقة الوثيقة بين القبائل الموالية للحوثيين والقوات الخاصة التي يديرها حزب الإصلاح في شبوة.
يمكن القول، أن القوات الخاصة في شبوة والتي تعمل خارج أطر مؤسسات الدولة الرسمية، بدا جلياً أنها غير مقبولة لدى أوساط كثيرة من المجتمع المحلي، فبسبب ممارسات قائدها "لعكب الشريف" الاستفزازية والعنيفة لأبناء المحافظة، جعلت من أبناء قبائل العوالق أن تدعو في بيان موجه لقبائل بيحان عموماً والأشراف خصوصاً التي ينتمي إليها الأخير، لتحديد موقفاً مما يفعله قائدها؛ وما يسببه من "فتنة" بين أبناء المحافظة الواحدة. [12]
لاعبون إقليميون جدد
برز التعامل الغربي مع محافظة شبوة إلى جانب محاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ من خلال شركات النفط العالمية، التي تمثلت بوجود عدد من المنشآت، أهمها: منشأة بلحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال؛ الذي يعد واحداً من أكبر المشاريع الاقتصادية في جنوب اليمن، وتُدار من قبل شركتي توتال الفرنسية وهنت الأمريكية، والذي توقف عملها منتصف إبريل 2015، بعد إعلانها حالة القوة القاهرة إثر اندلاع الحرب، لتصبح بعد ذلك قاعدة للقوات الإماراتية في المحافظة. أما شركة OMV النمساوية فقد استأنفت نشاطها عام 2018، للتصدير عبر منشآت القطاع (4) وميناء النشيمة بالمحافظة. [13]
أما اليوم، فالاهتمام لم يعد دولياً فحسب، بل تحول لسباق إقليمي على أهم المواقع الاستراتيجية اقتصادياً في شبوة، وتحوّل الأمر إلى ما يشبه صراع بين القوى الإقليمية وحلفائها على الأرض. فمن جهة تحاول تركيا وقطر إرباك موقف التحالف العربي في المحافظة، خصوصاً فيما بين القوات الإماراتية المتواجدة في منشأة بلحاف، والتواجد السعودي في محيط مدينة عتق ومطارها، ومن جهة أخرى؛ تحاول خلق بيئة خلافات سياسية وأمنية تهيئ للمزيد من الفوضى في المحافظة. فما أن تشتد مواجهات بين الأطراف المحلية على الجانبين، تنتهي كما جرت العادة بتفاهمات سعودية-إماراتية، وإن كانت على مضض أحياناً دون معرفة فحواها.
مع قول ذلك، وبالعودة لميناء "قنا" الذي تم تدشينه خارج الأطر الرسمية للدولة، يبدو واضحاً أن أنقره التي تتواجد قواعدها العسكرية في سواحل الصومال، تحاول أن تدعم مصالحها عبره، من خلال تقديم الدعم اللازم لوكلائها المحليين ممثلين بالإخوان المسلمين في شبوة، لتقوية نفوذها في جنوب اليمن. على سبيل المثال: ووفقاً لمصادر في السلطة المحلية بشبوة، فإن أول شحنة أسلحة تركية مهرّبة عبر ميناء قنا، وصلت قبل أربعة أشهر، وتم تفريغها داخل صهاريج كانت مخصصة للوقود، ثم نُقلت إلى أحد معسكرات حزب الإصلاح شرقي مدينة عتق. [14]
بموازاة ذلك، باتت سلطنة عمان أحد اللاعبين الفاعلين في المشهد اليمني، خاصة من خلال تأثيرها الكبير على الحوثيين ووفودهم المترددة على مسقط باستمرار أو المقيمة فيها بشكل دائم. ففي حين تلعب دور الوسيط بين أطراف النزاع في اليمن، غير أن أدوارها الأخيرة تدل على أن هناك ما هو أكبر من دور الحياد وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء. فقد باتت منصة لانطلاق الكثير من الأنشطة غير المشروعة للحوثيين والإخوان المسلمين في محافظات اليمن، حسب وصف مصدر مطلع لـ "سوث24".
علاوة على ذلك، اقتصر تدخل مسقط في فترة من الفترات على محافظة المهرة وإلى حدٍ ما في مدينة تعز، غير أن الطموح العماني امتد مؤخراً إلى مأرب وحضرموت وشبوة. على سبيل المثال: زار وفد عماني محافظة شبوة مطلع الشهر الجاري؛ للاطلاع على فرص استثمارية حسب ما أعلن، غير أن مراقبين استنكروا الزيارة وسط طرحهم لعلامات استفهام عديدة، مدللين على ذلك بأن الأوضاع التي تعيشها شبوة بيئة لا تشجّع على الاستثمار؛ خاصة وأن حكومة هادي والسلطات المحلية التي يديرها الإصلاح لا تقوم بواجباتها بشكل جيد؛ وبالذات أمنياً. وهو على الأرجح ما فُهم على أنه بداية لنشاط استخباراتي عماني في المحافظة.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن الصراع في شبوة بني على أساس اقتصادي أكثر منه سياسي؛ فمن يسيطر على أهم المنشآت الاقتصادية ممثلة بالنفط والغاز، هو من سيخاطبه المجتمع الدولي بجدية، لأن في يده المصالح التي دونها لن يهتم إليه، ولهذا يستميت الإخوان المسلمون في المحافظة على مواقعهم هناك. وفي المقابل، يحاول الحوثيون خوض حربهم على مأرب لنفس السبب، لا سيما وهي تقع ضمن المحافظات النفطية المعروفة بالمثلث الأسود إلى جانب الجوف وشبوة. لذا، دائماً ما تكون الموارد الاقتصادية وعلى وجه الخصوص (النفط)، حاسماً في الصراعات.
ووفقاً لذلك، قد يتجه الوضع العام لسيناريو يقود لتسوية سياسية شاملة والتزام ببنودها، أو سيناريو لبداية صراعات جديدة على مستوى أكبر، خاصة وأن الإخوان المسلمين والحوثيين كحركات دينية، دائماً ما تقود خياراتهما إلى نتائج صفرية لا تقبل المساومات، ويمكن أن تصعّد من الصراع بمشاركة حلفائهما الإقليميين إذا لم يتوافق مسار التسوية مع الأهداف والمصالح التي تسعيان إليها. وهذا المناخ غير المستقر بالذات في محافظة شبوة؛ والذي أدى بدوره إلى تنامي دور تنظيم القاعدة من جديد؛ قد يساعد حال استمراره إلى زيادة هذا التنامي.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من الانتقادات غير المباشرة التي توجه بين حين وآخر للرياض، بسبب سياساتها في ملف اليمن وبالذات في عدن وشبوة، هو أمر يقود إلى التساؤل؛ عمّا إذا كانت السعودية تدفع ثمن حساباتها الخاطئة وهي تخذل الأطراف الجنوبية الوثيقة التي راهنت عليها بإخلاص، والذي يبدو واضحاً أنه باستمرارها في سياساتها المنافية لما جاء في اتفاق الرياض، أنها تفرّط في الحلفاء الأهم من خلال سلوكها وسلوك حكومة هادي التي تدعمها، لا سيما والأخيرة تبدو في موقف ضعيف مقابل قوة مواقف الأطراف الأخرى على الأرض.
باحثة في الشؤون السياسية
- لتحميل وقراءة الورقة بصيغة البي دي إف (من هنا)
- الصورة الرئيسية: الصعيد، محافظة شبوة، جنوب اليمن (تويتر: @AlsediqBme2016)
المراجع:
[1] صحيفة الأيام - النخبة الشبوانية تمنع حمل السلاح في المديريات الجنوبية للمحافظة (alayyam.info)
[2] مصدر أكاديمي محلي في شبوة لسوث24
[3] رسالة مؤرخة من فريق الخبراء المعني باليمن، إلى مجلس الأمن الدولي في 27 يناير 2020
[4] مصدر سابق، رسالة مؤرخة من فريق الخبراء المعني باليمن، إلى مجلس الأمن الدولي في 27 يناير 2020
[5] اغتيال أحد جنود النخبة الشبوانية برصاص مسلحين يستقلان دراجة نارية في شبوة - صحيفة الشارع (alsharaeanews.com)
[6] جنود النخبة الشبوانية يواجهون إرهاب الإخوان في شبوة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com) 22 يناير 2021
[7] تعيين محمد صالح بن عديو محافظاً لمحافظة شبوة (sabanew.net)
[8] محافظ شبوة يعيّن مُدرساً مقرباً منه في منصب عسكري ويمنحه رتبة عقيد، الشارع، 24 مايو 2021
[9] بن عديو يعيِّن قائداً إخوانياً لخفر السواحل بشبوة، عدن لنج، 13 إبريل 2020
[10] قانون رقم (23) لسنة 2013, بشأن الموانئ البحرية
[11] مقابلة مع مصدر محلي موثوق لـ سوث24، طلب عدم إظهار هويته
[12] قبائل العوالق: القوات الخاصة تستفزنا وسنواجهها، الأيام، 18 يوليو 2021
[13] “أو.ام.في” النمساوية تعود إلى اليمن لاستئناف إنتاج النفط, يمن مونيتور، 19 مارس 2018
[14] عبر "قنا".. تهريب أول شحنة أسلحة تركية لـ „الإخوان" بشبوة
قبل 3 أشهر