عودة إلى الأرشيف: اليمن في عيون أسامة بن لادن (1)

عودة إلى الأرشيف: اليمن في عيون أسامة بن لادن (1)

التحليلات

الإثنين, 13-09-2021 الساعة 10:56 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24| قسم التحليلات 

11  سبتمبر 2001؛ مثّل هذا التاريخ نقطة تحول في مسيرة النظام العالمي الذي خرج لتوه من وضعية الثنائية القطبية وبدأ يشهد حقبة التفوق الأمريكي. وفي غفلة من الجميع نجح أسامة بن لادن في تنفيذ "غزوة منهاتن" التي أجهزت على برجي التجارة العالمية، وحاولت أن تفعل مع مبنى البنتاجون و الكونجرس.

أطلقت هذه الحادثة غريزة الهيمنة المطلقة للإدارة الأمريكية، وتمحورت سياسة بوش الابن الخارجية حول شعارين رئيسيين: الحرب الكونية ضد "الإرهاب الإسلامي"، وتصدير الديمقراطية إلى بلدان الشرق الأوسط. وقد مثّل الشعاران ترجمة سياسية لعقيدتي صراع الحضارات ونهاية التاريخ.

واليوم وبعد مرور عشرين عام تبدو شعارات واشنطن باهتة بعد ما لحق بسياستها الخارجية من إخفاقات، فيما أصبح طموح الهيمنة المطلقة جزء من  الماضي في ظل تشكل نظام دولي متعدد الأقطاب. أما المخاطر الأمنية والجيوسياسية التي أدت إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر فمازالت باقية حتى هذه الساعة وقد تجلت مؤخرا بعودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، وهو الأمر الذي باركته بقوة قيادة تنظيم القاعدة وأفرعها في الشام والعراق واليمن والمغرب العربي.

وأمام مشاهد الانسحاب المُخزي من كابل؛ أعادت الصحافة الامريكية طرح سؤالها التقليدي عن جدوى التدخل العسكري في أفغانستان. وكانت إجابة الرئيس بايدن كالتالي: "لقد ذهبنا إلى أفغانستان بهدف التخلّص من القاعدة وأسامة بن لادن وقد فعلنا ذلك، تخيلوا لو أن بن لادن والقاعدة قرروا الهجوم من اليمن هل كنّا سنذهب إلى أفغانستان؟" [1] 

فلماذا إذن تبدو خسائر أمريكا في كابل معقولة فقط عند مقارنتها بسناريو التدخل في اليمن؟

لقد ارتبطت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشكل مباشر مع وقائع احتلال أفغانستان ثم مع مبررات احتلال العراق، لكن الحلقة الغائبة عن التحليل والمراقبة كانت اليمن، والتي مثّلت منطلق العمليات الجهادية ضد المصالح الأمريكية، ومازالت تشكل معضلة أمنية أمام واشنطن.

لقد حظيت اليمن بأهمية قصوى في أيدلوجية بن لادن الجهادية، واحتلت موقعاً مركزياً في استراتيجيته الأمنية والسياسية، وكادت أن تتحول إلى معقل ثابت للجهادية العالمية لولا تسارع الأحداث وتحرك القوات الأمريكية إلى أفغانستان. 

وستحاول هذه الورقة إبراز المكانة الاستثنائية التي احتلها اليمن في فكر ووجدان أسامة بن لادن، واستجلاء ملامح تجربته الجهادية منذ نهاية الثمانيات وحتى العام 2011، وهو تاريخ اندلاع ثورات الربيع العربي واغتيال زعيم تنظيم القاعدة. مع تسليط الضوء على الخصوصية التاريخية والاستراتيجية التي حظي بها جنوب اليمن على وجه التحديد والتي تجلت بوضوح في وثائق "رمراي" [2]  وشهادات المقربين منه.

تصدير الجهاد جنوباً، وإصلاح النظام شمالاً 

كان الأفغان العرب، الذين موّلتهم أمريكا والحكومات الخليجية للقتال ضد الاتحاد السوفيتي، ذو غالبية يمنية سعودية، ولم يكن الشيخ أسامة بن لادن يثق بغير اليمنيين لحراسته [3] . وعندما انسحبت القوات السوفيتية  من أفغانستان في العام 1989 عاد بن لادن إلى السعودية محاولاً إقناع المخابرات بتكرار تجربة الجهاد الأفغاني في جنوب اليمن. لم تتعامل الرياض بجدية مع دعوة أسامة بن لادن، وأخبره الأمير تركي الفيصل بأنّ الجنوب سينهار من تلقاء نفسه. [4] 

لم يكن الفكر الجهادي حينها قد نضج بشكل مستقل في ذهن بن لادن، وكان أقرب إلى تأييد فكر الصحوة بما تمخّض عنها من ثلاث تيارات رئيسية في اليمن: السلفية التقليدية بقيادة مقبل الوادعي، والسلفية الإخوانية بقيادة عبد المجيد الزنداني، والسلفية الجهادية بقيادة بعض اليمنيين العائدين من أفغانستان. وكان أسامه بن لادن يراهن على إقناع هذه التيارات بالجهاد ضد الحكم الاشتراكي لكنه أخفق في ذلك أيضا.[5]  وكانت خطبه التحريضية في اليمن إحدى الأسباب التي جعلت السعوديين يضغطون عليه للحد من أنشطته.

في العام 1990 شهدت المنطقة حدثان مدويان؛ الأول إعلان الوحدة اليمنية التي قوّضت ممكنات نقل التجربة الجهادية إلى الجنوب، لذا عمل بن لادن من خلال التعبئة الأيدلوجية والمساعدات المالية على توحيد جبهة الإسلاميين لخوض معركة الدستور اليمني وفرض تطبيق أحكام الشريعة.

أما الحدث الثاني فقد كان اجتياح الكويت من قبل صدام حسين وما تلا ذلك من تدخل أمريكي صريح في الخليج وتكثيف التنسيق العسكري مع اليمن. كان أسامة بن لادن قد حذّر السعوديين مرارا من النزعة التوسعية للنظام العراقي، وفي وقت لاحق حاول إقناع النظام الاستعانة بالأفغان العرب لتحرير الكويت دون الحاجة إلى تدخل عسكري أجنبي، لكن عرضه لم يجد قبولا لدى صناع القرار، وأحدث هذا الأمر تحولاً هاما في فكر أسامة بن لادن الجهادي وفي تجربته العملية. [6] 

اضطر بن لادن للهروب من السعودية بعد أن وُضع تحت الإقامة الجبرية، ونجح بالانتقال سرا إلى أفغانستان ثم إلى السودان في العام 1992، ومن حينها بدأ نهجه الجهادي يتوسع من مواجهة المعسكر الشيوعي إلى استهداف المصالح الغربية والأمريكية وحلفائها في اليمن والسعودية.

وفي اليمن تجلى نهجه الجديد من خلال مساريين متوازيين:

 ترتيب أوضاع الأفغان العرب العائدين إلى اليمن، ودفع بعض قياداتهم إلى استهداف المصالح الأمريكية في عدن وهو ما حدث في فندق جولد مور في ديسمبر 1992 وأدى إلى مقتل عدد من الجنود الأمريكان كانوا في طريقهم إلى الصومال. وكانت هذه العملية فاتحة لعملية أوسع قام بها ابو عبيدة البنشيري (القائد العسكري للقاعدة) في الصومال أدت في المحصلة إلى انسحاب أمريكا من هناك. [7] 

 استغلال هامش الحرية الذي أتاحه نظام الوحدة لتسويق أيدلوجيا الصحوة الإسلامية في جنوب اليمن واستغلال مشاعر التدين الشعبي لخلق بيئات حاضنة للتيارات الإسلامية، والبدء بتنفيذ عمليات اغتيال واسعة ضد قيادات الحزب الاشتراكي اليمني، وقد بلغت هذه العمليات ذروتها في عامي 1993و 1994.

ورغم نشاطه الحثيث فقد عجز بن لادن عن تحقيق أهدافه في توحيد وقيادة جبهة الإسلاميين، وقد اصطدم باكرا مع تيار السلفية التقليدية بقيادة مقبل الوادعي الذي وصفه برأس الفتنة (حتى نُقل عن بن لادن في وقت لاحق بأنه لو عفا عن كل من أساء إليه فلن يفعل مع مقبل الوادعي). واصطدم بن لادن بانتهازية السلفية الإخوانية خصوصاً عقب مسيرة "المليون مسلح" التي قادها عبد المجيد الزنداني إلى القصر الرئاسي في صنعاء وانتهت بتعيين الأخير في المجلس الرئاسي اليمني وموافقته على الدستور  الذي كان يصفه"بالعلماني". أما الجهاديين من الأفغان العرب فقد نجح صالح في احتوائهم لاحقا لاسيما "الفضلي" و "النهدي" المتهمان بتنفيذ عملية جولد مور. [8] 

وفي مايو 1994 أعلن نائب الرئيس اليمني، علي سالم البيض إنهاء دولة الوحدة واستعادة الاستقلال السياسي لجنوب اليمن، [عقب إعلان الحرب على الجنوب] وقد مثّل ذلك فرصة جديدة لبن لادن بهدف تعظيم نفوذه السياسي؛ وعلى إثر ذلك تدفق الدعم المالي والتسليحي لمقاتلي الأفغان العرب كي يشتركوا في الحرب إلى جانب علي عبد الله صالح. ولم يقتصر موقف بن لادن على دعم المقاتلين اليمنيين بل انتقد بشده الموقف السعودي المعارض للحرب، وهو ما زاد من توتير العلاقة بينهما. [9] 

أيديولوجيا نظر بن لادن الى حرب الوحدة اليمنية باعتبارها معركته المقدسة؛ فهي من جهة تستهدف ما تبقى من المعسكر الشيوعي في المنطقة ومن جهة أخرى تمهّد لتطبيق الشريعة في اليمن، أي أنها تضرب "الانفصال والإلحاد" في وقت واحد. أما استراتيجيا فقد شخّص بن لادن إخفاق خطوة البيض على النحو التالي: "فشل الانقلاب الذي قام به الاشتراكيون في اليمن بسبب تعجلهم في بدئه قبل اكتمال مقومات نجاحه من إتمام أخذ ولاءات القبائل المحيطة وما شابه ذلك، رغم أنهم كانوا دولة بأجهزتها العسكرية والأمنية والمالية فضلا عن كونهم مدعومين من الغرب بزعامة أمريكا ومن بلاد العرب بزعامة الرياض، وكان من أهم دوافعهم للعجلة تزايد الاغتيالات بالقتل على يد المجاهدين أو الاغتيال بإضفاء الأموال من الرئيس واستمالتهم إليه". [10] 

انتصر معسكر الرئيس السابق صالح وحلفائه من الإسلاميين والقبائل في حرب 1994، لكن بن لادن عجز عن استثمار هذا الانتصار على النحو الأمثل، ففي نفس العام قامت المملكة العربية السعودية بتجريده من الجنسية وتجميد جميع أمواله، كما ازدادت الضغوط السياسية على نظام البشير كي يقوم بتسليم بن لادن ورجاله. وتعرض بن لادن في الخرطوم لأكثر من محاولة اغتيال اضطرته للعودة إلى أفغانستان مجددا في العام 1996 [11] ، ومن هناك بدأ بن لادن بتدشين مرحلة جديدة من العنف الجهادي.

المقاومة العالمية، والملاذ الآمن 

كانت الهجرة الجهادية الثانية إلى أفغانستان هي لحظة الولادة الفعلية لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة؛ وتجلى ذلك في ثلاثة مستويات:

  أولا على الصعيد النظري تصدرت واشنطن قائمة العداء وأطلق أسامة بن لادن في العام 1996 دعوة الجهاد في بلاد الحرميين، ثم في العام 1998 أعلن بن لادن عن جبهة المقاومة العالمية الإسلامية لمواجهة اليهود والصليبين.

 على الصعيد التنظيمي فقد جرى الدمج النهائي بين بن لادن الذي كان أمير الأفغان العرب وبين تنظيم الجهاد بقيادة أيمن الظواهري، وقد انضم إليهم عدد من التنظيمات الجهادية المحلية التي جرى تعبئتها لمواجهة واشنطن ضمن تصور بن لادن الذي يقدم العدو الصائل على العدو الحائل.

 أما عملياتيا فقد دشنت القاعدة أولى ضرباتها النوعية ضد المصالح الأمريكية في أفريقيا من خلال عمليتين في "نيروبي" و "دار السلام" في العام 1998. وكانت هذه العمليات هي من أقنعت الأمريكان بكون بن لادن يمثل تهديد حيوي لا يقل خطورة عن تهديد أذرع إيران في المنطقة، فقد كانت عمليتا نيروبي ودار السلام محاكاة سنية لعملية جهادية شيعية مشابهة استهدفت السفارة الأمريكية في بيروت ودفعتها إلى الانسحاب من لبنان، ولعملية حزب الله السعودي في مدينة الخبر.

 وفي هذا الطور الجهادي الناضج، ازدادت قيمة اليمن الاستراتيجية عند منظّري القاعدة [12] ، وكان مرد ذلك إلى ثلاثة عوامل:

 الجغرافيا، فاليمن هي أفغانستان مطلة على البحر، فهي تتسم بالتضاريس الجبلية الوعرة، وبالإطلالة الحيوية على طرق الملاحة الدولية، وبضعف الدولة المركزية. والأهم من ذلك مجاورة اليمن للمقدسات الإسلامية ولمنابع إنتاج النفط في الخليج.

 الديمغرافيا، فاليمن ذو كثافة سكانية عالية ومستويات فقر مرتفعة وذو تكوين اجتماعي قبلي مما يسمح ببناء ملاذات آمنة وبتجنيد عدد كبير من المقاتلين.

 الأيدلوجيا، فالطابع المحافظ والمتدين للشعب اليمني يسهّل من انتشار الأفكار الجهادية خصوصا في ضوء المد الإسلامي الصحوي، وقد تأثر منظرو القاعدة كذلك بحديث الرسول الذي بشّر بظهور جيش "عدن أبين".

ورغم جاذبية اليمن فقد ظل بن لادن مترددا حول التوقيت الأنسب لإشعال جبهة جهادية هناك؛ إذ لم يكن واثقاً من تأييد الإسلاميين اليمنيين في حال قرر المواجهة مع الحكومة، علاوة على انشغاله بترتيب وضعه التنظيمي انطلاقا من أفغانستان في ظل الغطاء السياسي والأمني القوي الذي وفرته له حركة طالبان. وفي النهاية فضّل بن لادن الإبقاء على علاقة المساكنة ما بين تنظيم القاعدة ونظام صالح، والتي جعلت من اليمن ملاذاً آمناً للأفغان العرب في ظل ما يتعرضون له من تضييق شديد في مصر والسعودية والعراق وليبيا. [13] 

ومع ذلك فقد ظلت مغريات العمل الجهادي تتوالى في اليمن؛ وفي العام 1998 ظهر "جيش عدن أبين" بقيادة أبي حسن المحضار وبدأ بالتمركز في محافظة أبين، واعتبر كثيرون أنّ هذا الأمر بمثابة "رسالة ربانية" على ضرورة التحرك عسكرياً لفرض نموذج الحكم الإسلامي المتطابق مع رؤية السلفية الجهادية، ورغم أنّ بن لادن قد اختلف مع المحضار سابقاً حول الكيفية الأمثل لبدء الجهاد، وأيضا لم يكن المحضار يرتبط عضويا بقيادة تنظيم القاعدة؛  إلا أنّ بن لادن أبدى معه كثير من التعاطف وعتب بقوة على قيادات الصحوة الإسلامية و النظام اليمني لموقفها العدائي ضد المحضار. [14] 

ومن جهة أخرى فقد تصاعد الحضور العسكري الأمريكي في اليمن نهاية التسعينات، لاسيما في عدن ومضيق باب المندب من خلال قواعدهم البحرية المتنقلة، وكان الجنود الأمريكان يتمركزن بشكل دوري في ميناء عدن ومعسكر رأس عباس ويقيمون في فنادق المدينة، بما يغري لاستهدافهم. [15] 

البؤرة الثورية: أفغانستان أم اليمن؟ 

مع بداية الألفية الثالثة طرأ تغيّر مرحلي على استراتيجية القاعدة نظرا لتراجع الأهمية الجيوستراتجية لأفغانستان؛ وعليه مال بن لادن إلى تثبيت الإمارة الإسلامية على حساب خصومها المحليين وذلك بعد مبايعته للملا عمر زعيم طالبان، والاكتفاء بضمانها كقاعدة إمداد للحركة الجهادية، وكان هذا يقتضي تفكيك التحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود الذي اغتيل من قبل بن لادن في 2001.

وبالمقابل قرر بن لادن نقل مسرح الجهاد العالمي إلى جزيرة العرب؛ من خلال التمركز الاستراتيجي في اليمن والتمدد العملياتي في السعودية. ولم تعد القاعدة تعتمد على المؤازرة التضامنية من قبل شباب التيارات الإسلامية، بل شرعت ببناء هيكل تنظيمي محلي بقيادة أبو علي الحارثي يتبع عضويا القيادة العامة في أفغانستان. وكانت مهمته - إلى جانب تنفيذ العمليات النوعية - تهيئة الأرضية اللازمة لاستقبال القيادات الجهادية المتدفقة من أفغانستان. [16] 

وبناء على هذه الخطة احتاج بن لادن إلى حدث درامي مدوي، يستدرج أمريكا لحروب جديدة في المنطقة تقود في نهاية المطاف إلى استنزافها وإسقاطها على غرار النموذج السوفيتي، كان ذلك هو الهدف الرئيسي من عملية الحادي عشر من سبتمبر، لكن بن لادن واجه عقبة أخرى تتمثل بمعارضة طالبان لأي عمليات خارجية كبرى.

اضطر بن لادن خلال العامين 1998-1999 إلى إنكار مسؤوليته المباشرة عن عمليات نيروبي ودار السلام  [17] ، وذلك حرصا منه على عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها أمير المؤمنين "الملا عمر". ولأنه أدرك أنّ عملية برجي التجارة لن تكون كسابقاتها؛ فقد اجتمع قبلها بأيام مع أهم قيادات التنظيم وأخبرهم بالتجهز للهجرة إلى اليمن [18]  . وبعد أسابيع معدودة من "غزوة منهاتن" أطل بن لادن في مقابلة مع قناة الجزيرة، تجنب فيها الاعتراف بمسؤوليته المباشرة عن العملية ولكنه باركها ضمن خطه الأيدولوجي المناهض لأمريكا. والأرجح أنه كان يحضّر للاعتراف بالعملية صراحة في السنة المقبلة بعد أن يصل إلى جبال اليمن.

لكن خطة بن لادن لم تسر على النحو المطلوب، وقد تفاجأ بسلسلة من المتغيرات التي أجبرته على تعديل نهجه الاستراتيجي، وهي:

 اقتراب النظام اليمني من أمريكا وانتهاء حالة المساكنة بين الجهاديين وصالح، وفي العام 2001 سافر الرئيس اليمني للقاء بوش الابن في واشنطن وأعلنت اليمن كشريك في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب. وكان واضحا أنّ صالح قد تعلم الدرس من صديقه صدام حسين. كما أنّ العلاقة السعودية اليمنية بدات تأخذ مسارا تعاونيا خلال هذا العام بعد تسوية ملف الحدود وانعكس ذلك إيجابا على ملف مكافحة الإرهاب.

 احتلال أفغانستان نهاية العام 2001 - ومن ثم احتلال العراق في العام 2003؛ وبالتالي فقد نجح بن لادن باستدراج القوات الأمريكية إلى المنطقة، لكن واشنطن هي من اختارت مسارح المواجهة الإقليمية ، واختارت عدم التورط في اليمن.

 تصفية الحارثي في غارة أمريكية بطائرة من دون طيار في العام 2002 (وهو نفس العام الذي نفذ فيه الحارثي عملية نوعية أخرى استهدفت ناقلة فرنسية في ميناء المكلا)، وملاحقة عناصر التنظيم المقيمين في اليمن أو القادمين من الخارج (مثل ناصر الوحيشي الذي سلمته إيران في العام 2002 إلى السلطات اليمنية)، وتهديد الملاذات الآمنة للتنظيم في المناطق النائية شرقي وجنوبي اليمن (مأرب، الجوف، شبوة، أبين).

وفي 12 من سبتمبر 2002 اختار بن لادن الصحفي يُسري فودة كي يؤكد من خلال برنامجه الاستقصائي "سري للغاية"، مسؤولية القاعدة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكان ذلك إعلانا صريحا على تلاشي الموانع السياسية التي وضعتها سابقا حركة طالبان حول العمليات الخارجية، ودلالة على عودة التحالف الوثيق بينها وبين القاعدة لمواجهة الوجود الأمريكي.

وبالمحصلة، استعادت أفغانستان قيمتها الاستراتيجية كبؤرة ثورية ضد الأمريكان، واستعادت اليمن موقعها التاريخي "كأرض للمدد"، ومن ثم أصبح العراق وجهة المجاهدين الأساسية.

حسام ردمان 
صحفي وباحث في شؤون الجماعات المسلحة
 
- الصورة الرئيسية: (النهار) 
المراجع: 
[2] "رمراي" هو الاسم الكودي الذي كان يستخدمه بن لادن في رسائله في أفغانستان وقد ظهر ذلك في وثائق ابوت اباد، أما كنية أسامة بن لادن فقد كانت "أبو عبد الله" وهو ابنه البكر الذي قرر مفارقته في السودان ولم يتحمل شظف العيش مع ابيه وعاد للعمل مع احدى شركات اعمامه. 
[3] المرجع: نبيل نعيم: كنت مُؤَسِّسًا لتنظيم الجهاد في مصر (almarjie-paris.com) 
[4] تركي الفيصل: قابلت "بن لادن" ورفضت طلبه بدعم استخباراتي في اليمن (alarabiya.net) 
[5] دعوة المقاومة الإسلامية العالمية ، أبو مصعب السوري ، صفحة 775 
[6] القاعدة.. التنظيم السري ، عبدالباري عطوان ، ص196 
[7] مجموع رسائل وتوجيهات الشيخ المجاهد أسامة بلادن ، نخبة الاعلام الجهادي ، صفحة 216 
[8] دعوة المقاومة الإسلامية العالمية ، أبو مصعب السوري ، صفحة 776 
[9](1994/6/7هيئة النصيحة والإصلاح، البيان رقم3) 
[10] وثائق ابوت اباد ، صفحة 127 
[11] مجموع رسائل وتوجيهات الشيخ المجاهد أسامة بلادن ، نخبة الاعلام الجهادي ،صفحة 221 
[12] للمزيد انظر : مسؤولية اهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم ، أبو مصعب السوري 
[14] دعوة الى جبهة مقاومة إسلامية عالمية ، أبو مصعب السوري ، صفحة 778 
[15] للمزيد انظر كتاب : الاتفاقيات الأمنية و العسكرية الأمريكية العربية وأثرها على الأمن القومي ، صفحة 144 
[16] عبدالله حيدر ، مسيرة تنظيم القاعدة في اليمن  مسيرة تنظيم القاعدة في اليمن (marebpress.net) 
[17] للمزيد يمكن العودة الى لقاءات بلادن بين هذين العامين في كتاب : مجموع رسائل وتوجيهات الشيخ المجاهد أسامة بلادن ، نخبة الاعلام الجهادي 
[18] دعوة الى جبهة مقاومة إسلامية عالمية ، أبو مصعب السوري ، صفحة 777 

11 سبتمبر تنظيم القاعدة اليمن أسامة بن لادن نظام صالح جنوب اليمن حرب1994 أفغانستان حركة طالبات الولايات المتحدة