17-09-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | المحرر السياسي
في 15 سبتمبر الجاري، تظاهر الآلاف في عدة مديريات في محافظة شبوة، ورفعوا أعلام دولة اليمن الجنوبي السابق، وطالبوا برحيل حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) من المحافظة، وإعادة نشر قوات النخبة الشبوانية. التظاهرات استنكرت قرارات السلطة المحلية برفع أسعار المحروقات أسبوعياً وتعميق الأزمة الإنسانية وإنهاك القطاع الصحي، إضافة للمطالبة بتطبيق اتفاق الرياض الذي وقعته الحكومة مع المجلس الانتقالي الجنوبي في نوفمبر 2019، وتعرّضت بعض التظاهرات لحملة قمع أمنية واعتقالات من القوات الخاصة في المحافظة.
تزامن هذا الحدث، مع تقدم ميداني للحوثيين في مديرية بيحان المجاورة لمحافظة البيضاء، سيطروا فيها على عدد من المناطق، منها وادي النحر والركب والوصيل والبديع، عقب انسحاب قوات موالية للحكومة من مواقعها وفقاً لمصادر عسكرية. وبوتيرة متسارعة غير مفهومة؛ سلّمت القوات الموالية للإصلاح في شبوة والبيضاء، بعض المواقع للحوثيين بشكل متوالٍ دون مقاومة. كشفت حالة التصعيد غير المتوقعة تلك ساحة تخادم مريح بين الحوثيين والإصلاح، لطالما أنكرها الطرفان في أكثر من مناسبة.
على ذات الصعيد، شهدت محافظتا حضرموت وعدن، مظاهرات شعبية غاضبة ضد "حكومة المناصفة"، سقط خلالها محتجين برصاص الأمن، نددت بتدهور الخدمات وانهيار العملة المحلية وتردي الأوضاع المعيشية، انتقدت فشل السعودية في ملف إعادة الإعمار في المحافظات المحررة، الذي يقوده البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن؛ ويديره السفير السعودي "محمد آل جابر"، الشخصية البارزة التي لا يقترب منها التحقيق أو المسائلة.
استبق تطوّر الأوضاع التصعيدية المقلقة في جنوب اليمن، إعلان حالة الطوارئ ورفع الجاهزية القتالية لمواجهة الحوثيين، من قبل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء "عيدروس الزبيدي" [1]. ركّز الإعلان على أهمية تصحيح مسار المعركة المشتركة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً. وهو الأمر الذي فُسر على أنّ هناك تحديات على كافة الأصعدة المذكورة، بما فيها العسكرية التي يبدو أنّ الرياض قائدة التحالف العربي؛ أخفقت في توجيه بعض الجبهات من خلال جمودها على الأرض وتغاضيها عن الأطراف التي تقود القرار في حكومة هادي ممثلة بالإخوان المسلمين، لا سيما في المعارك التي تخوضها قوات الجيش الوطني في عدة جبهات في شمال اليمن. إضافة للإخفاق في بعض جبهات جنوب اليمن التي يقودها نفس الطرف وهو يسلمها للحوثيين، ويتيح لهم التقدم العسكري تارة، والتقاط الأنفاس تارة أخرى عندما يخفف الضغط عليهم في بعض المواقع العسكرية، على وجه الخصوص في جبهة مأرب.
"تصحيح المسار"
أما تصحيح المسار الإعلامي المقصود في البيان؛ يمكن أن يفهم منه معالجة الاختلالات الإعلامية على أكثر من مستوى، خاصة المتعلقة بالمواقف المتناقضة في الخطاب الذي تقدمه القنوات الفضائية السعودية، بما فيها قناتي "العربية الحدث"، بما ينافي المصالح المشتركة لحلفاء المصير الواحد في مواجهة وكلاء إيران في اليمن، الحوثيين، سواء من خلال التأجيج ضد الانتقالي الجنوبي في تغطيتها الإعلامية مؤخراً؛ وهي تُظهر التحالف المناهض للحوثي منقسماً على ذاته، أو من خلال نشرها أخباراً تقوّي من موقف الحوثيين.
على سبيل المثال: أعادت قناة العربية الحدث بث مقتطفات من كلمة زعيم الحوثيين "عبد الملك الحوثي" وجهها لأنصاره، أرفقت القناة بجملة تحفيزية لمقاتلي الحوثي في شريطها السفلي، مقتطفاً من كلمته، وهو يقول: "بدأنا مرحلة جديدة من الحرب." إضافة لتغطيتها لأخبار "ليست مؤكدة"، حول انتهاكات تعرّض لها بعض المسافرين عبر مطار عدن، تزامن مع حملة قادها نشطاء حوثيون للهجوم على المطار، وضرورة الاتجاه بالمقابل، نحو فتح مطار صنعاء؛ وهو مطلب حوثي رئيسي دأبت السعودية والحكومة اليمنية على رفضه.
هذه التغطية الإعلامية من وسيلة إعلامية سعودية رئيسية، التي من المفترض أنها مقربة من صانع القرار السعودي، عبّرت عن إخفاق إعلامي في المعركة ضد الحوثيين، بإيراد ما يقوّي من موقفه، ويضعف من حجة التحالف العربي أمام المجتمع الدولي باستمرار إغلاقه مطار صنعاء، فضلا عن تجنبها تغطية خطاب الزبيدي، الذي دعا لمواجهة الحوثيين.
في محصلة الأمر، يمكن أن يُفهم الموقف السعودي المتناقض من جانبين: الأول، أن الرياض تلعب على جميع الأطراف وتحاول كبح جماح هيمنة ونفوذ حلفائها في الداخل، فمن جهة تحاول إضعاف الإخوان المسلمين بتقوية موقف الانتقالي، ومن جهة أخرى تحاول أن تضعف الانتقالي بتقوية الإخوان المسلمين في مكان آخر. وهي على الأرجح؛ سياسة تتبعها السعودية لتستفيد عبرها في الضغط على أحد الطرفين بما يخدم مصالحها. أما الثاني، فيُظهر أنّ الخطاب السعودي مرتبكاً؛ ولا ينم عن تكتيك أو سياسة من نوعٍ ما، بقدر ما يقود إلى مزيد من الإخفاق.
فعلاقة السعودية بحلفائها في قتال الحوثيين، تبدو مضطربة ومتغيرة، ولا تستند إلى استراتيجية واضحة على الأرجح، بقدر ما تخضع لحسابات قد تكون في معظم الأوقات مبنية على آراء شخصية أو مغلوطة. ويعتقد البعض أنّ ذلك قد لا يكون صحيحا بالنظر إلى طبيعة التناقضات التي تواجه المملكة نفسها في ملفات أخرى معقدة، كالعلاقة مع إيران والولايات المتحدة والأزمات في سوريا والعراق.
تفعيل الرباعية
اللافت أيضاً؛ أن إعلان حالة الطوارئ من قبل الانتقالي الجنوبي، فعّل عمل اللجنة الرباعية الدولية ممثلة بوزراء خارجية دول (السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا)، وهي لجنة تأسست حول اليمن في يونيو 2016، وقد كانت معطلة لفترة طويلة. وسلطت الرباعية الضوء على أهمية سرعة تنفيذ اتفاقية الرياض، وضرورة عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، بما في ذلك من دور في الإشراف على الدعم الدولي المستقبلي للانتعاش الاقتصادي، والتزامها بحل سياسي شامل للصراع في اليمن. [2]
ويقرأ بعض المراقبين تفعيل الرباعية على مسارين. الأول، أن تفعيلها جاء ربما لتحريك المياه الراكدة عبر الضغط على جميع الأطراف المعنية، خاصة فيما يتعلق بتصحيح الأوضاع الاقتصادية في الداخل. أما المسار الثاني، فيقرأه البعض على أنه جاء لإعادة ترتيب خارطة النفوذ السياسية والعسكرية، لا سيما في ظل تساقط الجبهات التي يقودها الجيش الوطني الموالي لهادي بيد الحوثيين بشكل متتالي، وسط صمت سعودي غير مفهوم، يبدو كأنه عن قصد.
وإذا ما قرأنا بعمق، خطورة المناخ العسكري السائد وحالة التخادم الصريح بين طرفي الحوثيين وحزب الإصلاح الذين يديرون القرار في حكومة هادي مؤخراً، يتبين أن الجنوبيين قد يواجهون مرحلة خطيرة متقدمة من الصراع خلال الأيام القادمة على أكثر من جبهة، الحوثيين والإخوان المسلمين من جهة، وتنظيم القاعدة الذي بدأ ينشط مؤخراً في مناطق سيطرة قوات هادي من جهة أخرى. وهي مخاوف أبداها الانتقالي الجنوبي؛ من خلال إعلانه عن حالة الطوارئ في كافة محافظات الجنوب.
لذا، من غير الواضح عمّا ستؤول إليه نتيجة كل هذه التطورات. فالقوات الموالية لحزب الإصلاح بتسليمها مديرية بيحان في شبوة للحوثيين، على الأرجح؛ ناجمة عن "صفقة" عقدها الطرفان؛ مقابل بقاء مأرب المركز معقلا لحركة الإخوان المسلمين في اليمن، وربما فتح الطريق لاحقاً أمام الحوثيين لباقي محافظات الجنوب باتجاه لودر ثم عدن. بيد أن تهوّر الإصلاح الذي يتحكم بالقرار داخل حكومة هادي، ومنح التسهيلات لجماعة الحوثي بإسقاط الجبهات تباعاً، سيساعد الأخيرة لاحقاً في العودة نحو الضغط على جبهة مأرب؛ ثم السيطرة عليها وإسقاط وجود "الإصلاح" والانقلاب عليه، من منطلق مركز نفوذ وقوة الجماعة في أكثر من جبهة؛ خاصة الجبهات التي آلت إليهم دون قتال؛ ضمن ما يُعتقد أنها صفقة ثنائية.
خلاصة القول، يمكن وضع تساؤل مفتوح عمّا إذا كان من المحتمل حدوث تحولات بعد حالة الطوارئ في الجنوب من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أعلنها عشية منتصف الشهر الجاري، وهل لهذا التغيير ما بعده؟
ربما؛ لا يوجد جواب واضح حتى الآن، سوى جواب القاعدة العلمية الباردة التي ينتهجها محترفو السياسة، "العبرة في النتائج".
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: عيدروس الزبيدي، أعلن الطوارئ في جنوب اليمن، 15 سبتمبر 2021 (مقتطع)