07-10-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
في 27 سبتمبر الماضي، سافر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى الرياض برفقة مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج في زيارة ألقت الضوء على اهتمام إدارة بايدن المستمر بإنهاء الحرب في اليمن، وشكلت دفعة رفيعة المستوى لجهود ليندركينج في هذا السياق. وفي ذات الوقت، شملت أجندة لقاءات سوليفان في المملكة قضايا أوسع نطاقا تتعلق بالعلاقات الأمريكية السعودية مما يؤكد تضارب أولويات سياسة بايدن الخارجية ويضع جهوده من أجل السلام تحت طائلة الخطر.
اشتداد الحرب اليمنية
بعد مرور 9 شهور على تولي إدارة بايدن ومبادرتها بشأن السلام في اليمن، تبدو القوى الدافعة في اتجاه السلام معطلة، إذ شهدت الدولة أسبوعا من العنف المكثف. واشتدت وطأة العنف مؤخرا حول مدينة مأرب كما تجدد القتال في جبهة الحديدة على ساحل البحر الأحمر. وعلاوة على ذلك، فإن الحوثيين يشنون مجددًا هجمات بطائرات مسيرة ضد المملكة السعودية التي صعدت بدورها قصفها الجوي لقوات المتمردين الذين يتحركون من أجل تطويق مأرب من الجنوب وإن كان ذلك يتم بوتيرة بطيئة جدا بمعدل خسائر بشرية مرتفع للغاية.
وما يؤكد ذلك أن الخسائر بين المدنيين داخل وحول المدينة تندرج تحت بند الأسوأ منذ بداية الحرب وفقا للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية. وبالرغم من التأكيد على أن الولايات المتحدة لم تستسلم بشأن الوصول إلى حل للصراعات، لا سيما فيما يتعلق باليمن وإثيوبيا، لكن منتقدي بايدن يتهمونه بفعل النقيض تماما، ويتهمون شعاره "أمريكا تعود" بأنه لا يختلف عن شعار سلفه "أمريكا أولا". ويستشهد المنتقدون بتشبث واشنطن بالشراكة الأمنية في الخليج وتأهبها لمواجهة محتملة مع الصين كدليل على استمرار عقلية الحرب الباردة. وعلى سبيل المثال، فإن صفقة الغواصات الحديثة مع أستراليا تضع أولوية لإبرام تحالف أنجلو-ساكسوني مع المملكة المتحدة وأستراليا فوق التحالف بين الناتو وأوروبا، لكن لا أحد يستطيع ضمان أن يتماشى ذلك مع إستراتيجية قوية في المحيط الهادئ.
التوترات الأمريكية - السعودية
استعجال إنهاء الضلوع الأمريكي في حروب الشرق الأوسط- كما يتضح في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان- يتصادم مع الحاجة المعلنة لاستمرار الحرب العالمية على الإرهاب. لقد كان هناك بواعث قلق تحدّث عنها ضباط عسكريون بارزون في شهادتهم أمام الكونجرس بتاريخ 29 سبتمبر مفادها أنّ عناصر بتنظيم القاعدة ما تزال تنشط على الأرض في أفغانستان. وبالفعل، فإن قاعدة شبه الجزيرة العربية، أقوى فروع التنظيم، ما يزال إلى حد كبير جدا أحد عوامل المعادلة في اليمن. بيد أن الجهود الأمريكية المتواصلة لمواجهته يتطلب الاستخدام المباشر للقوة ومساعدة الأصدقاء والشركاء في المنطقة. وتاريخيًا، دأب المسؤولون الأمريكيون على وصف السعودية باعتبارها شريكا في الحرب على الإرهاب، ولا تمثل إدارة بايدن استثناء في هذا الصدد.
إن رغبة الولايات المتحدة في فك ارتباطها بالشرق الأوسط تتضارب مع حربها ضد الإرهاب وتعهد بايدن بالضغط على الزعماء السعوديين بشأن سياساتهم في حقوق الإنسان (الجدير بالذكر أن زيارة سوليفان الأخيرة للسعودية تزامنت مع الذكرى الثالثة لمقتل جمال خاشقجي) تمثّل تنافرا بين دور المملكة كشريك للولايات المتحدة واستمرار انتهاكها لحقوق الإنسان. ثمة مشاعر قلق من تلهف روسيا والصين على الإحلال محل النفوذ الأمريكي في السعودية. لكن ذلك بالفعل جزء من إستراتيجية الرياض لمواجهة الضغوط الأمريكية، والتي لم تثمر حتى الآن عن الكثير من التغيير. وتركزت مناقشات جيك سوليفان في يوليو الماضي مع نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان على كل من القضايا الأمنية وحقوق الإنسان، لكن لا توجد أدلة على حدوث تغيير في السلوك السعودي منذ ذلك الحين. وعلى الجانب الآخر، وبالرغم من المراجعات الأولية للدعم الأمني الأمريكي، فإن الموافقة الحديثة على حزمة بقيمة 500 مليون دولار للسعودية توضّح أن مبيعات الأسلحة للمملكة في طريق العودة.
في حقيقة الأمر، إن جرأة بايدن في المبادرة بمراجعة العلاقة الاستراتيجية مع المملكة السعودية ورغبته المعلنة في وضع مبيعات الأسلحة على الميزان فقدت مصداقيتها منذ البداية من خلال التمييز المريب بين الهجوم السعودي والعمليات الدفاعية في اليمن. في الحرب، يمكن تعريف كافة الأسلحة والعمليات في سياق أي النوعين. وبالفعل، ومن وجهة نظر شيلين وريدل، فإن الحصار حول اليمن الذي تواصل الولايات المتحدة الموافقة عليه وتدعمه ذات طبيعة هجومية في حد ذاته لأنه يمنع، أو على الأقل يعرقل بشكل حاد، وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن، ولذلك ربما يمثل الضرر الأكبر حتى الآن على السكان المدنيين. ما يزال السعوديين يرفضون اتخاذ الخطوة الأولى لرفع جزئي للحصار من خلال السماح بعودة العمل في مطار صنعاء وميناء الحديدة.
ولذلك، فإن النفوذ على المملكة السعودية يبقى قيد المساومة طالما استمرت الأهداف المتضاربة في جذب الولايات المتحدة في اتجاهات مختلفة متضادة غالبا. ونفس الأمر ينطبق على الإمارات العربية المتحدة إذ أنه بالرغم من الحاجة إلى تعاونها لإخماد الحرب على اليمن، لكن ذلك يتعقد مجددا من خلال علاقة غير مريحة مع إدارة بايدن. لقد كان الإماراتيون أكثر ارتياحا مع موقف إدارة ترامب الصارم تجاه إيران، واعترى أبوظبي القلق مبكرا بعد إعلان بايدن رغبته في إعادة الاتفاق النووي، وإحيائه تأكيد أوباما على دعم التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط. وربما تؤدي الشراكة الإماراتية مع إسرائيل، التي رعاها ودعمها دونالد ترامب إلى تحفيز أبو ظبي للسير في طريق بالمنطقة لا يتماشى جيدا مع أولويات السياسة الخارجية لبايدن. وفي اليمن، ثمة مخاوف مشروعة مفادها أن الوفاق الإسرائيلي الإماراتي قد يؤدي إلى موقف أكثر تصادما مقارنة بجهود بناء السلام.
العامل الإيراني
إن رغبة إدارة بايدن في توظيف التعاون الإيراني ليس فقط في عودة الاتفاق النووي ولكن أيضا في التوصل لحل للصراع بالمنطقة تواجه كذلك تحديا صعبا. إيران، الذي ما تزال خصمًا لحين العودة إلى الاتفاق النووي، هي لاعب إقليمي آخر مهم ترتبط بدور مؤثر في الصراع اليمني. ومع ذلك، تمثل إيران حالة صعبة فيما يتعلق بممارسة أي قدر من النفوذ لحث تعاونها في إنهاء الحرب. واتخذ الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي خطًا أكثر تشددا في المفاوضات مع الولايات المتحدة منذ توليه منصبه. وفي خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتهم رئيسي واشنطن بعدم تخليها عن الحرب واستخدام العقوبات الاقتصادية كوسيلة قتال بعكس تأكيدات بايدن. ومن جانبهم، يبدو الحوثيون، الذين رحبوا في البداية بالرئيس الأمريكي الجديد، أقل قابلية الآن لتسوية تفاوضية، واتهموا واشنطن بالانحياز إلى الرياض والسعي إلى وقف تقدمهم في مأرب والضغط عليهم من أجل الاستسلام التام.
بالرغم من وجود رغبة أصلية في العودة إلى الاتفاق النووي، تبدو إدارة بايدن ممزقة بين سياسة العصا والجزرة، وتجلى اهتمامها بإقامة حوار مع طهران في اختيار روبرت مالي مبعوثا خاصا إلى إيران، مما يمثل رسالة ودودة إلى طهران لا سيما وأن مالي يشتهر باتباعه نهج الدبلوماسية أولا مع الجمهورية الإسلامية. بيد أن تلك المقاربة الإيجابية جرى تخفيفها أو تتناقض تماما مع قرار الإبقاء على العقوبات الاقتصادية ضد إيران حتى الآن، وهو ما تعتبره طهران تصرفا عدائيا وإشارة إلى افتقاد النية الجادة للعودة إلى الاتفاق. وإذا قررت الولايات المتحدة في نهاية المطاف فتح صفحة جديدة مع إيران، فإن ذلك لن يقل أهمية عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بل قد يرتبط بعواقب أكثر. سوف يتعين على إدارة بايدن صرف رأس مال سياسي ضخم لإقناع الجمهوريين- والدولة- بأن رفع العقوبات عن إيران وتوقيع الاتفاق النووي وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية معها ليس رضوخًا للزعماء الإيرانيين. بيد أن عودة هذه العلاقات تبدو شرطا مسبقا من أجل امتلاك أي نفوذ على سلوكيات طهران سواء في اليمن أو المنطقة ككل.
وأيضا، فإن مسألة ممارسة النفوذ على الحوثيين لا تقل صعوبة. منذ بداية الحرب عام 2015، تجنبت الولايات المتحدة أي دور عسكري مباشر في اليمن، ولا تعتزم إدارة بايدن تغيير هذه السياسة التي تعتمد على إبعاد العصا. أما بالنسبة للجزرة، التي تتمثل في إزالة تصنيف الحوثيين كإرهابيين فلم تحدث أي تأثير. وعلاوة على ذلك، فإن المضي قدما نحو أبعد من ذلك سوف يتطلب نهجا أكثر مباشرة ورفع مستوى العلاقات بين الجانبين والذي يمثل مشكلة أيضا لبايدن فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية الداخلية.
الديناميكيات الداخلية لليمن
لا تؤدي التأثيرات الإقليمية، رغم أهميتها في مسار الصراع، إلا إلى المزيد من التعقيد في وضع داخلي معقد أصلًا في اليمن. لقد أصبح من الكليشيهات فكرة تعثر الرئيس عبد ربه منصور هادي في القيادة رغم أنه يترأس الحكومة المعترف بها دوليا والشرعية، حيث لم يستطع إدارة ائتلافه بشكل جيد، وظل في خلافات خطيرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أبقته قواته فعليا خارج عدن. أمام حزب الإصلاح، أحد المكونات الرئيسية في حكومة هادي، فهو موالٍ جدا للسعوديين لكنه مناهض للإماراتيين. الجنرال طارق صالح، الذي يقود قوات عمه الراحل (علي عبد الله صالح) ويواجه الحوثيين في الحديدة يحظى بتمويل كامل من الإمارات التي تسيطر عليه. الأمر الأسوأ يتمثل في ذلك الشقاق ونقص التنسيق بين القوات الموالية لهادي التي تدافع عن مأرب في مواجهة الحوثيين الذين شنوا هجوما شرسا على المدينة منذ فبراير. ولم يكن الجنوبيون في حال أفضل مما هم عليه منذ أن سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن لكنهم يحظون بالقليل خارج حدود المدينة. [..] وبالرغم من ذلك، ربما يتم دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي لتمثيل الجنوب في محادثات السلام المستقبلية، حتى إذا أقيمت في منطقة تظل هشة في أفضل الأحوال.
وتأججت المظاهرات والمواجهات العنيفة بين القوات الأمنية والمحتجين في شوارع تعز وعدن والجنوب بشكل عام بسبب التضخم والفقر والأوضاع المعيشية المتدهورة. وعلى المستوى السياسي، فإن هذه الاحتجاجات تمثل إدانة لحكومة هادي غير القادرة على تأمين أي أموال من الخليج أو أي مكان آخر لمخاطبة الأوضاع في المناطق التي لا يسيطر عليها الحوثيين في اليمن. وبالنسبة لمنطقة عدن الكبرى، فإن الاحتجاجات العامة تمثل أيضا إشارة إلى إدانة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي انتزع السيطرة على الحكومة المحلية من أيدي قوات هادي لفشله في توفير خدمات أساسية يحتاجها الناس تشمل الصحة والتعليم والأمن.
وفيما يتعلق بالحوثيين، فقد استطاعوا إلى حد كبير الحفاظ على جبهة أكثر توحدا في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرتهم، بالرغم من اتهامات منظمات حقوق الإنسان لهم بأن ذلك قد حدث باستخدام الترويع وليس التعاون. مثل هذه الوحدة تخدم الحوثيين جيدا في المفاوضات طالما هم فقط من يمثلون منطقتهم. وفي حال مد الحوثيين نطاق سيطرتهم بشكل متزايد داخل جنوب وشرق اليمن وحاولوا التفاوض باسم اليمن ككل، سوف يمثل ذلك مسألة مختلفة. ويتضاءل الدعم القبلي للحوثيين في مأرب وحضرموت وشكلت قوات القبائل جزءا قويا من مقاومة تقدم الحوثيين في هذه المناطق. وفي الجنوب، حيث تتصاعد الشكوك بشأن العودة إلى أي سيطرة شمالية، يقطع الخوف من هيمنة الحوثيين الانقسامات البينية، ومن المرجح أن يكون القتال شرسًا ضد مكاسب الحوثيين هناك.
الحاجة إلى قيادة جديدة
يمثل تواجد عناصر من الجيش والاستخبارات السعودية في الحدود الشرقية بالمهرة دليلا على مخاوف المملكة حيال الاهتمامات القومية في هذه المنطقة من اليمن. وبالمقابل، فإن القوات والمستشارين العسكريين الإماراتيين يرسخون المصالح الإماراتية في عدن وسقطرى وجزيرة ميون، وميناء بلحاف على الساحل الجنوبي من شبوة، ربما بدافع التأهب لتقدم محتمل من الحوثيين إذا استطاعوا السيطرة على مدينة مأرب.
ويمكن إلقاء اللوم جزئيًا فيما يتعلق بالانقسامات اليمنية على الاختلافات بين السعودية والإمارات، الداعمتين الرئيسيتين للتحالف العربي الداعم للشرعية، لا سيما وأن الدولتين تدعمان فصائل مختلفة وتروجان لشخصيات متباينة لقيادة حكومة يمنية مستقبلية. وحتى إذا استطاعت الولايات المتحدة إقناع القوتين الإقليميتين بتنحية خلافاتهما جانبا والعمل من أجل يمن موحدة وسلمية وديمقراطية، فإن الانشقاقات الداخلية، التي طالما أحبطت مناورًا ماهرا مثل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح سوف تشكل بالتأكيد صعوبات تستعصي على أي مفاوض سلام أمريكي، إلا في حال ظهور قائد جديد أكثر كاريزما من الرئيس هادي على مسرح الأحداث يستطيع أن يجمع اليمنيين معا.
دبلوماسي سابق في الخارجية الأمريكية، زميل أقدم في المجلس الأطلسي
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: المركز العربي واشنطن دي سي
- ترجمه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات (الآراء الواردة في هذه المقالة تمثّل رأي المؤلف الأصلي)
- الصورة: المنتدى الخليجي الدولي