التحليلات

«الصندوق الأسود» لإخوان تعز: قراءة في اغتيال ضياء الحق الأهدل

26-10-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | مُنير فتحي


شكّل اغتيال القيادي في حزب الإصلاح اليمني بتعز ضياء الحق الأهدل صدمة عامة في الأوساط السياسية والاجتماعية بالجزء المُحاصر من محافظة تعز وهو الجزء الخاضع لسيطرة حكومة المنفى المعترف بها دولياً، حيث عُد الأهدل أحد الوجوه الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي والعسكري بعاصمة المحافظة وريفها الجنوبي، وصاحب الملفات الحساسة المُحاط بجملة من الاتهامات والقضايا المثيرة للجدل بين الفرقاء السياسيين.


وخيمت حالة من الحزن العام في وسائل الإعلام المحسوبة على حزب الإصلاح، وسط ذهول المئات من نشطاء الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة الاغتيال الدامي الذي وقع صبيحة السبت الماضي في شارع جمال وسط مدينة تعز، الذي يقع على بعد عدة أمتار من المقر الرئيسي لحزب الإصلاح ومقر السلطة المحلية المجاور، حيث تنتشر الأطقم العسكرية والحراسات المدججة بالسلاح.


وفي منشور على صفحتها الرسمية في موقع فيسبوك، قالت شرطة تعز أنّ الأجهزة الأمنية لا تزال مستمرة في إجراءاتها لتعقب الجاني ورصد تحركاته ليتم ضبطه وإحالته إلى جهة الاختصاص، وذلك بعد تمكنها من تحديد هويته وضبط سائق الدراجة النارية الذي فر على متنها المتهم بالجريمة والقبض على 3 من المشتبه بهم.


وفيما لا تزال الآراء متضاربة بشأن مرتكبي الجريمة ودوافعهم، ثارت العديد من التكهنات خلال اليومين الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي حول الجهة المستفيدة من اغتيال الأهدل، وذلك بالنظر إلى شخصية الأهدل الغامضة رغم حضوره الاجتماعي والسياسي الكثيف ودوره في العمل العسكري والأمني، وكونه أحد القيادات الفاعلة في التنظيم العسكري السري لجماعة الإخوان بتعز "حزب الإصلاح".


وفيما يرى البعض أن المستفيد من اغتيال الأهدل هو "مليشيات الحوثي"، لم يستبعد آخرون أنّ اغتيال الأهدل تم ضمن تصفية داخلية في حزب الإصلاح، نظرا لكون الرجل بمثابة "الصندوق الأسود" للتنظيم السري لجماعة الإخوان في تعز، حيث تولّى عدد من الملفات الأمنية الحساسة، من بينها ملف المختطفين والمعتقلين لدى الحزب، وملف السجون السرية الخاصة، التي يتُهم الإصلاح فيها بإخفاء  عشرات المعارضين، قسراً، منذ بدء الحرب في 2015.


الأهدل والسجون السرية


أظهرت وثائق، حصل "سوث24" على نسخة منها، وجود مخاطبات رسمية لضياء الأهدل – الذي لا يشغل منصباً رسمياً – تطالبه بالكشف عن مصير أحد السجناء، يُدعى "أحمد القباع"، وهي السابقة الأولى من نوعها التي توجه فيها قيادات عسكرية وأمنية ومحلية بارزة مخاطبات لقائد حزبي للقيام بذلك. بالمقابل، نفى ضياء الأهدل قطعياً معرفته بالمختطف، الأمر الذي أثار حفيظة نشطاء سياسيين وحقوقيين.




وثائق تحوي توجيهات رسمية لضياء الحق الأهدل بكشف مصير المخفي قسرا "أحمد القباع" (سوث24)

وساهمت عمليات ضغط مارستها قيادات سياسية وحزبية وحقوقية على حزب الإصلاح في تشكيل لجنة حقوقية لزيارة بعض المقرات المدنية ومنها المعهد الوطني للعلوم الإدارية ومعهد المعلمين ومدرسة باكثير، وجميعها منشآت تعليمية تابعة للدولة تُستخدم كسجون سرية تابعة لـ "حزب الإصلاح"، وهو ما أدى بالنتيجة إلى كشف قيادات الإصلاح لمصير "القباع" والسماح لعائلته بزيارته بعد ثلاث سنوات من إخفائه قسراً، وذلك تلافياً لتصاعد حدة الصراع السياسي وإنهاء عمليات التفتيش، تجنبا لانكشاف حالات اعتقال أخرى متوقعة.


قضية "القباع" هي إحدى الحالات المُثبتة، التي أظهرت تورط "الأهدل" فيها بوضوح، وتأكيد مسؤوليته عن إخفاء أحد المواطنين على ذمة تهمة "ملفّقة" بمحاولة اغتيال القيادي في حزب الإصلاح عبد الله علي حسن في العام 2015. (1)وكان مسؤولون في حزب الإصلاح نفسه، قد طالبوا الأهدل بالكشف عن محل اختفاء "القباع"، إلا أنّ الأهدل أصر على الإنكار حتى انكشفت الحقيقة، نتيجة ضغوط سياسية وحقوقية.


وقضية أحمد القباع، الذي لا يزال رهن الاحتجاز حتى الآن، ليست الوحيدة، حيث يتهم عدد من النشطاء في الحزب الاشتراكي اليمني ضياء الأهدل بالمسؤولية عن إخفاء اثنين من رفاقهم؛ الناشط السياسي ورئيس قطاع المعلمين بمنظمة الحزب الاشتراكي بتعز أيوب الصالحي، وزميله الناشط في ثورة 11 فبراير أكرم حميد، وكلاهما من نشطاء الحزب الاشتراكي اللذان تعرضا للإخفاء القسري في الأشهر الأولى للحرب على خلفية تعبيرهما عن آرائهما بشأن عمليات نهب واختلاس، اتهمت بتنفيذها عناصر وقيادات في المقاومة الشعبية، المحسوبة على حزب الإصلاح آنذاك.


لا تزال قضية الناشطين أكرم حميد وأيوب الصالحي، محل تجاهل من الأجهزة الرسمية التي أعلنت عدم علمها بمصير الاثنين، فيما تنفي قيادات الإصلاح معرفتها بمصيرهما، بالرغم من شهادات بعض المقربين منهما عن رؤيتهما. حيث قال نشطاء في "الاشتراكي" أنّ أحد بعض زملاءهم شاهدوا "الميني باص" (حافلة) التي يملكها أيوب الصالحي في عدة أماكن، أحدها على مقربة من معهد المعلمين المشار إليه آنفاً والمستخدم كسجن سري، أمّا أكرم حميد، فقد قال أحد رفاقه أنه شاهده للمرة الأخيرة في شارع 26 سبتمبر، بمدينة تعز، وهو في طريقه على دراجة نارية للذهاب لمقابلة قائده العسكري "صادق سرحان"، الذي استدعاه على خلفية حديثه عن عمليات اختلاس قام بها "سرحان".


ورغم الجدل الذي أثاره ضياء الأهدل في حياته حول عمليات الإخفاء القسري، تثار أسئلة حول العديد من عمليات الإخفاء القسري التي تشير بعض الإحصائيات إلى بلوغها العشرات من الحالات، والتي بالرغم من رصدها (2) ، يرفض أهالي الضحايا الإعلان عنها خوفاً على سلامتهم الشخصية، وأملاً من الأهالي بأن عدم إثارتهم للمشاكل قد يثير تعاطف الجهات الخاطفة والسماح لهم بمعرفة أماكن احتجازهم وزيارتهم تمهيداً للمفاوضات بشأن إطلاق سراحهم.


هل ساهم الأهدل في التخطيط لاغتيال عدنان الحمادي؟!


وبمعزل عن ملف السجون السرية، الذي يتهم ضياء الأهدل بالمسؤولية عنه على نطاق واسع، فقد طالت الرجل اتهامات بالمشاركة والمسؤولية في عملية اغتيال قائد اللواء 35 مدرع العميد عدنان الحمادي، الذي اغتيل في منزله يوم 2 ديسمبر 2019.


وبحسب شهادات أفراد وضباط في اللواء ساهموا في عملية القبض على مرتكبي عملية الاغتيال والتحقيق معهم، فقد وجدت الحراسة في هاتف أحد الجناة لحظة القبض عليهم رسالة نصية من أحد منفذي الجريمة إلى ضياء الأهدل يبلّغه فيه بنجاح العملية، فيما الرسالة التي كانت قد وصلت للتو من الأهدل للجاني تحمل استفساراً عن حقيقة نجاح عملية اغتيال الحمادي أم لا. (3) 


وأثناء التحقيقات باغتيال الحمادي، توفي اثنان من القضاة المعنيين بالقضية في ظروف غامضة؛ وكيل النيابة ورئيس المحكمة الجزائية المتخصصة، إضافةً إلى اثنين من حراسة الحمادي، أحدهما تعرض للتقل والآخر لحادث سير، كما توفي أحد القيادات في حزب لإصلاح، الثانوية، المطلوبة للتحقيق في قضية الاغتيال بحادث سير غامض بعد أشهر قليلة من وقوع الجريمة.


ورغم الضجة التي أثارتها المزاعم حول تورط ضياء الأهدل في عملية اغتيال الحمادي، والمطالبات بالتحقيق معه وكشف ملابسات الجريمة، إلا أنّ القضية وجدت طريقها للإغلاق بعد حوادث الوفاة الغامضة التي طالت عدداً من أطراف القضية، والنزاعات الإجرائية بين المحكمة ووكيل النيابة الجزائية الجديد، الذي اُتهم بإخفاء أكثر من 300 وثيقة من ملف القضية ورفض إحضار المتهمين إلى قاعة المحكمة خلال 5 جلسات متعاقبة. إضافة إلى تجاهل أوامر رئيس المحكمة ومطالباته للنائب العام ورئيس الجمهورية بضرورة إلزام النيابة بإحضار المتهمين، وتغيير النائب العام بآخر من خارج السلك القضائي (أحمد الموساي)، وأخيراً إعفاء رئيس المحكمة، أدى، كل ذلك، إلى تعطيل سير المحاكمة في خضم النزاع الدائر بين القاضي ورئاسة الجمهورية والنيابة والنائب العام إلى أجل غير مسمى.


يعتقد مراقبون أنّ الفساد المستشري في الحكومة الشرعية وتغلغل حزب الإصلاح في السلك القضائي والأمني والعسكري، أدى بالمحصلة، إلى تمييع قضية اغتيال العميد عدنان الحمادي وتعطيل مسار التحقيقات في الاتهامات الموجهة لضياء الأهدل بمشاركته في "الجريمة".


إن اغتيال الأهدل يوم السبت قد وضع نهاية غامضة لعدد من الملفات المعلّقة التي تولى الرجل مسؤوليتها أو اُتهم بها. ليس فقط قضية السجون السرية واغتيال الحمادي، ولكن أيضا قضايا أخرى كمصير التفاوض مع الحوثيين، بشأن فتح ممرات إنسانية، فضلا عن الاتهامات في "الأعمال القمية" التي شهدتها مناطق الريف الجنوبي لتعز خلال الأعوام 2018 – 2020، وشملت تصفيات ميدانية لشخصيات عسكرية ومدنية. بالإضافة إلى ملف الصراع مع أبو العباس والمسؤولية عن المقابر الجماعية في المدينة القديمة، التي تبادل الطرفان الاتهامات بشأنها.


وبصرف النظر عن الجدل الكبير بشأن الدور الذي لعبه ضياء الأهدل في تلك القضايا وصحة الاتهامات التي أثيرت حوله من عدمها، إلا أنّ معلومات وتقارير أكّدت الدور المحوري الذي لعبه الرجل في الأنشطة السرية للتنظيم، خصوصاً في الجوانب العسكرية والأمنية. ووفقا للمصادر، كان الأهدل الذراع الأيمن للمسؤول العسكري للإخوان عبده محمد فرحان الشهير بـ "سالم"، مكنه موقعه ذلك من لعب أدواراً سياسية واجتماعية في بعض الملفات الحساسة والغامضة.


ضياء الأهدل.. البداية والنهاية


لا يعرف الكثير عن ضياء الحق الأهدل، سوى أنه كان مسؤولاً حزبياً في إحدى مديريات محافظة تعز بمنطقة سامع شرق المحافظة، حيث قدم إلى المدينة مع اندلاع ثورة الشباب اليمنية في فبراير 2011، لينخرط ضمن النشاط الثوري في الساحة كأحد كوادر الإخوان النشطة في الساحة.


في 29 مايو 2011 أُحرقت ساحة الحرية بتعز، واتهم "الإصلاح" نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح بإحراقها، وقد مثل ذلك بداية التحول في دور الأهدل الذي وجد من التحضيرات للعمل العسكري فرصته لإظهار نفسه، حيث سعى الجنرال البارز ، المنشق عن صالح، علي محسن الأحمر، للدفع بعدد من الضباط والمشائخ المحسوبين على "الإصلاح" لتفجير غارات قتالية بهدف جر القوات الموالية لصالح في اشتباكات متقطعة في "تعز" وزيادة الاحتقان الشعبي ضد الرئيس آنذاك.


خلال تلك المرحلة منح الجنرال الأحمر رتباً عسكرية لعدد من النشطاء الإصلاحيين المساندين للعمل العسكري وكان من بينهم الأهدل الذي حصل على رتبة عقيد ضمن قوام الفرقة الأولى مدرع التي يسيطر عليها الأحمر. مع اندلاع الحرب اليمنية عام 2015، وهروب غالبية قيادات الإصلاح إلى محافظات أخرى أو إلى الخارج، وجد الأهدل نفسه لأول مرة في الصدارة بعد أن كان في الصفوف الخلفية لسنوات، وساهم من خلال العمل كسكرتير لمجلس تنسيق المقاومة في إثبات حضوره كشخصية قيادية وهو ما تحقق لاحقاً.


ومع عودة قيادات الإخوان إلى تعز لاستقبال الدعم وإدارة التمويل والتسليح والسيطرة على المحافظة، تولّى الأهدل العديد من المهام والملفات ذات الحساسية، ولكنه مع ذلك، ظل يكتسب نفوذه من طبيعة المهام الموكلة إليه وليس من حضوره وتأثيره داخل الحزب.


نُسب للأهدل خلال الأشهر الأخيرة مساهمته الفاعلة في قيادة المفاوضات بين محور تعز العسكري وبين القوات المشتركة في الساحل الغربي بقيادة نجل شقيق الرئيس السابق طارق صالح، وذلك بعد خلاف وخصومة بين الطرفين دامت لسنوات. وتميل أطراف إلى التكهن بأن دوافع اغتيال الأهدل تعود إلى دوره في التشجيع على التوافق (4) بين القوات العسكرية الموالية للإصلاح، ونظيرتها الموالية لصالح، وذلك بعد الانهيارات المتتالية التي شهدتها جبهة القتال في محافظة مأرب، الأمر الذي ينذر بهزيمة سريعة لقوات الإصلاح الهشة في تعز، التي لا يتوقع قدرتها على الصمود، بسبب فشل سياسات الحزب العسكرية والإدارية.


ورغم أنّ الأهدل لعب دوراً فاعلاً في تأسيس المعسكرات السرية الممولة من دولة قطر عبر الشيخ حمود المخلافي، التي تولى إصلاح تعز مسؤولية إنشاءها عن طريق تحشيد المقاتلين وتدريبهم في بعض المدارس والمرافق النائية وإعدادهم لخوض المواجهة مع القوات المدعومة إماراتياً، مثل قوات طارق صالح وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن البعض رأى أن دوره الأخير في تحقيق التقارب بين محور تعز العسكري وطارق صالح قد يكون سبباً لاغتياله من قبل جهات "استخبارية" خارجية أزعجها ذلك.


في المحصلة، يعزز، اغتيال الأهدل بتلك الصورة، فرضية واحدة مفادها: أنّ القائم بعملية الاغتيال هو من داخل حزب الإصلاح نفسه. فقد كشفت تسريبات بيانية أمنية، أنّ منفّذ عملية الاغتيال، جندي في أحد ألوية الجيش الموالية للإصلاح، كما أنه ينتمي إلى نفس الحزب والمنطقة التي ينتمي إليها الأهدل، ويدعى عبد الرحمن عارف القاضي. (5)


وفي حين تُشير التسريبات إلى أنّ دوافع الجريمة جنائية تتعلق بخلاف شخصي، تُثار العديد من الأسئلة حول أسباب تلك التسريبات وحول الهدف من تصريحات إدارة الأمن بكشف هوية الجاني قبل أن يتم القبض عليه ما لم يكن ذلك رغبة في تمييع مسار القضية، لكنه بالمقابل، يعزز الشكوك بأنّ عملية تصفية الأهدل أو "الصندوق الأسود" للجماعة، تعود لتناقضات داخلية في الحزب، يصعب التنبؤ بها في الوقت الحالي.


منير فتحي هو استم مستعار لصحفي يمني في تعز، تم التحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية


- مركز سوث24 للأخبار والدراسات

- الصورة: القيادي في حزب الإصلاح، ضياء الحق الأهدل، الذي قُتل في تعز، يو 23 أكتوبر 2021 (محمد الحسني) 


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا