شركات الاتصالات: رئات اقتصادية وأمنية للحوثيين في الجنوب

شركات الاتصالات: رئات اقتصادية وأمنية للحوثيين في الجنوب

التقارير الخاصة

الخميس, 11-11-2021 الساعة 10:32 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| يعقوب السفياني 

أثرت  الحرب الدائرة منذ سبع سنوات، في اليمن، على قطاع الاتصالات، وبات الحوثيون يضعون أيديهم بشكل شبه كامل عليه، في ظل اتهامات بتعمد الحكومة المعترف بها دولياً، إبقاء القطاع في الشمال، خشية أن تسبب أي خطوات لنقله إلى الجنوب تبعات على المسار السياسي والاقتصادي لصالح خصومها هناك.

ويبلغ عدد شركات الاتصالات والإنترنت، العاملة حالياً في السوق اليمنية ست شركات؛ (سبأفون، إم تي إن، واي، يمن موبايل، تيليمن، وعدن نت)، تخضع كلها عدا (عدن نت) لـ "ميليشيات الحوثي" المدعومة من إيران، التي تسيطر على صنعاء ومعظم شمال اليمن. 

 وتُدَّر هذه الشركات بموارد مالية هائلة لخزينة الجماعة، بالإضافة للتفوق الأمني والاستخباراتي عبر استغلالها في أعمال التجسس والمراقبة على خصومها.

وتعود ملكية شركات (سبأفون، واي، إم تي إن) العاملات بنظام (GSM) إلى القطاع الخاص، بينما تتوزع (يمن موبايل) العاملة بنظام (CDMA) على القطاع الحكومي بشكل رئيسي، والمُساهمين؛ فيما تعود ملكية (تيليمن) للدولة.

كما تقدَّم شركة "يمن نت" التابعة لـ "المؤسسة العامة للاتصالات" في صنعاء خدمات استضافة المواقع، خدمات الطلب الهاتفي Dialup, الـ ISDN، خط المشترك الرقمي ADSL, تراسل البيانات وغيرها. [1] 

وسيطر الحوثيون على إيرادات هذه الشركات بشكل جزئي عقب اجتياح العاصمة اليمنية، أواخر العام 2014، لتحكم قبضتها بشكل كلي عليها عقب مقتل الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، على يد مسلحي الجماعة في 4 ديسمبر 2017، واختطاف وزير الاتصالات الموالي له، جُليدان محمود جُليدان، واستبداله بموالٍ للجماعة.

واستمرت سيطرة الحوثيين على الشركات الست على مدى أعوام لاحقة حتَّى الآن، دون أي تحرك حقيقي من الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً لانتزاع هذه الموارد والأصول الهائلة.

ويمكن تصنيف الموقف الحكومي ضمن منهج التخاذل متعدد المستويات من قِبل الحكومة تجاه الحوثيين؛ فيما يمكن اعتباره ذا صلة بحرص أطراف شمالية على إبقاء هذه الشركات بعيداً عن عدن وجنوب اليمن، ولو كان ذلك يعني استئثار الجماعة الدينية (الشمالية) بها.

وأظهرت بيانات صادرة في نوفمبر 2019 عن وزارة الاتصالات اليمنية أنَّ عدد مشتركي خدمة الهاتف النقال في البلاد وصل إلى 18.57 مليون مشترك.

الشركات 

يمن موبايل 
تأسست عام 2004 كشركة حكومية بالكامل، ثم بدأت في منتصف 2006 إجراءات تحويلها إلى شركة مساهمة يمنية عامة عبر طرح أسهم للاكتتاب العام. وفي فبراير 2007 أُشهرت رسميا كشركة مساهمة. [2]  

 تتوزع أسهمها بنسبة 59.37 بالمئة للحكومة ممثلة بمؤسسة الاتصالات و17.09 بالمئة لصناديق التقاعد والضمان الاجتماعي والنشء والشباب وهيئة البريد، و23.54 بالمئة للمواطنين والشركات الخاصة والموظفين. 

تتصدَّر "يمن موبايل" خدمة الهاتف النقّال بـ 7.4 مليون مشترك، وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة الاتصالات اليمنية، وتُعَّد الشركة الأقوى في السوق اليمنية. 

وفي يناير 2018، أجرت وزارة الاتصالات الحوثية في صنعاء، والتي أُوكلت لـ "مسفر النمير"، تغييرات واسعة في مجلس إدارة شركة "يمن موبايل"، تضمنّت تعيين عصام الحملي، رئيسا للمجلس، وطه زبارة، وفاء عبد القادر، عبد الكريم الانسي، وأمين الحوثي أعضاءً فيه. [3]  

كما عيَّنت الجماعة القيادي الحوثي محمد شرف الدين مسؤولاً مالياً للشركة، والقيادي عبد الملك المتوكل مديراً للتسويق. ووفقاً لوسائل إعلام، أعدَّ الحملي وشرف الدين والمتوكل لائحة تضم أسماء العشرات من صغار المسؤولين في الشركة للإطاحة بهم، على الرغم من كفاءتهم، لاستبدالهم بموظفين حوثيين. 

ومثّلت هذا التغييرات، طبقاُ لخبراء، استكمالاً لاستيلاء الجماعة على كافة مقدرات وموارد الشركة، والتي وصفها البعض بـ "الدجاجة التي تبيض ذهباً" للحوثيين. 

سبأفون  
شركة اتصالات يمنية وتعتبر أول مزود لخدمة جي إس إم في اليمن حيث بدأت عام 2001، وتتبع القيادي بحزب الإصلاح، حميد الأحمر بنسبة 60%، وشركة بتلكو البحرينية بنسبة 26.9%، بالإضافة لـ "شركة إيران للاستثمار الأجنبي". [4] 

إلى جانب يمن موبايل، تتصدر سبأفون عدد مستخدمي خدمات الهاتف النقال بما يقرب من 6 ملايين مستخدم.

كغيرها من شركات القطاع الخاص، سيطر الحوثيون على سبأفون مع دخولهم صنعاء، وفي أغسطس 2019، انقسمت الشركة إلى جزأين بعد فرض الجماعة مدراء موالين لها.

واتهم بيان للجزء المنشق عن الشركة الأم في صنعاء الحوثيين باقتحام مقر الشركة، ونهب أصولها، وتغيير حراسة الشركة، وإصدار تعيينات غير قانونية، وتزوير بعض الأوراق الرسمية للشركة التجارية، والأختام الخاصة بها.

وبعد أيام، أعلن الفرع المنشق عن الشركة الأم الخاضعة للحوثيين انتقاله إلى عدن، لكنَّ خبراء اتصالات أكدَّوا أن السلطة الفعلية على الشركة وخدماتها لا تزال بيد الحوثيين.

وخلافاً لهذا، يؤكَّد مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة الاتصالات اليمنية، المستشار الإعلامي للوزارة، وجدي السعدي، في حديث مع "سوث24" أنَّ شركة سبأفون "تعمل الآن في المناطق المُحرَّرة بشكل مستقل عماَّ تم الاستيلاء عليه من كل مكونات الشركة بمناطق سيطرة الحوثيين، بما فيها المقر بصنعاء".

ولفت السعدي إلى أنَّ الشركة "أصبح لديها مقرها الخاص في العاصمة عدن، وتؤدَّي عملها بعيداً عن سيطرة الحوثيين".

إم تي إن (MTN) 
جزء من شركة إم.تي.إن جروب (بالإنجليزية: Mobile Telephone Network Group)‏ هي شركة اتصالات متعددة الجنسيات تأسست في جنوب أفريقيا عام 1994، وتقدَّم الشركة خدمة الاتصالات الهاتفية والمحمولة في العديد من دول أفريقيا والشرق الأوسط. [5]   

تمتلك المجموعة العالمية ما نسبته 83% من الفرع باليمن، بينما ساهم رجال أعمال يمنيون في باقي النسبة.

بعد يمن موبايل وسبأفون، تأتي MTN ثالثاً بعدد مستخدمي خدمة الهاتف النقّال، بما يقرب من خمسة ملايين مستخدم.

وتمهيداً للاستيلاء على أرصدتها بعد فرض ضرائب وإتاوات ضخمة عليها منذ سيطرتهم على صنعاء، أصدرت محكمة الضرائب الابتدائية في صنعاء حكماً بحجز أرصدة شركة MTN في جميع البنوك وشركات الصرافة. [6]  

وقالت المحكمة أنَّ قرارها جاء "بناءً على الطلب المقدم من مصلحة الضرائب".

ومؤخراً، كشف خبراء اتصالات عن مساعي للحوثيين للاستيلاء الكلي على الشركة عبر شرائها.

وقال المهندس محمد المحيميد، إن الحوثيين يجرون اللمسات الأخيرة على المفاوضات النهائية لشراء شركة MTN فرع اليمن، بعد أسابيع قليلة من دفع الشركة مبلغ 26 مليون دولار أمريكي للجماعة، رسوم تجديد رخصة للعام 2020-2021 في كامل أنحاء البلاد "بما فيها المناطق المُحرَّرة". [7]  

وأشار المحيميد إلى أنَّ "الشركة القابضة للاستثمار" التابعة للحوثيين ستشتري شركة MTN فرع اليمن بـ 150 مليون دولار، فيما تبلغ قيمة الشركة السوقية مليار دولار.

وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة إم تي إن، روب شوتر، قد أعلن في مؤتمر صحافي، في أغسطس 2020، عن قرار بالخروج من الشرق الأوسط والبدء في خطوات للانسحاب من ثلاث دول هي: سورية وأفغانستان واليمن في غضون 3 إلى 5 سنوات مقبلة. 

تيليمن 
الشركة اليمنية للاتصالات الدولية (تيليمن)، هي شركة اتصالات تابعة للمؤسسة العامة للاتصالات السلكية الخاضعة بشكل كلي لسيطرة الحوثيين. [8]  

وتقدَّم الشركة خدمة الاتصال الدولي المباشر من خلال الهاتف الثابت، وتمثَّل المزوَّد الوحيد للاتصالات الدولية لجميع شبكات المحمول في اليمن.

يمن نت 
شركة تتبع المؤسسة العامة للاتصالات، تقدّم خدمة الإنترنت في اليمن، وتم إنشاءها في العام 2001 لتختص بإدارة خدمات الإنترنت وتراسل المعطيات في كافة أنحاء البلاد، ولتقدم الخدمات التي يوفرها مزوّدو خدمات الإنترنت في العالم. [9]  

استولى الحوثيون على "يمن نت" بسيطرتهم على المؤسسة العامة للاتصالات، وضاعفوا رسوم خدمة الإنترنت التي توفرها بنسب كبيرة، بالإضافة لاستخدامها في حجب مواقع تعتبرها الجماعة مُعادية. [10]  

واي 
شركة هيتس يونيتِل (المعروفة باسمها التجاري وهو شركة واي للاتصالات)، وتوفر خدمة الهاتف النقال عبر النظام العالمي، جي إس إم (GSM).

وهذه الشركة من شركات القطاع الخاص المملوكة لشركات استثمارية كويتية وسعودية ومستثمرين من القطاع الخاص في اليمن والإمارات العربية المتحدة وسوريا. [11]  

وكمثيلاتها من شركات الاتصالات، فرض الحوثيون ضرائب باهظة عليها، لتُعلن المحكمة التجارية في صنعاء إفلاس الشركة في مارس 2020، ويشتريها عقب ذلك، رجل الأعمال المُقرب من الرئيس اليمني هادي، أحمد العيسي، ونجل هادي، جلال، لاحقاً.

لكنَّ الحوثيين في صنعاء أعلنوا بعد أشهر من العام ذاته، وتحديداً في يونيو، عودة الشركة للعمل، مُعتبرين إعلان إفلاسها " عثراً عرضياً ناتجاً عن تداعيات العدوان والحصار على مختلف الشركات الاستثمارية والخدمية العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية اليمنية". [12]  

رئات اقتصادية 
 
في الجانب الاقتصادي يُعدّ قطاع الاتصالات أحد أهم المصادر الإيرادية للدولة، ولا سيما العملة الصعبة، إذ احتلّ هذا القطاع قبل الصراع المرتبة الثانية بعد قطاع النفط والغاز؛ إذ يدفع مشغلو خدمة الهاتف النقال رسوماًٍ مختلفة للحكومة مقابل إنشاء شبكات لاسلكية مُتنقلة عامة وتشغيلها وإدارتها وتقديم خدمات الاتصالات اللاسلكية. 

من هذه الرسوم رسوم الحصول على الترخيص والتي تُدفع مرة واحدة لمدة الترخيص التي قد تكون عاماً أو أكثر. [13]  

وقامت بعض الشركات بدفع رسوم للحوثيين لتمديد مؤقت لترخيص التشغيل حتى يتسنى لها التفاوض على ترخيص جديد كشركة إم تي إن يمن التي قامت في 2016 بسداد 36.4 مليون دولار لتمديد ترخيصها المنتهي لمدة 29 شهراً، انتهت في ديسمبر 2017. [14]  

 إضافة إلى رسوم الحصول على الترخيص، يُحصَّل الحوثيون من شركات الاتصالات اللاسلكية العامة رسوما سنوية تحت بند تنظيم قطاع الاتصالات. [15]  

ووفقاً لـ "الجهاز المركزي للإحصاء" التابع للحوثيين في صنعاء، في "كتاب الإحصاء السنوي 2017"، أسهم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات بحوالي 7% من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي [16] . وتُظهر هذه النسبة الضخمة أهمية قطاع الاتصالات اقتصادياً بالنسبة للجماعة الحوثية، وكيف تتنفس عبره بفضل الموارد التي تجنيها من محافظات جنوب اليمن، والمناطق التي لم تسيطر عليها الجماعة بعد في الشمال.

وتُقدَّر العائدات السنوية من قطاع الاتصالات، قبل سيطرة جماعة الحوثي التامة عليه، بـ 159 مليون دولار، وهو الرقم الذي يُرجح زيادته بنسبة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة.

ويؤكَّد خبراء أنَّ العائدات المالية لقطاع الاتصالات لخزينة الحوثيين أكبر بكثير من هذه النسبة، حيث استكملت الجماعة على مدى الأعوام اللاحقة سيطرتها على القطاعين العام والخاص، بالإضافة لفرض رسوم وضرائب باهظة على مبيعات فواتير وكروت الشحن.

وحول وجهة إيرادات قطاع الاتصالات، أوضح المسؤول بوزارة الاتصالات اليمنية، وجدي السعدي، أنَّ "منها ما يذهب إلى خزينة الحوثي، ويمثَّل النسبة الأعلى، ومنها ما يذهب لخزينة الحكومة الشرعية".

ويضيف، "وذلك بما يمثَّل بنسبة وتناسب من حيث الكثافة السكانية المُتمركزة بشكل أكبر بمناطق سيطرة الحوثي".

ويؤكَّد الخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، لـ"سوث24" أنَّ قطاع الاتصالات "أكثر دخلاً اليوم من قطاع النفط باليمن".

ويضيف، "لا توجد إحصائية رسمية عن ميزانية هذا القطاع بالذات، بسبب أنَّه كان مٌتقاسماً بين نافذي صنعاء والدولة، لكن مليارات الدولارات ذهبت كلها لخزينة الحوثيين من هذا القطاع".

وقال خبير الاتصالات محمد المحيميد، في ندوة نُظمت في مدينة مأرب في فبراير 2020، إنَّ الحوثيين تحصلَّوا من أبرز ثلاث شركات اتصالات يمنية وهي (يمن موبايل وسبأفون وإم تي إن) مبلغ 305.316 مليار ريال يمني خلال خمس سنوات "تحت بند الضرائب والزكاة".

وأفادت مصادر في المؤسسة العامة للاتصالات الخاضعة للحوثيين، لصحيفة "البيان" الإماراتية إنَّ الموارد الضريبية التي يحصلَّها الحوثيون من قطاع الاتصالات تبلغ 80 مليار ريال يمني سنوياً. [17]  

وأوضحت المصادر إنَّ عوائد الجماعة من قطاع الاتصالات بلغت 280 مليون دولار عام 2018، بما يساوي 140 مليار ريال "مسجلةً زيادة عن السنوات السابقة جرَّاء إضافة الميليشيا رسوماً جديدة منها رسوم غير معلنة".

وأشارت المصادر إلى سعي الحوثيين الحثيث للحصول على إيرادات قطاع الاتصالات المُحتجزة في الخارج، والبالغة 300 مليون دولار.

ويستخدم الحوثيون أيضاً خدمة الرسائل القصيرة في شبكات الهاتف النقال لطلب التبرع من المواطنين لصالح "المجهود الحربي"، ودعم "المولد النبوي" الذي تقيمه الجماعة كل عام.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ شركات الاتصالات تفرض رسوماً وتكاليف تصل إلى أكثر من 200% على محافظات جنوب اليمن، مُتحجَّجة بفارق سعر صرف الريال اليمني بين صنعاء وعدن، والذي بلغ 120%.

تفوق أمني واستخباراتي 

في أغسطس 2020، أفادت مصادر محلية يمنية لقناة "العربية" السعودية بإدخال الحوثيين "أجهزة تنصت في شركات الاتصالات الخاضعة لسيطرتها، وذلك للتجسس على قيادات في الشرعية ومعارضين للجماعة، بالإضافة إلى موالين مشكوك فيهم". [18]  

وأكَدت المصادر للعربية أنَّ الحوثيين وضعوا أكثر من 3 آلاف شخص من العسكريين والمدنيين في الحكومة الشرعية "تحت المراقبة والتنصت"، وربطوا منظومة الاتصالات العامة "بجهاز الأمن والمخابرات التابع للميليشيات بأوامر من عبد الملك الحوثي، كما أضافوا أنظمة جديدة للشبكة خاصة بالتنصت، يتم تشغيلها بإشراف من مهندس لبناني تابع لـ حزب الله".

وأشارت المصادر إلى أنَّ الجماعة "تقوم بفصل الاتصالات وتشغيلها في بعض مناطق المواجهات بمأرب والجوف، وذلك وفقا لمتطلباتها في أرض المعركة".

وبالفعل، غالباً ما يستبق الحوثيون هجماتهم العسكرية – وفقاً لخبراء ومراقبين - بقطع الاتصالات عن المنطقة المُستهدفة، ولعل منطقة "حجور" في حجة، التي احتلتها الجماعة في مارس 2019، بعد حصار عنيف ومعارك مع القبائل تزامناً مع قطع خدمات الاتصال عنها، أبرز الأمثلة على ذلك. [19]  

وعزى المراقبون هذه الاستراتيجية الحوثية إلى رغبة الجماعة في التعتيم الكلي عمَّا يجري على الأرض، والذي قد يتضمَّن انتهاكات وأعمال عنف ضد المدنيين، بالإضافة لمحاولة عرقلة تواصل الأهالي والقبائل المدافعين على أرضهم.

ويقَّر المسؤول بوزارة الاتصالات اليمنية، وجدي السعدي، بوجود "مخاطر أمنية كبيرة لا نخفيها على أحد، تتمثَّل في التجسس والمراقبة والتنصت على الكثير من المشتركين، وقد ألحقت الضرر الكبير بالعديد من القيادات الحكومية والصحفيين الملاحقين من قبل الحوثيين".

ويشير السعدي إلى أنَّهم في الحكومة اليمنية أبلغوا "الجهات الدولية" بما يمارسه الحوثيون، مُضيفاً، "قدَّمنا لهم أسماء وطالبنا باتخاذ العقوبات، لكن للأسف لم يتم إصدار العقوبات".

واعتبر السعدي هذا الموقف الدولي قد "شجَّع ميليشيات الحوثي على الاستمرار، ووفَّر لها الغطاء الدولي للاستمرار في الأعمال الإجرامية".

ويشير الخبير ماجد الداعري إلى أنَّ الحوثيين "بالإضافة لمكاسبهم الاقتصادية الضخمة من قطاع الاتصالات، يعزَّزون قبضتهم الأمنية ومراقبتهم التجسسية والاستخباراتية لخصومهم ومعارضيهم من خلال هذا القطاع".

كما نفذَّت الجماعة الدينية المدعومة من إيران هجمات كثيرة عبر الطائرات المُسيَّرة والصواريخ الباليستية، استهدفت قيادات عسكرية بارزة في جنوب اليمن، وتجمعات عسكرية للقوات الجنوبية.

وفي فبراير 2017، قُتل رئيس أركان الجيش اليمني، أحمد سيف اليافعي، بصاروخ حوثي في مدينة المخا، بالساحل الغربي.

وفي يناير 2019، هاجم الحوثيون قاعدة العند العسكرية الاستراتيجية في محافظة لحج، جنوب اليمن، بطائرة مُسيَّرة، وخلَّف الهجوم قتلى بينهم نائب رئيس هيئة الأركان، صالح الزنداني، ورئيس الاستخبارات العامة، محمد صالح طمَّاح، وعشرات الجرحى.

كما قُتل القيادي البارز بالقوات الجنوبية، منير اليافعي أبو اليمامة، بهجوم صاروخي خلَّف عشرات القتلى والجرحى من الجنود، في معسكر الجلاء بعدن في أغسطس 2019.

وتكرّر هذا النمط من الهجمات الحوثية مرات عديدة، مُستهدفاً معسكرات جنوبية في الضالع ولحج وأبين، بالإضافة لمدينة مأرب التي تضم وزارة الدفاع ومقر قيادة المنطقة العسكرية الثالثة.

ويشير خبراء إلى اعتماد الحوثيين بشكل أساسي على شركات الاتصالات الخاضعة لها، والتي تقدَّم خدماتها في الجنوب في التجسس والتتبع والمراقبة وتحديد المواقع.

وفي نوفمبر، كشفت شركة “ريكورد فيوتشر” الدولية المختصة في استخبارات التهديدات الإلكترونية، عن قيام الحوثيين باستخدام شبكة الإنترنت "لصالحها للمراقبة والتجسس على مستخدمي الشبكة العنكبوتية، وحجب كل ما يخالفها". [20]  

ووفقاً لمؤسسة "أكسس ناو" المُدافعة عن الحقوق المدنية الرقمية في جميع أنحاء العالم في تقريرها لعام 2019، حاز اليمن على "أكبر نصيب من حيث عدد عمليات حجب الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط". [21] 

ولفتت المؤسسة إلى أنَّه "وفضلاً عن هذا، وردت تقارير من عدّة مصادر موثوقة مفادها أنَّ العدد الحقيقي لعمليات حجب الإنترنت في اليمن يتجاوز بكثير العدد الذي تمَّ توثيقه".

وفي أواخر نوفمبر 2020، حجب الحوثيون كلياُ عشرات المواقع لقنوات فضائية دولية وعربية ومحلية، بينها قناة "الحُرة"، وقناتي "العربية" و"الحدث"، بالإضافة لشبكة "الجزيرة".

كما حجبت الجماعة معظم المواقع الاخبارية المُصنفة بالمعادية لها، وموقع وكالة "سبأ" الحكومية، التي انقسمت أيضاً بين الجماعة والحكومة اليمنية.

موقف الحكومة اليمنية 

رغم ما يدرَّه قطاع الاتصالات من إيرادات مالية ضخمة إلى خزينة الحوثيين، بالإضافة للمخاطر الأمنية والعسكرية اللامتناهية التي يشكلَّها بقاء هذا القطاع بيد الجماعة، لم تقم الحكومة اليمنية – بحسب خبراء ومراقبين – بأي إجراءات حقيقية لانتزاع هذا القطاع. [22] 

وأشار الخبراء إلى أنَّ الأمر يحتاج فقط قراراً سياسياً من الحكومة، ومخاطبة الجهات الدولية المختصة بسحب "الأكواد" من الحوثيين، وتفعيلها بعد نقل المؤسسة العامة للاتصالات والشركات المزوَّدة للخدمة إلى مناطق سيطرة الحكومة.

ويؤكَّد الخبراء أنَّ لا سبب مُقنع يمنع الحكومة المٌعترف بها دولياً من انتزاع هذا القطاع الهام اقتصادياً وأمنياً من قبضة الحوثيين، فالجوانب القانونية والإدارية والفنية كلها في صف هذه الحكومة.

إنّ الموقف الحكومي الضعيف يرجع، على ما يبدو، إلى تفضيل الأجنحة المُسيطرة على قرار الحكومة اليمنية، وبشكل رئيسي حزب "الإصلاح" الإسلامي، بقاء قطاع الاتصالات بيد الحوثيين في صنعاء بدلاً عن عدن.

على الأرجح، تخشى هذه الجهات ذات النفوذ السياسي والإداري والعسكري الواسع في "الشرعية" اليمنية من اتخاذ شركات الاتصالات العاصمة عدن مقراً لها، وهو ما يرتبط بمخاوف أكبر لديها من استقلال جنوب اليمن بهذا القطاع، وبالمحصلة تعزيز انفصاله الشامل عملياً.

وحول هذا، لفت ماجد الداعري إلى أنَّ "الشرعية رفضت كل المشاريع والخُطط التي قُدَّمت لها لفصل شبكة الاتصالات، ومنها خُطَّة سهلة جداً تتمثل في إعادة كيبل الانترنت والاتصال البحري الرئيسي من الغيضة-المكلا-عدن، بدلاً من الغيضة-مأرب-صنعاء".

ويتابع، "كان وزير الاتصالات السابق لطفي باشريف متورطاً بعلاقات ومصالح شخصية مع صنعاء، وخاف من عواقب ذلك القرار الذي رفضه رغم اتخاذه قراراً شكلياً بنقل إدارة تيليمن، المزود الرئيسي للاتصالات في البلاد، إلى عدن".

مضيفاً، "فشل باشريف بعدها في صرف مرتبات الموظفين للعمل بعدن بسبب تلاعبه ورفضه حقيقة أي تحركات حكومية لفصل الاتصالات عن صنعاء، كون مصالح (آل الأحمر) وأبرز قيادات الشرعية [الحكومة المُعترف بها دولياً] والتجار النافذين والبنوك وغيرها مرتبطة بصنعاء".

ويؤكَّد الداعري أنَّ "الجميع يخشون من سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على قطاع الاتصالات وتحكمه فيها، لذلك يفضلَّون استمرار سيطرة الحوثيين عليها، بدلاً من شريكهم الجنوبي".

ونفى المسؤول بوزارة الاتصالات اليمنية، وجدي السعدي، صحة كل هذه الادعاءات.

وأكَّد السعدي أنَّ "الوزارة قدَّمت ومنذ الوهلة الأولى لتشكيل الحكومة الدعوات للاستثمار والشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص بجميع قطاعاته دون استثناء، كما أنَّ الوزير الدكتور نجيب العوج حريص على إشراك القطاع الخاص في الاستثمار".

وعلّل السعدي استمرار سيطرة الحوثيين على قطاع الاتصالات بـ "الوضع الحالي الصعب في المناطق المحررة، وشحة الموارد وعدم وجود دعم يساندنا كوزارة في إحداث نقلة نوعية".

ويتابع، "بمقابل ذلك، قامت الوزارة بإجراءات كبيرة ساعدت في نقل بعض القطاعات، والعمل جاري لاستكمال باقيها"، مشيراً إلى أنًّ "العمل يسير ببطئ نتيجة الظروف المذكورة".

وفي سبتمبر 2018، دشَّن وزير الاتصالات اليمني السابق، لطفي باشريف، شركة "عدن نت" للاتصالات، وهي شركة قطاع خاص تقدَّم خدمة الجيل الرابع 4G من الانترنت لنسبة محدودة من سكان محافظة عدن.

وعلى الرغم من كونها مستقلة عن قطاع الاتصالات الذي يسيطر عليه الحوثيون، إلا أنَّ "عدن نت" لا تُشكل – وفقاً لخبراء – رقماً حقيقياً في سوق الاتصالات في الجنوب، حيث تهيمن شركات الاتصالات المُدارة من صنعاء على معظمه.

وتواجه عدن نت تُهماً بالفساد، كما تصاعدت شكاوى مستخدميها من التردي المتزايد للخدمة نظراً لتزايد عدد المستخدمين باستمرار مقابل ثبات قدرة الشركة عند المستوى نفسه، دون تطوير.

ودشنَّت شركة "بي فاست" الإعلانية حملة دعائية خلال الشهرين الأخيرين، للترويج للشركة الخليوية "واي تيليكوم"، المملوكة لرجل الأعمال المُقرب من الرئاسة اليمنية، أحمد العيسي، بنسبة 65%، بينما تتوزع باقي النسبة على شخصيات مُقربة من الرئيس اليمني هادي، يُعتقد أن أحدها نجله، جلال. [23]  

ومن المُفترض – بحسب هذه الإعلانات - أن تُقدَم هذه الشركة خدمة انترنت الجيل الرابع في محافظات حضرموت ومأرب وعدن كمرحلة أولى.

وتتهم شركة "واي" الخاضعة للحوثيين في صنعاء هذه الشركة المرتقبة بـ "السطو" على اسمها، ومحاولة استنساخها [24] ، فيما أكَّدت مصادر صحفية استقلالية "واي تيليكوم" في أنظمتها وبرامجها، وأرقام شرائحها. [25]  

وعن ملكية  شركة "واي تيليكوم"، أوضح وجدي السعدي إنَّها "تتبع بعض أصحاب رؤوس الأموال المحليين والمستثمرين العرب، وبالتالي هي تابعة للقطاع الخاص".

وفي مارس 2021، قالت وسائل إعلام حكومية إنَّ وزير الاتصالات بحكومة المناصفة اليمنية، نجيب العوج، ناقش مع المؤسسة العربية للاتصالات العربية "عرب سات"، "استكمال الترتيبات الفنية المتعلقة بتقديم خدمات الانترنت والاتصالات عبر الستالايت". [26]  

وأكَّد السعدي أنَّ وزارة الاتصالات "بدأت الكثير من التغييرات الكفيلة بإحداث تغيير ملموس سيسهم في القريب العاجل بإنشاء منظومة اتصالات مُتكاملة تُدار من المناطق المُحرّرة".

وحتَّى الآن، لا يبدو أنَّ الكثير سيتغير  فيما يخص هذا القطاع، وهو ما يعني استمرار استنزاف الحوثيين لموارده الضخمة، تزامناً مع تصعيد هجومهم على مدينة مأرب، آخر معقل للحكومة اليمنية في الشمال، مع تزايد التحديات الأمنية والعسكرية على الجنوب.

في هذا الوقت لا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدير عدن ومعظم محافظات جنوب اليمن، والشريك البارز في الحكومة، غائباً، على ما يبدو عن وضع استراتيجيات منافسة للاستثمار في هذا المجال الاستراتيجي، أو تغيير هذا الواقع، خصوصاً مع تزايد وتيرة عمليات الاغتيال والهجمات النوعية التي يتعرَّض لها أعضاؤه منذ سنوات.

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

الصورة: وزارة الاتصالات اليمنية، صنعاء (اندبندنت عربية) 

المراجع: 
[16] الجهاز المركزي للإحصاء، < كتاب الإحصاء السنوي 2017  

قطاع الاتصالات اليمني تيليمن يمن موبايل ام تي ان سبأفون واي عدن نت يمن نت الحوثيون الحكومة اليمنية المجلس الانتقالي الجنوبي